الاتحاد الأوروبي يميل إلى التعامل بـ«واقعية» مع نظام «طالبان»

الدول الـ27 تسعى إلى سياسات تدرأ الإرهاب وتمنع تدفق موجات المهاجرين

أفغان يتجمعون أمام مطار كابل أمس في محاولة لمغادرة أفغانستان بعدما سيطرت «طالبان» على الحكم (رويترز)
أفغان يتجمعون أمام مطار كابل أمس في محاولة لمغادرة أفغانستان بعدما سيطرت «طالبان» على الحكم (رويترز)
TT

الاتحاد الأوروبي يميل إلى التعامل بـ«واقعية» مع نظام «طالبان»

أفغان يتجمعون أمام مطار كابل أمس في محاولة لمغادرة أفغانستان بعدما سيطرت «طالبان» على الحكم (رويترز)
أفغان يتجمعون أمام مطار كابل أمس في محاولة لمغادرة أفغانستان بعدما سيطرت «طالبان» على الحكم (رويترز)

ثمة قلق أوروبي جلي من تطورات الأوضاع في أفغانستان، يترافق مع تردد بشأن كيفية التعاطي مع «النظام الطالباني الجديد». لذا، سارع الأوروبيون الـ27 إلى عقد اجتماع افتراضي على مستوى وزراء الخارجية للنظر فيما يتعين القيام به وتنسيق المواقف. والثابت أن أولى أولوياتهم اليوم هي إنجاح عملية ترحيل الدبلوماسيين والمواطنين الأوروبيين عبر مطار كابل، وهو في الوقت الحاضر المخرج الوحيد من البلاد، ولكن أيضاً إخراج الأفغانيين والأفغانيات الذين عملوا في السنوات العشرين المنقضية مع الأوروبيين، إن في إطار الاتحاد الأوروبي أو مع دوله منفردة. وفيما يبدو أن حركة طالبان ملتزمة، حتى الآن، بترك عملية الخروج تجري من غير عوائق، أقله بالنسبة للغربيين، فإن أنظار هؤلاء، ومن بينهم الأوروبيون، تركز على 3 مسائل رئيسية متصلة: التعاطي السياسي مع النظام الجديد، والإرهاب، والهجرات.
وحقيقة الأمر أن الأوروبيين الذين لم يكتموا خيبتهم من سرعة انهيار نظام الرئيس أشرف غني، ونجاح مقاتلي «طالبان» في السير على المدن الرئيسية، بما فيها العاصمة كابل، من غير طلقة رصاص واحدة، لم يتأخروا في اتباع نهج «البراغماتية السياسية»، عبر الاعتراف السريع بالأمر الواقع الجديد؛ بمعنى اعتبار أن لا رجعة عنه، وأن «طالبان» ثبتت رجليها، وبالتالي يتعين التعامل معها. وبدا ذلك بوضوح في تصريحات مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي عقب اجتماع الثلاثاء، فقد قال جوزيب بوريل، بصريح العبارة، وبعيداً عن اللغة الدبلوماسية التي تلمح ولا تصرح، إن حركة طالبان «قد ربحت الحرب، لذا علينا أن نتحدث معهم من أجل الإسراع في إطلاق حوار ضروري غرضه تجنب كارثة إنسانية محتملة، وربما كارثة هجرات».
بالطبع، لا يعني كلام بوريل الاعتراف الرسمي بالنظام الجديد، ولكن الاستعداد للتعاطي معه بعد أن أصبح واقعاً. ويستبطن كلام المسؤول الأوروبي «تسليماً» بالتطورات الميدانية والسياسية، حيث إنه لا أحد اليوم -عبر العالم- في الوقت الذي تنسحب فيه القوات الأميركية والأطلسية والحليفة، بعد عشرين عاماً من الوجود، يخطط مجدداً لتدخل عسكري يقلب الوضع رأساً على عقب. ولعل الازدراء، داخلياً وخارجياً، الذي لاقته دعوة نائب الرئيس الأفغاني الذي أعلن أن الرئاسة تعود إليه دستورياً، بعد هرب أشرف غني، داعياً القادة العسكريين للتواصل معه، أبلغ تعبير عن الإذعان الغربي بأن «طالبان» هي السلطة الجديدة في أفغانستان.
ويبقى أن الأوروبيين لن يقدموا على خطوة الاعتراف الرسمي من غير قيد أو شرط. وكان هذا الجانب واضحاً في كلام بوريل. ويربط الأوروبيون إقدامهم على خطوة كهذه بـ«أداء» السلطات الجديدة، وليس بتصريحاتها، آخذين بعين الاعتبار تعاملها مع مسألة حقوق الإنسان والمرأة، ومنعها استقرار مجموعات إرهابية أجنبية مسلحة على أراضيها، وعدم تحولها إلى عامل يهدد الاستقرار، وأن تكون عملية الانتقال السياسي «سلمية»، وهو الشرط الذي شدد عليه وزير الخارجية الألماني هايكو ماس. كذلك نبه الأخير إلى ضرورة اليقظة بالنسبة لاحترام حركة طالبان لـ«المعايير الدولية» داخلياً وخارجياً. وخلاصة الأمر أن ما يسعى إليه الأوروبيون هو التوصل إلى تصور جماعي لكيفية التعاطي مع «طالبان». لكن الدول الـ27 تعي، بحسب مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، أنها «لا يمكن أن تتصرف بمعزل عما ستقوم به واشنطن، وذلك لأسباب واضحة». وعلى أي حال، تضيف هذه المصادر أن للأوروبيين والأميركيين وسائل ضغط سياسية ودبلوماسية (فرض العزلة)، واقتصادية (حرمانها من المساعدات)، قادرة على دفع «طالبان» إلى التصرف بحذر.
ويحتل ملف الإرهاب موقعاً متقدماً في اهتمامات الأوروبيين، ومخاوفهم من أن تتحول أفغانستان مجدداً إلى «ملاذ» يستضيف الإرهابيين ويؤمن لهم الحماية، وفق ما كان عليه وضع هذا البلد إبان حكم «طالبان» بين عامي 1996 و2001، حيث كان تنظيم القاعدة يسرح ويمرح على هواه. وبدا هذا التخوف بقوة إبان جلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت يوم الثلاثاء، وفي تصريحات المسؤولين الغربيين. وسبق للرئيس الفرنسي أن حذر، في الكلمة التي ألقاها ليل الثلاثاء، من هذا الأمر، كذلك فعل بوريل الذي قال إن «الحوار مع (طالبان) يجب أن يركز على الوسائل الكفيلة بمنع عودة (التنظيمات) الإرهابية الأجنبية إلى أفغانستان».
ويترافق هذا التخوف مع تخوف آخر هو أن يشكل انتصار حركة طالبان «نموذجاً» يحتذى به في أماكن أخرى، خصوصاً في منطقة الساحل، حيث توجد «القاعدة» و«داعش» وتنظيمات إرهابية أخرى، وحيث قرر الرئيس الفرنسي سحب ما يقارب نصف قواته المرابطة في المنطقة (5100 رجل)، في إطار ما يسمى «عملية برخان» المقرر أن يوضع حد لها نهاية العام الحالي. وفي رأي المحللين أن المقارنة بين الوضعين لا تستقيم، في ضوء أن فرنسا لن تسحب قواتها كافة، وهي تسعى لتوفير صيغة قتالية مختلفة، يلعب فيها الأوروبيون والأفارقة الخمسة (موريتانيا، ومالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وتشاد) دوراً متزايداً، بحيث لا يبقى الفرنسيون وحدهم في الواجهة.
ويبقى ملف الهجرات الأكثر إثارة للقلق بالنسبة للأوروبيين الذين يتخوفون من «تدفق» مئات الآلاف من الأفغانيين الراغبين في الهروب من بلادهم. وما شاهده المواطن الأوروبي العادي من تدافع وفوضى على أبواب مطار كابول وداخل حرمه من أناس مستعدين لتحمل كل المخاطر للهرب من حركة طالبان، كان بمثابة إنذار جدي لما يتعين عليهم توقعه. ومن هنا، كانت التحذيرات الألمانية والفرنسية، والأوروبية بشكل عام، والدعوة إلى استباق التدفقات بـ«مبادرة» وعد الرئيس الفرنسي بالتشاور بشأنها مع الأطراف الأوروبية الأخرى. والثابت اليوم أن سياسة «الحدود المفتوحة» التي اتبعتها ألمانيا في عامي 2015 و2016 لن تتكرر. وحتى قبل سقوط كابل، توقعت دراسة أعدتها المفوضية الأوروبية أن ما لا يقل عن نصف مليون شخص قد يهربون من أفغانستان، في حال عودة «طالبان»، بينما تشير دراسات أخرى إلى أعداد أكبر من ذلك بكثير.
وحتى اليوم، لم يوضح الرئيس الفرنسي ماكرون تفاصيل «مبادرته» التي يريدها جماعية تلتزم بها الدول الأوروبية كافة. ولكن الصفة الغالبة على مواقفها هي التشدد والرغبة في التواصل مع دول الممر، وهي الدول المحيطة بأفغانستان المرجح أن يتوجه إليها اللاجئون (باكستان، وإيران، وتركيا) من أجل دفعها إلى «تثبيت» اللاجئين على أراضيها، مقابل مساعدات أوروبية مختلفة.



أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
TT

أميركا وأوكرانيا تستعدان من جديد لتوقيع صفقة المعادن

صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)
صورة ملتقطة في 28 فبراير 2025 في العاصمة الأميركية واشنطن تظهر الرئيس الأميركي دونالد ترمب يرحب بنظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قبل اجتماعهما في البيت الأبيض (د.ب.أ)

قال 4 أشخاص مطلعين، الثلاثاء، إن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وأوكرانيا تخططان لتوقيع صفقة المعادن التي نوقشت كثيراً بعد اجتماع كارثي في ​​المكتب البيضاوي، يوم الجمعة، الذي تم فيه طرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من المبنى.

وقال 3 من المصادر إن ترمب أبلغ مستشاريه بأنه يريد الإعلان عن الاتفاق في خطابه أمام الكونغرس، مساء الثلاثاء، محذرين من أن الصفقة لم يتم توقيعها بعد، وأن الوضع قد يتغير.

تم تعليق الصفقة يوم الجمعة، بعد اجتماع مثير للجدل في المكتب البيضاوي بين ترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أسفر عن رحيل الزعيم الأوكراني السريع من البيت الأبيض. وكان زيلينسكي قد سافر إلى واشنطن لتوقيع الصفقة.

في ذلك الاجتماع، وبّخ ترمب ونائب الرئيس جي دي فانس زيلينسكي، وقالا له إن عليه أن يشكر الولايات المتحدة على دعمها بدلاً من طلب مساعدات إضافية أمام وسائل الإعلام الأميركية.

وقال ترمب: «أنت تغامر بنشوب حرب عالمية ثالثة».

وتحدث مسؤولون أميركيون في الأيام الأخيرة إلى مسؤولين في كييف بشأن توقيع صفقة المعادن على الرغم من الخلاف الذي حدث يوم الجمعة، وحثوا مستشاري زيلينسكي على إقناع الرئيس الأوكراني بالاعتذار علناً لترمب، وفقاً لأحد الأشخاص المطلعين على الأمر.

يوم الثلاثاء، نشر زيلينسكي، على موقع «إكس»، أن أوكرانيا مستعدة لتوقيع الصفقة، ووصف اجتماع المكتب البيضاوي بأنه «مؤسف».

وقال زيلينسكي، في منشوره: «اجتماعنا في واشنطن، في البيت الأبيض، يوم الجمعة، لم يسر بالطريقة التي كان من المفترض أن يكون عليها. أوكرانيا مستعدة للجلوس إلى طاولة المفاوضات في أقرب وقت ممكن لإحلال السلام الدائم».

ولم يتضح ما إذا كانت الصفقة قد تغيرت. ولم يتضمن الاتفاق، الذي كان من المقرر توقيعه الأسبوع الماضي، أي ضمانات أمنية صريحة لأوكرانيا، لكنه أعطى الولايات المتحدة حقّ الوصول إلى عائدات الموارد الطبيعية في أوكرانيا. كما نصّ الاتفاق على مساهمة الحكومة الأوكرانية بنسبة 50 في المائة من تحويل أي موارد طبيعية مملوكة للدولة إلى صندوق استثماري لإعادة الإعمار تديره الولايات المتحدة وأوكرانيا.

يوم الاثنين، أشار ترمب إلى أن إدارته لا تزال منفتحة على توقيع الاتفاق، وقال للصحافيين إن أوكرانيا «يجب أن تكون أكثر امتناناً».

وأضاف: «وقف هذا البلد (الولايات المتحدة) إلى جانبهم في السراء والضراء... قدمنا لهم أكثر بكثير مما قدمته أوروبا لهم، وكان يجب على أوروبا أن تقدم لهم أكثر مما قدمنا».