موريتانيا تؤكد احترامها للمساطر القانونية في التعامل مع معتقلين حقوقيين

بعد انتقاد الأمم المتحدة الحكومة بسبب اعتقال مناهضين للعبودية وسجنهم

موريتانيا تؤكد احترامها للمساطر القانونية في التعامل مع معتقلين حقوقيين
TT

موريتانيا تؤكد احترامها للمساطر القانونية في التعامل مع معتقلين حقوقيين

موريتانيا تؤكد احترامها للمساطر القانونية في التعامل مع معتقلين حقوقيين

أكدت الحكومة الموريتانية أنها التزمت بالمساطر القانونية في التعامل مع عدد من المعتقلين في صفوف حركة مناهضة للعبودية، لم تحصل على الترخيص من طرف السلطات الإدارية في البلاد، وأفرجت محكمة الجنح في نواكشوط قبل أيام عن 3 منهم، فيما حُكم على 3 آخرين بالسجن سنتين نافذتين.
جاء ذلك في بيان صادر عن الحكومة الموريتانية مساء أول من أمس، ردا على إعلان أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان الثلاثاء الماضي، وصفت فيه اعتقال الناشطين الحقوقيين بأنه «تعسفي وغير مبرر».
وعبرت مفوضية الأمم المتحدة عن «قلقها العميق» حيال ما سمته «الأحكام القاسية» التي صدرت في حق المرشح السابق للانتخابات الرئاسية والمناضل الحقوقي بيرام ولد الداه ولد اعبيدي، وعدد من رفاقه الآخرين حكم عليهم بالسجن سنتين نافذتين.
وأشارت مفوضية الأمم المتحدة في إعلانها، الموجه إلى الحكومة الموريتانية، إلى أنها سبق أن دعت إلى فتح تحقيق يكشف ملابسات اعتقال المناضلين الحقوقيين يوم 11 نوفمبر (تشرين الثاني) 2014، بما في ذلك تسليط الضوء على تعامل أفراد الأمن مع المعتقلين.
وفي سياق ردها على توصية المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، قالت الحكومة الموريتانية إنها «احترمت الإجراءات المتبعة بحق الأشخاص المعنيين، والتزمت بالقوانين والإجراءات المعمول بها، وخاصة المدونة الجنائية ومسطرة الإجراءات الجزائية»، مشيرة إلى أن المعتقلين «استفادوا من كافة الضمانات القانونية في محاكمة عادلة في إطار النظم والأعراف الدولية (...) كما يوجد المعنيون في ظروف جيدة منذ توقيفهم».
أما فيما يتعلق بالتهم الموجهة للمعتقلين، ومن ضمنها الانتماء لجمعية غير مرخصة، فقد قالت الحكومة إن «مبرر الاتهام المتعلق بالانتماء إلى منظمة غير مسجلة وغير معترف بها، ينص عليه القانون»، قبل أن تؤكد أن «درجة صرامة العقوبة تتعلق بالمحكمة التي تنظر في القضية، وذلك ضمن مجال اختصاصها واستقلاليتها طبقا للمبادئ الدستورية في فصل السلطات، انطلاقا من أن موريتانيا دولة قانون لا يمكن للسلطة التنفيذية فيها أن تتدخل في مجال اختصاص القضاء»، وفق تعبير الحكومة.
وأضافت الحكومة في بيانها الذي بثته وسائل الإعلام الرسمية، أن طلب التحقيق المقدم من المفوضية السامية للأمم المتحدة من أجل إطلاق سراح الموقوفين «مخالف لمبدأ استقلالية القضاء المختص وحده في القيام بالتحقيق»، وأوضحت أن الموقوفين «أتيح لهم اللجوء إلى كافة أوجه الطعن المتاحة، وتبيان حججهم أمام المحاكم المختصة طبقا للترتيبات القانونية المعمول بها».
وخلصت الحكومة الموريتانية في بيانها إلى القول إن «الأشخاص الثلاثة الموقوفين المشار إليهم في إعلان المفوضية السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة قد تمت محاكمتهم يوم الخميس 12 مارس (آذار) 2015 وتم الحكم عليهم بالسجن سنة مع وقف التنفيذ»، وقد أفرج عنهم بموجب ذلك الحكم.
وكانت السلطات الموريتانية قد اعتقلت منتصف نوفمبر الماضي عددا من مناهضي العبودية في البلاد، أثناء قافلة نظمها حقوقيون لرفض ما يسمونه «العبودية العقارية في منطقة ضفة نهر السنغال»، وهي القافلة التي قالت الحكومة إنها لم تحصل على ترخيص من طرف السلطات الإدارية.
وبعد اعتقال الحقوقيين أصدر البرلمان الأوروبي توصية تحث السلطات الموريتانية على الإفراج عن المعتقلين، واصفة اعتقالهم بأنه تراجع في مستوى حقوق الإنسان في موريتانيا. إلا أن الحكومة الموريتانية ردت بالقول إن توصية البرلمان الأوروبي تعد تدخلا في شؤونها الداخلية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.