الحرب المفتوحة بين باسيل وسلامة تستعجل الحكومة

TT

الحرب المفتوحة بين باسيل وسلامة تستعجل الحكومة

لم يُفاجأ عدد من الوزراء في حكومة تصريف الأعمال برفض رئيسها حسان دياب التجاوب مع طلب رئيس الجمهورية ميشال عون، بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد في جلسة استثنائية للنظر في «تمرُّد» حاكم «مصرف لبنان»، رياض سلامة، على السلطة السياسية بقرار رفع الدعم من دون العودة إلى الحكومة، ويقول أحدهم لـ«الشرق الأوسط» إن العلاقة بين الرئيسين ليست على ما يرام، وإن الخلاف اندلع بينهما منذ فترة، لكنه بقي تحت السيطرة إلى أن خرج إلى العلن بامتناع دياب عن مراعاة عون بدعوة مجلس الوزراء لعقد جلسة طارئة بتحريض من رئيس «التيار الوطني الحر»، النائب جبران باسيل.
ويكشف الوزير الذي فضّل عدم ذكر اسمه أن دياب لا يخفي أمام من يثق بهم تدخّل باسيل في كل شاردة وواردة، ويتصرف على أنه الوزير الأول غير المعيّن، وهذا ما شكّل إزعاجاً لدياب، ويؤكد أن سلامة كان طرح لدى استدعائه لحضور اجتماع المجلس الأعلى للدفاع رفع الدعم، من دون أن يلقى معارضة من جميع الحاضرين، وإلا فلماذا بادر وزير الطاقة ريمون غجر إلى إعلام الصحافيين بقرار رفع الدعم؟
ويقول إن عون انقلب على موقفه بذريعة أن سلامة لم يترك لهم فرصة لمناقشته في قرار رفع الدعم، لارتباطه بموعد آخر، مع أن انقلابه يعود إلى رضوخه للضغط الذي مورس عليه من باسيل، الذي يزايد شعبوياً لاعتقاده أن استثماره في الأزمات يتيح له أن يستعيد شعبيته لخوض الانتخابات النيابية.
ويستغرب الوزير نفسه كيف أن عون طلب من مكتبه الإعلامي أن يصدر البيان الذي ضمّنه دعوته بالاتفاق مع دياب لعقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء، رغم أن الأخير كان صارحه بعدم التجاوب معه، لئلا يُتّهم بخرق الدستور، لأن ما يريده من الجلسة لا يتعلق بتسيير أمور اللبنانيين وإنما لاتخاذ قرار بإقالة سلامة مدعوماً بمطالعة جاءته من الفريق السياسي المحسوب عليه.
ويرى أن باسيل كان يخطّط لجر البلد إلى مزيد من التأزُّم، ويتلطى وراء صلاحيات رئيس الجمهورية، ليس لاستهداف سلامة فحسب، وإنما لاتهام دياب بالوقوف ضد عون لمنعه من ممارسة صلاحياته، اعتقاداً منه أنه يستنفر المسيحيين لدعمه في موقفه لاسترداد صلاحية رئيس الجمهورية وحقوق المسيحيين، مع أن باسيل هو مَن كان وراء استقالة الحكومة قبل أن تستقيل رسمياً سواء من خلال الضغط على رئيسها، للتراجع عن قرار مجلس الوزراء بعدم إنشاء معمل لتوليد الطاقة في سلعاتا بمنطقة البترون، أو من خلال اضطراره تحت ضغط عون للعودة عن قرار مجلس الوزراء بترحيل البحث في التعيينات الإدارية.
ويسأل الوزير نفسه: لماذا اختار باسيل هذا التوقيت للهجوم على سلامة؟ وهل كان يخطط للإطاحة بالجهود الرامية لتشكيل الحكومة في ضوء ما تردّد أن منتصف الأسبوع المقبل سيكون حاسماً للإعلان عن التشكيلة الوزارية، مشترطاً تحسين شروطه في التركيبة التي يعدّ لها الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي أبدى كل مرونة لاستيعاب الضغوط التي يمارسها باسيل على عون؟
فالرئيس ميقاتي، بحسب الوزير نفسه، يتبع سياسة النفس الطويل في مشاورات التأليف التي يعقدها مع عون، ويتوقع ألا تؤثر الأزمة التي افتعلها باسيل على الأجواء الإيجابية التي يُتوقع لها أن تستمر، وصولاً إلى إخراج التشكيلة الوزارية من المطبات التي تُنصب لها لتأخير ولادتها، وهذا ما يؤكده مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» بقوله إن هدر الوقت لم يعد مسموحاً به، وإن تشكيلها يقترب من تجاوز ما يعيق رؤيتها النور، إلا إذا قرر عون أن يطيح بالمرونة والإيجابية التي أبداها في اجتماعه الأخير بميقاتي.
ويلفت الوزير نفسه إلى أن باسيل لا يزال يتطلع، وبضوء أخضر من عون، لتعديل «الطائف» في الممارسة، وصولاً إلى فرضه كأمر واقع، ويقول إن عون لم يجد شركاء له في حملته على سلامة، سوى «حزب الله» الذي شن هجوماً على الأخير بلسان نائب الأمين العام نعيم قاسم.
وفي هذا السياق، يسأل ما إذا كان باسيل يعتقد واهماً أن مواصلة حملته على سلامة ستدفع بواشنطن للدخول معه في مقايضة تتيح له التخلص من العقوبات الأميركية المفروضة عليه، في مقابل الكف عن ملاحقة حاكم «مصرف لبنان».
ويضيف أن عون، وبطلب من باسيل، اعتقد أن دياب سيوافق على دعوة الحكومة المستقيلة للانعقاد بذريعة أنه كان شكّل رأس حربة في الهجوم على سلامة، لكنه أخطأ في تقديره ليس دفاعاً عنه، وإنما لعدم إقحام نفسه في لعبة تصفية الحسابات لئلا يُتّهم بأنه يعيق تشكيل الحكومة، خصوصاً أنه أعلم الوزراء الذين راجعوه بأن لا مبرر للتسرُّع ما دامت الحكومة ستُشكل في الأسبوع المقبل.
وهكذا، فإن باسيل تلقى صفعة سياسية تشظى من شظاياها عون، بعد أن توافقت الغالبية السياسية على الوقوف له بالمرصاد، وهذا ما دفع الفريق السياسي المحسوب عليه، وبتسليم من عون إلى توزيع التهم باتجاه رئيس المجلس النيابي نبيه بري والرئيس سعد الحريري، وصولاً إلى الرئيس المكلف ميقاتي مروراً برئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط وآخرين، بذريعة أنهم وفروا لدياب فائض القوة بعدم تجاوبه مع عون.
كما أن الضغط على سلامة للإبقاء على الدعم من قبل باسيل، لعله يكسب ود الشارع، يتناقض وموقف تكتله النيابي الرافض لمبدأ المس، بما تبقى من الاحتياطي لدى «مصرف لبنان»، إضافة إلى أنه من غير الجائز أن يستبق تشكيل الحكومة بفرض شروطه منذ الآن على الرئيس المكلف، رغم أنه يدرك سلفاً أن من غير المسموح أن يضع يده على الحكومة، وهذا ما يتحسّب له ميقاتي منذ الآن برفضه إعطاء «الثلث الضامن» لأي طرف.
وعليه، فإن الأزمة التي افتعلها باسيل قد تفتح الباب (كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط»)، أمام ارتفاع منسوب الضغوط الداخلية والخارجية بدءاً بفرنسا للإعلان عن تشكيل الحكومة في الأسبوع المقبل، باعتبار أنها الأقدر على سحب فتيل التفجير الذي أعده باسيل، مع أن الضغوط التي مورست دعماً لموقف دياب أدت إلى نزع صاعق التفجير، إلا إذا كان عون يستخدم هذه الضغوط لإملاء شروطه على ميقاتي الذي لن يرضخ لها.
ويؤكد المصدر نفسه أن باسيل أخطأ في تقديره بأن حملته على سلامة ستقوده حتماً إلى التصالح مع الشارع المنتفض على المنظومة الحاكمة بذريعة أن سلامة يتصدّر اللائحة المتهمة بسوء إدارة المال العام والتفريط بأموال المودعين، وتقول إن ما حصل في الساعات الأخيرة هو عيّنة للصراع المفتوح بين «الحاكمين» سلامة وباسيل الذي لا يتصرف على أنه رئيس الظل فحسب وإنما يعود له استصدار المواقف الرئاسية في ظل التفويض الممنوح له من عون.
ويضيف أن الأزمة الكبرى التي تحاصر لبنان لا تُحل بالكيدية التي يتبعها باسيل ظناً منه أنها الطريق الوحيد لتصفية الحسابات، وتحديداً من خلال حربه المفتوحة ضد سلامة بدلاً من أن يعطي فرصة للجهود الرامية لتشكيل الحكومة.



طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

TT

طائرات سورية وروسية تقصف شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة المعارضة

قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)
قوات جوية روسية وسورية تقصف مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا (أ.ب)

قال الجيش السوري ومصادر من قوات المعارضة إن قوات جوية روسية وسورية قصفت مناطق خاضعة لسيطرة المعارضة، شمال غربي سوريا، قرب الحدود مع تركيا، اليوم (الخميس)، لصد هجوم لقوات المعارضة استولت خلاله على أراضٍ لأول مرة منذ سنوات.

ووفقاً لـ«رويترز»، شن تحالف من فصائل مسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام هجوماً، أمس (الأربعاء)، اجتاح خلاله 10 بلدات وقرى تحت سيطرة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في محافظة حلب، شمال غربي البلاد.

وكان الهجوم هو الأكبر منذ مارس (آذار) 2020، حين وافقت روسيا التي تدعم الأسد، وتركيا التي تدعم المعارضة، على وقف إطلاق نار أنهى سنوات من القتال الذي تسبب في تشريد ملايين السوريين المعارضين لحكم الأسد.

وفي أول بيان له، منذ بدء الحملة المفاجئة قال الجيش السوري: «تصدَّت قواتنا المسلحة للهجوم الإرهابي الذي ما زال مستمراً حتى الآن، وكبَّدت التنظيمات الإرهابية المهاجمة خسائر فادحة في العتاد والأرواح».

وأضاف الجيش أنه يتعاون مع روسيا و«قوات صديقة» لم يسمِّها، لاستعادة الأرض وإعادة الوضع إلى ما كان عليه.

وقال مصدر عسكري إن المسلحين تقدموا، وأصبحوا على مسافة 10 كيلومترات تقريباً من مشارف مدينة حلب، وعلى بُعد بضعة كيلومترات من بلدتَي نبل والزهراء الشيعيتين اللتين بهما حضور قوي لجماعة «حزب الله» اللبنانية المدعومة من إيران.

كما هاجموا مطار النيرب، شرق حلب، حيث تتمركز فصائل موالية لإيران.

وتقول قوات المعارضة إن الهجوم جاء رداً على تصعيد الضربات في الأسابيع الماضية ضد المدنيين من قبل القوات الجوية الروسية والسورية في مناطق جنوب إدلب، واستباقاً لأي هجمات من جانب الجيش السوري الذي يحشد قواته بالقرب من خطوط المواجهة مع قوات المعارضة.

وفي الوقت نفسه، ذكرت وسائل إعلام إيرانية رسمية، اليوم (الخميس)، أن البريجادير جنرال كيومارس بورهاشمي، وهو مستشار عسكري إيراني كبير في سوريا، قُتل في حلب على يد قوات المعارضة.

وأرسلت إيران آلاف المقاتلين إلى سوريا خلال الصراع هناك. وبينما شمل هؤلاء عناصر من الحرس الثوري، الذين يعملون رسمياً مستشارين، فإن العدد الأكبر منهم من عناصر جماعات شيعية من أنحاء المنطقة.

وقالت مصادر أمنية تركية اليوم (الخميس) إن قوات للمعارضة في شمال سوريا شنَّت عملية محدودة، في أعقاب هجمات نفذتها قوات الحكومة السورية على منطقة خفض التصعيد في إدلب، لكنها وسَّعت عمليتها بعد أن تخلَّت القوات الحكومية عن مواقعها.

وأضافت المصادر الأمنية أن تحركات المعارضة ظلَّت ضمن حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب التي اتفقت عليها روسيا وإيران وتركيا في عام 2019، بهدف الحد من الأعمال القتالية بين قوات المعارضة وقوات الحكومة.

وقال مصدر بوزارة الدفاع التركية إن تركيا تتابع التطورات في شمال سوريا عن كثب، واتخذت الاحتياطات اللازمة لضمان أمن القوات التركية هناك.

ولطالما كانت هيئة تحرير الشام، التي تصنِّفها الولايات المتحدة وتركيا منظمة إرهابية، هدفاً للقوات الحكومية السورية والروسية.

وتتنافس الهيئة مع فصائل مسلحة مدعومة من تركيا، وتسيطر هي الأخرى على مساحات شاسعة من الأراضي على الحدود مع تركيا، شمال غربي سوريا.

وتقول قوات المعارضة إن أكثر من 80 شخصاً، معظمهم من المدنيين، قُتلوا منذ بداية العام في غارات بطائرات مُسيرة على قرى تخضع لسيطرة قوات المعارضة.

وتقول دمشق إنها تشن حرباً ضد مسلحين يستلهمون نهج تنظيم القاعدة، وتنفي استهداف المدنيين دون تمييز.