فعاليات فلسطينية متنوعة في «يوم الثقافة الوطنية» داخل فلسطين وخارجها

أحيوا الذكرى الـ74 لميلاد درويش في متحفه وحول ضريحه وعلى شبكات التواصل

لوحة لدرويش للكاتب والفنان محمود زايد - عبد ربه يسلم أبو أسعد جائزة محمود درويش للإبداع وإلى جانبه وزير الثقافة د. زياد ابو عمر
لوحة لدرويش للكاتب والفنان محمود زايد - عبد ربه يسلم أبو أسعد جائزة محمود درويش للإبداع وإلى جانبه وزير الثقافة د. زياد ابو عمر
TT

فعاليات فلسطينية متنوعة في «يوم الثقافة الوطنية» داخل فلسطين وخارجها

لوحة لدرويش للكاتب والفنان محمود زايد - عبد ربه يسلم أبو أسعد جائزة محمود درويش للإبداع وإلى جانبه وزير الثقافة د. زياد ابو عمر
لوحة لدرويش للكاتب والفنان محمود زايد - عبد ربه يسلم أبو أسعد جائزة محمود درويش للإبداع وإلى جانبه وزير الثقافة د. زياد ابو عمر

قرر العشرات من أصدقاء الشاعر الفلسطيني «الحاضر الغائب» محمود درويش، ومحبيه، إضاءة 74 شمعة أحاطت بصورة له، في المتحف الذي يحمل اسمه في مدينة رام الله، مساء 13 مارس (آذار) الحالي، ويصادف يوم مولد «لاعب النرد» الذي تحول بعد رحيله إلى «يوم الثقافة الوطنية» في فلسطين، في رسالة محبة عفوية إلى من كان ولا يزال «سلاح دمار شامل ضد الإحباط واليأس».

* جائزة درويش
وفي اليوم التالي، أعلنت كل من مؤسسة محمود درويش، ووزارة الثقافة الفلسطينية، وبلدية رام الله، عن الفائزين بجائزة محمود درويش للإبداع للعام 2015، والتي ذهبت إلى المخرج الفلسطيني هاني أبو أسعد، والكاتب والقاص السوري زكريا محمد.
وعبر أبو أسعد عن سعادته بالجائزة التي وصفها بأنها «الأغلى والأهم في حياته ومشواره السينمائي السابق والمقبل»، ليس فقط لأنها تحمل اسم الشاعر الكبير محمود درويش، الذي علمنا نحن الجيل الذي عاش إحباط ما بعد العدوان الإسرائيلي الصهيوني على بيروت، كيف ننتصر للإرادة والحياة والأمل في رائعته (مديح الظل العالي)، بل لأن جائزة الفنان في وطنه هي الأهم بالنسبة له على الإطلاق، مؤكدا على أن شعبا يكرم مبدعيه هو شعب حي يستحق التحرر من الاحتلال.
وفي كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه، زكي درويش، شقيق محمود، وعضو لجنة تحكيم الجائزة، وتسلم الجائزة بالنيابة عنه د. إبراهيم أبو هشهش، قال الأديب السوري زكريا تامر: ما يميز هذه الجائزة هو الذي جعلني أبتهج وأفخر بفوزي بها، لا سيما أنها تحمل اسم صديق مبدع اتصف بموهبته الفريدة وارتباطه بهموم أهله وقومه وأرضه، ووهبت أشعاره دماء جديدة لجسد هرم، ومن يظفر بمثل هذا التكريم يحق له أن يرحب به بوصفه تكريما للقصة القصيرة العربية، واعترافا بمنجزاتها، وتعبيرا عن مؤازرة المظلوم الفلسطيني للمظلوم السوري في نضاله للتخلص من كل أشكال الظلم، والقهر، والطغيان، والعبودية.
ومن أبرز الفعاليات، لمناسبة هذا اليوم، توجه وفد ثقافي فلسطيني إلى القاهرة، لتكريم النجم نور الشريف، تقديرا لدوره الكبير في دعم القضية الفلسطينية عبر جملة من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، وفق ما أفاد د. موسى أبو غربية، أمين سر اللجنة العليا للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية لـ«الشرق الأوسط».
وقبيل إعلان جائزة درويش، عرضت الكاتبة والفنانة زهيرة زقطان، لوحات مطرزة من وحي أشعاره، في بهو المتحف.

* داخل فلسطين وخارجها
ولم يقتصر الاحتفال بيوم الثقافة الوطنية الفلسطينية على مدينة رام الله، ففي بلدة كفر اللبد قرب مدينة طولكرم، أقيم الكثير من الفعاليات الثقافية والفنية الفلكلورية الطابع في غالبها. أما في العاصمة البلغارية صوفيا، فقد أقامت سفارة دولة فلسطين، حفلا ثقافيا، في إحدى قاعات قصر الثقافة البلغاري التي زينت بصور القدس وشعار وعلم دولة فلسطين بالإضافة إلى العلم البلغاري.
وتحدتث مايا تسينوفا مترجمة كتاب «لا بعد بعدك» عن الحياة الثقافية في فلسطين، وتناول موضوع الإرث الثقافي الفلسطيني ودوره في دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني، ثم قامت بتلاوة عدد من القصائد لشعراء معاصرين فلسطينيين باللغتين العربية والبلغارية، شاركها في ذلك أعضاء منتدى الثقافة العربية - محمود درويش، قبل أن تقوم بتقديم الطبعة الثانية باللغة البلغارية، وهي عبارة من مختارات من قصائد درويش، فيما تخلل الحفل فقرة موسيقية، كانت عبارة عن عزف على العود وأغنيات لعدد من الأغاني من كلمات الشاعر محمود درويش، وتميزت الطفلة منى شهابي بقراءتها لقصيدة «عابرون في كلام عابر».
وأحيى مجلس شرف قيادة المجموعات الحركية التابعة للمكتب الكشفي الحركي – شعبية عين الحلوة، والمنتسبة لجمعية الكشافة والمرشدات الفلسطينية – مفوضية صيدا، ومجموعة نبيلة بربر الكشفية والإرشادية، ذكرى مولد درويش «يوم الثقافة الوطنية الفلسطيني» برعاية سفارة دولة فلسطين في لبنان، وتنظيم ثانوية بيسان، وجمعية ناشط، بالكثير من الفقرات الثقافية والفنية في مركز معروف سعد الثقافي في صيدا، توج بفوز ليال صديق بجائزة المسابقة الشعرية التي أعلن عنها في الحفل.

* صفحات التواصل الاجتماعي
واشتعلت صفحات التواصل الاجتماعي، وخصوصا «فيسبوك» بصور وحكايات عن درويش ومعه من أصدقائه المقربين، وكان من أبرزهم الشاعر الفلسطيني غسان زقطان الذي نشر صورة جمعته بدرويش، وعمم قصيدة للشاعر خالد الجبور بعنوان «لم أقصد»، كتبها في ذكرى ميلاد درويش ولأجله. أما الروائي والقاص الفلسطيني محمود شقير، فكتب في صفحته على «فيسبوك»: «في عيد الثقافة الوطنية الذي يصادف عيد ميلاد الشاعر الكوني محمود درويش، لا يتورع الموت عن الحضور، فقد رحل الشاعر الناقد عبد الله رضوان، وقبل 4 سنوات، في مثل هذا اليوم، رحل أستاذ الأجيال، المثقف الناقد محمد البطراوي (أبو خالد). الرحمة لعبد الله رضوان، ولكل شهداء الثقافة الوطنية وشهودها، وكل التقدير للأحياء منهم ومنهن، الذين ما زالوا يحملون العبء ويواصلون المشوار».
وفيما قدم الكاتب والشاعر راسم المدهون، قصيدة عميقة ومؤثرة في آن بعنوان «الدرويش»، كان للفنان محمود زايد حضور لافت في هذا اليوم، برسم جميل ومعبر، فيما انتشر عبر موقع «يوتيوب»، ومنه إلى مواقع التواصل الاجتماعي فيديو مصور بطريقة الرسوم المتحركة لقصيدة لاعب النرد، بجودة عالية على مستوى التقنية والمعنى، في رؤية إخراجية شفافة لنسمة رشدي، وإشراف ميكالا هيلدرج وأحمد سقف الحيط، وإنتاج قسم تصميم الإعلام في كلية العلوم والفنون التطبيقية بالجامعة الأميركية بالقاهرة.

* بالأرقام
واستعرض مركز الإحصاء الفلسطيني واقع ثقافة الأسر والأفراد في فلسطين من واقع بيانات مسح الثقافة الأسري للعام 2014، وذلك بمناسبة يوم الثقافة الفلسطيني، مبينا أن نسبة الأسر الفلسطينية التي تقتني مكتبة بيتية بلغت 27 في المائة، وكانت النسبة في فلسطين بلغت 20.3 في المائة عام 2009، في حين لم تتجاوز نسبة من يقضون وقت فراغهم من الفلسطينيين في القراءة 5.3 في المائة، وبلغت نسبة الأفراد (10 سنوات فأكثر) الذين يستمعون للموسيقى في فلسطين 59.3 في المائة، في الضفة الغربية وقطاع غزة معا.



أنا والمعري ورسالة الغفران

تدشين نصب تذكاري لأبي العلاء عام 2023 في ضواحي العاصمة الفرنسية. وهو من إنجاز النحات السوري عاضم الباشا.
تدشين نصب تذكاري لأبي العلاء عام 2023 في ضواحي العاصمة الفرنسية. وهو من إنجاز النحات السوري عاضم الباشا.
TT

أنا والمعري ورسالة الغفران

تدشين نصب تذكاري لأبي العلاء عام 2023 في ضواحي العاصمة الفرنسية. وهو من إنجاز النحات السوري عاضم الباشا.
تدشين نصب تذكاري لأبي العلاء عام 2023 في ضواحي العاصمة الفرنسية. وهو من إنجاز النحات السوري عاضم الباشا.

في كتابي الأخير الصادر عن «دار المدى» بعنوان «العباقرة وتنوير الشعوب»، أزعم أني ارتفعت إلى مستوى المعري في رسالة الغفران. صدقوا أو لا تصدقوا، أنتم أحرار. لماذا كل هذه الفخفخة والمنفخة؟ لماذا كل هذه الغطرسة الفارغة؟ هذه ليست من شيمي وعاداتي. بل إن عاداتي العكس تماماً؛ أي التضاؤل والتصاغر إلى درجة الاضمحلال. وقد لامني على ذلك، برفق، سمير عطا الله يوماً ما. عاداتي المزمنة والمتواصلة هي أنني أختبئ وراء أساتذتي الكبار. ولكن هذه المرة أصابتني نوبة مفاجئة من جنون العظمة ولا أعرف لماذا. ولله في خلقه شؤون. وعلى ذكر رسالة الغفران، ينبغي العلم أنها ترجمت إلى الفرنسية عام 1984. وصدرت عن أشهر دار نشر باريسية: «غاليمار» في 320 صفحة. ولكن من يستطيع أن يشتريها: 150 يورو فقط. من يصدق ذلك؟ من يستطيع ترجمتها؟ حتى في العربية يصعب فهمها، فما بالك بالفرنسية. ينبغي أن نترجمها أولاً إلى العربية الحديثة قبل الفرنسية. ولكن لا يسعنا إلا أن نشكر المستشرق الفرنسي فانسان مونتيل على هذا الجهد الكبير والشاق العسير الذي بذله في نقل إحدى روائع أدبنا الكبرى إلى لغة موليير وفولتير. شكراً له وألف شكر. كيف استطاع تحقيق ذلك؟ معجزة حقيقية. والباحث المذكور أصبح اسمه الكامل فانسان منصور مونتيل عندما اعتنق الإسلام بعد أن أعجب به كل الإعجاب: ديناً وفلسفة وحضارة.

كان ديكارت يقول هذه العبارة اللافتة: الفيلسوف يتقدم مقنّعاً على مسرح التاريخ. بمعنى أنه لا يستطيع أن يكشف كل أوراقه دفعة واحدة، وإلا لكانوا قد ذبحوه حتى قبل أن يفتح فمه. إنه مجبر على أن يضع قناعاً على وجهه لكي يستطيع أن يُكمل مهمته على أفضل وجه ممكن، لكي يستطيع أن ينجز مؤلفاته وكشوفاته الكبرى قبل أن يقتلوه. وما هي مهمته في الحياة؟ تفكيك الأفكار التراثية الشعبوية الطاغية التي تتخذ صفة اليقينيات المطلقة التي لا تقبل النقاش. هل نعلم بأن المعري طبق هذه القاعدة حرفياً قبل ديكارت بسبعة قرون؟ وراء كل صفحة من صفحات رسالة الغفران تقريباً تبدو شخصية المعري مقنعة وماكرة إلى أقصى الحدود. إنه مجبر على الظهور بمظهر الإنسان المتدين التراثي التقليدي الذي لا تشوبه شائبة. ولكن خلف ذلك تكمن شخصيته الحقيقية. يكفي أن نقرأ ما بين السطور أو ما خلف السطور لكي ندرك ذلك. إنه يحلف بأغلظ الأيمان أنه مخلص كل الإخلاص للتصورات التراثية وملتزم بها كلياً. ولذلك ينبغي أن نقرأ رسالة الغفران قراءة مبطنة عميقة لكي نفهمها على حقيقتها. المعري أكثر مكراً مما نظن. تكاد تموت من الفرح والابتهاج، تكاد تنفجر من الضحك والانشراح، عندما تقرأ رسالة الغفران. لست بحاجة لأن تذهب إلى المسرح أو السينما لكي ترفّه عن نفسك. يكفي أن تقرأها. مسرحها أعظم وأكبر من كل المسارح العالمية. مسرحها العالم الآخر وجنة عرضها السماوات والأرض. إنك تسرح وتمرح في فضاءات شاسعة واسعة منتشرة على مد النظر. من هنا الطابع التحريري الهائل والإبداعي الخارق لرسالة الغفران.

تشعر بأنك أصبحت أكثر ذكاء عندما تقرأها، هذا إذا ما استطعت أن تصبر عليها حتى النهاية. ولهذا السبب قال عنها عباس محمود العقاد: «إن رسالة الغفران نمط وحدها في آدابنا العربية، وأسلوب شائق، ونسق ظريف في النقد والرواية. إنها فكرة لبقة لا نعلم أن أحداً سبق المعري إليها». هذا أقل ما يمكن أن يقال يا عملاق الفكر العربي. كان بإمكانك أن تقول أكثر بل كان يجب أن تقول أكثر. تأمل جيداً كيف يوزع المعري بكل مهارة واستمتاع، وأكاد أقول بكل خبث ودهاء، مشاهير العرب على الجنة والنار. يقول مثلاً:

«وينظر الشيخ في رياض الجنة فيرى قصرين منيفين فيقول في نفسه: لأبلغن هذين القصرين فأسأل لمن هما؟ فإذا قُرب إليهما رأى على أحدهما مكتوباً: هذا القصر لزُهير بن أبي سُلمى المُزني، وعلى الآخر: هذا القصر لعَبيد بن الأبرص الأسديّ، فيعجب من ذلك ويقول: هذان ماتا في الجاهلية ولكن رحمة ربنا وسعت كل شيء. فيسأل زهير: بم غُفر لك وقد كنت في زمان الفترة والناس هَمَلٌ لا يحسن منهم العمل؟ فيقول: كانت نفسي من الباطل نفوراً، فصادفت ملكاً غفوراً...

ثم ينصرف إلى عبيد فإذا هو قد أُعطي بقاء التأبيد، فيقول: السلام عليك يا أخا بني أسد. فيقول: وعليك السلام، وأهل الجنة أذكياء لا يخالطهم الأغبياء، لعلك تريد أن تسألني بم غُفر لي؟ فيقول: أجل وإن في ذلك لعجباً، أألفيت حُكماً للمغفرة موجباً، ولم يكن عن الرحمة محجباً؟ فيقول عبيد: أُخبرك أني دخلت الهاوية، وكنت قد قلت في الحياة:

من يسأل الناس يحرموه

وسائل الله لا يخيبُ

وسار هذا البيت في آفاق البلاد، فلم يزل يُنشَد ويخف عني العذاب حتى أطلقت من القيود والأصفاد، ثم كُرر إلى أن شملَتني الرحمة ببركة ذلك البيت، وإن الله لغفور رحيم.

فإذا سمع الشيخ - ثبت الله وطأته - ما قال ذانك الرجلان، طمع في سلامة كثير من أصناف الشعراء».

صفحات خالدة

أخيراً، ماذا نستنتج من كل هذه المهزلة، من كل هذه الفضيحة، من كل هذه التحفة العبقرية؟ نستنتج أن المعري استمتع كل الاستمتاع بتوزيع بعض المشاهير على الجنة وبعضهم الآخر على النار. ونستنتج أنه على الرغم من كل تظاهره بالوقار وصحة الاعتقاد لم يسلم من القيل والقال. على العكس، لقد شكوا فيه وكفّروه وزندقوه ومسحوا به الأرض مسحاً كما هو معلوم. وهذا يعني أن القناع الذي وضعه على وجهه لم يَدُم طويلاً ولم ينفعه شيئاً في نهاية المطاف. وهكذا حصل له ما سيحصل لديكارت من بعده بسبعة قرون. فهو الآخر كشف الأصوليون المسيحيون القناع اللاهوتي الكاثوليكي عن وجهه وكفّروه ووضعوا كتبه على لائحة الكتب المحرّمة أو الممنوع قراءتها. بل وقتله أحد الكهنة اللاهوتيين في السويد عن طريق دس السمّ له في القربان المقدّس، كما كشف أحد الباحثين الألمان. وهو اكتشاف انفجر مؤخراً كالقنبلة الموقوتة. ولكن بالله عليكم قولوا لي: من يستطيع أن يستشهد بمقولات شيوخنا القروسطيين التكفيريين في أي مؤتمر عالمي يُعقد عن الإسلام والفكر العربي؟ أتحدى أي مثقف عربي أن يتجرأ على ذلك. ولكن بإمكانك أن تُفحم الغرب كل الغرب بعبقرية شخص كأبي العلاء المعري. بإمكانك أن تفاخر العالم كله برسالة الغفران.