شاشة الناقد

Accidental Luxuriance of the Translucent Watery Rebus

****
إخراج: داليبور باريش
كرواتيا (2020)
أنيميشن | عروض مهرجان أنيسي للرسوم المتحركة
العنوان («الخصبة الصدفية للرموز المائية الشفّافة») ليس سهلاً سبر غوره لا منفصلاً عن الفيلم ولا بالبحث عن معناه داخل الفيلم. لكن الفيلم ليس كالعنوان…. بل أصعب.
نعم هو فيلم أنيميشن أخرجه الكرواتي داليبور باريش وكتبه وصممه وشكّله وألف موسيقاه وقام بتوليفه أيضاً. وهو الأول له في سينما الرسوم. ومن البداية لا بد من القول: لا أحد سواه حقق فيلماً كهذا أو يستطيع تحقيق فيلم يماثله. الفيلم بلا حكاية تنطلق من الألف إلى الياء، بل موضوع حكاية لا نراها إلا على تباعد بين ما يمكن تجاوزاً اعتباره أحداثاً. تصوّر أنك تقدم مشهداً لامرأة تتقدّم من الباب لترى من يطرقه. اللقطة التالية هي للمرأة وقد أصبحت داخل إطار ثابت بلا حركة. أو سيارة تتوقف على طريق في غابة. نرى السيارة بهيكلها الكامل، ثم بتفاصيل أجهزتها. أو جموع من الناس واللقطة التي تليها هي لرأس امرأة من الخلف ثم رسم لسيارة قديمة في إطار صغير داخل إطار الشاشة الكبير.
الفيلم من ساعتين وأكثر من ألف لقطة متداخلة (غالباً). لقطات بالأبيض والأسود وأخرى بألوان مختلفة وأخرى بلون واحد. حجم اللقطات يتنوّع بدوره: صغير جداً. صغير. متوسط. ملء الشاشة. بعضها مربّع. بعضها مستطيل وقليل منها دائري.
إنه فيلم تجريبي في فورمات الرسوم. واستخدام المخرج لنظام روتوسكوب يتيح له، فوق كل الثراء السابق في النظم والأساليب، مزج المرسوم فعلاً بالمرسوم نقلاً عن فيلم حي. روتوسكوب هو ذلك النظام الغرافيكي الذي يجعلك قادراً على استخلاص رسم من صورة حيّة. والمخرج لا يحاول إخفاء ذلك. ما يفعله عبر استخدام هذا النظام فريد من نوعه لم يُشاهد من قبل. يصوّر أشخاصاً وديكورات ثم يحرّكها وقد تخلّت عن حياتها وارتدت حياة فنية أخرى.
‫إلى ما سبق، ينوّع المخرج الأصوات: هناك تعليق صوتي وحوار وأصوات الحياة وموسيقى. واحد من الاستخدامات الصوتية المثيرة فناً وتنفيذاً هو أزيز مئات النحل ثم استخدام الصوت على مشهد لمظاهرات بدل أصوات المتظاهرين.‬
ليس إنه فيلم حركات بلا مضمون. هناك رجل ملاحق من قِبل البوليس ينضم إلى خلية من المعارضين تنضم إليها كذلك امرأة. يتداولان قبل اللقاء وبعده الحديث عن التكنولوجيا والإنسان والبيئة والحياة على الأرض ووجدانيات الحياة في الفضاء والذاكرة المنسية منها والحاضرة.
هذا كله جزء من كل لأنه من المستحيل الإمساك بناحية واحدة من الفيلم واعتبارها هي المفتاح الذي يكشف كل أسراره أو تحليل مضامينه بترتيب ما. ما هو عليه هو ألوف من الصور والرسومات والرموز تتلاطم على نحو لن يعرف سببه أو سرّه غير المخرج ذاته.
هناك مَشاهد تحيي غودار وذكر خاص لفيلم «مرايا» لأندريه تاركوفسكي، وإذا كنت شاهدت أفلام دزيغو فرتوف التجريبية ستجد ما يوحي بها هنا. «الخصية الصدفية للرموز المائية الشفافة» فيلم تجريبي وفيلم تجربة لعلاقة المخرج مع نصّه ورؤيته كما مع مشاهدين سيختلف وقع الفيلم ومعانيه من واحد لآخر.

Free Guy *
إخراج: شون ليفي
‫الولايات المتحدة | (2021)‬
كوميدي - فانتازي |
عروض: تجارية حول العالم
«غاي الحر» هو جزء من لعبة هوليوود المتكاثرة حول فانتازيا التكنولوجيات الحالية وفيه رحيق واضح من The Truman Show لبيتر وير (1998) وThe Edge of Tomorrow لدوغ ليمان (2014) من دون أن يصل إلى قيمة أي منهما. كذلك هناك استعارة واضحة من فيلم They Live لجون كاربنتر (1988) حول الرجل الذي يشاهد الحقيقة عندما يضع نظارة شمسية معيّنة. هنا يضع رينولدز نظارته ليفصل بين الواقع والخيال وكلاهما سيّان وبلا عمق يُذكر.
غاي هو اسم الدور الذي يؤديه رايان رينولدز. هو موظف في أحد المصارف. يستيقظ صباح كل يوم مبتسماً. يقبل السمكة في الحوض. يرتدي ثياب الخروج ويتناول الفطور ثم يتحدث مع رجل أمن المصرف ويلتقي بفتاة تثير قلبه بعدما كان يشكو من أنه لم يجد الفتاة التي تشغل حياته. لكنها تبرز له قبل أن ينهي حديثه متمثّلة بسوبر هيرو اسمها ميلي (جودي كومر). التعرّف عليها سيعني اكتشافه أنه ليس أكثر من شخصية في لعبة فيديو تُدار من بعيد. بالتالي هو غير موجود في الواقع، مما يضعه في ورطة قرار ويضعنا نحن في ورطة انتظار ما لا يحدث، مثل أن يتم استنباط شيء جديد في هذه الحبكة.
لا يمكن لفيلم شون ليفي (الذي لا يخرج أفلاماً بقدر ما يلعب بالمؤثرات فيها) أن يشوبه أي فن. نقاد أميركا الذين أعجبوا بالفيلم مدحوا المرح والترفيه وبعضهم ذكر بخجل أنه يفتقر إلى سياق منضبط كما لو أن هذا الافتقار بسيط الشأن. هناك حيوية في الفيلم لكنها كرتونية. إيقاع متسارع لكنه فوضوي وإخراج موجه للأولاد بلا مشهد واحد يستطيع أن يبقى في البال لأكثر من صباح اليوم التالي.
M‪.‬C‪.‬ Escher‪:‬ Journey to Infinity
***
إخراج: روبن لوتز
هولندا (2020)
تسجيلي | عرض خاص‬

بدأ تصوير الفيلم في 2018 وتم إنجازه في 2019 وعروضه المحدودة مع نهاية 2020 والأوسع في هذا العام. طوال هذه المرحلة جال بضع مهرجانات من دون جائزة كبيرة من أي منها باستثناء جائزة ثانية في عداد الأوسكار الهولندي. لكن الفيلم كان يستحق أكثر من ذلك في خانة التقدير: جيد في كافّة نواحيه الرئيسية، وهذه تشمل كيفية صنع فيلم فني عن فنان من دون السقوط في هوّة التكلّف.
الفنان هو موريتز كورنيليس إيشر الذي وُلد قبل عامين من بداية سنة 1900 وعاش حتى سنة 1972. عاصر صغيراً الحرب العالمية الأولى، وعاصر رجلاً الحرب العالمية الثانية. هذه الثانية أدت إلى نزوحه وزوجته الروسية من هولندا إلى سويسرا (قبل العودة إلى وطنه لاحقاً). يتحدّث عن النازية والهولوكوست. لكن الفيلم لا يركّز كثيراً على هذه المرحلة ربما لأنه استند إلى كتابات إيشر التي قد تكون مبتسرة بدورها.
غياب الإبحار في تلك المرحلة ليس مهمّآً لأن الفيلم قائم على استعرض حياة وفن مبدع ترك تأثيره علي ولو بعد مرور معظم سنوات حياته. لم يكن رسّاماً بل كان يستخدم في أعماله منحوتات مكعّبة على نحو أقرب لعلم «الجيومتري» منه للفن. لكن هذا القرب خلق أشكالاً تعبيرية خاصة. لاحقاً، بعد الحرب العالمية الثانية، زار قصر الحمراء في الأندلس واكتشف أن فنه الحسابي يلتقي بالفن العربي المعماري الأندلسي. للأسف لا يتوقف الفيلم طويلاً لشرح ذلك، لكن ما يعرضه في هذا المضمار يعرفنا أكثر على الأسلوب الخاص بالفنان الذي أُهمل طويلاً حتى بلغ السبعين من العمر قبل أن يٌقام له أول معرض فني وقبل أن يتجه إليه مايك جاغر، رئيس فرقة «ذا رولينغ ستونز» المعروفة لكي يصمم له غلاف أحد ألبوماته.