بولندا تخشى أن تكون «التالية بعد أوكرانيا».. في أجندة بوتين

مخاوف الحرب تخيم على الجميع.. والصغار كما الكبار يسجلون أنفسهم للتدرب على السلاح

شابات التحقن بـ«رابطة الرماة» شبه العسكرية يتلقين تدريبات في مدينة كاليش البولندية (نيويورك تايمز)
شابات التحقن بـ«رابطة الرماة» شبه العسكرية يتلقين تدريبات في مدينة كاليش البولندية (نيويورك تايمز)
TT

بولندا تخشى أن تكون «التالية بعد أوكرانيا».. في أجندة بوتين

شابات التحقن بـ«رابطة الرماة» شبه العسكرية يتلقين تدريبات في مدينة كاليش البولندية (نيويورك تايمز)
شابات التحقن بـ«رابطة الرماة» شبه العسكرية يتلقين تدريبات في مدينة كاليش البولندية (نيويورك تايمز)

لمعرفة مدى التوتر والقلق اللذين أثارهما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محيط أوروبا الشرقية، يكفي الإنسان متابعة التدريبات التي أجريت خلال أحد الأيام الماضية من قبل رابطة الرماة في بولندا، وهي مجموعة شبه عسكرية، شهدت، على شاكلة 100 مجموعة مماثلة في البلد نفسه، ارتفاعا كبيرا في طلبات العضوية منذ أن بدأت قوات بوتين بالتدخل في أوكرانيا المجاورة العام الماضي.
أدى 30 طالبا القسم للدفاع عن بولندا مهما كان الثمن، حيث انضموا إلى نحو مائتي عضو محليين آخرين بالرابطة (تضم الرجال والنساء والفتيان والفتيات) يسيرون في تشكيلات حول محيط الساحة المتربة للمدرسة الثانوية هناك، عبر شارع الجيش البولندي وإلى وسط المدينة، منتشرين في أربعة صفوف طويلة عبر طرف ساحة سانت جوزيف.
كان بارتوش واليزياك (16 عاما) أحد الذين أدوا القسم في مدينة كاليش، ويقول إنه كان مهتما بالحياة العسكرية منذ أن كان طفلا يلعب بالدمى، لكنه تحفز للانضمام إلى رابطة الرماة بعد الدخول الروسي إلى شبه جزيرة القرم. ويقول «أعتقد أن بوتين يسعى للمزيد. ليتوانيا واستونيا ولاتفيا تستعد جميعها لمثل ذلك السيناريو، وكذلك ينبغي على بولندا فعل الشيء نفسه».
مع استمرار الأزمة، ما كان حدوثه مستبعدا مع نهاية الحرب الباردة لم يعد كذلك الآن بالنسبة للعديد من مواطني بولندا؛ فالوحش الروسي الضخم لن تسد أوكرانيا جوعه وسوف ينطلق، برأيهم، مرة أخرى نحو الغرب. وتعكر تلك الأفكار من المزاج العام في البلاد حيث تنتشر عبر جميع أرجاء المنطقة بطريقة تعكس الخوف المتأصل من روسيا «العدوانية».
يقول مارسين زابوروسكي، مدير المعهد البولندي للشؤون الدولية «أعتقد أن تأثير ذلك على الحياة اليومية صار سيئا. وفي كثير من الأحيان الآن يأتيني الناس، من الجيران ومصففي الشعر، يسألون هل ستندلع الحرب. وفي يوم آخر، اتصلت بي والدتي لتسأل السؤال نفسه».
تتحول حفلات العشاء في العاصمة وارسو في الكثير من المرات هذه الأيام إلى طرق هذا الموضوع، والسيناريوهات التي كانت تبدو بعيدة المنال صار يفكر الناس بشأنها بجدية الآن. وحتى النكات صارت مفعمة بالقلق.
في يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلنت وزارة الدفاع البولندية أنها ستوفر التدريب العسكري لأي مواطن مدني يرغب في ذلك، مع بدء التسجيل في الأول من مارس (آذار). وجاء نحو ألف شخص في أول يوم للتسجيل، حسبما صرح العقيد توماش شوليجكو، المتحدث الرسمي باسم هيئة الأركان العامة البولندية. وأضاف «هذا العدد يبشر بمستقبل جيد بكل تأكيد».
يفكر وزير الدفاع البولندي توماش سيمونياك في اقتراح بإنشاء قوة للدفاع الإقليمي، تضم أفضل العناصر من أعضاء الجمعيات شبه العسكرية وغيرهم من المتطوعين. ويوم الثلاثاء الماضي، عدّلت رئيسة الوزراء البولندية إيوا كوباش من قانون حول من يمكن استدعاؤهم للخدمة في حالة قيام «المناورات العسكرية». وفي السابق، كان يمكن للقوات المسلحة استدعاء الجنود العاملين والاحتياطي، فقط، أي أولئك الذين حصلوا على التدريبات العسكرية. أما الآن، وإذا اقتضت الضرورة، فإنه يمكن استدعاء أي رجل قادر على حمل السلاح في طول البلاد وعرضها.
وفي دولة ليتوانيا المجاورة، قالت رئيسة الوزراء داليا غريباوسكايتي إن حكومتها تعزم إعادة التجنيد العسكري الإجباري نظرا «للبيئة الجيوسياسية الراهنة». وفي يناير الماضي، أصدرت الحكومة الليتوانية كتيبا من 98 صفحة بعنوان «كيف تتصرف في المواقف العصبية أو الحالات الحربية»، يتضمن إرشادات حول ما يمكن للمواطنين فعله إذا ظهر جنود أجانب على أبواب منازلهم، وكيف يمكنهم ممارسة المقاومة أمام القوة المحتلة.
تتزايد المخاوف في بولندا، لكنها لم تصل بعد إلى حد الخوف الشامل، كما قال توماش شلينداك، أحد علماء الاجتماع لدى جامعة كوبرنيكوس في مدينة تورون وكان عمل على دراسة تأثيرات الأزمة الأوكرانية على بولندا. وقال شلينداك في حفل أقيم مؤخرا لزملائه الأكاديميين، إن أحد الضباط العسكريين المتقاعدين أعلن أنه سينضم إلى إحدى المجموعات شبه العسكرية في حال غزو الروس للبلاد. كما أعلن أستاذ جامعي آخر أنه سيرسل زوجته وابنته على متن طائرة إلى خارج بولندا برفقة حقيبة من المال ثم ينضم إلى إحدى الجماعات شبه العسكرية. ويقول شلينداك «إن تلك التعليقات، بطبيعة الحال، ليست سوى مزاح، لكنها تستند إلى خوف حقيقي. إنها لا تثير الضحك قط، مجرد نكات بائسة».
لم يصل الوضع في بولندا إلى حد تخزين الناس للطعام والذخائر في أقبية المنازل، على حد وصف زابوروسكي من المعهد البولندي للشؤون الدولية، ولكن حدة القلق تتزايد بوتيرة سريعة. كذلك، يقول باول كوالن، وهو عضو سابق بالبرلمان البولندي وخبير في الشؤون الخارجية، إن الدولة كانت تتلقى رسائل متوازية من قادتها، تفيد بأن روسيا الحديثة ذات النزعة العدوانية باتت تشكل تهديدا حقيقيا في حين تتم طمأنتهم بأن عضوية البلاد داخل حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي ستوفر لهم حماية كافية. وأضاف كوال «هناك شعور بأن الحدود بين حلف شمال الأطلسي وبين روسيا عبارة عن ستار حديدي، ولكن على أدنى تقدير هذه المرة فإن بولندا على الجانب الصحيح من ذلك الستار».
ويعتبر تزايد الالتحاق بالمجموعات شبه العسكرية واحدا من مظاهر المناخ المتغير في البلاد. ويقول الجنرال باشيك إن عدد المنضمين إلى تلك المجموعات في ازدياد مستمر. ولا تعود تلك الزيادة في مجموعها إلى الأزمة الأوكرانية، ولكن الوطنية والخدمة النظامية صارت ذات شعبية كبرى بين البولنديين صغار السن، كما توفر المؤسسة العسكرية حياة مهنية مستقرة، غير أن ظلال بوتين سببت تسارعا في تلك الوتيرة.
في ساحة سانت جوزيف، انتظر الأعضاء الجدد في رابطة الرماة الأمر قبل اتخاذ أربع خطوات أمامية ثم رفعوا أياديهم اليمنى. وكرروا جميعهم في صوت واحد «أقسم بأن أضع مصلحة الجمهورية البولندية قبل كل شيء. كما أقسم بأن أكون مستعدا للدفاع عن استقلال البلاد حتى آخر نفس من أنفاسي». كان أصغر أولئك الطلاب هو غرزيغورز زوريك (11 عاما) يجد صعوبة في المتابعة، غير أنه كان مصمما. ومع وصولهم إلى أقصى الجانب الآخر من الميدان، تحول الطلاب للتعبير عن سعادتهم بوجود غرزيغورز بينهم.
وقال غرزيغورز في وقت لاحق «أعتقد أنه من المحتمل أن يفعل بوتين شيئا ما ضد بولندا. تعلمت من التاريخ أن روسيا كانت دائما دولة شمولية، وهي تحاول الآن استعادة الأقاليم التي خسرتها مع نهاية الحرب الباردة». وأضاف وهو يضع بندقيته المغلفة بالمطاط على العشب اللين «إذا غزت روسيا بولندا، فلن أتردد ثانية واحدة في قتالهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»



اتهامات أوروبية لمالك منصة «إكس» بالتدخل في الانتخابات

Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
TT

اتهامات أوروبية لمالك منصة «إكس» بالتدخل في الانتخابات

Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)
Donald Trump ve Giorgia Meloni, cumartesi günü Mar-a-Lago'da (Reuters)

يعوّل الكثير من قادة الاتحاد الأوروبي على العلاقة الخاصة التي بدا أنها تترسخ يوماً بعد يوم، بين الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني. لا، بل قد تعدّ علاقتها «الخاصة» أيضاً مع إيلون ماسك، حليف ترمب، الذي بدا أن الحكومة الإيطالية تجري محادثات مع شركته «سبيس إكس» بشأن صفقة بقيمة 1.6 مليار دولار تتعلق بخدمة الإنترنت «ستارلينك»، مدخلاً لتخفيف التوتر الذي بلغ أقصاه في الأيام الأخيرة، بعد تبادله الاتهامات والانتقادات مع الكثير من القادة الأوروبيين.

ترمب وميلوني في صورة جمعتهما مع المرشّحين لمنصب وزير الخزانة سكوت بيسنت (يسار) ووزير الخارجية ماركو روبيو في مارالاغو السبت (إ.ب.أ)

ترمب وميلوني

ترمب كان التقى ميلوني، قبل يوم من تصديق الكونغرس الأميركي على فوزه في الانتخابات، لإجراء محادثات غير رسمية. وهو ما عدَّه المراقبون تأكيداً للتوقعات واسعة النطاق، بأن الزعيمة الإيطالية اليمينية المتشددة ستكون جزءاً لا يتجزأ من علاقة الاتحاد الأوروبي بالبيت الأبيض بعد تولي ترمب منصبه في 20 يناير (كانون الثاني). ووصف ترمب ميلوني، بعد محادثاتهما، بأنها «امرأة رائعة اجتاحت أوروبا حقاً».

ورغم أن علاقتها بترمب، قد تطورت في الواقع على خلفية معتقداتهما الشعبوية اليمينية، لكن مما لا شك فيه أن علاقتها بالملياردير ماسك، الذي بات يلعب دوراً كبيراً بعد اندماجه بحركة «ماغا» (لنجعل أميركا عظيمة)، قد تمكنها من ترسيخ علاقتها مستقبلاً بالحركة التي بناها ترمب، وباتت تفيض خارج الولايات المتحدة.

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب والملياردير إيلون ماسك (أ.ب)

جسر دبلوماسي

وفي الواقع، لم يتمكن سوى عدد قليل من القادة الأوروبيين من كسب مثل هذا الود لدى ترمب، مثل ميلوني، حيث يتوقع أن تلعب دور «جسر دبلوماسي» بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بحسب الكثير من وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية. وأضافت أن ميلوني، التي طوّرت ملفاً آيديولوجيا «غامضاً استراتيجياً»، فاجأت منتقديها بتطوير علاقات دافئة مع قادة أوروبيين أكثر وسطية، بما في ذلك رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين. في المقابل، فإن هذا الغموض يضع ميلوني في وضع جيد لجلب «الترمبية» إلى أوروبا مع تحول القارة نحو اليمين على أي حال، كما زعم كاتب عمود في صحيفة «نيويورك تايمز».

إيلون ماسك (رويترز)

ومع ذلك، تواجه ميلوني مهمة موازنة علاقاتها الأميركية، مع القضايا الاقتصادية التي تهم إيطاليا. فهي لا تستطيع تحمل إبعاد حلفاء الاتحاد الأوروبي من خلال الميل إلى اليمين كثيراً، على حساب مصالح البلاد. ويزعم منتقدوها، سواء في إيطاليا أو في بروكسل، عاصمة الاتحاد الأوروبي، أن صفقة «ستارلينك» المقترحة، ستجعل روما تعتمد بشكل مفرط على إيلون ماسك. وذكر موقع «بوليتيكو» أن أحد الأعضاء الألمان التقدميين في البرلمان الأوروبي، كتب قائلاً إن الصفقة المقترحة، «تسلم الحكومة الإيطالية والدفاع والاتصالات العسكرية إلى فاشي بدائي لا يمكن التنبؤ به». إن صداقة ميلوني الواضحة مع ماسك تتعارض بشكل متزايد مع الطريقة التي ينظر بها القادة الأوروبيون الآخرون إليه.

الرئيس إيمانويل ماكرون متحدثاً في إطار الاجتماع السنوي لسفراء فرنسا عبر العالم بقصر الإليزيه الاثنين (رويترز)

تحذيرات واتهامات

في الأيام الأخيرة ومع تصاعد نفوذه بشكل كبير في السياسة الأميركية، وسعيه للتأثير على الخارج، عبر انتقاده عدداً من زعماء العالم من خلال منصته «إكس» ذات التأثير الكبير، اتهم القادة الألمان والفرنسيون والبريطانيون ماسك بالتدخل السياسي وحتى التدخل في الانتخابات.

وأدان رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، الاثنين، ما عدّه «الأكاذيب والمعلومات المضللة» التي قال إنها تقوض الديمقراطية في المملكة المتحدة؛ وذلك رداً على سيل من الهجمات التي وجهها ماسك لحكومته، مقترحاً سجن ستارمر، ومتسائلاً عما إذا كان ينبغي للولايات المتحدة «تحرير» حليفتها.

وحث بعض كبار الساسة من الأحزاب السياسية في المملكة المتحدة حلفاء ترمب بشكل خاص على إعادة التفكير في علاقته بإيلون ماسك بعد تعليقاته هذا الأسبوع، حسبما ذكرت وكالة «بلومبرغ».

وتساءل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطاب أمام السفراء الفرنسيين عمن كان ليتخيل قبل عقد من الزمان «أن مالك إحدى أكبر الشبكات الاجتماعية في العالم سيدعم حركة رجعية دولية جديدة ويتدخل مباشرة في الانتخابات». لم يذكر ماكرون، الذي كانت تربطه في الماضي علاقة مع ماسك بالاسم، لكن كان واضحاً من هو المقصود.

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه مساء 7 ديسمبر الحالي (رويترز)

ابتعد عن ديمقراطيتنا

وقوبلت تعليقات ماسك بغضب من الزعماء الألمان، حيث اتهمته برلين بمحاولة التأثير على الانتخابات المبكرة في البلاد الشهر المقبل في تعليقه على منصته، ومقال رأي كتبه يشيد بحزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني المتشدد.

وقال المستشار الألماني أولاف شولتز إنه يظل «هادئاً» وسط انتقادات شخصية من ماسك، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، لكنه يجد أن «أكثر ما يثير القلق» أن ماسك خاض في السياسة الألمانية من خلال «دعم حزب مثل حزب البديل من أجل ألمانيا، الذي هو في أجزاء متطرف يميني، ويدعو إلى التقارب مع روسيا بوتن ويريد إضعاف العلاقات عبر الأطلسي».

رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر (رويترز)

وحذَّر روبرت هابيك، مرشح حزب الخضر الألماني لمنصب المستشار، ماسك من التدخل في سياسة البلاد، قائلاً له: «سيد ماسك، ابتعد عن ديمقراطيتنا».

بدوره، قال رئيس الوزراء النرويجي يوناس جار ستور، الاثنين، إن «هذه ليست الطريقة التي ينبغي أن تكون عليها الأمور بين الديمقراطيات والحلفاء»، حسبما ذكرت وكالة «رويترز». وقال إنه «يجد من المقلق أن يتورط رجل يتمتع بإمكانية وصول هائلة إلى وسائل التواصل الاجتماعي وموارد اقتصادية ضخمة في الشؤون الداخلية لدول أخرى بشكل مباشر».