جدل واسع في أميركا حول تحول بعض المؤسسات التعليمية إلى «غير ربحية»

اتهامات لأصحابها بالتلاعب لتحقيق مكاسب

جامعة كيسر في ولاية فلوريدا الأميركية (نيويورك تايمز)
جامعة كيسر في ولاية فلوريدا الأميركية (نيويورك تايمز)
TT

جدل واسع في أميركا حول تحول بعض المؤسسات التعليمية إلى «غير ربحية»

جامعة كيسر في ولاية فلوريدا الأميركية (نيويورك تايمز)
جامعة كيسر في ولاية فلوريدا الأميركية (نيويورك تايمز)

أغلقت بعض الكليات الهادفة للربح في الولايات المتحدة أبوابها إثر الحملة الحكومية على صناعة التدريب المهني التي تتكلف مليارات الدولارات، والقيود الصارمة على المساعدات الطلابية والدعايات المدمرة حول الطلاب المثقلين بالديون الدراسية وأوراق الاعتماد عديمة الفائدة.
غير أن عددا قليلا من الكليات الأخرى تحولت إلى إسقاط العمل الهادف للربح من حساباتها تماما، لصالح مسار آخر أكثر تقليدية لإدارة مؤسسات التعليم العالي. ويبدو، كما تبين، أن قطاع التعليم غير الربحي لا يزال يدر الكثير من الأرباح بالفعل.
ومثل جامعة كيسر في فلوريدا، قامت أسرة كيسر، وهي العائلة المؤسسة والمالكة للجامعة، في عام 2011 ببيع الجامعة إلى كلية غير هادفة للربح معروفة باسم كلية إيفرغليدز، والتي قد أنشأتها ذات العائلة من قبل.
ويتلقى السيد آرثر كيسر، رئيس كلية إيفرغليدز، راتبا سنويا يبلغ 856 ألف دولار، وهو أكثر من الراتب الذي يتلقاه نظيره رئيس جامعة هارفارد في العام، وفقا لبيان عوائد ضرائب الكلية لعام 2012، وهي آخر التقارير المتاحة للجمهور حول ذلك الشأن. فالرجل يتلقى مدفوعات وفوائد على أكثر من 321 مليون دولار كان قد تبرع بها للكلية، غير الهادفة للربح والمعفاة من الضرائب، حتى تتمكن من شراء جامعة كيسر.
كما أن لديه فوائد عن ممتلكات تسدد الكلية حيالها مبلغا يُقدر بـ14.6 مليون دولار للإيجار، فضلا عن سهم في شركة لإيجار الطائرات والتي يستفيد مديرو الكلية من خدماتها بالإضافة إلى فندق هوليداي إن، حيث يقيم فيه موظفو الكلية، كما يظهر من بيان عوائد الضرائب. كما يمتلك أحد أعضاء العائلة حصة ملكية في شركة للحاسوبات توفر خدماتها لذات الكلية.
وتعتبر جامعة كيسر، التي تضم 20 ألف طالب وتتسع لعدد 15 حرما جامعيا، واحدة من عدد قليل من الكليات الهادفة للربح التي تحولت إلى المجال غير الربحي أو تنظر حاليا في اتخاذ تلك الخطوة.
يعني ذلك التحول فرض المزيد من القيود على المشروعات الهادفة للأرباح وفقدان الملكية. غير أن الكليات غير الهادفة للربح - والتي تُعرف بتوفير المصلحة العامة - غير ملزمة بسداد الضرائب، وهي مؤهلة لتلقي بعض من المنح الحكومية من الولاية ويمكنها كذلك تلقي الأموال من برنامج المنح الطلابية الفيدرالي.
وتحذر جمعيات حماية حقوق المستهلك مع الخبراء القانونيين من أن بعضا من تلك المؤسسات قد تعمد إلى التحول بصفة أساسية تجنبا منها للتدقيق والتنظيم الحكومي المتزايد. علاوة على ذلك، كما يقول لويد ماير، وهو عميد وأستاذ القانون المشارك لدى كلية نوتر دام للقانون: «لدينا قلق من أن تلك الكليات غير الهادفة للربح قد توفر فائدة خاصة غير مسموح بها إلى ملاكها السابقين. وذلك النوع من الترتيبات يرفع رايات الإنذار الصفراء».
وقد سخر الدكتور كيسر، الذي أسس جامعة كيسر في عام 1977 بمعاونة من والدته السيدة إيفلين التي تبلغ من العمر (91 عاما) حاليا، من تلك الانتقادات قائلا: «كان هدفي هو تكوين إرث لعائلتنا»، وبالتحول إلى المجال غير الربحي «يعتبر تحولا طبيعيا بالنسبة لنا، وبالنسبة لطلابنا كذلك». مما يسمح للمؤسسة التعليمية بالتوسع لكي تصبح جامعة مجتمعية.
وقال إن العائلة قررت منذ فترة طويلة الانتقال إلى القطاع غير الهادف للربح، ووضعت حجر الأساس لذلك في عام 1998 عندما ابتاعت أول كلية صغيرة في فلوريدا ثم تحولت إلى كلية إيفرغليدز غير الهادفة للربح. وتقدم جامعة كيسر حاليا 100 درجة وشهادة جامعية في المجالات التي تشمل فنون الخبز والمعجنات، والتمريض، والعلوم السياسية.
ويقول السيد كيسر إنه بالنسبة لأي تضارب في المصالح المالية «لقد أفصحنا عن كل شيء. ولا يوجد خطأ حيال الأمر برمته». وكان الدكتور كيسر، وهو مرشح الحزب الجمهوري بمجلس النواب لرئاسة هيئة إدارة التعليم، رئيسا سابقا لمجلس إدارة رابطة كليات القطاع الخاص، والتي رفعت دعوى قضائية في نوفمبر (تشرين الثاني) لمواجهة اللوائح الفيدرالية الجديدة. مما يتطلب من الكليات الهادفة للربح والمدارس التجارية إثبات أن طلابهم سوف يتمكنون في نهاية المطاف من جني الأموال اللازمة لسداد ديونهم الدراسية.
وجاءت تلك القواعد نتيجة لشكاوى طويلة الأمد من أن الصناعة تجتذب غالبية الطلاب الفقراء وطلاب الأقليات وفقا لمعلومات مضللة حول قيمة الدرجات الجامعية الممنوحة والتكاليف الدراسية بها، ومن ثم تقييدهم بالديون الطويلة المرهقة.
وتفيد التقديرات الصادرة عن إدارة الرئيس أوباما بأن نحو 1400 برنامج تضم 840 ألف طالب في طريقها للفشل حيال قواعد العمل المربح الجديدة. وإذا ما أخفقت بالفعل، يصبح من حق الحكومة فرض العقوبات التي تؤدي في نهاية الأمر إلى وقف المساعدات والقروض الفيدرالية للطلاب، والتي هي عصب الحياة لتلك الكليات. تتلقى الكليات الهادفة للربح ما مقداره 30 مليون دولار سنويا في صورة المساعدات الطلاب التي يمولها دافعو الضرائب.
وتعاني بعض المؤسسات التعليمية من المشكلات بالفعل، حيث تعرضت سلسلة كليات كورينثين الهادفة للربح، والتي تلقت ذات مرة 1.4 مليار دولار في العام من أموال دافعي الضرائب، للانهيار تقريبا عقب سلسلة من التحقيقات والدعاوى القضائية من قبل حكومة الولاية والحكومة الفيدرالية.
وعارضت الكليات الهادفة للربح القواعد الجديدة بشدة، دافعة بأنه من شأنها تقويض المؤسسات التعليمية التي تعمل في خدمة الطلاب الذين ليست أمامهم إلا خيارات تعليمية أخرى قليلة. ويشير المدافعون إلى أن بعض الكليات تمتلك بالفعل سجلات تخرج جيدة وأفضل من الكليات المجتمعية وتتمتع بميزة أفضل من حيث التجاوب مع سوق العمل دائم التقلب.
وفتحت الولايات خطا هجوميا جديدا، حيث يعمل ما لا يقل عن 24 مدع عام على التحقيق في ما إذا كانت الكليات الهادفة للربح، والخاضعة لسلطانهم القضائي، قد انخرطت بالفعل في الإعلانات الدراسية الوهمية، أو ممارسات التوظيف غير القانونية، أو مخططات القروض المنهكة للطلاب.
وخضعت جامعة كيسر للتحقيق من قبل المدعي العام بولاية فلوريدا قبل بيعها إلى الكلية غير الهادفة للربح المملوكة لذات العائلة. وفي عام 2012، توصلت الجامعة لتسوية ووافقت على تقديم إعادة التدريب المجاني لآلاف الطلاب لديها، غير أن الجامعة لم تقر بارتكاب أي ممارسات مخالفة.
في نوفمبر (تشرين الثاني)، تقدم روبرت شيرمان، وهو ناقد شرس للصناعة التعليمية ومسؤول سابق في وزارة التعليم، بشكوى أمام إدارة الإيرادات الداخلية متهما السيد كيسر وثلاثة من أعضاء المجلس بانتهاك لوائح الضرائب واستخدام الضوابط غير الهادفة للربح في تحقيق مآرب شخصية.
وفقا لبيان عوائد الضرائب لكلية إيفرغليدز عام 2012، يمتلك أحد الأعضاء التسعة بمجلس الكلية نشاطا تجاريا يوفر للكلية نظاما رقميا لإيداع الملفات. كما يمتلك أحد أعضاء العائلة الآخرين وهو عضو ثان بالمجلس شركة كاتينغ إيدج لحلول التوظيف والتي تستفيد الكلية من خدماتها. وهناك عضو ثالث، يمتلك شركة لصيانة أحواض السباحة في فلوريدا، كان قد تلقى حصة من صافي الأرباح من برنامج الهندسة المائية.
وجاء رد من كيسر عبر البريد الإلكتروني يقول إن كل الترتيبات المالية «تخضع للقيم والشروط السوقية المنصفة»، وأن الكلية تلتزم بـ«مبادئ التدقيق والمحاسبة المقبولة عموما» وعلى النحو المنصوص عليه لدى إدارة الإيرادات الداخلية.
قُدرت قيمة جامعة كيسر بمبلغ 521 مليون دولار، كما يبدو من بيان الضرائب المذكور. وقال الدكتور كيسر، إن التقييم جاء من قبل اثنين من مراقبي الحسابات المستقلين. وقدم الدكتور كيسر قرضا بمبلغ 321 مليون دولار إلى كلية إيفرغليدز لصالح عملية البيع وتبرع بالكثير من المبلغ المتبقي، وهي هبة خيرية اقتطعت عشرات ملايين الدولارات من فاتورة ضرائبه. وتحتفظ عائلة كيسر بمصلحة ملكية الأرض والعقارات بالكلية.
اتبع ملاك آخرون ذات المنهج في تمويل شراء كلياتهم الهادفة للربح من خلال مجموعة من القروض والتبرعات المعفاة من الضرائب حيال الكليات غير الهادفة للربح التابعة لهم. والمؤسسة الجديدة المعفاة تماما من الضرائب تؤجر المكان من الملاك الأصليين مقابل قيمة إيجارية سنوية تقدر بعدة ملايين من الدولارات. في غالب الأمر يكون فريق الإدارة لما قبل وما بعد البيع هو نفس الفريق.
وتمتلك وزارة التعليم حق التصديق النهائي على التحول إلى الوضعية غير الهادفة للربح، بعد مراجعة الالتزامات المالية للكلية والإمكانيات الإدارية بها. ولك ترفض الوزارة أي طلب في هذا الصدد حتى الآن.
ويقول ديفيد هالبرين، وهو محام من واشنطن ومؤلف كتاب بعنوان: سرقة مستقبل أميركا - كيف تسرق الكليات الهادفة للربح دافعي الضرائب وتدمر حياة الطلاب.. «لا أعتقد أن أي شخص ذي معرفة مبدئية بكيفية إدارة المؤسسات غير الهادفة للربح وبصناعة الكليات الهادفة للربح سوف يُخفق في استنتاج أن الصفقات يجري ترتيبها لصالح الملاك الأصليين وأن الملاك السابقين يكتسبون أموالا طائلة من المؤسسات غير الهادفة للربح». كما يقول نيل ليفكويتز، وهو محام كذلك من واشنطن ومتخصص في التحولات التي تتضمن الشركات التعليمية: «إن مثل ذلك التوصيف يلطخ سمعة الصناعة بأكملها. لقد تعرض مفهوم التعليم الهادف للربح للكثير من التجريح، وتشعر الكثير من المؤسسات التعليمية بوطأة ذلك عليها».
في عام 2012، باع كارل بي. بارني الكثير من الكليات الهادفة للربح، بما في ذلك كلية ستيفنز هيناغر أميركا وكلية كاليفورنيا، إلى مؤسسة تعليمية صغيرة غير هادفة للربح مقرها مدينة دنفر تعرف باسم مركز الامتياز في التعليم العالي، والتي، وفقا لوثائق المحكمة، تتألف من عضو وحيد: السيد بارني، رئيس مجلس الإدارة.
وأقرض السيد بارني المؤسسة غير الهادفة للربح مبلغ 431 مليون دولار لأجل عملية البيع، وتبرع بملايين أخرى، كما يبدو من بيان عوائد الضرائب ووثائق المحكمة. كما جمع ما يقرب من 5.1 مليون دولار مقابل إيجار الكليات في عام 2013. وتبلغ قيمة الأصول غير الملموسة - مثل سمعة الكليات وأسرارها التجارية الخاضعة لحقوق الملكية الفكرية - مبلغ 419 مليون دولار.
وأقيمت دعوى قضائية بمشاركة وزارة العدل خلال العام الماضي وأشارت إلى أن عملية البيع، في جزء منها على أدنى تقدير، تمت بهدف التهرب من بعض المتطلبات التنظيمية التي يُعمل بها في الكليات الهادفة للربح، وأن الكليات لا تزال تعمل، بصورة أقل أو أكثر، بذات الطريقة التي كانت تعمل بها قبل الاندماج.
في ديسمبر (كانون الأول)، قاضى المدعي العام في كولورادو السيد بارني وكلياته إثر ممارسات مضللة وغير مشروعة. وقال السيد بارني: «تلك الادعاءات عارية تماما عن الصحة كما أنها تشوه سمعتنا. ولسوف نقاتل للدفاع عن أنفسنا حتى النهاية».
وسخر من فكرة أنه يكتسب أي أموال من الكليات أو من المركز، وهي المنظمة المكرسة بالكامل للتحررية وفلسفة السوق الحر لدى آين راند، وأضاف: «لا يمكنك جني الأرباح من مؤسسة غير هادفة للربح».
في عام 2011، بيعت كلية ريمنغتون، وهي إحدى كليات فلوريدا الهادفة للربح، إلى مؤسسة غير هادفة للربح، حيث تبرع الملاك بمبلغ 136 مليون دولار لصالح عملية البيع، وفقا لبيان عوائد الضرائب لعام 2013.
وفي يناير (كانون الثاني)، أعلنت جامعة هيرزينغ، ومقرها في ولاية ويسكونسن وتمتلك فروعا في 8 ولايات، أنها استكملت تحولها إلى مؤسسة غير هادفة للربح معفاة من الضرائب. وتحاول جامعة غراند كانيون في فينكس التحول من شركة للتداول العام تبلغ قيمتها مليارا دولار إلى مؤسسة غير ربحية.
ونظرا لوصمة العار التي تلاحق الكليات الهادفة للربح الآن، صارت الوضعية غير الربحية حاليا من الأدوات التسويقية بالغة الأهمية.
ويقول السيد ليفكويتز: «إن بعضا من الكليات لا تقوم بذلك لأجل التهرب من اللوائح فعليا. إنهم لديهم مشكلات حقيقية في اجتذاب الطلاب إلى كلياتهم».

* خدمة «نيويورك تايمز»



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).