السيسي في ختام مؤتمر شرم الشيخ: نحتاج إلى 300 مليار دولار لبناء مصر

جدد شكره للسعودية ودعا أميركا والصين وأوروبا إلى الاستثمار في مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في ختام المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل» في شرم الشيخ أمس (تصوير: محمد سماحه)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في ختام المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل» في شرم الشيخ أمس (تصوير: محمد سماحه)
TT

السيسي في ختام مؤتمر شرم الشيخ: نحتاج إلى 300 مليار دولار لبناء مصر

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في ختام المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل» في شرم الشيخ أمس (تصوير: محمد سماحه)
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي يلقي كلمته في ختام المؤتمر الاقتصادي «مصر المستقبل» في شرم الشيخ أمس (تصوير: محمد سماحه)

قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن «مصر بحاجة إلى نحو مائتي إلى ثلاثمائة مليار دولار، ليكون هناك أمل حقيقي لـ90 مليون مواطن من أجل أن يعيشوا حياة كريمة». وجدد السيسي في كلمته الختامية بمؤتمر «دعم وتنمية الاقتصاد» الذي اختتم أعماله في مدينة «شرم الشيخ» أمس، شكره وتقديره لصاحب فكرة المؤتمر المغفور له بإذن الله جلالة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز من خلال دعوته الكريمة لعقد هذا المؤتمر، قائلا: «هذه الأفكار تعيش معنا لوقت طويل». كما دعا الدول المتقدمة في أوروبا والأميركتين إلى جانب الصين للمساهمة في بناء مصر من خلال مشروعات بتمويل مريح لشركاتهم للاستثمار في مصر على المدى الطويل.
وبدأ الرئيس السيسي كلمته بعبارة «تحيا مصر». وأضاف أن عامل الوقت حاسم بالنسبة لتنفيذ المشروعات في مصر، مشددا على أنه جرى الاتفاق مع عدة شركات لتنفيذ مشروعات تنموية، ذاكرا من بينها شركة سيمينز الألمانية التي ستبني 3 محطات كهرباء في 18 شهرا، مؤكدا أنه وقت أقل من الوقت الذي اقترحته الشركة للانتهاء من المشروع.
وكشف الرئيس السيسي عن مفاوضاته مع الشركات التي ستقوم برفع كفاءة محطات الكهرباء لخفض النفقات وتقليل هامش الربح وسرعة إنجاز المهمة، قائلا: «نحن تأخرنا في مصر. مطلوب منا السرعة والعمل المتواصل ليل نهار والامتناع عن الإجازات».
وقال السيسي في كلمته في ختام مؤتمر شرم الشيخ: «لن أذكر أسبابا لتوقف مصر عن التقدم؛ لكن الأهم وما أذكر العالم به أن مصر عادت واستيقظت الآن».. دوى التصفيق الحار أكثر من مرة على خطاب الرئيس، وهتف الحاضرون تحيا مصر والسيسي، مما جعله يقاطعهم: تحيا مصر بس «محدش تاني»، مصر بشعبها، وبشبابها.
وأردف الرئيس أن كل من يريد المساهمة في تنمية البلد لا بد أن يعمل على إنجاز مشروعه في أقل وقت وخفض التكاليف المالية وتقليل هوامش الأرباح، وأن مصر تحتاج إلى 13 ألفا و200 ميغاواط خلال عام ونصف العام، حتى تتوافر الكهرباء للمستثمرين، فضلا عن حل مشكلات انقطاع الكهرباء عن المنازل.
ووجه الرئيس الشكر إلى رئيس شركة جنرال إلكتريك، حيث وافقت على رفع كفاءة المحطات الحالية لزيادة الإنتاج 750 ميغا إلى 8 أشهر فقط بدلا من 24 شهرا ووافقت الشركة على خفض المدة، كما وافق رئيس الشركة على خفض التكلفة المالية حتى وصلنا إلى رقم لا يمكن النزول عنه، على حد قوله.
وأوضح السيسي أنه فاوض على مد فترات السداد إلى 12 عاما بدلا من 7 أعوام، مؤكدا أن تمويل تلك المحطات والمشروعات قد تصل إلى 6 مليارات يورو وكلها ممولة من الدولة الألمانية. مضيفا: «إن توفير تلك الدول التمويل لشركاتها لإقامة مشروعات في مصر، وإن مصر لا تنسى من يقف إلى جوارها في مثل هذه الظروف». ودعا السيسي الدول المتقدمة في أوروبا والأميركتين إلى جانب الصين إلى المساهمة في بناء مصر من خلال مشروعات بتمويل مريح لشركاتهم للاستثمار في مصر على المدى الطويل، مؤكدا أن المصريين ملتزمون بسداد قيمة المشروعات باعتباره «أمرا لا يقبل الشك».
وجدد السيسي التحية والتقدير لصاحب فكرة عقد المؤتمر المغفور له بإذن الله جلالة الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، قائلا: «هذه الأفكار تعيش معنا لوقت طويل وتخدم البشرية.. وفكرته ما زالت حية ولن ينساها المصريون»، ووجه الشكر إلى المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مبديا تطلعه إلى زيارة ألمانيا، وأنه تلقى دعوة كريمة منها لزيارة بلادها، كما قدم الشكر لكل الحضور والملوك والرؤساء الذين ساهموا في إنجاح المؤتمر، مشيدا بتعاون وتجاوب الشركات الدولية مع ظروف مصر الراهنة.
ووجه الرئيس الدعوة لجميع الشركات والمستثمرين لحضور المؤتمر مجددا، واعدا بأن تشهد شرم الشيخ عملية تطوير كبيرة حتى يحل موعد مؤتمر العام المقبل. وقال إن «مصر تسعى لإقامة محافظات ومدنا جديدة، منها العلمين ورفح الجديدة والإسماعيلية الجديدة، إلى جانب مشروعات المليون فدان؛ إلا أن كل هذا يحتاج إلى أموال وجهد كبيرين». وخاطب السيسي في نهاية كلمته المصريين، قائلا إن «المستثمرين حضروا إلى مصر من أجل المصريين.. وفعاليات المؤتمر كانت رسالة للعالم كله».
وكان الرئيس المصري قد عقد سلسلة من اللقاءات أمس، على هامش أعمال اليوم الثالث والأخير، حيث استقبل ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، كما استقبل وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان.
وقال السفير علاء يوسف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أمس، إن «لقاء الرئيس المصري ونظيره البحريني تناول سبل دفع وتعزيز العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات، بالإضافة إلى استعراض التطورات على الساحتين الإقليمية والدولية وتعزيز العمل العربي المشترك». مضيفا أن «ملك البحرين أشاد بنتائج مؤتمر شرم الشيخ وما أبرزه من تضامن المجتمع الدولي مع مصر وثقته في قدرة قيادتها على مواصلة عملية التنمية الشاملة واجتياز كافة العقبات بنجاح».
وأضاف السفير يوسف أن وزير الخارجية الإماراتي أشاد بالتميز الذي شهدته فعاليات المؤتمر، والنتائج الإيجابية التي تمخضت عنه، ولا سيما استعادة ثقة مجتمع الأعمال العربي والدولي في الاقتصاد المصري، لافتا إلى أن الوزير الإماراتي أكد دعم بلاده الكامل لعملية التنمية الشاملة الجارية في مصر ومساندة جهودها من أجل تحقيق التقدم والرخاء لشعبها.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.