أزمات داخلية تهدد بتأجيل الانتخابات العراقية

الكاظمي يبحث مع القوى السياسية خريطة طريق للخروج من «المأزق»

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
TT
20

أزمات داخلية تهدد بتأجيل الانتخابات العراقية

رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)
رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي (أ.ب)

بعد فشل كل المحاولات التي بذلت مؤخراً لإقناع زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، بالعدول عن قرار مقاطعة الانتخابات، بات الجميع؛ بمن فيهم خصومه، يدركون أن إجراء الانتخابات من دون الصدر أمر يمكن أن يجر البلاد إلى مصير مجهول، وربما يتطلب تأجيل موعد الانتخابات. ورغم التصريحات شبه اليومية لمفوضية الانتخابات حول إتمام كل ما يتعلق بإجرائها في موعدها المقرر خلال أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، فإن الجميع قد بات يعرف أن إجراءات المفوضية، رغم قانونيتها، لم تعد ملزمة لأحد ما دام الجميع يستطيع أن يتصرف خارج القانون إذا ما أراد، دون أن يترتب على ذلك أي إجراء.
فالانسحابات التي جرت؛ بدءاً من انسحاب الصدر وأحزاب وقوى أخرى تلته، كانت كلها بعد غلق باب الانسحاب وفق القانون. لكن المفوضية تريد أن تتصرف في سياق القانون؛ إذ تعلن مثلاً أن أياً من المنسحبين لم يتقدم أحد منهم بطلب سحب الترشح، مما يعني أنهم جميعاً يعدون من المشاركين في الانتخابات، بينما هي تناقض نفسها بهذا التصريح لأنه مخالف للقانون الذي تتمسك به دون أن يلتفت إليها أحد.
مع ذلك؛ فإن الأزمة الحالية في البلاد لا تتعلق بمن انسحب وبمن بقي وفق السياق القانوني؛ بقدر ما تتعلق بحجم ووزن المنسحبين مقابل المتبقين. وطبقاً لخريطة التوزيع الطائفي والسياسي في العراق، لم تعلن أي قوى سياسية كردية أو سنية كبيرة انسحابها من السباق الانتخابي، فيما تبدو المشكلة داخل القوى الشيعية التي تتنافس وتتصارع تياراتها المختلفة.
فالتيار الصدري ممثلاً في زعيمه القوي مقتدى الصدر، هو الذي أعلن الانسحاب من السباق الانتخابي، بينما بقيت القوى الشيعية الأخرى تشارك في المنافسة، وفي مقدمتها «تحالف الفتح» الذي يضم «ائتلاف دولة القانون» و«بدر» و«العصائب» وقوى أخرى. يضاف إلى ذلك قوى أخرى ينتمي بعضها إلى الفصائل المسلحة التي لديها أذرع سياسية سوف تدخل السباق الانتخابي. وبدا أن انسحاب الصدر قد وفر لهذه القوى فرصة سانحة للتمدد على جمهور الصدر الذي قد يتشتت وتتوزع أصواته على عدد من التيارات الشيعية الأخرى. ويبدو الوضع الآن مختلفاً لدى أطراف من «تحالف الفتح» التي بدأت ترى أن انسحاب الصدر سوف يقلب المعادلة ما بعد الانتخابات؛ الأمر الذي يمكن أن يدفع بالبلاد إلى المجهول.
وفي هذا السياق، يبدو موقف رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي صعباً لجهة كيفية إيجاد مقاربة بين كل الأطراف من أجل أن تمضي الانتخابات التي سوف تسبقها بنحو شهر قمة مهمة هي «قمة الجوار» العراقية، بالإضافة إلى مؤتمر الحوار الوطني الذي يجمع كل القوى السياسية على طاولة واحدة قد تؤدي إلى حل الأزمات العالقة. فالكاظمي الذي نجح في تحديد موعد الانتخابات في الوقت المقرر وهيأ كل مستلزمات نجاحها وهو ما ألزم الجميع به رغم الشكوك التي كانت تثار حوله، يريد الآن أن يكتمل المشهد عبر مشاركة الجميع؛ بمن فيهم «التيار الصدري».
وفي الوقت الذي يحاول فيه خصوم الصدر استفزازه بالقول إنه سيعود وإن ما يعمله مجرد مناورة سياسية وإعلامية أو إن «التيار الصدري» سوف يؤيد قوى وأحزاباً أخرى داخل الساحة الشيعية، فإن الكاظمي ينطلق من مقاربة أخرى قوامها أن عدم مشاركة الصدريين يمكن أن تكون له تداعياته على مجمل العملية السياسية في البلاد في وقت بدأت تتحقق فيه إنجازات مهمة.
وفي حين تستمر الأزمات الداخلية التي دوافع العديد منها إبقاء البلاد في حالة من الفوضى، فإن الحكومة حققت نجاحات خارجية مهمة تمثلت في الانفتاح على المحيطين العربي والإقليمي بالإضافة إلى المحيط الدولي. وتأكيداً لذلك؛ فإن حكومة الكاظمي التي هيأت كل المستلزمات لإنجاح «قمة الجوار» العراقية؛ تريد تهيئة مستلزمات النجاح للانتخابات المقبلة عبر «مؤتمر الحوار الوطني» الذي من المقرر عقده أواخر الشهر الحالي في محاولة للاتفاق على صيغة مشتركة لمشاركة الجميع في الانتخابات؛ بمن فيهم «التيار الصدري».



«هدنة غزة»: الوسطاء يضغطون لإبرام اتفاق رغم «تهديدات نتنياهو»

فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
TT
20

«هدنة غزة»: الوسطاء يضغطون لإبرام اتفاق رغم «تهديدات نتنياهو»

فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فتيات فلسطينيات ينظرن إلى أنقاض مبانٍ دمرتها غارات إسرائيلية في بيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)

​ «مساعٍ حثيثة» من الوسطاء لعودة التهدئة في قطاع غزة، تقابلها تهديدات من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«سحق حماس»، ورفض إقامة دولة فلسطينية، وتسريبات بوسائل إعلام بلاده عن رفض مقترح الحركة بصفقة شاملة لتبادل الرهائن والأسرى تصل إلى 5 سنوات.

ذلك التباين الذي يصل إلى ذروته مع قرب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد نحو أسبوعين، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، محاولة متعمدة من نتنياهو لعدم تهديد مستقبله السياسي الذي يقف على حافة الانهيار، غير أنهم يرون أن ضغوط واشنطن، وتكثيف الوسطاء الجهود لحلول توافقية، مع دعم دولي قبل الزيارة المرتقبة للمنطقة، ستسهم في الذهاب لاتفاقات مرحلية وهدنة إنسانية وأخرى مؤقتة مع تضمينها إنهاء الحرب، خصوصاً أن البيت الأبيض غير راغب في صراع مفتوح من دون سقف، حرصاً على مصالحه بالشرق الأوسط.

ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، الاثنين، عن مصدر سياسي ببلادها، قوله إن حكومة نتنياهو «ترفض مقترحاً لوقف إطلاق النار بغزة 5 سنوات يشمل إعادة كل المخطوفين»، مؤكداً أنه «لا فرصة للسماح لـ(حماس) بعودة التسلح والانتعاش».

فلسطينيون يصلّون بجانب جثامين قتلوا في غارات إسرائيلية ببيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)
فلسطينيون يصلّون بجانب جثامين قتلوا في غارات إسرائيلية ببيت لاهيا شمال غزة (أ.ف.ب)

وجاء الرفض بعد ساعات من خطاب مطول ألقاه نتنياهو، أكد خلاله أمرين هما: «سحق حماس» و«رفض الدولة الفلسطينية»، قائلاً: «فكرة أن الدولة الفلسطينية ستجلب السلام هي فكرة هراء، ولقد جربناها في غزة، سيتم سحق (حماس)، ولن نضع السلطة الفلسطينية هناك. لن نستبدل بنظام يريد تدميرنا، آخر يريد القيام بذلك».

لكن عائلات الأسرى الإسرائيليين، رفضت في بيان صحافي الاثنين، مسار نتنياهو الذي وصل إلى ذروته برفض المقترح، مع استمرار العد التنازلي لزيارة ترمب للسعودية، وقطر، والإمارات، في الفترة من 13 إلى 16 مايو (أيار) المقبل، حسب إعلان البيت الأبيض أخيراً، وقالت العائلات: «نطالب بإعادة المخطوفين دفعة واحدة وإنهاء الحرب، وندعو للتظاهر مساء الأربعاء في تل أبيب للمطالبة بإعادة المخطوفين».

وكان مصدر مطلع بـ«حماس» كشف لـ«الشرق الأوسط»، الأحد، أن الحركة «قدمت عبر الوسيط المصري، خلال لقاء السبت، رؤيتها الشاملة لإنهاء الحرب»، متضمنة مبادرة متكاملة تنص على «تنفيذ صفقة تبادل تشمل جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة، وتأمين الإغاثة العاجلة للشعب الفلسطيني، والقبول بهدنة طويلة الأمد تتراوح بين 5 إلى 7 سنوات».

وتتضمن الرؤية «الالتزام بالرؤية المصرية لإدارة قطاع غزة من خلال (لجنة إسناد مجتمعي)، مع تأكيد (حماس) عدم مشاركتها في هذه الإدارة ودعم جهود إعادة الإعمار، وتقديم ضمانات واضحة وقابلة للتنفيذ، بما يسهّل تطبيق الاتفاق»، بحسب المصدر المطلع.

وجاءت زيارة «حماس» إلى القاهرة للمرة الثانية خلال أسبوع، بعد أيام من زيارة لتركيا ولقاء وزير الخارجية التركي، وتلاه تأكيد مصدرين من الحركة لـ«الشرق الأوسط»، وقتها، أن الحركة تريد دعماً من تركيا، لنقل رؤيتها إلى إدارة ترمب بشأن «الصفقة الشاملة» في ظل «العلاقات الجيدة بينهما».

الخبير المختص في الأمن الإقليمي والدولي اللواء أحمد الشحات، يرى أن ما يصدر عن إسرائيل هو إصرار على استمرار الحرب والتوسع في احتلال غزة، ومحاولة لإفشال ضغوط الوسطاء التي تتواصل، ومحاولة لـ«استفزاز حماس» للتعنت وتحميلها أمام ترمب فشل أي مفاوضات.

وبرأي المحلل السياسي الفلسطيني في الشأن الإسرائيلي، نهرو جمهور، فإن تهديدات نتنياهو والتسريبات الإسرائيلية محاولة لإعاقة جهود الوسطاء والإبقاء على الحرب ولو لمائة عام، بهدف منع أي اتفاق شامل قد يجعل رئيس وزراء إسرائيل في مواجهة مساءلات داخلية تهدد بقاءه السياسي، مشيراً إلى أنه يدرك أن صفقة الـ5 سنوات كفيلة بأن تزيله هو شخصياً، وتجعله تحت المساءلة، وبالتالي يرفضها كلياً، وقد يرغب في اتفاق مرحلي للتهدئة دون التزام بوقف إطلاق النار استجابة لترمب قبل زيارته المنطقة.

في المقابل، لا يزال الوسطاء يتمسكون بممارسة مزيد من الضغوط وسط دعم دولي يتوسع لدعم ذلك المسار، وقال رئيس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في كلمة بمؤتمر بالدوحة الاثنين، إن قطر ستواصل بالشراكة مع مصر والولايات المتحدة والشركاء الإقليميين جهودها الحثيثة للتوصل إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في غزة، وتأمين تدفق المساعدات دون عوائق إلى القطاع.

وبالتزامن، دعت الحكومة الفرنسية نظيرتها في إسرائيل، إلى وقف «المذبحة» التي تجري في غزة، وأكدت «الخارجية» البريطانية أنه سيتم توقيع مذكرة تفاهم «تاريخية» مع الجانب الفلسطيني، تُكرّس الالتزام بتعزيز الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين، بحسب وسائل إعلام غربية.

وانهار اتفاق لوقف إطلاق النار في 18 مارس (آذار) الماضي، عندما استأنفت إسرائيل قصف غزة، ورفضت دخول المرحلة الثانية الممهدة لإنهاء الحرب، ولم تنجح مقترحات مصرية وإسرائيلية وأميركية في مارس الماضي، وأوائل أبريل (نيسان) الحالي، في حلحلة الأزمة، بخلاف رفض «حماس» في 17 أبريل الحالي، اقتراحاً إسرائيلياً يتضمَّن هدنةً لمدة 45 يوماً، في مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء.

ويرى اللواء الشحات أن الوسطاء يحاولون حشد المجتمع الدولي والإقليمي، ويحثون واشنطن للضغط على إسرائيل في بند الملف الإنساني لترجمته لهدنة إنسانية في أقرب وقت، مع كبح جماحها في الحرب وتقديم مقترحات توافقية تستغل زيارة ترمب للمنطقة، ورغبته في تحقيق نصر سياسي له بالضغط على نتنياهو للذهاب لاتفاق مرحلي، متضمناً بحث إنهاء الحرب، مؤكداً أن الأخير وصل بهذا الرفض إلى الذروة، وقد يسفر عنه تدخل ترمب ليعلن أنه صاحب تحقيق الهدنة.

وبحسب نهرو جمهور، فإن الوسطاء سيواصلون الضغط لإقناع الطرف الفلسطيني بإبرام اتفاقات مرحلية تمهد لاتفاق شامل، وكذلك بالضغط على الجانب الأميركي لتحجيم رغبات نتنياهو في استمرار الحرب، معتقداً أن واشنطن ليست لديها رغبة في استمرار الصراع لما لا نهاية، وقد تنتصر للمعارضة الإسرائيلية بترتيبات جديدة بالمنطقة؛ منها اتفاق شامل لو استمر تعنت نتنياهو، أو إجباره على اتفاق ولو بشكل مرحلي.