«الطارمية» تفجر الوضع الأمني مع اقتراب موعد «قمة بغداد»

الكاظمي ينفي سحب القوات... وتشكيل قوة من أبناء المنطقة لحمايتها

TT

«الطارمية» تفجر الوضع الأمني مع اقتراب موعد «قمة بغداد»

رغم استمرار الخروقات الأمنية في منطقة الطارمية شمال بغداد، واستمرار المواجهات بين قوات من «الحشد الشعبي» توجَد هناك ومجاميع من تنظيم «داعش»، فإن هجوم الأخير فجر أمس (السبت) على قوات الحشد كان الأخطر منذ شهور.
وطبقاً لبيانات حكومية وأخرى من الحشد الشعبي وثالثة من فصيل النجباء الذي ينتمي له ضحايا الهجوم، فإن هذا الهجوم أسفر عن مقتل 4 من الحشد، بينهم معاون آمر اللواء 12 إضافة إلى 8 جرحى من اللواء ذاته. من جهتها، أكدت قيادة العمليات المشتركة في بيان لها أن «الضحايا سقطوا في هجوم نفذه عناصر (داعش)، عبر إطلاق نار بواسطة قناص وانفجار عبوة ناسفة في منطقة ثائر الأولى في قضاء الطارمية شمال العاصمة بغداد»، بينما أكدت «هيئة الحشد الشعبي» أن الهجوم الذي تعرض له الفصيل التابع لها جاء إثر قيام الحشد بعملية أمنية، بهدف تطهير مناطق القضاء، وهي العملية التي دخلت أسبوعها الثاني.
وقالت الهيئة في بيان لها إن «هذه العملية تؤكد بما لا يقبل الشك أن الإرهاب لا يزال ينشط ويتحرك على تخوم العاصمة، وفي أخطر منطقة فاصلة بين بغداد وصلاح الدين والأنبار».
وكانت العمليات العسكرية التي قامت بها القوات العراقية في تلك المنطقة تهدف إلى تحييدها؛ سواء لجهة تأمين موسم عاشوراء، حيث إمكانية تنظيم هجمات على المواكب الحسينية، وكذلك تأمين قمة «الجوار الإقليمي»، التي تستعد بغداد لاستضافتها، أواخر الشهر الحالي. وفي وقت ترددت فيه أنباء من قبل الأطراف التي تقف بالضد من توجهات الكاظمي، سواء لجهة معالجة الملف الأمني، أو على الصعد السياسية؛ بأن الهجوم الذي وقع على مقاتلي (الحشد) جاء بعد قيام الكاظمي بسحب القوات المرابطة هناك، فإن مصدراً مقرباً من رئيس الوزراء، نفى أن يكون الكاظمي سحب القوات من تلك المناطق، فيما أبلغ مصدر سياسي «الشرق الأوسط» أن «الحكومة قررت تشكيل قوة من أهالي المنطقة ذاتها لغرض تأمين حمايتها»، مبيناً أن «هذا الإجراء اتخذ بعد قراءة واقعية لطبيعة تلك المنطقة، وكونها من المناطق الوعرة وكثيفة البساتين، الأمر الذي يجعل أي قوة من خارجها مهما كانت إمكانياتها لا تستطيع مسك الملف الأمني هناك بصورة صحيحة». وبين المصدر أن «تشكيل هذه القوة سوف يغلق الدعوات المضادة التي تطالب بحملة لتهجير أهالي الطارمية، بذريعة تعاون بعض أبناء المنطقة مع الإرهابيين، وهو ما ينذر بسيناريو مشابه لما حصل في منطقة جرف الصخر جنوبي بغداد قبل نحو 6 سنوات».
إلى ذلك، فجرت مفارز مكافحة المتفجرات في هيئة الحشد الشعبي خمسة منازل ومضافتين لتنظيم «داعش» في الطارمية. وقال بيان لإعلام الحشد إن «قوة من قيادة عمليات بغداد متمثلة باللواء 12 بالحشد الشعبي ومكافحة المتفجرات كشفت هذه المنازل التي نصبت ككمين للقوات التي تعمل لليوم الثامن على التوالي على تطهير قضاء الطارمية».
وأضاف البيان أن «مفارز المكافحة تولَّت تفجير تلك المنازل عن بُعد، ومن دون تسجيل أي خسائر».
وحول طبيعة الوضع الأمني في منطقة الطارمية، وعدم إيجاد حلول واقعية له، يقول الخبير الأمني الدكتور معتز محيي الدين رئيس المركز الجمهوري للدراسات الاستراتيجية لـ«الشرق الأوسط» إن «مسلحي (داعش) يجدون دائما ثغرات أمنية في هذه المنطقة القريبة من بغداد، وإن هذه العملية ليست الأولى هناك، بل سبقتها عدة عمليات كبيرة عام 2018 و2019 و2020، حيث قام المسلحون هناك بزرع عبوات وعمليات قتل ومهاجمة عجلات تابعة للشرطة الاتحادية والحشد الشعبي، حيث إن هؤلاء المسلحين يسيطرون على هذه المنطقة منذ فترة طويلة، ويعرفون كل تضاريسها».
وأضاف محيي الدين أن «المعالجات الأمنية من الواضح خالية من العمل الاستخباري، وبالتالي فإنها تعتمد على وجود القوات الأمنية، وهي في العادة قوات محدودة، وأحياناً لا تجد حتى هذه القوات العدو أمامها، وتنسحب إلى مقراتها، وترسل إشارات وتضع بعض السيطرات المتحركة تكون بعيدة عن هؤلاء المسلحين».
وأوضح محيي الدين أن «هذه المنطقة تنتشر فيها البساتين والمزارع ومناطق مستنقعات كبيرة جداً، فضلاً عن بحيرات الأسماك التي تحد من تقدم القوات الأمنية، بينما يتمكن مقاتلو (داعش) من التحرُّك فيها»، مبيناً أن «(داعش) لا سيما في الفترة الأخيرة بدأ يبحث عن مأوى في هذه المناطق، فأصبح عنصر (داعش) يأتي بسهولة إلى هذه المناطق، ويجد من يأويه، وبالتالي يضع الخطط اللازمة للقيام بعمليات، ومن ثم ينسحب إلى مناطق أخرى في محافظة صلاح الدين القريبة، خصوصاً القرى والأرياف».
ولفت إلى أن «دوائر الاستخبارات غالباً ما تكون عاجزة عن استطلاع هذه المناطق، لأن عملهم يكون في الغالب في الليل، وبالتالي فإن التكتيك الجديد الذي بدأ مسلحو (داعش) يستخدمونه هو الاقتراب من النقاط العسكرية، ومعرفة مدى قدرة هذه القوات على الرد، لا سيما أنها لا تتمتع بقدرات قتالية كبيرة، خصوصاً أن العمليات ليست مستمرة، وهو ما يجعلها تصاب بالملل والخدر أحياناً، وهو ما يستغله (داعش) لشن هجماته».



تشريع حوثي للتنصل من الالتزام برواتب الموظفين العموميين

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
TT

تشريع حوثي للتنصل من الالتزام برواتب الموظفين العموميين

عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)
عاملة في البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 8 سنوات من إيقاف رواتب الموظفين العموميين في مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها؛ أقرت الجماعة الحوثية تشريعاً خاصاً لدعم فاتورة الرواتب وحل مشكلة صغار المودعين، يقضي بالتنصل من الالتزامات المالية تجاه الموظفين، والتمييز بينهم في الحقوق المالية، وفرض جبايات وزيادات جديدة في رسوم الخدمات العامة.

وذكرت مصادر سياسية في صنعاء، أن البرلمان غير الشرعي الذي تسيطر عليه الجماعة الانقلابية أقر مشروع قانون، تقدمت به حكومتها غير المعترف بها، يقضي بتخلي المؤسسات العمومية عن واجباتها المالية تجاه الموظفين، وتخولها فرض إتاوات ومصادرة أموال من المؤسسات والجهات الإيرادية، محذرة من أن مشروع القانون يخلق تمييزاً خطيراً بين مختلف فئات الموظفين.

بوابة البنك المركزي اليمني في صنعاء الخاضع لسيطرة الجماعة الحوثية (أ.ف.ب)

ولم يستغرق تمرير القانون أكثر من 3 أيام، وهو ما دأبت عليه الجماعة خلال السنوات الأخيرة، حيث تُعد التشريعات وتقدمها إلى البرلمان غير الشرعي لإقرارها بصفتها إجراءات شكلية فقط لادعاء التزامها بالإجراءات الدستورية.

وحسب المذكرة الإيضاحية للقانون الحوثي، فإن الهدف من هذا التشريع المزمع لا يشمل الأجهزة الأمنية والعسكرية التي تسيطر عليها الجماعة، في حين يُعطي لأعضاء الحكومة والبرلمان و«مجلس الشورى» وأجهزة القضاء امتيازات مالية أفضل من موظفي باقي المؤسسات الذين سيجري تخفيض رواتبهم وحوافزهم.

وبمقتضى هذا القانون، سيجري فتح حساب خاص باسم وزارة المالية في «البنك المركزي» الخاضع للجماعة في صنعاء، يجري توريد إسهامات شهرية إليه من المؤسسات الإيرادية، وكل موارد «صندوق دعم المعلم والتعليم»، وما نسبته 20 في المائة من إجمالي النفقات والتعزيزات التي يتم صرفها من حساب حكومة الجماعة بشكل شهري، و10 في المائة من تكلفة نفقات البرامج الاستثمارية لوحدات القطاع الاقتصادي العام والهيئات والمصالح المستقلة شهرياً أو ربع سنوي، حسب تعليمات الوزير.

اليمنيون يواجهون أوضاعاً متدهورة في حين يُنفق الحوثيون على مقاتليهم بجمع تبرعات إجبارية (إعلام محلي)

ويقر القانون الحوثي لوزير مالية الجماعة بصلاحيات التحكم بإيرادات ومصروفات الحسابات، وفرض النسب الشهرية على القطاعات الاقتصادية والإيرادية، وسحبها من حساباتها مباشرة في البنوك الحكومية أو الخاصة.

ويوزّع القانون الحوثي الموظفين المستحقين للرواتب إلى ثلاث فئات، تتقاضى الفئة الأولى راتباً كاملاً شهرياً، وهي الفئة التي تتطلّب طبيعة عملها ذلك، ومنها خصوصاً ما يُسمى مجلسا «النواب» و«الشورى» وأجهزة السلطة القضائية، في حين تحصل الفئة الثانية على نصف راتب شهري بصفته حداً أدنى، أما الفئة الثالثة فتحصل على نصف راتب كل ثلاثة أشهر.

وبينما منح القانون وزير مالية الجماعة صلاحية إصدار قرارات بتوزيع هذه الفئات حسب رغبته، رأت مصادر قانونية تحدثت لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التقسيم «سيخضع لاعتبارات طائفية ومناطقية، إلى جانب منح الامتيازات للمقربين من الجماعة».

ومن الجهات الإيرادية التي سيجري الاعتماد عليها في تسديد رواتب الموظفين «صندوق المعلم»، الذي أنشأته الجماعة، وفرضت من خلاله الإتاوات للحصول على إيرادات بحجة تسديد رواتب المعلمين.

لا يزال اليمن من أسوأ البلاد التي تواجه الأزمات الإنسانية في العالم (إعلام محلي)

وعلى الرغم من مضي 4 سنوات منذ إنشاء الصندوق، ما يزال المعلمون دون رواتب، واضطروا منذ بدء العام الدراسي الماضي إلى الإضراب للمطالبة بها.

ويفرض القانون زيادة الجبايات المفروضة على الخدمات الحكومية، مثل: رسوم المؤسسات الطبية والاتصالات، والرسوم الحكومية، واستصدار الوثائق والبيانات؛ لتغطية إيرادات الجهات الإيرادية التي ستتكفل بتغذية حساب وزارة المالية الخاص بالرواتب.

وتوقعت المصادر القانونية أن يكون هذا القانون «وسيلة من وسائل الجماعة الحوثية للتعامل مع أزمة المحالين إلى التقاعد التي تتوقع ظهورها في الأيام المقبلة، بصفتها جزءاً من برنامج حكومتها التي تسميها حكومة التغيير والبناء، والتي جرى تشكيلها في أغسطس (آب) الماضي، وتهربت في برنامجها من الالتزام بسداد رواتب الموظفين العموميين بشكل منتظم».

إحلال وشيك

وترجح مصادر سياسية وقانونية لـ«الشرق الأوسط» أن تعمل الجماعة الحوثية خلال الأشهر المقبلة على إحالة الآلاف من الموظفين العموميين إلى التقاعد، ضمن إجراءاتها لتغيير هيكل الجهاز الإداري للدولة، بدمج وتقليص عدد من المؤسسات والقطاعات العمومية؛ مما ينتج عنه التخلي عن الكثير من الوظائف وتسريح العاملين فيها.

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وجاء في برنامج الحكومة الحوثية غير المعترف بها، أنها تخطط «للتغلب على التحديات المتمثلة في التراجع الحاد في مستوى الإيرادات، وضغط النفقات العامة الذي أدى إلى تفاقم عجز الموازنة». وهي الموازنة العامة التي لا يُعرف مقدارها أو تفاصيلها، حيث تفرض الجماعة تعتيماً عليها، وتتهم كل من يتساءل أو يتحدث عنها بـ«الخيانة».

وأعلنت الحكومة الانقلابية في برنامجها نيتها لتعزيز ضريبة الدخل، والضريبة العامة على المبيعات، والرسوم الجمركية.

وإلى جانب ذلك، فإن القانون الحوثي يهدف إلى شرعنة إجراءات الجماعة في توظيف أتباعها وإلحاقهم بالجهاز الإداري للدولة، وتسريح الآلاف ممن نزحوا هرباً من ممارساتها أو رفضوا الانصياع لأوامرها وسياساتها.

ووصفت المصادر القانون الحوثي بأنه «تحايل على التزامات الدولة ومؤسساتها تجاه موظفيها، وتحويلها إلى ما يشبه المعونات والمساعدات، في حين أن الرواتب، وفق القوانين والدساتير حول العالم، هي ثوابت من مهام الدولة، ولها موارد محددة لا تخضع لأي إجراءات للتهرب منها، أو تبرير إيقافها».

وأضافت المصادر أن «الانتهاكات الحوثية لحقوق الموظفين العموميين بدأت بقرار منح الجهات الإيرادية صلاحية تغطية نفقاتها وصرف الحوافز لموظفيها حسب تلك الإيرادات، ووفقاً لرؤية القائمين عليها، في حين تم حرمان موظفي الجهات غير الإيرادية من رواتبهم»، مشيرة إلى تحجج الجماعة، عند اتخاذ هذا القرار، بالحرب ومزاعم تعرضها للحصار.

ويحول القرار الحوثي، حسب المصادر ذاتها، جهات الدولة الإيرادية إلى ما يشبه شركات القطاع الخاص، في حين الجهات غير الإيرادية أصبحت بمثابة جمعيات ومؤسسات تطوعية، مع فارق أن موظفي الجهات التطوعية يتقاضون ما يغطي نفقات تطوعهم، في حين ظل موظفو الجهات الحكومية أكثر من 8 سنوات دون رواتب.

اقرأ أيضاً

اقرأ أيضاً