حظوظ تشكيل الحكومة تراوح بين ولادتها واعتذار ميقاتي

TT

حظوظ تشكيل الحكومة تراوح بين ولادتها واعتذار ميقاتي

كشف مصدر نيابي بارز أنه توصل إلى قناعة راسخة بأن تأخير تشكيل الحكومة الجديدة لا يعود إلى استمرار الخلاف حول تسمية الوزراء الذين سيتسلمون الحقائب بعد أن تم الاتفاق على توزيعهم الطائفي، وإنما إلى إصرار رئيس الجمهورية ميشال عون على الاحتفاظ بالثلث الضامن في الحكومة إذا لم يكن أكثر، وهذا ما يرفضه الرئيس المكلف نجيب ميقاتي ليس لأن التركيبة الوزارية تقوم على المحاصصة فحسب بل لأنها تحوّل الحكومة إلى مجموعة من الحكومات تفتقد إلى الحد الأدنى من الانسجام وتولد عاجزة عن إنقاذ البلد ووقف انهياره.
وأكد المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن عون بإصراره على الثلث الضامن أعاد مشاورات تأليف الحكومة إلى المربع الأول بخلاف الأجواء التفاؤلية التي يروّج لها الفريق السياسي المحسوب عليه في محاولة للإيحاء بأن التعطيل يكمن في مكان آخر، في إشارة إلى نادي رؤساء الحكومات السابقين ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
ولفت إلى أن التفاؤل الذي يروّج له الفريق المحسوب على عون ويتلقى تعليماته من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل سرعان ما يتهاوى بعد ساعات على انتهاء المشاورات التي تُعقد بين عون وميقاتي.
وفي هذا السياق كشف مصدر سياسي مواكب للعبة عض الأصابع في تشكيل الحكومة أن عون غمز من قناة ميقاتي لدى استقباله أول من أمس وفداً يمثل المزارعين ومصدّري الفواكه والخضار إلى الخارج باتهامه بأنه لا يريد تشكيل الحكومة في ردّه على مطالبته بالإسراع بتشكيلها لأنها تنقل البلد من التأزُّم إلى الانفراج.
ولاحظ أن عون أراد أن يحمّل ميقاتي مسؤولية حيال تشكيل الحكومة بالتلازم مع إيفاده المدير العام في القصر الجمهوري أنطوان شقير للقائه ناقلاً إليه نسخة معدّلة يعيد فيها توزيع بعض الحقائب واستبدال بعض أسماء الوزراء بخلاف ما كان اتفق معه في الجولة الحادية عشرة من المشاورات.
واعتبر المصدر السياسي أن إصرار عون على رمي كرة تأخير تشكيل الحكومة في حضن ميقاتي، يعود إلى أن رئيس الجمهورية أرسل عبر شقير إلى ميقاتي لائحة تتضمن أسماءً جديدة لم يسبق له أن طرحها في اجتماعهما الأخير، وتخالف ما تم التداول فيه. وأكد المصدر أن عون يخطئ إذا كان يعتقد أن ميقاتي سيخضع لحملات الابتزاز والتهويل ويبادر إلى التسليم بحكومة تأتي على قياس باسيل.
وأضاف أن عون يخطئ في تقديره لموقف ميقاتي الذي يرفض أن يكون شريكاً في تعطيل الحكومة خصوصاً أن أي تشكيلة وزارية يؤتى بها لتكون على قياس طموحات باسيل يعني أن الرئيس المكلف وافق على تجويف المبادرة الفرنسية من مضامينها، وهذا ما يرفضه ويتصدّى له وسيكون له الموقف المناسب في التوقيت الذي يختاره في ضوء قوله في مرات عدة بأن مهلة التأليف لن تبقى مفتوحة إلى ما لا نهاية.
وسأل ما إذا كان عون يريد فعلاً تشكيل حكومة مهمة طالما أنه يبدّل مواقفه ولا يصمد أمام ما يتفق عليه مع ميقاتي وإن كان يمهّد الطريق للتأسيس لمرحلة جديدة من مفاوضات التأليف يمكن البناء عليها لإخراجها من التأزُّم، وقال إن عون يصر على اختيار محازبين محسوبين على باسيل لشغل حقائب وزارية أساسية ومنها حقيبة الطاقة التي أخضعها الأخير لصالح تياره السياسي.
ورأى أن تأليف الحكومة وبقرار اتخذه عون يرتطم الآن بحائط مسدود ما لم يقرر سحب تصلّبه إفساحاً في المجال أمام اختيار وزراء يستعيدون ثقة اللبنانيين بالدولة ولديهم القدرة على مخاطبة المجتمع الدولي الذي يمتنع عن مساعدة لبنان ويشترط المجيء بحكومة إصلاحية قادرة غير الحكومات السابقة.
واعتبر المصدر نفسه أن ميقاتي الذي يصر على حكومة قادرة للتصالح مع المجتمع الدولي لن يبقى صامتاً، وهو كان بدأ يخفف من منسوب تفاؤله بالانتقال إلى التفاؤل الحذر لئلا يبيع اللبنانيين «أحلاماً وردية» فيما الضائقة المعيشية إلى ارتفاع، ويمكن أن تخرج ردود الفعل عن السيطرة، وقال إنه يمنح المشاورات الفرصة الأخيرة لعلها تخلق المناخ المؤدي إلى الإسراع بتشكيلها لكنها لن تكون مفتوحة.
وحذّر من هدر الفرصة الأخيرة لأن الآتي سيكون غير مسبوق في تاريخ لبنان حتى إبان الحرب الأهلية، وقال إن حظوظ التأليف تتوزّع حالياً مناصفة بين ولادة الحكومة وبين اعتذار ميقاتي عن تأليفها في ضوء انكبابه على تقويم الوضع لرسم خريطة الطريق لخياره الحاسم.
ويبقى السؤال: أين يقف «حزب الله» من الصعوبات التي يصطدم بها ميقاتي؟ وهل يكفي تأكيده على ضرورة تشكيلها من دون أن يستخدم كاسحة الألغام التي يتمتع بها لتعطيل القنابل السياسية التي يزرعها عون على طريق ولادتها؟ وإلا سيتعامل معه خصومه على أنه أقوى الشركاء في تأخير تشكيلها لأسباب إقليمية تناغماً مع موقف حليفه في إيران الذي لا يفصل الوضع في لبنان عن الإقليم المتأزّم.
لذلك فإن السباق بدأ على أشدّه بين التأليف والاعتذار وإن كان الخيار الأخير يتقدم على ما عداه من خيارات.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.