إقرار قانون محاربة «الانفصالية الإسلاموية» في فرنسا

حزمة واسعة من التدابير والإجراءات الهادفة لاحتواء الانطواء ومحاربة التشدد

TT

إقرار قانون محاربة «الانفصالية الإسلاموية» في فرنسا

أخيراً، سقط آخر حاجز كان يعيق انطلاقة العمل بقانون مناهضة الانفصالية الإسلاموية الذي أراده الرئيس ماكرون بداية العام الماضي وتأخر السير به بسبب جائحة «كوفيد - 19» والجدل الذي أثاره في مجلسي النواب والشيوخ. وتمثلت آخر مرحلة من القانون بإقراره من قبل المجلس الدستوري أول من أمس، مع تعديلات طفيفة لا تمس جوهره الذي يراد منه «تعزيز العمل بمبادئ الجمهورية». وحتى يصبح نافذاً، يتعين أن يصدر عن السلطة التنفيذية مصحوباً بمراسيمه التطبيقية، بحيث يضم إلى مجموعة القوانين المعمول بها.
منطلق القانون كان اعتبار أن ثمة مجموعات إسلاموية تستهدف إقامة مجتمع موازٍ للمجتمع الفرنسي بقوانينه الخاصة المتناقضة مع قوانين الجمهورية التي أولها وأهمها قانون العلمانية الذي يفصل بين الدين والدولة، وثانيها مبدأ المساواة بين الجنسين. ووفق مروجي نظرية الانفصالية الإسلاموية، فإنه يتعنى النظر إلى هذه البيئة على أنها الحاضنة للفكر المتطرف الذي يفضي أحياناً إلى العنف، أي إلى الإرهاب، وبالتالي تتعين معالجة جذور الأزمة، علماً بأن فرنسا عانت، منذ بداية عام 2015، من تكاثر العمليات الإرهابية الإسلاموية التي سقط ضحيتها ما يزيد على 250 شخصاً ومئات الجرحى. وبعد التركيز، في مرحلة أولى، على التطرف الإسلاموي وموجة الانتقادات التي أثارها بسبب ما اعتبر استهدافاً لثاني الديانات في فرنسا، اعتمدت تسمية «تعزيز مبادئ الجمهورية»، واختفى اسم الإسلام من القانون. إلا أن المحتوى لم يتغير ويمكن تلخيصه بمناهضة كل أشكال الانغلاق والترويج لمبادئ وممارسات تختلف عن المبادئ والممارسات الرائدة والشائعة في المجتمع الفرنسي. وبكلام آخر، ورغم اعتراف الدولة الفرنسية بالديانة الإسلامية وتمكن المسلمين من ممارسة شعائرها بكل حرية، فإن ثمة ممارسات إسلاموية تدفع باتجاه الانغلاق وتشكيل مجتمع «منفصل» عن المجتمع الفرنسي العام. من هنا، تعبير «الانفصالية».
عقب قرار المجلس الدستوري، غرد وزير الداخلية وشؤون العبادة جيرالد دارمانان الذي يعد من صقور الحكومة والأشد تصلباً في التعاطي مع الملف المذكور، قائلاً: «إن مصادقة المجلس الدستوري على قانون الانفصالية خبر جيد بالنسبة للجمهورية... فالنص الذي أراده إيمانويل ماكرون سيتيح لنا، بفضل الأسلحة الجديدة التي يوفرها، أن نحارب بقوة جميع الذين يريدون المس (بمبدأ) العلمانية التي هي للصالح العام». وبعد أن تنقل مشروع القانون طيلة خمسة أشهر بين مجلسي النواب والشيوخ، صدق الأول عليه نهائياً في 23 يوليو (تموز)، انتقل بعدها إلى المجلس الدستوري بناء على طلبين منفصلين من المجلسين. إلا أن «حكماء» الجمهورية واختصاصيي الدستور رفضوا التعديلات التي طلبها النواب، لكنهم عدلوا فقط إجراءين يتعلقان بأنشطة الجمعيات وسحب تصاريح الإقامة الممنوحة للأجانب إذا ثبت رفضهم ومخالفتهم لمبادئ الجمهورية. ويجرم القانون «النزعات الانفصالية» ويعزز الرقابة على الجمعيات وتمويل الأنشطة الدينية، كما يفرض قيوداً على نشر الكراهية عبر الإنترنت، فضلاً عن ذلك، تسعى السلطات الفرنسية من خلال فقرات القانون الجديد إلى وضع آليات جديدة للسيطرة على أنشطة تمويل التيارات الدينية وفرض الرقابة على التمويلات الأجنبية، ووضع الجمعيات الدينية والثقافية تحت رقابة صارمة والتهديد بتجميد أنشطته أو حلها في حال مخالفتها لأحكامه. وفي السياق عينه، يسعى القانون إلى تكريس مبدأ الحياد الديني، ومنع توغل المتطرفين داخل أجهزة الدولة، ومكافحة الإسلام السياسي والتطرف.
طيلة الأشهر الخمسة المنقضية، تعرض مشروع القانون لانتقادات حادة من اليمين واليسار. اليمين اعتبره غير كافٍ، فيما اليسار رأى فيه افتئاتاً على الحريات الفردية والجماعية. وللوصول إلى أهدافه، يتناول القانون الجديد خمسة قطاعات رئيسية هي التعليم والاستخدام السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي وحيادية قطاع الخدمات العامة والجمعيات وشؤون وأماكن العبادة. وأخيراً، يتطرق لبعض الممارسات الخاصة مثل تعدد الزوجات أو المطالبة بشهادة العذرية قبل الزواج... ففي موضوع التعليم، يضع القانون قيوداً على تعليم الصغار في المنازل، الأمر الذي كان متاحاً، حتى اليوم، بشكل تام. وأثار هذا البند مخاوف كل الأديان واعتبر اعتداء على حرية الأهل في اختيار طريقة وسبل تعليم أولادهم. إلا أن المقصود نزوع فئة صغيرة من المسلمين إلى تفضيل تعليم أولادهم بعيداً عن المدرسة الرسمية. كذلك يفرض القانون رقابة صارمة على المدارس غير المتعاقدة مع الدولة لجهة مناهجها وأساليبها التعليمية. وفي المقام الثاني، يستهدف القانون منع بث الأفكار التمييزية والحاقدة على وسائل التواصل الاجتماعي أو الترويج للعنف والإرهاب أو حتى الكشف عن هوية موظفين أو أشخاص منتخبين بغية الإساءة إليهم وتهديد حياتهم. يلي ذلك التركيز على حيادية قطاع الخدمات العامة الدينية وواجب الحيادية للعاملين فيه وتمكين القضاء من معاقبة البلديات أو القطاعات التي لا تحترم هذا المبدأ. ومن أهم ما جاء به القانون أنه يفرض على الجمعيات التي تسعى وراء الحصول على تمويل من طرف الدولة أو أي جهة رسمية التوقيع على «عقد التزام بمبادئ الجمهورية»، وأي إخلال به يعرضها للعقوبة بما في ذلك حرمانها من المساعدات أو حتى إصدار أمر بحلها. أما بالنسبة لأماكن العبادة، فإن القانون يفرض على الجمعيات التي تدير أماكن العبادة الإعلان عن كل هبة تتجاوز قيمتها مبلغ 10 آلاف يورو.
كذلك سيتعين الإعلان مسبقاً عن كل مسعى عن أي مقر عبادة لدولة أجنبية وتمكين محافظي المناطق من رفض إتمام معاملات كهذه. والأهم أن القانون يتيح إغلاق أي مكان عبادة تبث فيه أقوال أو نظريات أو أفعال تدعو إلى العنف أو الحقد أو تشجع ذلك ومعاقبة الأشخاص الضالعين. وأخيراً، يشدد القانون التعامل مع الأشخاص متعددي الزوجات ويحرم الأجانب من الحصول على تأشيرات الإقامة على الأراضي الفرنسية. وبالتوازي، فإنه يمنع العاملين في القطاع الصحي من إعطاء «شهادة عذرية» لفتيات يطلبنها قبل الزواج تحت طائلة دفع غرامة قيمتها 15 ألف يورو وسنة حب



أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

أكثر من نصفهم في غزة... عدد قياسي لضحايا الأسلحة المتفجرة في 2024

فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
فلسطيني يحمل جسداً ملفوفاً لضحية من ضحايا الغارات الإسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

خلُص تقرير جديد إلى أن عدد ضحايا الأسلحة المتفجرة من المدنيين وصل إلى أعلى مستوياته عالمياً منذ أكثر من عقد من الزمان، وذلك بعد الخسائر المدمرة للقصف المُكثف لغزة ولبنان، والحرب الدائرة في أوكرانيا.

ووفق صحيفة «الغارديان» البريطانية، فقد قالت منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» (AOAV)، ومقرها المملكة المتحدة، إن هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024، بزيادة قدرها 67 في المائة على العام الماضي، وهو أكبر عدد أحصته منذ بدأت مسحها في عام 2010.

ووفق التقرير، فقد تسببت الحرب الإسرائيلية على غزة بنحو 55 في المائة من إجمالي عدد المدنيين المسجلين «قتلى أو جرحى» خلال العام؛ إذ بلغ عددهم أكثر من 33 ألفاً، في حين كانت الهجمات الروسية في أوكرانيا السبب الثاني للوفاة أو الإصابة بنسبة 19 في المائة (أكثر من 11 ألف قتيل وجريح).

فلسطينيون يؤدون صلاة الجنازة على أقاربهم الذين قُتلوا بالغارات الجوية الإسرائيلية في مستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (د.ب.أ)

وشكّلت الصراعات في السودان وميانمار معاً 8 في المائة من إجمالي عدد الضحايا.

ووصف إيان أوفيرتون، المدير التنفيذي لمنظمة «العمل على الحد من العنف المسلح»، الأرقام بأنها «مروعة».

وأضاف قائلاً: «كان 2024 عاماً كارثياً للمدنيين الذين وقعوا في فخ العنف المتفجر، خصوصاً في غزة وأوكرانيا ولبنان. ولا يمكن للمجتمع الدولي أن يتجاهل حجم الضرر الناجم عن هذه الصراعات».

هناك أكثر من 61 ألف مدني قُتل أو أصيب خلال عام 2024 (أ.ب)

وتستند منظمة «العمل على الحد من العنف المسلح» في تقديراتها إلى تقارير إعلامية باللغة الإنجليزية فقط عن حوادث العنف المتفجر على مستوى العالم، ومن ثم فهي غالباً ما تحسب أعداداً أقل من الأعداد الحقيقية للمدنيين القتلى والجرحى.

ومع ذلك، فإن استخدام المنظمة المنهجية نفسها منذ عام 2010 يسمح بمقارنة الضرر الناجم عن المتفجرات بين كل عام، ما يُعطي مؤشراً على ما إذا كان العنف يتزايد عالمياً أم لا.