رسالة رئيس الجمهورية «ضلّت طريقها» إلى البرلمان

مصدر نيابي يؤكد أن مجلس النواب لن يغطي المس بالاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان

TT

رسالة رئيس الجمهورية «ضلّت طريقها» إلى البرلمان

فيما يتدحرج الوضع في لبنان نحو الأسوأ، تأتي المجزرة التي ضربت بلدة التليل العكارية، وهي ثاني أكبر مجزرة حلت به بعد الزلزال الذي هزّ بيروت من جراء انفجار المرفأ، لتؤكد أن المنظومة الحاكمة تغرق في غيبوبة قاتلة أفقدتها القدرة على منع انهياره الذي ينذر باقترابه من الانفجار الشامل، من دون أن تأبه للتقارير الواردة إليها من قادة المؤسسات العسكرية والأمنية التي تحذّر من تفلّت الوضع، ما لم يتم الإفراج عن تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد لأنه لا يمكن الاستعاضة عن الحلول السياسية بحلول أمنية؛ خصوصاً أن ارتفاع منسوب التأزُّم قد يفقدها السيطرة على الوضع وتكون مضطرة للالتفات إلى القوى الأمنية للحفاظ على تماسكها وانضباطها.
وبرغم أن تقارير قادة هذه المؤسسات تصل تباعاً إلى أركان المنظومة الحاكمة، وأحياناً يومياً، فإنهم لا يحركون ساكناً ويكتفون بدعوة المجلس الأعلى للدفاع للاجتماع من حين لآخر، من دون أن يتمكن من السيطرة على الوضع وقطع الطريق على إغراق البلد في مسلسل من الفوضى غير المسبوقة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية غربية أن معظم السفراء يحثُّون رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي على ضرورة الخروج من لعبة كسب الوقت ويلحّون عليه بوقف رمي مسؤولية التعطيل على الآخرين. وسأل هؤلاء السفراء كيف أن عون يوفّق بين حديثه عن الأجواء الإيجابية التي تسود مشاورات تأليف الحكومة مع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي وبين إصراره على استحضار مادة خلافية بدعوته مجلس الوزراء للاجتماع لاتخاذ ما يلزم من قرارات «تأديبية» ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على خلفية امتناعه عن استخدام ما تبقى من الاحتياطي لدى مصرف لبنان لتغطية المضي في سياسة الدعم.
وفي هذا السياق، كشف مصدر نيابي بارز أن رئاسة المجلس النيابي فوجئت بتسريب «المطبخ السياسي» في رئاسة الجمهورية لمعلومة فحواها أن عون بعث برسالة إلى الرئيس نبيه بري، مع أنه لم يتسلّمها، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن لا علم للأخير بهذه الرسالة التي ضلت طريقها إلى رئاسة المجلس في عين التينة أو في ساحة النجمة.
ولفت إلى أنه لا مبرر لهذه الرسالة «الضائعة» طالما أن الرئيس عون تحدث عن تفاؤله بتشكيل الحكومة في غضون أيام معدودة، وقال إن من يبدي تفاؤله حيال لقاءاته مع الرئيس ميقاتي ليس في حاجة إلى تسطير مثل هذه الرسالة التي إن وصلت، فإن البرلمان سيجتمع بعد أسبوع من تاريخ وصولها للنظر فيها؛ خصوصاً أن التوقّعات من وجهة نظره تشير إلى أن تشكيل الحكومة دخل الآن في مرحلة الحسم.
وأكد المصدر النيابي أن عون يخطئ إذا كان يعتقد أن البرلمان سيستجيب لما تعذّر عليه انتزاعه من مجلس الوزراء بعد إصرار دياب على عدم دعوته للانعقاد، وقال إذا كان عون يظن أن البرلمان سيبيح له استخدام ما تبقى من احتياطي لدى مصرف لبنان يعود في الأساس إلى أموال المودعين في المصارف فإن رهانه ليس في محله وسيكون النواب له بالمرصاد؛ خصوصاً أن رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل كان أول من اعترض على استخدام الاحتياطي هذا قبل أن يقرر فتح النار على سلامة ويتناغم معه عون في حملته عليه.
ورأى أنه من غير الجائز أن يوافق البرلمان على تشريع يراد منه المس بأموال المودعين لأنه يتعارض مع الدستور، وبالتالي من الأفضل لعون الانصراف لتشكيل الحكومة لاختبار نياته ومدى جدّيته بالتعاون مع الرئيس المكلف لتسريع تأليفها؛ خصوصاً أن هناك من يحدد يوم غد (الثلاثاء) لولادتها.
وقيل للمصدر النيابي إن معظم المعنيين بملف تشكيل الحكومة يبدون تفاؤلهم، فأجاب بأنهم يبنون تفاؤلهم على تفاؤل ميقاتي وأن لا علاقة لهم بتفاؤل عون بعد أن انقلب على تفاؤله بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد بدلاً من أن يمضي بمشاوراته للوصول بتشكيل الحكومة إلى بر الأمان، هذا إذا ما قرر باسيل أن يطلق الضوء الأخضر لتسهيل تأليفها.
وتوقف المصدر أمام محاولة عون للتفلُّت من التزاماته والانقلاب على تفاؤله من خلال المعلومات التي سرّبها المطبخ السياسي الذي يديره باسيل، وفيها أن الأجواء ما زالت إيجابية بين الرئيسين وأن عون فوجئ بالشروط التعجيزية الموضوعة من الفريق الأخير من دون أن يحدد من يقصدهم بوضع هذه الشروط.
ويبقى السؤال؛ هل لا يزال ميقاتي على تفاؤله الحذر ومدى استعداد عون للمضي في مشاوراته بعيداً عن رفع الشروط، أم أنه يناور إيجابياً لاتهام خصومه بتأخير تشكيلها لعله يلتف على الضغوط الدولية التي تستهدفه وتحمّله وصهره باسيل مسؤولية نسف الجهود الرامية إلى إخراج تأليفها من التأزُّم الذي يحاصرها؟
فالرئيس عون - كما يقول خصومه - لم يعد يهمه سوى تأمين استمرارية إرثه السياسي بتعويم باسيل حتى لو اضطر للتموضع مجدداً في نفس الموقع الذي شغله قبل 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990 واضطر بعد هذا التاريخ للجوء إلى السفارة الفرنسية تحت ضغط العملية العسكرية التي نفّذتها القوات السورية في حينه، واضطر لإخلاء القصر الجمهوري في بعبدا.



حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
TT

حملة ابتزاز حوثية تستهدف كسارات وناقلات الحجارة

كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)
كسارة حجار أغلقها الحوثيون في إحدى مناطق سيطرتهم (فيسبوك)

فرضت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية إتاوات جديدة على مُلاك مناجم الحجارة وسائقي ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة في العاصمة المختطفة صنعاء ومدن أخرى؛ ما تَسَبَّبَ أخيراً في ارتفاع أسعارها، وإلحاق أضرار في قطاع البناء والتشييد، وزيادة الأعباء على السكان.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن قيادات حوثية تُدير شؤون هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لسيطرة الجماعة، فرضت زيادة سعرية مفاجئة على ناقلات الحصى تتراوح ما بين 300 و330 دولاراً (ما بين 160 ألفاً و175 ألف ريال) لكل ناقلة.

ووصل إجمالي السعر الذي يُضطر مُلاك مناجم الحجارة وسائقو الناقلات إلى دفعه للجماعة إلى نحو 700 دولار (375 ألف ريال)، بعد أن كان يقدر سعرها سابقاً بنحو 375 دولاراً (200 ألف ريال)، حيث تفرض الجماعة سعراً ثابتاً للدولار بـ 530 ريالاً.

مالكو الكسارات في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية يشتكون من الابتزاز والإتاوات (فيسبوك)

وتذهب الزيادة المفروضة، وفقاً للمصادر، لمصلحة أحد المشرفين الحوثيين، الذي يُكنى بـ«الجمل»، ويواصل منذ أيام شن مزيد من الحملات التعسفية ضد مُلاك كسارات وسائقي ناقلات بصنعاء وضواحيها، لإرغامهم تحت الضغط والترهيب على الالتزام بتعليمات الجماعة، وتسديد ما تقره عليهم من إتاوات.

واشتكى مُلاك كسارات وسائقو ناقلات في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من حملات الابتزاز الحوثي لفرض الزيادة المفاجئة في أسعار بيع ونقل الخرسانة المستخدمة في البناء والتشييد، ما يزيد من أعبائهم ومعاناتهم.

وقال بعضهم إن الجماعة لم تكتفِ بذلك، لكنها فرضت إتاوات أخرى عليهم تحت أسماء متعددة منها تمويل تنظيم الفعاليات بما تسمى ذكرى قتلاها في الحرب، ورسوم نظافة وتنمية مجتمعية وأجور مشرفين في الجماعة بذريعة تنفيذ الرقابة والمتابعة والإشراف على السلامة البيئية.

وتحدث مالك كسارة، اشترط إخفاء اسمه، عن لجوئه وآخرين يعملون في ذلك القطاع، لتقديم عدة شكاوى لسلطة الانقلاب للمطالبة بوقف الإجراءات التعسفية المفروضة عليهم، لكن دون جدوى، وعدّ ذلك الاستهداف لهم ضمن مخطط حوثي تم الإعداد له مسبقاً.

الإتاوات الجديدة على الكسارة وناقلات الحصى تهدد بإلحاق أضرار جديدة بقطاع البناء (فيسبوك)

ويتهم مالك الكسارة، المشرف الحوثي (الجمل) بمواصلة ابتزازهم وتهديدهم بالتعسف والإغلاق، عبر إرسال عناصره برفقة سيارات محملة بالمسلحين لإجبارهم بالقوة على القبول بالتسعيرة الجديدة، كاشفاً عن تعرُّض عدد من سائقي الناقلات خلال الأيام الماضية للاختطاف، وإغلاق نحو 6 كسارات لإنتاج الحصى في صنعاء وضواحيها.

ويطالب مُلاك الكسارات الجهات الحقوقية المحلية والدولية بالتدخل لوقف التعسف الحوثي المفروض على العاملين بذلك القطاع الحيوي والذي يهدد بالقضاء على ما تبقى من قطاع البناء والتشييد الذي يحتضن عشرات الآلاف من العمال اليمنيين.

وسبق للجماعة الحوثية، أواخر العام قبل الفائت، فتح مكاتب جديدة تتبع هيئة المساحة الجيولوجية والثروات المعدنية الخاضعة لها، في أغلبية مناطق سيطرتها بغية التضييق على مُلاك الكسارات وسائقي ناقلات الحصى، ونهب أموالهم.

وأغلقت الجماعة الحوثية عبر حملة استهداف سابقة نحو 40 كسارة في محافظات صنعاء وعمران وحجة وإب والحديدة وذمار، بحجة مخالفة قانون المناجم، رغم أنها كانت تعمل منذ عقود وفق القوانين واللوائح المنظِّمة لهذا القطاع.

إتاوات جديدة فرضتها الجماعة الحوثية على ناقلات الحصى المستخدم في الخرسانة المسلحة (فيسبوك)

وسبق أن فرضت الجماعة في ديسمبر (كانون الأول) من العام قبل الماضي، على مُلاك المناجم في صنعاء وبقية المناطق رسوماً تقدر بـ 17 دولاراً (8900 ريال) على المتر الواحد المستخرج من الحصى، والذي كان يباع سابقاً بـ5 دولارات ونصف الدولار (2900 ريال) فقط.

وتفيد المعلومات بإقدامها، أخيراً، على مضاعفة الرسوم المفروضة على سائقي ناقلات الحصى، إذ ارتفعت قيمة الرسوم على الناقلة بحجم 16 متراً، من 181 دولاراً (64 ألف ريال)، إلى 240 دولاراً (128 ألف ريال)، في حين ارتفع سعر الحمولة ليصل إلى 750 دولاراً، (400 ألف ريال).