ماكرون يسعى إلى تعزيز دور فرنسا «الاستراتيجي» في الشرق الأوسط

هجمة دبلوماسية من باريس باتجاه المنطقة

TT

ماكرون يسعى إلى تعزيز دور فرنسا «الاستراتيجي» في الشرق الأوسط

عندما بكر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالانتقال إلى حصن بريغونسون، المصيف الرسمي للرؤساء الفرنسيين المطل على مياه المتوسط، وصفت أوساط الإليزيه فرصته الصيفية بأنها ستكون «مجتهدة»، بما في ذلك على المستوى الدولي. وجاء المؤتمر الذي نظمه ورعاه في الرابع من أغسطس (آب)، بالاشتراك مع الأمم المتحدة، لتوفير المساعدات الإنسانية للبنان، بمشاركة دولية واسعة، ليكون أول الغيث، ويبين استمرار مساعيه لمد يد العون للبنان، والإصرار على إثبات حضور باريس في هذا البلد. وإن كان ماكرون قد أثبت منذ انفجار المرفأ اهتمامه الخاص بلبنان الذي زاره مرتين، وكاد يزوره مرة ثالثة لولا إصابته بوباء «كوفيد - 19» نهاية العام الماضي، فإن له اهتمامات أخرى في المنطقة، أبرزها في الأسابيع القليلة المقبلة مشاركته في مؤتمر الجوار العراقي في بغداد المنتظر انعقاده في الـ28 من الشهر الحالي، وإعادة تفعيل دور بلاده في الملف النووي الإيراني.
تجدر الإشارة إلى أن ماكرون زار بغداد بداية سبتمبر (أيلول) الماضي، وكذلك استقبل في قصر الإليزيه رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الذي كانت له علاقة سابقة مع أجهزة المخابرات الفرنسية منذ أن كان يدير جهاز المخابرات العراقي، والذي جاء إلى باريس يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) 2020.
وفي جميع المناسبات، حرص ماكرون على التأكيد على تمسك فرنسا باستقلال وسيادة وأمن العراق، واستعدادها لمواكبته في المجالات كافة، بما فيها المجال العسكري والأمني والدفاعي. وتقيم باريس علاقات جيدة قديمة مع إقليم كردستان. ومن هنا، فإن مشاركة ماكرون في مؤتمر، وإن كان تحت اسم إقليمي (مؤتمر الجوار العراقي)، تبدو إلى حد كبير طبيعية. وقد كان لافتاً البيان الذي أصدره قصر الإليزيه عقب الاتصال الهاتفي الذي جرى بين ماكرون والكاظمي، حيث أشار إلى أن الأخير قدم عرضاً لماكرون للتحضيرات الخاصة بالمؤتمر الذي «ينظمه العراق بالتعاون والتنسيق مع فرنسا». ويعني هذا الكلام أن ماكرون لن يكون مشاركاً «عادياً»، بل إن له دوراً يقوم به أبعد من المشاركة.
وحتى اليوم، لم تتوافر بعد لائحة بالقادة العرب والأجانب الذين سيحضرون المؤتمر الذي يعيد العراق، وفق تقديرات غربية، إلى الحلبة الدبلوماسية الإقليمية والدولية، ويوفر دعماً سياسياً للكاظمي ولمشاريعه، بمواجهة المعارضات المختلفة التي يلاقيها محلياً وإقليمياً. يضاف إلى ذلك أن المؤتمر الذي ينعقد قبل شهر ونصف الشهر من موعد الانتخابات العامة سيكون بمثابة عامل دفع لها، باعتبار أن المؤتمرين سيشددون على أهمية إجرائها.
وكانت مجموعة من الوزراء العراقيين قد جالت على كثير من العواصم لنقل دعوات المشاركة، ومنها الرياض وأنقره وطهران والقاهرة وعمَّان. وفيما يستبعد مشاركة سوريا في المؤتمر، وما زالت المشاركات الأوروبية والأميركية مجهولة، فإن حضور ماكرون شخصياً من شأنه الدفع باتجاه نتيجتين رئيسيتين: الأولى تحفيز بعض العواصم على رفع مستوى تمثيلها، والثانية جعل الرئيس ماكرون «واسطة العقد»، باعتبار أن مسؤولين غربيين كالرئيس الأميركي جو بايدن أو رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لن يشاركوا في مؤتمر قد يحضره الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي. والحال أن ماكرون لا يعاني من هذه الإشكالية، إذ إنه كان أول رئيس غربي يتصل مباشرة بـرئيسي، ما يعني أن باريس راغبة في إعادة تنشيط موقعها في الملف النووي الإيراني، مع بدء ولاية الرئيس الجديد، ساعية مرة أخرى للعب دور الوسيط بين طهران وواشنطن، محاولة طرح أفكار وسيطة لإخراج المفاوضات المجمدة في فيينا من الطريق المسدود الذي وصلت إليه بعد 6 جولات و4 أشهر من اللقاءات. وقد اغتنم ماكرون المناسبة ليشدد على ضرورة عودة إيران «السريعة» إلى المفاوضات، وعلى الحاجة إلى أن تتراجع طهران عن انتهاكاتها للاتفاق النووي المبرم صيف عام 2015.
وحتى الساعة، لم تصدر عن رئاسة الوزراء العراقية أي وثيقة تشير إلى المواضيع الرئيسية التي سيعالجها المؤتمرون. ولكن إذا كان من الطبيعي أن تركز على دعم العراق في المجالات كافة، وتعزيز دور الدولة، بما في ذلك في ملف محاربة الفساد والإرهاب، فإن وجود عدة قادة سيفتح الباب أمام التطرق للملفات التي تشغل منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. ويسعى العراق للعب دور الوسيط، وأن يتمتع بمزيد من استقلالية القرار، وهو الواقع وسط منافسة بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران. من هنا، فإن الدعم الدبلوماسي والسياسي الفرنسي والأوروبي سيكون بالغ الفائدة له، إذ سيقوي أوراقه ويفتح أمامه مجالات إضافية على مختلف الصعد، الأمر الذي يحتاج إليه. ومن جانبه، فإن حضور مجموعة من قادة دول المنطقة سوف يوفر بلا شك للرئيس الفرنسي فرصة ذهبية لإجراء جولة واسعة من المشاورات والمحادثات، علماً بأنه كان يخطط للقيام بجولة خليجية، تشمل المملكة السعودية والإمارات والكويت وقطر.
ومن خلال مشاركته الفاعلة القوية في المؤتمر، سيثبت ماكرون حضور بلاده ودورها في هذه المنطقة الاستراتيجية. وحتى اليوم، يتواصل الحضور العسكري الفرنسي في العراق في مجالين: التدريب من جهة، وملاحقة فلول «داعش» من جهة ثانية، وهو ما تقوم به مجموعات كوماندوس فرنسية يتم التعتيم على أنشطتها وحضورها وأعدادها. ودأبت باريس على التأكيد على تمسكها بأمن واستقرار منطقة الخليج. وإذا كان الرئيس ماكرون، ووزير خارجيته جان إيف لو دريان، قد نددا أكثر من مرة بدور وسياسة إيران الإقليمية «المزعزعة للاستقرار»، فإن باريس متمسكة بتواصل الحوار معها، وكذلك إعادة إحياء الاتفاق النووي الذي ترى فيه الوسيلة الأنجع لمنعها من التحول إلى قوة نووية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.