لبنان.. «العرف» دستور خفي

حكومات تؤلف خلافا للنصوص الدستورية.. والوزارات «مغانم»

لبنان.. «العرف» دستور خفي
TT

لبنان.. «العرف» دستور خفي

لبنان.. «العرف» دستور خفي

ينص الدستور اللبناني على قواعد واضحة تنظم عملية تأليف الحكومات وطريقة عملها، وكيفية استقالتها. غير أن هذه النصوص تصبح بمثابة الحبر على ورق عندما يتدخل «العرف» في أدق التفاصيل، خصوصا عندما يكون العرف دستورا، إذ يكاد يكون جزءا من الدستور نفسه لكنه غير مكتوب.. فقط «تفاهم» الزعماء حوله.
ويعد الدستور اللبناني «العرف» مصدرا للتشريع، أي بمعنى أن كل ما يتعارف عليه بين مكونات المجتمع اللبناني يصبح عرفا، إذا لم يعترض عليه أحد، وإذا استمر العمل به فترة طويلة. وأول الأعراف التي ابتدعها اللبنانيون كان التقاسم الطائفي للسلطة عام 1943. حينها اجتمع الزعماء اللبنانيون وتوافقوا على تقاسم السلطة بين المسيحيين والمسلمين، بحيث ينال المسيحيون 6 نواب مقابل 5 للمسلمين، وأن تكون رئاسة الجمهورية للموارنة، وكذلك قيادة الجيش وقيادة الأمن العام، فيما ينال المسلمون رئاستي مجلس النواب (الشيعة) والحكومة (السنة). لم يكن ثمة نص مكتوب، لكن تغيير هذا العرف استلزم حروبا أهلية طاحنة انتهت آخرها عام 1990 باتفاق الطائف الذي أقر المناصفة بين المسلمين والمسيحيين، لكن هذه المرة بنص مكتوب، فيما بقي توزيع الرئاسات الثلاث «عرفا» معمولا به حتى اليوم.

أتى اتفاق الطائف يكرس العرف الطائفي بنص دستوري مكتوب، لكنه أضاف أيضا عرفا آخر غير مكتوب أتى بمثابة حل لمطالبة الطائفة الشيعية بتمثيلها في «توقيع» القوانين، حيث اقترح بداية رئيس مجلس النواب الحالي نبيه بري، في محادثات السلام التي عقدت في جنيف ولوزان منتصف الثمانينات، أي قبل التوصل إلى اتفاق الطائف عام 1989، أن يصار إلى استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، بحيث يسند إلى الطائفة الشيعية لتشترك الطائفة في توقيع القوانين من خلاله، علما بأن حق توقيع القوانين يعود لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء بالإضافة إلى الوزراء كل حسب اختصاصه، لكن هذا الاقتراح لم يبصر النور لمخالفته النظام البرلماني الذي لا يلحظ منصب نائب الرئيس.
وتجدد الاقتراح خلال المناقشات التي كانت تجري لإقرار الطائف من قبل رئيس مجلس النواب حسين الحسيني، لكنه لم يبصر النور أيضا. وقيل حينها إن تسوية جرت في الكواليس تقضي بالتعهد بإعطاء وزارة المال إلى الشيعة، كون وزير المال يوقع معظم القوانين التي تتعلق بإنفاق مالي، مما يجعله شريكا في القرار.
مشى هذا التقليد، في عدة حكومات، فكان النائب علي الخليل وزيرا للمال في حكومة الرئيس سليم الحص، في أول عهد الرئيس إلياس الهراوي الذي انتخب إثر تسوية الطائف، فيما أعطيت وزارة الدفاع إلى طائفة الروم الأرثوذكس، ووزارة الداخلية للموارنة، ووزارة الخارجية للطائفة السنية. وهذه الوزارات اصطلح على تسميتها بالوزارات السيادية التي تسند للطوائف الأربع الكبرى (الموارنة والسنة والشيعة والأرثوذكس)، فيما تتوزع بقية الحقائب الوزارية على بقية الطوائف. وفي الحكومة التي تلتها، والتي ألفها الرئيس عمر كرامي، حافظ الأخير على التقليد، فأسند وزارة المال إلى الوزير الخليل، لكنه أسند الداخلية إلى سني والخارجية إلى ماروني والدفاع إلى أرثوذكسي. وكذلك فعل الرئيس رشيد الصلح في حكومته التي كانت الثالثة في عهد الهراوي، والثانية بعد إقرار الطائف وتعديل الدستور، فكانت وزارة المال من نصيب الوزير أسعد دياب. وأسند أيضا الداخلية إلى سني والخارجية إلى ماروني والدفاع إلى أرثوذكسي.
ولم يصمد التقليد، ليتحول عرفا. ففي عام 1995 وصل الرئيس الراحل رفيق الحريري إلى رئاسة الحكومة. ولما كان مشروعه الاقتصادي يحتاج إلى حضور وازن لوزارة المال، طالب بإسناد الحقيبة إلى أحد المقربين منه، فؤاد السنيورة، لكن الأمر ووجه بالرفض، فكانت التسوية أن يكسر العرف من أجل الحريري لا من أجل غيره، فأسندت إليه الحقيبة، فيما عين السنيورة وزير دولة للشؤون المالية للقيام بمهام وزير المال التي لن يقوى الحريري على القيام بها بسبب التزاماته الأخرى. حينها أسندت وزارة الدفاع إلى الشيعة، فيما بقيت وزارة الخارجية من نصيب رئيس الجمهورية عبر صهره الوزير فارس بويز (ماروني) الذي شغل المنصب في الحكومتين السابقتين. وذهبت وزارة الداخلية إلى طائفة الروم الأرثوذكس.
وفي حكومة الحريري الثانية، تكرر السيناريو نفسه في التوزيع الطائفي، مما كسر العرف نهائيا ومهد في وقت لاحق لتولي السنيورة الحقيبة مباشرة، كما سمح للرئيس سليم الحص الذي شكل الحكومة بعد اعتذار الحريري عن عدم ترؤس أولى حكومات عهد الرئيس إميل لحود، بتعيين مسيحي من طائفة الروم الأرثوذكس في وزارة المال، وبقيت الدفاع مع الشيعة، فيما ذهبت الخارجية إلى الطائفة السنية، وبقيت الداخلية مع الأرثوذكس.
ومع عودة الحريري إلى الحكم بعد فوزه الساحق في انتخابات عام 2000، عادت المالية إلى وصايته، عبر السنيورة، فيما ذهبت الخارجية إلى الشيعة، للمرة الأولى، لتكرس في ما بعد عرفا بإعطاء هذه الوزارة للطائفة الشيعية لا يزال مستمرا حتى اليوم، مع خرق وحيد كان في حكومة الحريري الثانية، عندما أسندت الخارجية إلى وزير ماروني، وأعطيت فيها وزارة الدفاع للشيعة.
وفي حكومة الرئيس عمر كرامي التي تلتها في عام 2003، كانت وزارة الخارجية من نصيب الشيعة، ووزارة المال من نصيب الأرثوذكس، والدفاع للسنة والداخلية للموارنة. وفي حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي تلت اغتيال الرئيس الحريري وسقوط حكومة كرامي، كانت وزارة المال من نصيب ماروني، ووزارة الدفاع من نصيب أرثوذكسي، ووزارة الداخلية من نصيب سني، فيما بقيت الخارجية مع الشيعة. واعتمد الترتيب نفسه في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى بعد انتخابات عام 2005، أما في حكومة السنيورة الثانية التي شكلت بعد تسوية الدوحة، والاتفاق الشهير الذي مهد لوصول الرئيس ميشال سليمان إلى السلطة، فقد أسندت وزارة الداخلية إلى ماروني، ووزارة الدفاع إلى أرثوذكسي، فيما أعطيت وزارة المال إلى السنة (الوزير محمد شطح الذي اغتيل في ديسمبر/ كانون الأول، الماضي)، وبقيت الخارجية شيعية.
وفي أولى حكومات الرئيس سعد الحريري، كان الترتيب ذاته: الخارجية شيعية، والمالية سنية والدفاع أرثوذكسية، والداخلية مارونية، وهو الترتيب نفسه الذي تكرر مع حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 بعد إسقاط حكومة الحريري.
وإذا كانت «الوزارات السيادية» هي الأكثر أهمية، بالنسبة إلى الطوائف الكبرى، فإن بعض الوزارات تعطى أهمية وفقا لحاجات من يتولاها من الفرقاء السياسيين. فرئيس مجلس النواب نبيه بري رفض أن يدخل الحكومة الأولى في عهد الرئيس الهراوي، إلى أن أسندت إليه وزارة خاصة بالجنوب أعطته القدرة على تنفيذ المشاريع المختلفة في منطقة الجنوب التي يتركز فيها نفوذه السياسي والانتخابي. واستفاد بري من هذه الوزارة لتعزيز حضوره شعبيا عبر مشاريع المدارس والطرقات ومشاريع الري وسواها، ولهذا أيضا حافظ قدر الإمكان على وزارة الطاقة والموارد المائية التي بقيت من نصيب وزراء من حصته لفترة طويلة.
أما النائب وليد جنبلاط فكانت له وزارة مماثلة، هي وزارة المهجرين، التي سمحت له بتعزيز نفوذه في مناطق جبل لبنان، من حيث التقديمات. كما كانت وزارة الأشغال من حصته في معظم الوزارات التي شارك فيها بفريقه السياسي.
أما الرئيس رفيق الحريري فكان اهتمامه الأول اقتصاديا - ماليا - إعماريا. ولهذا سعى دائما للحصول على وزارات تتعلق بهذه المشاريع، فيما كان الرئيس إلياس الهراوي مهتما بمنصب وزير الخارجية. أما الجنرالان الآخران اللذان قدما إلى الرئاسة لاحقا، أي الرئيس إميل لحود والرئيس ميشال سليمان، فقد حرصا على نيل الوزارات الأمنية والعسكرية، فكانت وزارتا الدفاع والداخلية من حصتهما الدائمة.
وتبقى لكل وزارة قصتها وأهميتها، وفقا لحاجة الزعماء السياسيين إليها. فحلفاء سوريا كانوا يحصلون دائما على وزارة العمل التي تعنى بشؤون العمالة - وأكثرها في لبنان سورية - فكان يتولاها وزراء بعثيون أو وزراء من الحزب السوري القومي الاجتماعي، بشكل حصري. وعندما خرج الحزبان من الحكومة بعد عام 2005، تولاها حزب الله. أما وزارة الاتصالات فقد لمع نجمها مع دخول الجوال إلى لبنان، ومداخيله الهائلة. ثم تحولت الوزارة إلى حاجة أمنية، مع بدء عمليات الاغتيال وحاجة التحقيقات إلى تعاونها. وقد لقي المحققون صعوبات بالغة في التعامل مع هذه الوزارة عندما تولاها أعضاء في قوى «8 آذار». أما وزارة الطاقة والمياه فقد تحولت بين ليلة وضحاها إلى «سوبر وزارة» مع الاكتشافات النفطية الواعدة. ولهذا يتمسك بها النائب ميشال عون لتكون من حصة صهره وزيرها الحالي، فيما ينافسه عليها الرئيس بري الذي كان أول من أثار قضية التراخي اللبناني في التعامل مع ثروته النفطية، وطالما رفع الصوت عاليا لاستغلال هذه الثروة. وقد وصل الأمر بالوزير باسيل إلى ربط الوزارة بـ«حقوق المسيحيين» في لبنان، معتبرا أن «حقيبة النفط هي ضمانة جديدة للمسيحيين، فيها الإنماء المتوازن الغائب عنهم منذ 25 عاما»، متسائلا «هل يجوز حرمان الكتلة المسيحية الكبرى من حقيبة سيادية؟ ومن واجب المسيحيين أن يجمعوا على الأمر، فالكتلة المسيحية الكبرى هي يوم لنا ويوم لغيرنا، فهل يجوز أن يُحرم المسيحيون من حقيبة سيادية، وتُترك للمسيحيين مجددا الحقيبتان السياديتان الأقل شأنا؟ وهل أصبح دور المسيحيين فلكلورا؟ إن المسيحيين في هذا الوطن لا يمنع عنهم شيء لأنهم ضمانة كل شيء، وهم ليسوا متسولي مقاعد وحقائب». فكان أن دخل حزب الكتائب في بازار التنافس عارضا تسلمه هو هذه الحقيبة.

* التقسيم الطائفي

* منذ إقرار اتفاق الطائف، تمت المناصفة في مقاعد الحكومة بين المسيحيين والمسلمين. وتنص المادة 95 من الدستور اللبناني على أن «تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة». غير أن العرف تدخل مجددا في التقسيم، حيث ينص العرف غير المكتوب، كما يشير أحمد زين، الخبير القانوني اللبناني، على أن تكون الطوائف الثلاث الكبرى، الموارنة والسنة والشيعة، ممثلة بالعدد نفسه من الوزراء، فيما تذهب بقية المقاعد إلى الطوائف الأخرى. وهكذا انحصر التمثيل لدى الطوائف الإسلامية في السنة والشيعة والدروز الذين ينالون حصة مؤلفة من وزيرين إذا كانت الحكومة من 30 وزيرا. وهو رقم اعتمده الرئيس الراحل رفيق الحريري لتأمين مشاركة أكبر قدر ممكن من الطوائف. فالأقليات المسيحية يمكن أن تتمثل في وزارة من 30، فيما لا تمثل في وزارة من 24 كالتي هي مطروحة الآن. أما الأرمن فلا يحصلون على وزير إذا نقص عدد الوزراء عن 18. ويبقى العلويون، الذين لم تشملهم نعمة الوزارة أبدا، على الرغم من النفوذ السوري الكبير خلال التسعينات، فهم يحتاجون إلى وزارة من 35 مقعدا ليكون لهم ممثل فيها.
ويرفض الوزير السابق إدمون رزق نظرية تخصيص حقيبة لطائفة ما، مؤكدا أنه لم يجر في مداولات الطائف أي شيء في هذا الصدد. ويقول رزق «عندما كنا في (اجتماعات) الطائف، انطلقنا من مبدأ يقول إن لبنان بلد تعددي لا تمايز فيه لأحد». وأشار إلى أنه تقصد عندما عهد إليه وضع صيغة التعديلات الدستورية إيراد فقرة في المادة 95 تنص على إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقا لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الأولى فيها وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أي وظيفة لأي طائفة مع التقيد بمبدأي الاختصاص والكفاءة.
ويرى أن البحث في «المداورة» هو هرطقة لأنه ليس المطلوب المداورة بين الطوائف في الوزارات، بل وضع الوزراء في مكانهم المناسب من حيث الكفاءة والخبرة، مشددا على أن الوزارات «ليست إرثا، إنما هي مسؤولية في رقاب من يتولاها»، معتبرا أن الحديث عن المداورة يبيت في طياته المحاصصة. ويرى رزق أن ما يجري الآن هو التفتيش عن الحلول في المكان الخطأ، معتبرا أن «لبنان يحتاج اليوم إلى تنمية روح المواطنة وتجاوز العصبية الطائفية والمذهبية ومكافحة استفحال التكسبية العائلية».
ويشير رزق إلى تجربته كوزير عدل، حيث وصل إلى الوزارة فأجرى تعيينات شملت تعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى من الطائفة السنية، للمرة الأولى والأخيرة في تاريخ لبنان، حيث من المتعارف عليه أن يكون الرئيس مارونيا، كما عين قاضيا سنيا في مركز رئيس استئناف بعبدا الذي جرى العرف أن يكون مارونيا أيضا. لكن هذه التجربة انتهت مع رزق، فعادت الأمور إلى نصابها الأول بعد رحيله عن الوزارة ورحيل من عينهم.

* تأليف الوزارة.. بيد من؟

* السؤال من الصعب الإجابة عنه.. فقديما كان أمر تأليف الحكومة بيد رئيس الجمهورية الذي يختار رئيس الحكومة ويصدر معه التشكيلة الوزارية بعد جولة مشاورات، لكن عهد ما بعد الطائف حمل عرفا آخر تمثل بحق القوى السياسية في اختيار الوزراء والحقائب.
وينص الدستور على أن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف وحدهما من يحق لهما تأليف الحكومة وتوقيع مرسوم تشكيلها، غير أن الواقع يشير إلى شيء مختلف، يصبح معه توقيع رئيس الجمهورية «إجراء شكليا» إلى حد بعيد، في ظل تنامي نفوذ القوى السياسية المتحكمة بالبرلمان. وهكذا يجد رئيس الجمهورية نفسه صاحب الحصة الأقل في الحكومة، فيما يضطر رئيس الحكومة إلى إجراء مفاوضات شاقة، تبعا لقوته البرلمانية.
ورغم أن العرف السائد هو بمثابة «الهرطقة» كما يؤكد رزق وغيره من الدستوريين، فإنه أمر واقع لا مفر منه. ويشير رزق إلى أنه اختير في عام 1973 ليكون وزيرا، من دون استشارة حزبه (حزب الكتائب) آنذاك، ومن دون اعتراض أحد.



منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».