تحقيق للجيش الإسرائيلي يكشف «فشلاً» في الهجوم على غزة

رغم استخدام 160 طائرة مقاتلة في الحرب الأخيرة

TT

تحقيق للجيش الإسرائيلي يكشف «فشلاً» في الهجوم على غزة

كشف تحقيق داخلي في الجيش الإسرائيلي حول إحدى معارك الحرب الأخيرة على قطاع غزة في ملخص نشر أمس الجمعة، أن مناورة الخداع التي نفذها سلاح الطيران واستخدم فيها ما لا يقل عن 160 طائرة مقاتلة في غضون ساعات، فشلت في تحقيق أهدافها. وأثارت هذه النتيجة تساؤلات عدة حول أبعاد هذا الفشل وإن كان ممكنا أن يصب في خانة «الأخطاء الحربية الاستراتيجية».
وجاء التحقيق لتقييم ظروف تطبيق خطة «ضربة برق»، التي أعد لها على مدى ثلاثة أعوام، في قيادة المنطقة الجنوبية للجيش الإسرائيلي. ومع أن الخطة أعدت لتنفذ خلال حرب واسعة، قرر الجيش تنفيذها خلال الحرب الأخيرة على غزة، والتي اندلعت في شهر مايو (أيار) الماضي. فجلب أرتالا من الدبابات من الحدود الشمالية إلى قطاع غزة وأعلن عن تجنيد قوات الاحتياط ونشر قوات على طول الحدود. وكانت الخطة تقضي بتضليل قيادة حماس وغيرها من تنظيمات المقاومة، بالتظاهر كما لو أن قوات إسرائيلية باشرت في تنفيذ عملية اجتياح بري في القطاع، بهدف دفع مقاتلي المقاومة إلى شبكة الأنفاق الكبيرة، والتي تسمى «المترو»، لكونها تتشعب نحو جميع أنحاء القطاع. وعندها تقوم الطائرات الإسرائيلية بعملية قصف مدمر للأنفاق.
وحسب بنود هذه الخطة، فإنها بنيت على أساس التقدير بأن الهجوم الجوي سيدمر الأنفاق ويفقد حماس بنية تحتية استراتيجية ويوقع ما بين 600 إلى 800 قتيل فلسطيني داخلها ويخلخل توازنها، وعندها سيكون متاحا تنفيذ عملية اجتياح بري حقيقي، في حال صدر قرار سياسي بذلك.
وبالفعل، انطلقت الخطة ليل 14 مايو، وبعد عمليات التضليل على الأرض للإيحاء ببدء عملية اجتياح، تم إطلاق 160 طائرة إسرائيلية مقاتلة من طراز إف 15 وإف 16 ومروحيات حربية كما تم إطلاق مئات الطائرات المسيرة، وقصفت هذه الطائرات أكثر من 150 هدفا في الأنفاق. وبعد هذا الهجوم، خرج قادة الجيش الإسرائيلي يتباهون بالحديث عن «خطة التضليل الناجحة» وزعموا بأن «حماس فقدت العشرات من قادتها ومئات من مقاتليها». وفي اليوم التالي ادعوا بأن حماس تمنع إخراج الجثث من الأنفاق حتى لا يتبين حجم الضربة التي تلقتها.
ولكن تبين فيما بعد أن الخطة فشلت، وإزاء الانتقادات التي بدأت تسمع والتسريبات من الطيارين، قرر الجيش الإسرائيلي إجراء تحقيق. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة «معريب»، أمس الجمعة، فإن الخطة نجحت في تدمير عدد من الأنفاق ولكنها فشلت في الإيقاع بالمقاومة ولم يقتل في العملية سوى عدد قليل من رجالها.
وأضافت الصحيفة: «بعد إجراء التحقيقات والفحوصات المختلفة، فإن التقديرات في الجيش الإسرائيلي هي أن عدد القتلى كان أقل من التقديرات في نهاية العملية العسكرية، والتقديرات الآن هي أنه قتل أقل من عشرة مقاتلين. وتبين أن ظروف تنفيذ الخطة لم تنضج ولذلك فإن خطة التضليل فشلت عمليا ولم تحقق هدفها». ونشرت وسائل إعلام أخرى تساؤلات عدة حول الأمر، على غرار «هل من الصواب تنفيذ خطة استراتيجية كانت غايتها الأصلية أن يتم تنفيذها خلال حرب وليس خلال عملية عسكرية، وألم يكن بالإمكان حفظ خطة استراتيجية كهذه لتنفيذها في حرب كبيرة ستقع حتما في المستقبل وليس في عملية عسكرية وصفت مسبقا كعملية عسكرية محدودة من جانب المستوى السياسي الإسرائيلي؟
وكشفت مصادر أمنية في تل أبيب أن هناك خلافات حول الرد على هذه الأسئلة داخل الجيش. فهناك من يرى أنه «في جميع الأحوال نجح الجيش في كشف الأنفاق وأظهر قدرات عالية لتدميرها». وهناك من يرى أنه «حتى لو كان القرار إخراج الخطة إلى حيز التنفيذ صائبا، فقد كان ينبغي تنفيذ خطة التضليل بشكل مختلف تتجاوز فيه القوات الإسرائيلية الجدار وتتوغل مئات الأمتار في عمق القطاع، وبذلك كان بالإمكان تحقيق إنجازات أكبر». وهناك من يرى أيضاً أن «القرار بإخراج الخطة إلى حيز التنفيذ في الظروف الميدانية حينها لم يكن صائبا، وكان بالإمكان والأصح الاحتفاظ بالخطة الاستراتيجية لحرب أكبر في القطاع ويكون هدفها القضاء على حماس».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟