هايتي تكثف جهود الإنقاذ بعد الزلزال... وحصيلة الضحايا تتجاوز 700

توافد مساعدات أجنبية رغم التحديات الأمنية

أسرة تتناول الإفطار في موقع انهيار منزلها بهايتي أمس (أ.ب)
أسرة تتناول الإفطار في موقع انهيار منزلها بهايتي أمس (أ.ب)
TT

هايتي تكثف جهود الإنقاذ بعد الزلزال... وحصيلة الضحايا تتجاوز 700

أسرة تتناول الإفطار في موقع انهيار منزلها بهايتي أمس (أ.ب)
أسرة تتناول الإفطار في موقع انهيار منزلها بهايتي أمس (أ.ب)

تواصل فرق الإنقاذ بحثها في هايتي عن ناجين، غداة زلزال بلغت قوته 7.2 درجة وأسفر عن سقوط 700 قتيل على الأقل وأكثر من 1800 جريح في جنوب غربي الجزيرة، معيداً إلى الأذهان الذكريات المؤلمة للزلزال المدمر الذي وقع في 2010.
وضرب الزلزال هايتي السبت، على بُعد 12 كيلومتراً من مدينة سان لوي دو سود، التي تبعد بدورها 160 كلم عن العاصمة بور أو برنس، وفق المركز الأميركي لرصد الزلازل. وأدى الزلزال إلى انهيار كنائس ومحال ومنازل ومبانٍ علق مئات تحت أنقاضها، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية. وعمل السكان على انتشال جرحى عالقين تحت الأنقاض، في جهود أشاد بها الدفاع المدني، مؤكداً أن «عمليات التدخل الأولى (...) أتاحت سحب كثيرين من تحت الأنقاض». وجُرح أكثر من 1800 شخص في الزلزال، وتبذل المستشفيات القليلة في المناطق المتضررة جهوداً شاقة لتقديم الإسعافات.
وأعلن رئيس الوزراء، أرييل هنري، الذي توجه عبر المروحية إلى المناطق الأكثر تضرراً، حالة الطوارئ السبت لمدة شهر في المقاطعات الأربع المتضررة من الكارثة. وأرسلت وزارة الصحة موظفين وأدوية إلى جنوب غربي شبه الجزيرة، لكن الخدمات اللوجيستية العاجلة معرضة للخطر بسبب انعدام الأمن الذي تشهده هايتي منذ أشهر.
ويمر الطريق الوحيد الذي يربط العاصمة بالنصف الجنوبي من البلاد على امتداد أكثر من كيلومترين بقليل، في حي مارتيسان الفقير الذي تسيطر عليه عصابات مسلحة منذ أوائل يونيو (حزيران)، ما يعرقل التنقل الحر.
وقال رئيس الوزراء مساء السبت: «يجب أن تتمكن كل المساعدات من العبور».
في سياق متصل، أذن الرئيس الأميركي جو بايدن بتقديم دعم لهايتي عقب الزلزال المدمر. وقال مسؤول في البيت الأبيض طلب عدم نشر اسمه، إن بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس تلقيا إحاطة في شأن الزلزال من مستشار الأمن القومي جايك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن. وأضاف أن الرئيس أذن بمساعدة من الولايات المتحدة لهايتي، بإشراف مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية سامانثا باور، من دون تقديم أي تفاصيل إضافية. وكتب بايدن على «تويتر»: «في وقت يمثل تحدياً بالفعل لشعب هايتي، أشعر بالحزن بسبب الزلزال المدمر الذي وقع في سان لويس دو سود، هايتي». وأضاف «من خلال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، ندعم الجهود المبذولة لتقييم الأضرار ومساعدة جهود التعافي وإعادة البناء».
بدورها، أعلنت جمهورية الدومينيكان، المجاورة لهايتي والواقعة على الجزيرة نفسها، إرسال عشرة آلاف حصة غذائية عاجلة ومعدات طبية. كما عرضت المكسيك والبيرو والأرجنتين وتشيلي وفنزويلا المساعدة، وأرسلت الإكوادور فريقاً من 34 عنصر إطفاء للمشاركة في عمليات البحث. وأكد رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز للهايتيين أن بإمكانهم «الاعتماد على مساعدة إسبانيا».
وجهز الأطباء الكوبيون، البالغ عددهم 253 والموجودون في البلاد للمساعدة في مكافحة جائحة (كوفيد - 19) مستشفى في بور أو برنس لاستقبال الجرحى. كما أعلنت لاعبة التنس اليابانية نعومي أوساكا، المولودة لأب هايتي، منح جميع إيراداتها التي ستحصل عليها في بطولة قادمة لضحايا الزلزال. وكتبت في تغريدة: «هذا الدمار مؤلم حقاً».
عند الساحل الجنوبي لهايتي، انهار فندق «لو منغييه» الذي يتألف من طبقات عدة بالكامل في لاس - كايس، ثالث أكبر مدينة في البلاد. وانتُشِلت جثة مالك الفندق، العضو السابق في مجلس الشيوخ بهايتي غابرييل فورتوني، من تحت الأنقاض بحسب شهود. وأكد رئيس الوزراء وفاته في وقت لاحق.
وشعر سكان مجمل البلاد بالزلزال. وتعرضت مدينة جيريمي، التي يقطنها أكثر من مائتي ألف نسمة عند الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة، لأضرار كبيرة في وسطها المكون بصورة أساسية من منازل ذات طبقة واحدة.
وقال جوب جوزيف، أحد سكان جيريمي: «سقط سقف الكاتدرائية. الشارع الرئيسي مغلق».
وقالت كريستيلا سان هيلير (21 عاماً) التي تقطن قرب مركز الزلزال: «كنت داخل منزلي عندما بدأ يهتز، كنت قرب النافذة ورأيت كافة الأشياء تتساقط»، مشيرة إلى أن «قطعة من الحائط سقطت على ظهري لكني لم أصب بجروح خطرة».
صور شهود ركام العديد من المباني الأسمنتية، بينها كنيسة يبدو أنها كانت تشهد احتفالاً دينياً صباح السبت في منطقة تبعد 200 كلم جنوب غربي بور أو برانس. ولا يزال أفقر بلد في القارة الأميركية يذكر زلزال 12 يناير (كانون الثاني) 2010 الذي دمر العاصمة والعديد من المدن.
وقُتل حينذاك أكثر من مائتي ألف شخص وجرح أكثر من 300 ألف آخرين، فضلاً عن تشريد مليون ونصف مليون من السكان. وبعد أكثر من عشر سنوات على هذا الزلزال المدمر، لم تتمكن هايتي الغارقة في أزمة اجتماعية سياسية حادة، من مواجهة تحدي إعادة الإعمار.



تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

تبديل على رأس «الناتو»... لكن لا تغيير متوقعاً في عمل الحلف

جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
جنود مشاركون بمناورات لـ«الناتو» في لاتفيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

يتولى رئيس الوزراء الهولندي السابق، مارك روته، الثلاثاء، قيادة «حلف شمال الأطلسي (ناتو)»، لكن التناوب على رأس أكبر حلف عسكري في العالم لا يعني أنه سيكون بالإمكان إحداث تغيير جذري في عمله.

وقال إيان ليسر، من معهد «جيرمان مارشال فاند» للدراسات في بروكسل: «في (حلف الأطلسي) يتقرر كل شيء؛ كل شيء على الإطلاق، من أتفه الأمور إلى أكثرها استراتيجية، بالإجماع... وبالطبع؛ فإن مدى الاحتمالات المتاحة للأمناء العامين لإحداث تغيير في العمق في عمل (حلف الأطلسي)، يبقى محدوداً جداً».

ويعمل الأمين العام «في الكواليس» من أجل بلورة القرارات التي يتعين لاحقاً أن توافق عليها الدول الأعضاء الـ32.

وأوضح جامي شيا، المتحدث السابق باسم «الحلف» والباحث لدى معهد «تشاتام هاوس» البريطاني للدراسات، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، أن الأمين العام «لديه سلطة تحديد الأجندة، وهو الذي يترأس (مجلس شمال الأطلسي)؛ الهيئة السياسية للقرار في (الحلف)». لكنه لا يمسك وحده بقرار الدخول في حرب، وليس بالتأكيد من يضغط على الزر النووي، فهاتان من صلاحيات الدول الأعضاء؛ على رأسها الولايات المتحدة.

وهذا لا يعني أن قائد «الحلف» لا يملك نفوذاً.

وأشار إيان ليسر في هذا الصدد إلى أن الأمين العام الأسبق، جورج روبرتسون، كان له دور مهم في تفعيل «المادة5» بعد اعتداءات «11 سبتمبر (أيلول) 2001» على الولايات المتحدة.

ستولتنبرغ مع روته بالمقر الرئيسي لـ«الناتو» في بروكسل يوم 17 أبريل 2024 (رويترز)

وتنص «المادة5» من ميثاق «الناتو» على أن أي هجوم على دولة عضو «سيعدّ هجوماً على كل الأعضاء»، تحت عنوان: «الدفاع الجماعي». وجرى تفعيلها مرة واحدة في كل تاريخ «الحلف» لمصلحة الولايات المتحدة ولو رمزياً.

كما أن شخصية الأمين العام الجديد سيكون لها دور، وهذا ما يثير ترقباً حيال مارك روته بعد 10 سنوات من قيادة رئيس الوزراء النرويجي السابق ينس ستولتنبرغ.

فهل يعمل على ترك بصماته منذ وصوله، أم ينتظر ولاية ثانية محتملة؟

وقال شيا إن الأمناء العامين «يميلون عند وصولهم إلى أن يكونوا مرشحي الاستمرارية، لكن إذا بقوا بعض الوقت، فهم بالطبع يزدادون ثقة».

قيادة المساعدات

ودفع ستولتنبرغ «الحلف» باتجاه تقديم دعم متصاعد لأوكرانيا، لا سيما بعد غزو روسيا أراضيها في فبراير (شباط) 2022. وطرح تقديم مساعدة سنوية لا تقل عن 40 مليار دولار لأوكرانيا، وحصل على التزام من الدول الحليفة في هذا الصدد. كما حصل على صلاحية أن يتولى «الحلف» القيادة الكاملة لعمليات تسليم المساعدات العسكرية الغربية.

زعماء «الناتو» خلال انعقاد قمتهم في واشنطن يوم 9 يوليو 2024 (د.ب.أ)

يبقى أنه في زمن الحرب، تكون لوحدة الصف والاستمرارية الأفضلية على كل الحسابات الأخرى؛ مما لا يشجع على أي تغيير.

وقال دبلوماسي في «حلف الأطلسي»، طالباً عدم الكشف عن اسمه: «في ظل وضع جيوسياسي بمثل هذه الصعوبة، من المهم للغاية الحفاظ على الاستمرارية وعلى التوجه ذاته في السياسة الخارجية والأمنية».

يبقى أن الجميع في أروقة مقر «الحلف» في بروكسل ينتظرون من روته أسلوباً جديداً في الإدارة يكون «جامعاً أكثر بقليل»، بعد عقد من قيادة «نرويجية» مارسها سلفه «عمودياً»، وفق ما لفت دبلوماسي آخر في «الحلف».

ومارك روته من معتادي أروقة «حلف الأطلسي» و«الاتحاد الأوروبي» بعدما قضى 14 عاماً على رأس الحكومة الهولندية.

وهذا ما يجعل الجميع يراهن عليه بصورة خاصة لتعزيز التنسيق بين «حلف الأطلسي» والتكتل الأوروبي، في وقت يؤدي فيه «الاتحاد» دوراً متصاعداً في المسائل الأمنية.

وهذا الملف معلق بسبب الخلافات بين تركيا؛ العضو في «الحلف» من غير أن تكون عضواً في «الاتحاد الأوروبي»، واليونان حول مسألة قبرص.

وفي حال عاد دونالد ترمب إلى البيت الأبيض بعد الانتخابات الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن الدول الحليفة تعول على مهارات روته مفاوضاً من أجل الحفاظ على وحدة «الحلف».

ورفض ستولتنبرغ إسداء أي نصيحة إلى روته في العلن، مكتفياً بالقول إنه سيكون «ممتازاً». لكنه لخص بجملة ما يتوقعه الجميع من الأمين العام لـ«الحلف» بالقول: «ستكون مهمته الكبرى بالطبع إبقاء جميع الحلفاء الـ32 معاً».