مسرح «نعم» في الخليل يسبح عكس التيار.. و«خيل تايهة» تكرسه عربيا

شق طريقه في مدينة محافظة وفاز بالجائزة الكبرى لـ«مهرجان المسرح العربي»

فريق مسرح «نعم»
فريق مسرح «نعم»
TT

مسرح «نعم» في الخليل يسبح عكس التيار.. و«خيل تايهة» تكرسه عربيا

فريق مسرح «نعم»
فريق مسرح «نعم»

«نعم» هي الفرقة المسرحية التي اتخذت، على عكس عادة الفرق المسرحية الفلسطينية، مدينة الخليل مقرا لها، قبل سبعة أعوام، بمبادرة شبابية من الفنانين إيهاب زاهدة ورائد الشيوخي ومحمد الطيطي، إلا أنها اتخذت في بعض الأعمال، خاصة في البدايات، من مواضيع الطفل هدفا لها، مما يسهل عملها في المدينة المحافظة التي يختلف طابعها عن المدن الفلسطينية الأخرى.
ولعل هذا الأمر لا يبدو غريبا إذا ما علمنا أن رئيس بلدية الخليل ما بين عامي 1938 و1955 الشيخ محمد علي الجعبري، وكان من أبرز المقاومين للاحتلال وأصبح بعد عام 1967 رئيسا لمجلس أمناء كلية الشريعة في الخليل، رفض أن يعطي تصريحا لإقامة سينما في مدينة الخليل، فهو أراد أن تبقى المدينة «نقية من فساد أهل الفن، فهي بلد محافظ، وأهلها متدينون بطبعهم، وتضم في جنباتها قبر النبي إبراهيم (عليه السلام)».

* «خيل تايهة»
إلا أن تتويج مسرحية «خيل تايهة» لفرقة مسرح «نعم» بالجائزة الكبرى لـ«مهرجان المسرح العربي»، الذي اختتمت فعالياته قبل أشهر، في العاصمة المغربية الرباط، جعل للفرقة حضورها العربي، مما عزز من حضورها المحلي بطبيعة الحال.
وتنافست على الجائزة الكبرى للمهرجان (جائزة الشيخ سلطان القاسمي) تسعة عروض مسرحية من تسع دول عربية، على مدى أسبوع كامل، تابع خلاله جمهور المهرجان مسرحيات تعالج قضايا اجتماعية وفلسفية وسياسية مختلفة، إلى جانب سبعة عروض مسرحية أخرى تم تقديمها بموازاة المسرحيات المتنافسة في المسابقة الكبرى.
ولمسرحية «خيل تايهة»، وهي من تأليف الكاتب السوري عدنان العودة، بُعد فلسفي، إذ تدور حول طفلة بدوية تدعى «تايهة»، ابتلعتها دوامات من العاصفة الرملية أولا، وأبعدتها عن أهلها الأصليين، ثم أخذتها دوامة الحياة في رحلة واقعية، أسفرت عن حبّ وزواج لتنجب طفلة سمتها «خيل»، ففي يوم ولادتها لم تهدأ الخيل في القرية. وتنبأت عرافة القرية للبنت بأنها لن تعيش بعد الثلاثين، إذ قالت يومها «وجهك حجر وصوتك خضر ولن تكملي الثلاثين».. وعلى لسان العرافة، فإن وصية الزوج والد خيل الذي قتل غدرا أن يُرمى الحبل السري على سطح المدرسة، لأن «عمر المتعلم أطول من عمر الأمّي». والحكاية لفتاة بدوية في الريف السوري، تخرج للبحث عن مشط لأمها، وتلتهمها عاصفة قوية، وتدخلها في عوالم خيالية مجهولة، قبل أن يعثر عليها أحد وجهاء قرية بعيدة، يقرّر التكفّل بها وتربيتها.
ومن المقرر أن تفتتح «خيل تايهة» الدورة المقبلة من «مهرجان المسرح العربي»، وفق ما أعلن الأمين العام المساعد لقطاع الفنون في الكويت محمد العسعوسي، خلال الحفل، كاشفا أن العاصمة الكويتية تحتضنها في يناير (كانون الثاني) 2016.
والمسرحية التي تقوم ببطولتها ريم تلحمي، ورائد الشيوخي، ومحمد الطيطي، وياسمين همار، وحنين طربيه، تعد من أصعب المسرحيات، حيث إن جميع الممثلين على خشبة المسرح في حالة تعرّ وكشف لما في دواخلهم. وهي لا تخلو من مصارحات لا حدود لها، كانت أشبه بالبوح أمام الجماهير، الذين كان كل منهم، خلال العروض التي اقتربت من العشرين في الخليل ومدن الضفة الغربية بما فيها القدس، كأنه مرآة. وتميز بعض الممثلين بلعب أكثر من شخصية، فلا شخوص ثابتة مرتبطة بممثل بعينه، فلكل منهم دور جديد في كل فصل، وإن كان من دون تغيير في الملابس والديكور. وهي المرة الأولى لمسرح «نعم» التي ينتج فيها عملا مسرحيا يضم فنانين من خارج الخليل، بل وحتى من خارج فريق مسرح «نعم» نفسه، لتقدم رسالة مفادها أنه «لا نبوءات مقدسة».

* عكس التيار
واستطاعت فرقة «نعم» السباحة عكس التيار، والصمود بشكل أو بآخر. يقول الفنان إيهاب زاهدة «نحن نعكس في أعمالنا ليس تجاربنا الشخصية وحدها، بل ثقافة مدينة الخليل. ففي مسرحية (3 في 1) سلطنا الضوء على مشكلات الفلسطيني في الخليل، ومن بينها الصعوبات التي تواجه الفنانين في المدينة المحافظة التي تعاني الاحتلال والاستيطان»، لافتا إلى أن «خيار أن تكون ممثلا في الخليل خيار صعب، لأسباب عدة، بينها العادات والتقاليد، وغياب الحياة الثقافية والفنية عن المدينة. نحن نعمل ما بين القيود المجتمعية، وما بين انتهاكات يمارسها جنود الاحتلال والمستوطنون المتطرفون يوميا، وهذا ما عملنا على عكسه في المسرحية التي تجولت في كثير من المدن الفلسطينية». ويرى القائمون على مسرح «نعم» أنه لم يكن وليد عام 2008، فالقائمون على هذا الصرح يعملون في مجالي المسرح والدراما منذ عام 1997، من خلال عملهم المتواصل في مؤسسة «أيام المسرح»، ولأن الأخيرة قررت الانسحاب من مدينة الخليل عملا بسياستها التي تقضي بتأهيل طواقم مسرحية كفؤة تستطيع الاعتماد على ذاتها في إدارة مؤسسات مسرحية وفنية جديدة، فقد قرر طاقم الخليل الاستمرار في عمله تحت اسم جديد هو مسرح «نعم»، ومنذ ذلك اليوم قدم مسرحيات عدة.

* المسرح وجمهور الخليل
يؤمن زاهدة والشيوخي والطيطي بأن «المسرح فن راق يستخدم اللعب ولعب الأدوار لتنمية مهاراتنا ومهارات أطفالنا على المستويات كافة». وبحسب زاهدة فإنه «أدى دورا رئيسيا في النقد والتطوير والتغيير نحو الأفضل على مر العصور، ولذلك انبعثت فكرة المسرح في الخليل بشكل خاص، فهو نشاط ترفيهي وتربوي بالدرجة الأولى، وهو يمزج الخيال بالواقع ليقود المشاهد إلى العيش في عالم من الخيال الذي يكون مصدرا للإبداع في المستقبل، ففي المسرح يقوم المشاهدون بتفريغ طاقاتهم وقول وفعل ما لا يستطيعون قوله أو فعله في حياتهم العادية، في البيت والمدرسة والشارع. المشاهد في المسرح يضحك ويبكي ويحلم ويصرخ ويغضب، ويعبّر عن كيانه بكل ثقة وجرأة.. في المسرح يتعلّم المشاهد احترام الآخر والاستماع إليه، وتترسّخ داخله القيم الأصيلة من خلال طرح آرائه وأفكاره ومشكلاته وأحلامه وأمنياته وطموحاته بأسلوب عفوي بسيط بعيد عن فلسفة الأشياء وتعقيدها. لذلك كله كان مسرح (نعم)».
وقال زاهدة «كثير من الفنانين الفلسطينيين، وبخاصة في الخليل، يتركون الفن ليزاولوا مهنة أخرى حتى يستطيعوا توفير لقمة العيش، فالفنان مواطن عادي يتأثر بهموم وطنه على جميع الصعد، ومنها الاقتصادية، ولا ينسلخ أبدًا عن هموم شعبه، بل على العكس، يكون التأثير عليه أكبر. وكما أسلفت، ليس لدى الفنان الفلسطيني، وفي الخليل بشكل خاص، راعٍ لحقوقه. وهو يعاني من مشاكل كثيرة أبرزها عدم وجود جهة راعية، ونحن نعتمد على جهودنا الفردية في الدفاع عن حقوقنا، ولا ننكر أننا بحاجة ماسة وملحّة لتشكيل نقابة للعاملين في هذه المجالات من المهن، وهذا لا يقتصر على الفنانين في الخليل».
لكن زاهدة يتسلح بالأمل حين يؤكد أن جمهور الخليل «منذ بداية عملنا في مسرح (نعم)، جمهور متقدم ومتعدد، بالنسبة لما يمكن تسميته بالعلاقة الشائكة بين الجمهور والمسرح. نعم هناك علاقة شائكة، وهذا بسبب نفور الجمهور من بعض الأعمال المسرحية، لكننا لا نستطيع مواصلة لوم الجمهور فقط، وإنما هناك مسؤولية تقع على عاتق الفنان تتعلق بما يقدمه. فالموضوع الشائك هو ألا يقدم العمل المسرحي للمتفرج أي فائدة أو قيمة، أو أن يجد المتفرج في العمل المسرحي نمطا لا يختلف عن مسرحيات أخرى، أو أن يخاطب العمل المسرحي فئة بمستوى أعلى من مستوى الجمهور العادي، هذا كله عامل منفر للجمهور، الهدف هو تطوير المشاهد وجذبه، فالعمل الجميل لا يختلف عليه أحد، حيث يرفض زاهدة وصف الخليل بالمدينة المنفرة أو الطاردة للثقافة والفنون».
ويضيف «هذه ثقافة نمطية لا علاقة لها بمدينة الخليل، ومن يروج لها لم يزر الخليل.. لا ننكر أنه لا وجود لدور السينما والمسرح في الخليل، وأنه في وقت سابق كان ممنوعا، وهناك أشخاص يحولون دون وجود مسرح في الخليل.. هذه حقيقة، لكن علينا ألا نكون مجحفين بحق ثقافة الخليل وجمهور الخليل، فهو جمهور واع بشهادة العديد من الفنانين الذين قدموا عروضهم في المدينة. وباعتقادي أن العمل الفني الناجح يجب أن يعرض في الخليل، لأن الجمهور هناك يستطيع أن يصوب العمل ويكشف ضعفه ويتعامل مع الأمور بعفوية، فإذا كان هناك إسفاف بالعمل فسيصارحك الجمهور من دون مواربة، والخليل مدينة كبيرة فيها نسبة مرتفعة من الأطباء والمثقفين والمتعلمين». لكن زاهدة، ومن جانب آخر، يقول «لا شك في أن لكل عمل مسرحي محدداته، وهذا متعلق بالبيئة التي يعرض فيها. في الخليل، عدا عن إشكالية الفضاء المسرحي المجهز، يكون الفنان في حالة تحدّ، فعليه أن يجد المفردة المناسبة للحديث، وهو أول تحد يواجهه الفنان، خاصة بشأن كيفية التطرق للقضايا الحساسة، وبالتحديد الدينية، ومع كونه محددا فإن العمل حر بطرح تساؤلات، والتساؤل ليس حراما، وهذا مستوعب، ولكن ما هو غير مستوعب هو ما تحدثنا عنه، وأعني الشكل المنفر لطرح القضايا.. التحدي الثالث هو وجود العنصر النسائي. وعلى الرغم من ذلك، نجحنا في مسرح (نعم) في استقطاب عناصر نسائية، وتدريبهن على ورشات الدراما ومسرح الدمى، واستطعنا أن نقدم لأول مرة ثلاث فتيات ممثلات على المسرح في الخليل، وهي قفزة نوعية».



النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ
TT

النوبلية هان كانغ تطرح أسئلة لا نريد التفكير فيها

 هان كانغ
هان كانغ

في أغسطس (آب) الماضي، نشرت آن رايس دعوة للتمرد على تطبيق التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، تحذّر فيها من أن الصوابية السياسية (مصطلح يُستخدَم لوصف اللغة أو السياسات أو الإجراءات التي تهدف إلى تجنب الإساءة أو الحرمان لأفراد مجموعات معينة في المجتمع) ستجلب نهاية العالم الأدبي: حظر الكتب، والقضاء على المؤلفين، فضلاً عن أنها ستدخلنا في عصر جديد من الرقابة، وأعلنت رايس: «يتعين علينا أن ندافع عن الخيال باعتباره مساحة يمكن فيها استكشاف السلوكيات والأفكار المخالفة للقواعد»، وأضافت: «أعتقد أنه يتعين علينا أن نكون على استعداد للدفاع عن كل الذين يتعرضون للازدراء».

غلاف الترجمة الإنجليزية للرواية

وباعتباري من محبي الأدب «المخالف للقواعد»، فإنني لم أستطع تحديد سبب شعوري بأن منشورها كان أكثر إزعاجاً من صرخات المعركة المعتادة التي يُطلقها المصابون بالجنون من الصوابية السياسية، لكنني وجدت أخيراً الإجابة بعد قراءة رواية الكاتبة هان كانغ - نوبل للآداب، 2024-: «النباتية»، وهي: ماذا لو كان هؤلاء الذين يتم ازدراؤهم قادرين على الدفاع عن أنفسهم؟

إن كل التحذيرات الموجودة على الأرض لا يمكنها أن تُعِدّ القارئ للصدمات التي سيتعرض لها عند قراءة هذه الرواية التي تُعَدّ أول عمل مُترجَم لهذه الكاتبة الكورية في العالم الناطق باللغة الإنجليزية.

ففي البداية، قد تنظر إلى العنوان وتقرأ الجملة الأولى في الرواية التي تقول فيها الكاتبة: «قبل أن تتحول زوجتي نباتية، كنت أعتقد أنها شخص عادي تماماً في كل شيء»؛ إذ يبدو أن الزوج يعتقد أن الخطر الأكبر يتمثل في التحول إلى النظام الغذائي النباتي، لكن لا توجد نهاية للأهوال التي تتردد داخل هذه الرواية التي تؤكد على فكرة الموت بشكل رائع.

عندما استيقظت يونغ - هي (بطلة الرواية) ذات صباح من أحلام مضطربة، وجدت نفسها قد تحولت نباتية مروعة؛ إذ إن رواية هان القصيرة، المكونة من ثلاثة أجزاء، تتنقل بين الإثارة المنزلية والتحول والتأمل في حب النباتات، كما أنها تُروى من وجهات نظر زوجها، الذي يعمل في مكتب (وهو ما يظهر في الجزء الأول)، وصهرها المهووس، وهو فنان (يظهر في الجزء الثاني)، وشقيقتها الكبرى المثقلة بالأعباء، والتي تدير متجراً لمستحضرات التجميل (تظهر في الجزء الثالث).

وتتحدد هوية هذه الشخصيات الثلاث إلى حد كبير من خلال ما يفعلونه لكسب العيش، وفي حين توقفت يونغ - هي عن القيام بأي شيء تقريباً، فإنها تقول في إحدى لحظاتها النادرة من الحوار المباشر: «كان لدي حلم»، وهو تفسيرها الوحيد لتحولها إلى نظام أكل الخضراوات الذي اكتشفته حديثاً.

في البداية، قوبلت يونغ - هي بازدراء عابر من قِبل العائلة والأصدقاء؛ إذ صرَح أحد أصدقائها على العشاء بشكل عدواني قائلاً: «أكره أن أشارك وجبة مع شخص يعتبر أكل اللحوم أمراً مثيراً للاشمئزاز، لمجرد أن هذا هو شعوره الشخصي... ألا توافقني الرأي؟».

وسرعان ما يخلق شكل يونغ - هي الجسدي الآثار السلبية للغاية التي يخشاها المقربون منها: فقدان الوزن، والأرق، وانخفاض الرغبة الجنسية، والتخلي في نهاية المطاف عن تفاصيل الحياة «المتحضرة» اليومية.

إن هذه الرواية مليئة بكل أنواع التغذية القسرية والاعتداءات الجنسية واضطرابات الأكل، لكن هذه الأمور لا يتم ذكرها بالاسم في عالم هان، غير أن الأمر يظهر في الأحداث، فالتجمع العائلي الذي تتعرَّض فيه يونغ - هي للهجوم من قِبل والدها بسبب أكل اللحوم يتحول دوامة من الأذى الذاتي، ولم تكن هذه هي المرة الأخيرة التي ينتهك فيها رجل (أو هي نفسها) جسدها، لكن انتهاك العقل هو قضية مختلفة.

وتحتاج رواية «النباتية» إلى كل هذا العنف؛ لأنه يرتبط في عالم الكاتبة بالاحتياجات الجسدية: أكل اللحوم، وممارسة الجنس، أو حتى رعاية الآخرين، لكن التدخل الخارجي، من جانب العائلة والأصدقاء والأطباء، يعمل على تعديل واقع هذه الرواية، إلا أن جهودهم في النهاية تبدو ضعيفة مثل إنقاذ آن رايس لـ«المُحتقَرين».

إذن، مَن هو الضحية هنا؟

في هذه الرواية، نشاهد مقاطع قصيرة مكتوبة بخط مائل تصف أفكار يونغ - هي، والتي تتضمن مونولوجات داخلية تشبه المذكرات اليومية؛ إذ يبدأ أحد المقاطع بالقول: «لا أستطيع أن أثق إلا في صدري الآن، أنا أحب صدري، فلا يمكن قتل أي شيء بواسطته، لكن اليد والقدم واللسان والنظرة، كلها أسلحة غير آمنة»، ثم تدخل في إدراك مفاجئ بأن شكلها القديم بات يتلاشى، وتتساءل: «لماذا أتغير هكذا؟ لماذا باتت أظافري حادة بهذا الشكل؟ ما الذي سأخدشه؟».

وفي بعض الأوقات، تحتاج لغة الدمار إلى تفاصيل حسية فقط مثل طائر يحتضر مختبئاً بداخل قبضة مشدودة، أو كيس نصف ممتلئ بالدم، أو زهور مرسومة على جسد عارٍ، أو رائحة لحم مشوي لا تُحتمَل.

وكانت رواية «النباتية»، التي نُشرت في كوريا الجنوبية عام 2007، وهي مستوحاة من قصة قصيرة للمؤلفة بعنوان «ثمرة امرأتي»، هي أول أعمال هان التي ستتحول فيلماً روائياً طويلاً (وقد صدر فيلم ثانٍ، مقتبس من قصة قصيرة أخرى، في عام 2011).

وتم الاحتفاء بالرواية باعتبارها «ذات رؤيا»، كما أنها نُشرَت في جميع أنحاء العالم، وكان حماس مترجمتها، ديبوراه سميث، هو الذي ساعد على تقديم «النباتية» إلى دور النشر في بريطانيا والولايات المتحدة. وقد تعلمت سميث اللغة الكورية منذ نحو ست سنوات فقط، وأتقنتها من خلال عملية ترجمة هذا الكتاب.

وتكمن الخطورة هنا في التركيز فقط على الجوانب الإثنوغرافية والاجتماعية، ففي بريطانيا، ظهرت رواية «النباتية» في قائمة أفضل الكتب مبيعاً في مؤسسة «ذا إيفيننج ستاندارد»، وقد حاول النقاد فهم مدى غرابة الرواية من خلال نسب ما فيها إلى الثقافة في كوريا الجنوبية.

وحاول النقاد البريطانيون التأكيد على أن اتباع النظام النباتي يعد أمراً مستحيلاً في كوريا الجنوبية، كما أنه من منظور النسوية الغربية المعاصرة يجب إدانة الرواية باعتبارها تجربة في «إذلال المرأة» أو «تعذيبها»، فهناك عالم كامل من الأدب خارج الدول الغربية لا يتناسب مع أسواقنا أو اتجاهاتنا.

ونجد أن تناول هان الرائع للاختيارات الشخصية والخضوع يتجلى في هذه الرواية، كما أن هناك شيئاً مميزاً آخر يتعلق بالأشكال الأدبية القصيرة، فهذه الرواية أقل من 200 صفحة.

وترتبط رواية «النباتية» بأعمال أدبية صغيرة متنوعة أخرى، مثل رواية «أقارب الدم» لسيردوين دوفي الصادرة عام 2007، ورواية «Bartleby, the Scrivener» لميلفي، فضلاً عن رواية الرعب الرائعة «البومة العمياء» للمؤلف الإيراني صادق هدايت الصادرة عام 1937 (كان هدايت نفسه نباتياً، وهناك مشاهد تظهر بانتظام في الرواية تتضمن المناظر التي يراها في كوابيسه، حيث يتم التعامل مع قتل الحيوانات باعتباره سبباً للجنون)، لكن في النهاية، كيف يمكن ألا نتذكر كافكا في وسط كل ذلك؟ فربما يكون كافكا النباتي الأكثر شهرة في تاريخ الأدب، ويبدو أنه تحدث ذات مرة إلى سمكة في حوض سمك قائلاً: «الآن أخيراً يمكنني أن أنظر إليك في سلام، لن آكلك بعد الآن».

ولكن قصة هان كانغ ليست قصة تحذيرية لآكلي اللحوم، وذلك بالنظر إلى أن رحلة يونغ - هي النباتية كانت بعيدة كل البُعد عن التوصل للسعادة؛ فالامتناع عن أكل الكائنات الحية لا يقود إلى التنوير، ومع انصراف يونغ - هي أكثر فأكثر عن الحياة، فإن مؤلفة الرواية تجعلنا نكافح للعثور على إجابة للسؤال عما إذا كان يتعين علينا أن نشجع بطلنا على البقاء أو الموت.

ومع هذا السؤال يأتي سؤال آخر، وهو السؤال النهائي الذي لا نريد أبداً التفكير فيه؛ إذ تسأل يونغ - هي في نهاية أحد أجزاء الرواية قائلة: «لماذا يعد الموت أمراً سيئاً إلى هذا الحد؟».

* خدمة «نيويورك تايمز». وبوروشيستا خاكبور هي مؤلفة أميركية - إيرانية ولها روايتان: «الأبناء والأشياء الأخرى القابلة للاشتعال» و«الوهم الأخير»