تسليم البشير لـ «الجنائية الدولية» ينتظر موافقة البرلمان المؤقت

المدعي العام: المجتمع الدولي يتطلع لمحاسبة مرتكبي الجرائم في دارفور

الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته (أ.ف.ب)
TT

تسليم البشير لـ «الجنائية الدولية» ينتظر موافقة البرلمان المؤقت

الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته (أ.ف.ب)
الرئيس السوداني المعزول عمر البشير خلال جلسة سابقة لمحاكمته (أ.ف.ب)

أكدت مصادر سودانية عليمة وجود «تفاهمات» لدى السلطة الانتقالية لتسليم الرئيس المعزول عمر البشير، واثنين من مساعديه، إلى المحكمة الجنائية الدولية، في لاهاي، التي تطالب بهم منذ أكثر من 10 سنوات، وتتهمهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وجرائم حرب وإبادة، خلال سنوات النزاع في إقليم دارفور. وينتظر القرار موافقة البرلمان المؤقت، المتمثل حالياً في مجلسي السيادة والوزراء.
والتقى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، الذي يزور الخرطوم منذ يومين، رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ووصف اللقاء بالبناء المثمر، حيث أكد له «البرهان» مسؤوليته والتزامه بتحقيق العدالة، وذلك بحسب بيان صادر عن المجلس السيادة.
وقال خان إن التزام السودان بالعدالة أمر غاية في الأهمية في القضايا التي تخضع لأوامر الاعتقال، المعروضة للمحكمة للوصول إلى قرارات تجاهها تحقيقاً للعدالة في الجرائم التي ما كان ينبغي السماح بارتكابها في المقام الأول.
وأكد دقلو، من جانبه، استعداد السودان للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية. وأضاف حميدتي أن اتفاقية جوبا لسلام السودان أقرت مثول المطلوبين أمام المحكمة الجنائية، وأن الأمر متروك للجهات العدلية في كيفية محاكمتهم. وقال مدعى المحكمة، كريم خان، إن المجتمع الدولي يتوقع أن تقوم المحكمة بإنجاز مهمتها في إنصاف الضحايا بتحقيق العدالة، ومحاسبة الذين ارتبكوا الجرائم في دارفور.
وكان مجلس الوزراء السوداني قد أقر بالإجماع، في يونيو (حزيران) الماضي، تسليم البشير ومعاونيه إلى المحكمة الجنائية في لاهاي، إلا أن الجانب العسكري في مجلس السيادة أبدى تحفظات على ذلك. وأمس، قالت المصادر السودانية إنه بات هناك توافق تام بين المجلسين على تسليم المتهمين إلى لاهاي، وإن تسليمهم بات «مسألة وقت».
وتشير المصادر إلى أن البشير الذي يقبع حالياً في سجن كوبر بالعاصمة السودانية طلب تسليمه للمحكمة في لاهاي، حيث تتوفر محاكمة عادلة. كما أن أحد معاونيه، وهو أحمد هارون، قد طالب بالأمر نفسه.
وصادق مجلس الوزراء السوداني، الأسبوع الماضي، على قانون روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، فيما عد خطوة جديدة في اتجاه محاكمة البشير أمام الهيئة القضائية الدولية في لاهاي.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في عام 2009 مذكرة توقيف في حق البشير الذي اتهمته بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال النزاع المسلح في دارفور الذي اندلع في 2003 بين القوات الحكومية مدعومة بميليشيات ومجموعات من المتمردين، وقتل خلاله أكثر من 300 ألف شخص. كما أصدرت مذكرتي توقيف في حق اثنين من مساعديه، وهما وزير الدفاع السابق عبد الرحيم محمد حسين، وحاكم ولاية جنوب كردفان السابق أحمد هارون، المحبوسين في سجن كوبر أيضاً.
وكانت وزيرة الخارجية السودانية، مريم المهدي، لدى لقائها مدعي الجنائية أول من أمس، قد قالت إن مجلس الوزراء قرر تسليم المطلوبين، وإن جلسة مشتركة بين مجلسي السيادة والوزراء ستصادق على القرار في جلسة تعقد قريباً.
ومن المنتظر أن يقدم خان تقريراً لمجلس الأمن الدولي في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، حول مستوى تعاون الحكومة السودانية فيما يتعلق بمثول المتهمين المطلوبين بجرائم الحرب في إقليم دارفور.
وكشف خان عن زيارة مرتقبة لفريق من المحكمة للسودان في سبتمبر (أيلول)، لجمع الأدلة المتصلة بقضية علي «كوشيب» الموقوف على ذمة القضية حالياً، مطالباً بتقديم تسهيلات تعين الوفد على أداء مهامه.
وأضاف أنه مكلف، بحسب التفويض الممنوح له من مجلس الأمن الدولي، بإجراء تحقيقات مستقلة في الأحداث التي وقعت بدارفور. وأشار إلى أن مسؤوليته مراجعة الأدلة والبراهين، وإجراء تقييم حول كفايتها، مشيراً إلى أن ذلك يتطلب تعاون ومساعدة السودانيين في دارفور أو الخرطوم، حول كل الجرائم التي ارتكبت، المتمثلة في القتل الجماعي، والجرائم ضد الإنسانية، والجرائم الأخرى، بصفتها مسؤولية الجميع.
وقال مدعي الجنائية: «سنقوم بإنجاز مهمتنا بما يحقق توقعات المجتمع الدولي، خاصة فيما يتعلق بقرارات مجلس الأمن لتحقيق العدالة تجاه أبطال دارفور الضحايا والأحياء الذين هم جوعى لتحقيق العدالة، ومحاسبة الذين ارتكبوا الجرائم في دارفور».
ومن جهتها، أعلنت النيابة العامة السودانية استعدادها للتعاون المطلق مع المحكمة الجنائية في جرائم الحرب، ورموز النظام السابق المطلوبين للعدالة الدولية، وفي القضايا كافة، خاصة قضية ضحايا حرب دارفور، وتحقيق العدالة لهم.
ويرافق المدعي خلال زيارته للخرطوم التي تستغرق 7 أيام كبير محامي الادعاء جوليان نيكولز، ومستشار المدعي العام توماس لينش، ومستشار التعاون الدولي في مكتب الادعاء داهيرو سانت أنا.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.