رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية: الرقابة ضرورة في زمن ثورة الاتصالات

خالد المالك أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الصحافة عمل استثماري ومنتج ربحي لا يشترط أن ينطق باسم الدولة ومؤسساتها

خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية
خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية
TT

رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية: الرقابة ضرورة في زمن ثورة الاتصالات

خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية
خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية

يعد خالد بن حمد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» السعودية، من قدامى رؤساء التحرير في بلاده، حيث بدأ عمله رئيسا للتحرير منذ 45 عاما، وارتبط اسمه بنجاح صحيفته وعصرها الذهبي خلال مرحلتي رئاسته لتحريرها، حيث ترك كرسي رئاسة تحرير الجريدة مجبرا لمدة 14 عاما، ليعود إليها مجددا قبل 15 عاما، ويقود الجريدة إلى آفاق من النجاح والمنافسة القوية محليا، وتمكن المالك مع كوكبة من العاملين في مؤسسة «الجزيرة» الصحافية التي تصدر عنها الجريدة في إدارة الصحيفة بمواصفات مؤسساتية حقيقية جعلت الصحيفة تحقق السبق والتميز، بامتلاكها أقدم موقع إلكتروني، وأرشيف إلكتروني، يغطي الجريدة من أول صدورها قبل نصف قرن إلى اليوم، إضافة إلى امتلاكها باقات ومنتجات تقنية متعددة، وتسجيلها أنها أول من امتلك مقرا ومطبعة بين المؤسسات الصحافية المحلية، وتخريجها كوادر صحافية أصبح البعض منهم فيما بعد رؤساء تحرير، وآخرين تبوأوا مناصب قيادية في صحف أخرى داخل السعودية وخارجها.
«الشرق الأوسط» حاورت خالد المالك وخرجت بهذه الحصيلة من المعلومات.

* ماذا بقي في ذاكرتك عن صحافة الأفراد، وهل المقارنة بين صحافة الأفراد وصحافة المؤسسات عادلة بتفضيل الأولى على الثانية من ناحية الجرأة والمحتوى؟
- صحافة الأفراد لا يمكن أن تغيب عن الذهن، فهي بروادها ورموزها ومؤسسيها، وبالدور الطليعي الذي قامت به وتصدت له، إنما هي جزء من تاريخنا الثقافي والاجتماعي والسياسي والصحافي، مثلما كانت هي الصوت والمنبر ولسان حال شعب المملكة منذ بدء توحيدها على يد الملك عبد العزيز وإلى أن تم إيقافها بعد صدور نظام المؤسسات الصحافية.
ومقارنتها بصحافة المؤسسات مقارنة غير عادلة في كل شيء، إذ إنها تميل لصالح صحافة اليوم من حيث الإمكانات البشرية والفنية والمالية، بما في ذلك المحتوى، وما يتصل بالتقنية وثورة الاتصالات التي استفادت منها المؤسسات الصحافية، فقد كان ما يُسمى بصحافة الأفراد فقيرة في مواردها المالية، محدودة الإمكانات فنيا، ضعيفة تسويقيا، هي إلى الصحافة الأدبية المتخصصة أقرب منها إلى مفهوم الصحافة الحديثة، ومع هذا يسجل لأصحابها اقتحامهم لهذا الميدان مبكرا، وتفانيهم في إصدارها بقوالب مهنية تستجيب لتلك المرحلة من التاريخ، وتعبر عن ذائقة فنية وصحافية تلبي بها رغبات قرائها، حيث الأشعار والمقالات الأدبية والاهتمام بالثقافة، مع مساحة مقبولة من الحرية بما كانت تنشره من مقالات لكبار كتابها، لكنها لا تُقارن بالتأكيد بصحافة اليوم من حيث الإمكانات الكبيرة التي تخدم عملها وتساعد على تنوع ما يُنشر فيها، مع تمتعها هي الأخرى بمساحة معقولة من الجرأة في بعض ما يُنشر فيها.
* العاصمة السعودية يوجد بها جريدتان محليتان تتنافسان منذ عقود، هما «الجزيرة» و«الرياض»، فهل تحتاج المدينة التي تحتضن أكثر من 6 ملايين نسمة إلى أكثر من هاتين الجريدتين؟
- ربما كان هذا ضرورة حين صدرت هاتان الصحيفتان قبل نصف قرن، أما الآن فلا أعتقد، فالصحافة الورقية في العالم تعاني من مزاحمة ما يُسمى بالإعلام الجديد، وهناك صحف بالمملكة تأثرت كثيرا من منافسة الصحف الإلكترونية لها، ولا يزال الغموض يحيط بمستقبل الصحافة الورقية، ولهذا فإنَّ المجازفة بإصدار صحف ورقية جديدة سوف يكون هدرا للمال، دون أن يكتب لأي صحيفة ورقية جديدة النجاح، بدليل ما تعانيه الصحف التي صدرت أخيرا من شح في الإعلانات وفي الموارد المالية الأخرى، مع أنها تقدم عملا صحافيا جيدا، بل إن بعض الصحف القديمة بدأت هي الأخرى في التراجع إعلانيا، وتقلصت أرباحها عن ذي قبل، مما يعني أن الحاجة لم تعد قائمة لإصدار صحف ورقية جديدة.
* هناك عهدان لك مع رئاسة تحرير جريدة «الجزيرة» (العهد المالكي الأول، والعهد المالكي الثاني)، أيهما تراه عصرك وعصر «الجزيرة» الذهبي؟
- يفترض أن يوجه هذا السؤال لغيري، لكني لا أجد حرجا في الإجابة عليه، فـ«الجزيرة» في فترتي الأولى كما هي في الفترة الثانية بقيت دائما في الصف الأول من حيث المستوى والانتشار والأرباح وحجم الجهاز الصحافي والتأثير في المجتمع، وما كان هذا ليتحقق لولا دعم مجلس إدارة المؤسسة ومساعدة المدير العام وتعاون الزملاء من قيادات صحافية وإدارية وزملاء صحافيين وفنيين كثر بالمؤسسة.
* هل ما زلت مسكونا بهاجس إقالتك من كرسي رئاسة تحرير صحيفة «الجزيرة» قبل سنوات في حدث معروف للجميع، وهل ما زال الظرف الذي تسبب في هذه الإقالة ملازما لك ومؤثرا على عطائك وفضاء التحرك والرقيب في داخلك؟
- لم يبق من تلك الإقالة إلا الدروس التي تعلمتها والذكريات التي لن أنساها، وما عدا ذلك فأنا أمارس عملي وأتعامل معه كما كنت أفعل من قبل، أجتهد في أخذ القرار المناسب وبالشجاعة ذاتها والثقة والإيمان التي كنت وما زلت أحتمي بها في أسلوب عملي، بمعنى أن غيابي عن صحيفة «الجزيرة» أكثر من 14 عاما ثم عودتي لها منذ 15 عاما لم يغير من عطائي، ولا أشعر بما سميته في سؤالك تحرك الرقيب في داخلي إلا بمقدار ما يخدم صحيفة «الجزيرة» ويرضي ضميري وخدمة وطني.
* هل أنت راضٍ عن الأرقام التي تعلنونها يوميا عن إجمالي المطبوعات لأعداد الجريدة وصافي المبيعات والاشتراكات والنسخ المرتجعة؟
- أنا راضٍ كل الرضا عنها، فهي أرقام موثقة وتعلنها شركة محايدة وهي الشركة الوطنية للتوزيع التي تملكها المؤسسات الصحافية، لأنها تظهر مصداقية «الجزيرة» وشفافيتها بإعلان أرقام توزيعها يوميا دون بقية الصحف ولأول مرة في المملكة حيث يبلغ ما يطبع منها أكثر من 150 ألف نسخة يوميا، لكني أتطلع مع هذا الرقم الكبير أن نتمكن في المستقبل القريب من زيادة حجم المطبوع من الصحيفة لتلبية الطلب عليها.
* خضتم قبل سنوات معارك مع جارتكم «الرياض» وحصلت مناكفة بينكم وبين رئيس تحريرها تركي السديري حول حضور الجريدتين في البلاد وترتيبهما في الانتشار، وهي معارك غير معهودة من قبل، هل ترى أن هناك وجاهة لقيام مثل هذه المعارك؟
- السوق تتسع لـ«الجزيرة» و«الرياض» ولباقي الصحف السعودية والوافدة، فهناك قارئ وهناك معلن وهناك كاتب وكل من هؤلاء يختار صحيفته المفضَّلة، ولا قيمة أو تأثير لأي معارك من هذا النوع تقوم بين المسؤولين في الصحف في تغيير مسار وجهات نظر هؤلاء، لكن الإنسان يكون أحيانا في موقع الدفاع عن صحيفته حين يأتي من يجادل أو يسيء إليها فيخوض مضطرا معارك لا يؤمن بها، وبالتالي فأنا أنصح الصحافيين الشباب باعتبار أي معارك كتلك التي أشرت إليها في سؤالك إنما هي توجه لا يخدم العمل الصحافي ولا يضيف له أي قيمة يعتد بها، فالتعايش والتعاون وترك الحكم للقارئ في مستوى واختيار أي صحيفة هو الأسلوب الأمثل للمنافسة الشريفة.
* هيئة الصحافيين التي كنت نائبا لرئيس مجلس إدارتها لدورتين، هناك إجماع بأنها ولدت ميتة، وهذا الرأي لم يأت من فراغ.. أين يكمن الخلل في الهيئة وكيف لمست أداءها؟
- هذا كلام صحيح وواقعي، وأنا شريك في المسؤولية عن هذا الانطباع خلال مرحلة التأسيس وفي الدورتين اللتين كنت فيهما نائبا لرئيس مجلس الإدارة، ولهذا لا أملك إلا الاعتذار للزملاء لأننا لم نحقق شيئا يستجيب لتطلعاتهم، وبنظري فإنَّ الخلل يكمن في عدم تفرغ القائمين على الهيئة، وبالتالي ضعف الاهتمام بها، مع أن تنشيطها لا يتطلب إلا جزءا من أوقات أعضاء مجلس الإدارة، لو صاحبه حماس وسماع لوجهات نظر الصحافيين، كما أنني لا أعفي أعضاء الجمعية العمومية من المسؤولية، فالزملاء لم يقدّموا مقترحات تساعد المجلس على تبني الجيد منها.
* كرئيس تحرير لصحيفة ورقية، هل تراهن على صمود مثل هذا النوع من الصحافة أمام الصحافة الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي؟
- لا أحد يراهن على المستقبل، فهذا في علم الغيب، ولكن في ظل المعطيات يمكن القول إن الصحافة الورقية ستبقى صامدة ما بقيت مساحات الإعلان فيها كما هي الآن، مستمرة طالما ظلت الصحافة الإلكترونية فقيرة إعلانيا، أراهن على استمرار الصحافة الورقية إذا ما استمرت الصحافة غير الورقية تعتمد على الاجتهادات والعمل الفردي غير المؤسساتي، وكذلك إذا ما استمر محتواها ضعيفا مقابل المحتوى الجيد في الصحافة الورقية، ومع هذا فإنَّ فرصة التعايش بينهما يمكن أن تستمر لسنوات قادمة وإلى أن يتغيّر الحال عمَّا هو عليه الآن.
* لماذا أغلب رؤساء التحرير لدينا في السعودية يعمرون في هذه المناصب؟
- إذا ما استثنينا 3 من رؤساء التحرير في 3 صحف، فإنَّ التدوير بين رؤساء التحرير في بقية الصحف هو السائد، بل وللحقيقة فإنَّ الصحف التي أمضى رؤساء تحريرها سنوات طويلة هي الصحف الأكثر نجاحا في الانتشار والإعلان وحجم الأرباح، وهي بميزانياتها الضخمة وعدد الصحافيين الكثر فيها هو ما جعلها تتمتع بهذا الوضع الصحافي المتميز ويبقى رؤساء تحريرها على رأس العمل كل هذا المدة الطويلة، ويجب ألا يغيب عن الأذهان أن المؤسسات الصحافية مؤسسات أهلية غير حكومية وإبقاء رؤساء التحرير أو الاستغناء عنهم تحكمه أسباب وقناعات تملك مجالس الإدارة والجمعيات العمومية بالمؤسسات الصحافية بناء عليها الإبقاء عليهم أو التفاهم على الاستغناء عنهم، ولو لم يكن أداء القدماء من رؤساء التحرير مرضيا ومنتجا لما بقوا كل هذه المدة الطويلة التي أشرت إليها في سؤالك.
* الدول المتقدمة لا يوجد بها حقيبة وزارية للإعلام، فهل تؤيد بقاء وزارات الإعلام في الدول العربية ودول العالم الثالث، أم ترى أن هناك ضرورة لإلغائها؟
- حتى الآن لا أجد أمامي مبررات مقنعة لإلغائها، وربما كان بقاؤها أفضل من إلغائها، على أن يواكب استمرارها تفعيل دورها في تطوير وسائل الإعلام وخدمة الإعلاميين، ضمن مواكبة وتفاعل ومتابعة للمستجدات والمتغيرات في مجال الإعلام، مع ملاحظة أن التشكيل الوزاري وعدد الحقائب الوزارية وتخصصاتها تختلف من دولة لأخرى ولا يقتصر ذلك على وزارات الإعلام فقط.
* أيهما أصعب عليك كرئيس تحرير (الرقابة الذاتية) أم الرقابة (الرسمية)، وهل يحتاج الواقع اليوم أمام ثورة الاتصالات والمعلومات المتوافرة بسهولة إلى رقابة؟
- لم أجرِّب الرقابة الرسمية بتفاصيلها ومتطلباتها منذ بدء عملي رئيسا للتحرير قبل 45 عاما، وبالتالي لا أملك ما أجيب به عن سؤالك، لكني أستطيع القول إن الرقابة الذاتية التي مارست فيها دور الرقيب كرئيس للتحرير كانت ولا تزال تعتمد على الخبرة والشعور بالمسؤولية، والبعد عن كل ما يشوه رسالة الصحيفة باجتهادات تصيب أحيانا وتخطئ أحيانا أخرى، وأعتقد أنه مع ثورة الاتصالات تكون وسائل الإعلام وبينها الصحف أكثر حاجة إلى مراجعة وتدقيق ما ينشر فيها، والتأكد من أنها تلتزم بأخلاقيات المهنة والسمو بالكلمة، حتى تحتفظ الصحيفة باحترام القراء لها وتحافظ على مصداقيتها، ومن دون أن تتخلى عن دورها ومسؤولياتها التي صدرت الصحيفة من أجلها.
* دخلت عالم التأليف وأنت رئيس تحرير في عهدك الثاني أيهما أصعب عالم التأليف أم رئاسة التحرير، وهل ثمة عامل مشترك يجمع بينهما؟
- التأليف كما العمل الصحافي مسارهما واحد، الفرق بينهما أن رئاسة التحرير تجعلك مسؤولا عن كل ما ينشر في الصحيفة لغيرك، في حين أن الكتاب هو بقلمك وجهدك الشخصي دون مشاركة فيه من آخرين، ولكل منهما خاصيته في الجهد والعمل، وكلاهما يمكن أن يوصف بالصعب إذا ما أراد رئيس التحرير (المؤلف) أن يرضي ضميره ويقدّم عملا يقتنع به ويقنع به غيره، والعامل المشترك بين أن تكون رئيسا للتحرير أو مؤلفا أو تجمع بينهما أنك تتعامل مع ثقافة وفكر وصحافة وتقدّم نفسك لقرائك بما يتحدث به كتابك أو صحيفتك.
* هل يُفترض أن تكون الصحافة في بلادنا ناطقة باسم الدولة ومؤسساتها، ومعبرة عن آلام وآمال مواطنيها، أم أنها منتج إعلامي ربحي؟
- لا يُفترض بالصحافة غير الحكومية، كالصحف السعودية، أن تكون ناطقة باسم الدولة ومؤسساتها، وهي كذلك بالنسبة للمملكة؛ إذ إن الناطق باسمها هي وسائل إعلامها الحكومية. أما أنها معبرة عن آلام وآمال المواطنين فهذا جزءٌ من رسالتها؛ وينبغي أن تقوم بذلك. وهذا لا يلغي أن الصحافة غير الحكومية عمل استثماري ومنتج إعلامي ربحي، كشأن كل استثمار في الإعلام في جميع دول العالم، كما لا يمنع أن تكون الصحافة غير الحكومية داعما ومساندا لتوجهات الدولة، بما يعزز أمنها واستقرارها وتقدمها.
* تميزت مؤسسة «الجزيرة» الصحافية بتبنيها كراسي بحثية في الجامعات.. ما الجدوى من هذه الكراسي وانعكاساتها على الطرفَيْن؟
- جاءت مشاركة «الجزيرة» بالكراسي البحثية في الجامعات السعودية دعما وتشجيعا منها لهذا التوجُّه الجميل من الجامعات، مع ما يكلفه ذلك من مال كثير، يُصرف من أرباح مؤسسة «الجزيرة» السنوية. وفائدة «الجزيرة» من الكراسي البحثية في الجامعات وجودها وحضورها بين القراء (النخبة) في الجامعات وبين طلابها وكوادرها حصريا. وفائدتها للجامعات أنها تستفيد من وسيلة إعلامية قوية وناجحة ومنتشرة في تبني بعض الأفكار والفعاليات الثقافية والعلمية، بما في ذلك إصدار الكتب، وإقامة ورش العمل، وتنظيم الندوات والمحاضرات، بحسب تخصص كل كرسي في كل جامعة. وهذه الشراكة تمكِّن صحيفة «الجزيرة» كما أشرت من اختيار النخبة ليكونوا من بين قرائها، وتمكِّن الجامعات من إيصال رسالتها عبر صحيفة «الجزيرة»، والاستفادة من الدعم الذي تقدمه الصحيفة لخدمة توجُّه الكراسي ضمن تخصصها. ويدخل ضمن هذا تبادل وجهات النظر بين الجامعات وصحيفة «الجزيرة»، وتبني بعض الأفكار، والعمل على تسويقها وإنجاحها.



تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)
TT

تساؤلات بشأن دور التلفزيون في «استعادة الثقة» بالأخبار

شعار «غوغل» (رويترز)
شعار «غوغل» (رويترز)

أثارت نتائج دراسة حديثة تساؤلات عدة بشأن دور التلفزيون في استعادة الثقة بالأخبار، وبينما أكد خبراء وجود تراجع للثقة في الإعلام بشكل عام، فإنهم اختلفوا حول الأسباب.

الدراسة، التي نشرها معهد «نيمان لاب» المتخصص في دراسات الإعلام مطلع الشهر الحالي، أشارت إلى أن «الثقة في الأخبار انخفضت بشكل أكبر في البلدان التي انخفضت فيها متابعة الأخبار التلفزيونية، وكذلك في البلدان التي يتجه فيها مزيد من الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي للحصول على الأخبار».

لم تتمكَّن الدراسة، التي حلَّلت بيانات في 46 دولة، من تحديد السبب الرئيس في «تراجع الثقة»... وهل كان العزوف عن التلفزيون تحديداً أم الاتجاه إلى منصات التواصل الاجتماعي؟ إلا أنها ذكرت أن «الرابط بين استخدام وسائل الإعلام والثقة واضح، لكن من الصعب استخدام البيانات لتحديد التغييرات التي تحدث أولاً، وهل يؤدي انخفاض الثقة إلى دفع الناس إلى تغيير طريقة استخدامهم لوسائل الإعلام، أم أن تغيير عادات استخدام ومتابعة وسائل الإعلام يؤدي إلى انخفاض الثقة».

ومن ثم، رجّحت الدراسة أن يكون سبب تراجع الثقة «مزيجاً من الاثنين معاً: العزوف عن التلفزيون، والاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي».

مهران كيالي، الخبير في إدارة وتحليل بيانات «السوشيال ميديا» في دولة الإمارات العربية المتحدة، يتفق جزئياً مع نتائج الدراسة، إذ أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن «التلفزيون أصبح في ذيل مصادر الأخبار؛ بسبب طول عملية إنتاج الأخبار وتدقيقها، مقارنة بسرعة مواقع التواصل الاجتماعي وقدرتها على الوصول إلى شرائح متعددة من المتابعين».

وأضاف أن «عدد المحطات التلفزيونية، مهما ازداد، لا يستطيع منافسة الأعداد الهائلة التي تقوم بصناعة ونشر الأخبار في الفضاء الرقمي، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي». إلا أنه شدَّد في الوقت نفسه على أن «الصدقية هي العامل الأساسي الذي يبقي القنوات التلفزيونية على قيد الحياة».

كيالي أعرب عن اعتقاده بأن السبب الرئيس في تراجع الثقة يرجع إلى «زيادة الاعتماد على السوشيال ميديا بشكل أكبر من تراجع متابعة التلفزيون». وقال إن ذلك يرجع لأسباب عدة من بينها «غياب الموثوقية والصدقية عن غالبية الناشرين على السوشيال ميديا الذين يسعون إلى زيادة المتابعين والتفاعل من دون التركيز على التدقيق». وأردف: «كثير من المحطات التلفزيونية أصبحت تأتي بأخبارها عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، فتقع بدورها في فخ الصدقية والموثوقية، ناهيك عن صعوبة الوصول إلى التلفزيون وإيجاد الوقت لمشاهدته في الوقت الحالي مقارنة بمواقع التواصل التي باتت في متناول كل إنسان».

وحمَّل كيالي، الهيئات التنظيمية للإعلام مسؤولية استعادة الثقة، قائلاً إن «دور الهيئات هو متابعة ورصد كل الجهات الإعلامية وتنظيمها ضمن قوانين وأطر محددة... وثمة ضرورة لأن تُغيِّر وسائل الإعلام من طريقة عملها وخططها بما يتناسب مع الواقع الحالي».

بالتوازي، أشارت دراسات عدة إلى تراجع الثقة بالإعلام، وقال معهد «رويترز لدراسات الصحافة»، التابع لجامعة أكسفورد البريطانية في أحد تقاريره، إن «معدلات الثقة في الأخبار تراجعت خلال العقود الأخيرة في أجزاء متعددة من العالم». وعلّق خالد البرماوي، الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، من جهته بأن نتائج الدراسة «غير مفاجئة»، لكنه في الوقت نفسه أشار إلى السؤال «الشائك»، وهو: هل كان عزوف الجمهور عن التلفزيون، السبب في تراجع الصدقية، أم أن تراجع صدقية الإعلام التلفزيوني دفع الجمهور إلى منصات التواصل الاجتماعي؟

البرماوي رأى في لقاء مع «الشرق الأوسط» أن «تخلّي التلفزيون عن كثير من المعايير المهنية ومعاناته من أزمات اقتصادية، دفعا الجمهور للابتعاد عنه؛ بحثاً عن مصادر بديلة، ووجد الجمهور ضالته في منصات التواصل الاجتماعي». وتابع أن «تراجع الثقة في الإعلام أصبح إشكاليةً واضحةً منذ مدة، وإحدى الأزمات التي تواجه الإعلام... لا سيما مع انتشار الأخبار الزائفة والمضلّلة على منصات التواصل الاجتماعي».