عودة سيف الإسلام القذافي تخلط أوراق الانتخابات الليبية

روسيا تراهن عليه من منطلق «منع الإقصاء»

جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
TT

عودة سيف الإسلام القذافي تخلط أوراق الانتخابات الليبية

جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)
جانب من اجتماع «ملتقى الحوار السياسي» الليبي بسويسرا في 3 يوليو (البعثة الأممية)

محاطاً بمسلحين، كان يتكئ سيف الإسلام نجل الرئيس الراحل معمر القذافي على مقعد متواضع فور القبض عليه عقب اندلاع «ثورة 17 فبراير (شباط)» عام 2011. وهو ينظر في كفه اليمنى مضمدة بشاش أبيض؛ وقد بدا مكتئباً مندهشاً غاضباً. أما الآن، بعد نحو 10 سنوات، فقد أطلّ الرجل الذي كسا الشيب لحيته، على الليبيين وهو يجلس على كرسي وثير يلفه الغموض يحكي لهم قصته، ويروي أين كان، في ظهور من شأنه إعادة ترتيب التحالفات السياسية ثانية، ما قد يفتح الباب أمام صراع جديد لا يخلو من تعقيدات.
ما بين تاريخ اعتقال سيف القذافي قبل عقد من الزمان في بلدة أوباري (جنوب ليبيا) قُبيل لجوئه إلى دولة النيجر، وظهوره عبر مقابلة صحافية في مدينة الزنتان (جنوب غربي طرابلس)، جرت في نهر الحرب والسياسة مياه كثيرة، وانقسمت ليبيا إلى معسكرين. ومع الحديث عن قرب انتخابات رئاسية محتملة أعلن «الأسير المختفي» رغبته في «العودة التدريجية لاستعادة ليبيا»، بعكس رغبة خصومه المتنفذين في المشهد راهناً، لتبدأ مرحلة من خلط الأوراق وتزداد البلاد الجريحة ارتباكاً.
ارتفعت معنويات أنصار النظام الليبي السابق بإطلالة سيف الإسلام القذافي، الذي يلقبه بعضهم بـ«مانديلا ليبيا». إذ اعتبرها هؤلاء «شيئاً إيجابياً»، وحدثاً بدّد هواجس مقتله، في حين ذهب متابعون إلى القول إن ظهور نجل القذافي من شأنه تفكيك المشهد السياسي. ومن ثم، إعادة طرحه كـ«خيار ثالث» بين المعسكر الشرقي بقيادة المشير خلفية حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني الليبي»، والمعسكر الغربي الذي قد يفرز شخصية مدنية، في وجود منافسين محتملين آخرين مثل فتحي باشاغا، وزير الداخلية السابق، الذي اعتزم الترشح في الاستحقاقات المرتقبة.
- دعم قبائلي
وعلى الرغم من مقتل العقيد معمر القذافي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2011، وتغييب نجله سيف عن الأنظار، لم يفقد أنصاره الأمل في عودة الابن إلى الساحة. وفي حديث إلى «الشرق الأوسط» يقول أحد قادة النظام السابق: «لم نكن في حاجة إلى مقالة الصحيفة الأميركية المكذوبة لتؤكد لنا أن الدكتور سيف على قيد الحياة... كنا نعلم أنه حر، لكنه كان ينتظر التوقيت الذي يعلن فيه عودته لاستعادة بلده، وقد أتى»!
حالة الثقة هذه التي عبّر عنها القيادي بالنظام السابق وجدت صداها لدى قطاع عريض من القبائل والمدن الليبية التي ما تزال تدين بالولاء لعهد القذافي، من مدينة بني وليد (شمال غربي البلاد)، إلى مدينة غات على مشارف الحدود مع الجزائر، إذ تعهد «المجلس الاجتماعي لقبائل الحزام الأخضر» بالاصطفاف خلف سيف الإسلام، ومساندته في المرحلة المقبلة «بغضّ النظر عن أي عوائق قد تعترض طريق ترشحه».
وخاطب «المجلس الاجتماعي» سيف الإسلام بالقول إن «الشرفاء والأحرار الذين يحبون القائد الرمز معمر القذافي، في مناطق الحزام الأخضر معكم بأصواتهم في صناديق الاقتراع، من أجل بناء مشروع ليبيا الغد والخروج من هذا النفق المظلم». والأجواء التي نقلها «المجلس الاجتماعي لقبائل الحزام الأخضر» تكاد تكون مماثلة لما عكسته مدن ومناطق لا تزال تحتفل إلى اليوم بذكرى «ثورة الفاتح من سبتمبر (أيلول)»، وترفع الرايات الخضراء في كل مناسبة، إشارة إلى حقبة الرئيس الراحل.
- محاكمة وحكم وإفراج
جدير بالذكر، أنه في نهاية يوليو (تموز) عام 2015 قضت محكمة استئناف طرابلس (دائرة الجنايات) في وسط العاصمة طرابلس بالإعدام رمياً بالرصاص على سيف الإسلام، و8 من المقربين من النظام السابق. إلا أن «كتيبة أبي بكر الصديق»، بمدينة الزنتان (170 كيلومتراً جنوب غربي طرابلس) أطلقت سراحه يوم 11 يونيو (حزيران) 2017. وقالت حينذاك إنها «أطلقت سراحه بناءً على طلب من حكومة عبد الله الثني المؤقتة بشرق البلاد». ومع أن سيف الإسلام لم يُشاهَد في أي مكان عام منذ اعتقاله وهو في طريقه إلى النيجر وإطلاق سراحه من قبل الكتيبة، فإن بعض الأشخاص القريبين منه أبقوا على وجوده في المشهد السياسي من خلال التحدث باسمه، أو إصدار بيانات منسوبة له، تدفع به إلى الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. وللعلم، لا تزال المحكمة الجنائية الدولية تتمسك بتسليم سيف الإسلام لمحاكمته على ما سمته ارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» أبان محاولة والده قمع المتظاهرين ضد حكمه أثناء اندلاع أحداث 17 فبراير.
- عوائق قانونية
تغيرات المشهد العام في ليبيا على مدار السنتين الماضيتين بدّلت قناعات وفتحت شهية مغمورين للمنافسة في «الماراثون» الانتخابي المرتقب، ومن كان لا يجد غضاضة قبلاً في ممارسة سيف الإسلام لحقه الدستوري في الترشح على هذا المنصب بات اليوم يرى ضرورة إبراء ذمته أولاً أمام «الجنائية الدولية». لذا أخذت الأسئلة تتوالى حول حق نجل القذافي في الترشح لرئاسة ليبيا، وهنا يقول الصحافي الليبي مصطفى الفيتوري، الذي حضر محاكمة سيف الإسلام مراقباً مستقلاً بالمحكمة الجنائية الدولية: «لا أعلم إن كان سيف سيخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة أم لا، لكن لا شك أن أغلب مَن في المشهد الآن يخشون ظهوره، وهذا ما تجلى على إثر المقابلة الأخيرة مع (النيويورك تايمز)...».
ومضى الفيتوري يقول في حديثه إلى «الشرق الأوسط» موضحاً: «لا شك عندي أيضاً أن المعركة الآن تتركز حول أفضل السبل القانونية لمنعه من الترشح... وفي اعتقادي أنه لن يترشح لأن الانتخابات المقبلة لن تنهي المرحلة الانتقالية، ولذا أنصحه ومؤيديه بالتركيز على البرلمان، لأن أي رئيس مقبل سيكون محدود الصلاحيات والسلطات، ودوره سيكون احتفالياً شكلياً ليس إلا».
أيضاً ذهب أنصار النظام السابق إلى القول إن ظهور سيف بعدما اقتنع كثير بوفاته، أربك حسابات الساسة المسيطرين على المشهد العام. ورأوا أن مجلس النواب الذي يناقش قانون الانتخابات الآن يسعى لقطع الطريق على ترشح نجل القذافي بفرض شروط بعضها تعجيزية، متعللين بقول المستشار عقيلة صالح رئيس المجلس إنه «لا يحق لأي شخص محكوم عليه من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية الترشح لرئاسة الدولة الليبية».
هذا، وسبق لصالح القول قبل سنتين رداً على تساؤلات صحافية: «يحق لسيف القذافي الترشح لانتخابات الرئاسة، إذا لم يكن هناك مانع قضائي يحول دون ذلك». بيد أن مجلس النواب اشترط في مناقشة قانون الانتخابات ضرورة تزكية 20 نائباً للمترشح للرئاسة، وهو ما نظر إليه الفيتوري على أنه «محاولة أخرى لاحتكار حق الترشح بحجة تقليل عدد المتنافسين، وهذا من شأنه فتح باب الرشوة».
- «السجين والسجّان»
سيف القذافي، الذي ظل حبيس كهف وسط صحراء الزنتان حتى عام 2014، يقيم حالياً في فيلا فخمة من طابقين داخل مجمع مغلق بالمدينة. ولقد ظهر معتمراً عمامة سوداء ومرتدياً عباءة مطرزة بخيوط مذهبة، ليقول إن المتمردين الذي أسروه «أدركواً أخيراً أنه قد يكون حليفاً قوياً». ومن ثم قال إن السياسيين الليبيين الذين تعاقبوا على البلاد «لم يجلبوا إلا البؤس. حان الوقت للعودة إلى الماضي. البلد جاثٍ على ركبتيه، لا مال ولا أمن، لا توجد حياة هنا»!
وأمام هذه الدعوة، التي وصفها البعض - وخصوصاً في غرب ليبيا - عودة إلى الماضي، ينظر مراقبون إلى أنه في حال ما تمكن الفرقاء السياسيون من الانتهاء من إعداد قانون للانتخاب، بما يسمح لنجل القذافي بالترشح «فستكون ليبيا أمام مرحلة ملتهبة، ومعركة حامية... حتى إذ فشل سيف فيها فإنه سيكون رقماً صعباً في الآتي من الأيام».
أيضاً، رأى محلل سياسي كبير من مدينة مصراتة أن الصحيفة الأميركية حاولت استخدام سيف القذافي للترويج لبعض المرشحين المحتملين، مثل باشاغا، وربما الصديق الكبير محافظ المصرف المركزي، لكنه قال إن ظهور سيف «يبقى زلزالاً سياسياً من العيار الثقيل». ورصد المحلل السياسي أن «ردود الأفعال الواسعة في ليبيا لحديث سيف كشفت عن شعبية واسعة، وأنه منافس حقيقي، وهو ما دفع كثيراً من القوى السياسية بإعلان مواقف متشددة ضد ترشحه، في تناقض واضح مع البيانات والخطابات التي يصدرونها حول التداول السلمي على السلطة ومدنية الدولة».
في المقابل، أضعفت رصيد القذافي الابن، وجمعت ضده «الثوار» وخصوم الماضي، «اللغة» التي نقلتها الصحيفة عن سيف بحديثه عن مقتل سجناء معتقل أبو سليم الـ1200 عام 1996. بقوله إن «معظم الليبيين يعتقدون أن النظام كان متساهلاً جداً معهم، وإنه كان ينبغي قتل جميع السجناء».
- الرهان الروسي
من جهة ثانية، ليبيون كثيرون يرون أن سيف الإسلام، الذي لمح إلى خوض الانتخابات المقبلة، لديه فرصة ذهبية للاستفادة من الدعم الروسي له. فموسكو، تخلت عن دورها المتأرجح في ليبيا وراحت قبل 4 سنوات تفتح قنوات اتصال مع نجل القذافي «الأسير». وهي تدفع بقوة لإعادته للمشهد السياسي، وهذا ما أكد عليه ميخائيل بوغدانوف، نائب وزير الخارجية الروسي في تصريح قال فيه: «ينبغي أن يلعب سيف دوراً في المشهد السياسي الليبي، من قبيل عدم عزل أحد أو إقصائه عن أداء دور سياسي بناء».
منذ ذلك المنعطف، دخلت موسكو من ملف قصية سيف، وأبقت على اسمه حاضراً في غالبية لقاءات مسؤوليها، بل إنها استقبلت مندوبين عنه. وسبق لمحمد القيلوشي، عضو فريق العمل السياسي لسيف، القول لـ«الشرق الأوسط»، من موسكو، إنهم سلموا رسالة من سيف القذافي إلى الخارجية الروسية، وكان في استقبالهم بوغدانوف. كذلك أوضح القيلوشي أن رسالة سيف القذافي تؤكد على ضرورة أن «يبحث الليبيون أمورهم بأنفسهم، من دون إقصاء أو تمييز، لتحديد مصيرهم من خلال مصالحة شاملة، والترتيب للانتخابات المقبلة».
- تفكيك جبهات
في المقابل، يقلل مراقبون من قدرة سيف الإسلام، إذا ما سُمح له بخوض الانتخابات، على حسمها لمصلحته في ظل تشظي المشهد العام، وانقسامات حادة بين سيطرة «الجيش الوطني الليبي» على مناطق شرق البلاد، في مقابل غربها الذي يقتسمه متنافسون محتملون. لكن هذا الواقع لم يمنع أحد مشايخ قبيلة القذاذفة من القول لـ«الشرق الأوسط» معلقاً: «الواقع مغاير تماماً... فأنصار النظام السابق منتشرون في كل ربوع ليبيا وخارجها من مشرقها إلى غربها وجنوبها، وجميعهم ينتظرون عودة الدكتور سيف التي ستكون قريبة جداً، وفي هذا اليوم سنُري الجميع من أنفسنا خيراً».
وأضاف الشيخ القبلي أنه في حال توحّد كل محبي القائد الراحل وأنصاره، وإحجامهم عن المقاطعة، «سنتمكن من إحداث تغيير في معادلة الانتخابات»، لكني «أتوقع ألا تجرى (أي الانتخابات) لأسباب كثيرة، وهو ما سيفتح الباب لصراع مرير على السلطة».
وهنا عبّرت الدكتورة ربيعة أبوراص، عضو مجلس النواب عن دائرة حي الأندلس بطرابلس الكبرى، عن اعتقادها بأن خروج سيف الإسلام، في هذا الوقت «شيء إيجابي» والبلاد تتقدم نحو الاستقرار. وبالتالي لا بد في هذه المرحلة من «إدارة الصراع بشكل واضح بين الأطراف الليبية الرئيسية المتحكمة في قواعد اللعبة الأمنية والسياسية والمالية والاجتماعية». ووضعت أبوراص تصوراً لمعالجة الواقع الراهن عبر «الحوار المباشر والاتفاق على الخطوط العريضة للتعايش الذي يحدد موقع كل طرف ودوره، والابتعاد عن أسلوب الكوميديا السوداء في التعاطي مع القضايا الجوهرية التي تمس حياتنا بشكل مباشر، وتؤثر عليها».
والحال راهناً، أن ليبيا تقف أمام مفترق طرق، «كل يتحسس مسدسه» انتظاراً للحظة المرتقبة لإجراء الانتخابات، التي لم يتبق عليها إلا نحو 138 يوماً، في حين ما زال المتحاربون متمترسين على جبهات الاقتتال في محور سرت - الجفرة، وكل منهم يسعى للدفاع عن «مكتسبات» تحققت طوال 10 سنوات، بينما يبحث أنصار القذافي عن فرصة ثانية للحكم، عبر مسار ديمقراطي، يرونها قد اقتربت!
- الانتخابات الليبية... رهان «الفرصة الأخيرة»
> تسابق البعثة الأممية لدى ليبيا الزمن لدفع الفرقاء السياسيين إلى استثمار «الفرصة الأخيرة» لإنجاز «القاعدة الدستورية» التي ستجرى على أساسها الانتخابات الرئاسية والنيابية المرتقبة، يوم 24 ديسمبر (كانون الأول) المقبل. لكن منذ الإعلان عن انتخاب السلطة التنفيذية في اجتماعات جنيف، قبل 6 أشهر، لم يطرأ جديد يؤشر على الوصول إلى نقطة توافق. وهذه أهم محطاته خلال العام الحالي فقط...
> 5 فبراير (شباط)، أعلنت مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بـ«الإنابة» ستيفاني ويليامز، انتخاب محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة رئيساً لحكومة «الوحدة الوطنية».
> 20 مايو (أيار)، أكد بيان لمجموعة العمل السياسية للجنة المتابعة الدولية بشأن ليبيا على أن إجراء الانتخابات الوطنية في الموعد المحدد، ما يزال يتصدر سلم الأولويات بغية استكمال المرحلة التحضيرية في ليبيا والتحول الديمقراطي على النحو المتفق عليه في «خريطة الطريق» التي أقرها «ملتقى الحوار السياسي» الليبي.
> 21 مايو، المبعوث الأممي لدى ليبيا يان كوبيش، يقدم إحاطته أمام مجلس الأمن، مؤكداً فيها على أن المهمة الحاسمة للسلطات والمؤسسات الليبية تتمثل في ضمان إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على النحو المنصوص عليه في خريطة الطريق، منوهاً إلى وجود تحسّن في الوضع الأمني بشكل كبير، رغم وقوع اشتباكات من وقت لآخر بين مختلف المجموعات المسلحة المتنافسة.
> 27 مايو، كوبيش يعلن انتهاء الاجتماع الافتراضي لـ«ملتقى الحوار السياسي» الليبي، مشيداً بـ«المشاورات الفاعلة» على مدار يومين.
> 24 يونيو (حزيران)، اللجنة الاستشارية المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» تعقد اجتماعاً تشاورياً لمدة 3 أيام تمهيداً لاجتماع الملتقى في سويسرا.
> في التوقيت ذاته، رحّب كوبيش، بنتائج مؤتمر «برلين 2» كخطوة مهمة نحو السلام المستدام في ليبيا الذي انتهى إلى مجموعة من التوصيات، من بينها ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الليبية المقررة في موعدها المحدد وعلى النحو المتفق عليه، والتمسك بخروج «المرتزقة» والقوات الأجنبية من أنحاء ليبيا، مع استمرار الحوار الوطني الشامل.
> 27 يونيو، اللجنة الاستشارية المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» تختتم اجتماعها التشاوري في تونس، وتثني البعثة وأعضاء اللجنة الاستشارية على عمل اللجنة القانونية التي نجحت في وضع مشروع للقاعدة الدستورية لإجراء الانتخابات الوطنية؛ البرلمانية والرئاسية.
> 3 يوليو (تموز) الأمم المتحدة تعلن فشل مباحثات جنيف في التوصل إلى اتفاق يمهد للانتخابات في ليبيا.
> 15 يوليو، كوبيش يعلن أمام مجلس الأمن أنه أجرى مشاورات مع مجموعة كبيرة من الأطراف الفاعلة في ليبيا لإقناعهم بالمحافظة على المسار المؤدي إلى انتخابات برلمانية ورئاسية وطنية شاملة.
> في التوقيت ذاته، عقدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا اجتماعاً افتراضياً للجنة التوافقات المنبثقة عن «ملتقى الحوار السياسي» الليبي.
> 29 يوليو، انتهت اجتماعات اللجنة المكلفة من قبل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مع المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، في العاصمة الإيطالية روما، بحضور بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لمناقشة مقترح إعداد قانون الانتخابات الرئاسية والانتخابات البرلمانية. ورفعت نتائج أعمالها إلى مجلس النواب لمناقشتها.



تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
TT

تطوّر العلاقات السعودية ـ الصينية... شراكة استراتيجية على مختلف الأصعدة

الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)
الرئيس الصيني شي جينبينغ مستقبلاً خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في بكين في مارس 2017 (أ.ف.ب)

عقدت أخيراً في الرياض الجولة الثانية من المشاورات السياسية بين وزارة الخارجية السعودية ووزارة الخارجية الصينية، وترأس الجانب السعودي نائب وزير الخارجية وليد الخريجي، وترأس الجانب الصيني نظيره نائب الوزير دنغ لي. وبحث الجانبان تطوير العلاقات الثنائية، مع مناقشة المستجدات التي تهم الرياض وبكين. يذكر أن العلاقات السعودية الصينية شهدت تطوراً ملحوظاً خلال السنوات الأخيرة، إذ تعززت الشراكة بين البلدين على مختلف الأصعدة الاقتصادية والسياسية والثقافية. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية الصين الشعبية إلى عام 1990، عندما افتتحت سفارتا البلدين رسمياً في العاصمتين بكين والرياض. مع أن علاقات التعاون والتبادل التجاري بين البلدين بدأت قبل عقود. وعام 1979، وقّع أول اتفاق تجاري بينهما، واضعاً الأساس لعلاقات قوية مستمرة حتى يومنا هذا.

 

تُعدّ الصين اليوم الشريك التجاري الأكبر للمملكة العربية السعودية، وانعكست العلاقات المتنامية بين البلدين بشكل كبير على التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما؛ إذ أسهمت في وصول حجم التبادل التجاري إلى أكثر من 100 مليار دولار أميركي في عام 2023. تستورد الصين النفط الخام من السعودية بشكل رئيسي، وتعدّ المملكة أكبر مورد للنفط إلى الصين، إذ تصدر ما يقرب من 1.7 مليون برميل يومياً. ولقد تجاوزت الاستثمارات الصينية في المملكة حاجز الـ55 مليار دولار. وبحسب تقرير لـ«edgemiddleeast»، ضخّت الصين 16.8 مليار دولار في المملكة في 2023 مقابل 1.5 مليار دولار ضختها خلال عام 2022، استناداً إلى بيانات بنك الإمارات دبي الوطني، وهي تغطي مشاريع في البنية التحتية والطاقة والصناعات البتروكيماوية. وفي المقابل، استثمرت المملكة في عدد من المشاريع داخل الصين، منها الاستثمارات في قطاعات التكنولوجيا والنقل. واستضافت الرياض أيضاً في شهر يونيو (حزيران) من هذا العام «مؤتمر الأعمال العربي الصيني» الذي استقطب أكثر من 3600 مشارك. وبعد أسبوعين فقط، أرسلت السعودية وفداً كبيراً بقيادة وزير الاقتصاد السعودي إلى مؤتمر «دافوس الصيفي» في الصين. وبالإضافة إلى هذا الزخم الحاصل، دعت الصين المملكة العربية السعودية كضيف شرف إلى «معرض لانتشو الصيني للاستثمار والتجارة» الذي أقيم من 7 إلى 10 يوليو (تموز) من هذا العام. وكانت وزارة الاستثمار السعودية حثّت الشركات على المشاركة بفاعلية في المعرض، والجناح السعودي المعنون «استثمر في السعودية». كذلك وقّعت السعودية والصين اتفاقيات متعددة لتعزيز التعاون في قطاع الطاقة، بما في ذلك مشاريع الطاقة المتجددة. وتسعى المملكة لتحقيق «رؤية 2030» التي تهدف إلى تقليص الاعتماد على النفط وتعزيز استخدام الطاقة المتجددة، في حين تسعى الصين إلى تأمين إمدادات الطاقة اللازمة لتنميتها الاقتصادية. وبالفعل، جرى أخيراً توقيع اتفاقية بين شركة «تي سي إل تشونغ هوان» لتكنولوجيا الطاقة المتجددة الصينية، وشركة توطين للطاقة المتجددة، وشركة «رؤية للصناعة» السعوديتين، لتأسيس شركة باستثمار مشترك، من شأنها دفع توطين إنتاج الرقائق الكهروضوئية في المملكة العربية السعودية. ووفقاً للاتفاقية، يبلغ إجمالي حجم الاستثمار في المشروع المشترك نحو 2.08 مليار دولار. التعاون السياسي والدبلوماسي تتعاون المملكة والصين على مستوى عالٍ في القضايا الدولية والإقليمية. وتستند العلاقات السياسية بين البلدين إلى احترام السيادة الوطنية والامتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية. كذلك تتبادل الدولتان الدعم في المحافل الدولية، مثل الأمم المتحدة ومنظمة التعاون الإسلامي، ولقد لعبت الصين دوراً محوَرياً في الوساطة بين السعودية وإيران، ما أدى إلى تحقيق نوع من التوافق بين البلدين، أسهم في توطيد الاستقرار، وقلّل من حدة التوترات، وعزّز من الأمن الإقليمي. الزيارات الرسمية والقمم المعروف أنه في مارس (آذار) 2017، قام الملك سلمان بن عبد العزيز بزيارة رسمية للصين حيث التقى الرئيس الصيني شي جينبينغ. وخلال الزيارة، وُقّعت 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم، تضمنت التعاون في مجالات الطاقة والاستثمارات والعلوم والتكنولوجيا. وفي وقت سابق، كان خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز قد زار الصين رسمياً عام 2006، كانت تلك الزيارة بمثابة نقطة تحوّل في تعزيز العلاقات الثنائية، وشملت مباحثات مع القيادة الصينية وشهدت توقيع اتفاقيات عدة في مجالات الطاقة والتجارة والاستثمار. كما زار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الصين في فبراير (شباط) 2019 كجزء من جولته الآسيوية. خلال هذه الزيارة، وقّعت 35 اتفاقية تعاون بين البلدين بقيمة تجاوزت 28 مليار دولار، وشملت مجالات النفط والطاقة المتجددة والبتروكيماويات والنقل. بعدها، في ديسمبر (كانون الأول) 2022، قام الرئيس الصيني شي جينبينغ بزيارة تاريخية إلى الرياض، حيث شارك في «قمة الرياض»، التي جمعت قادة دول مجلس التعاون الخليجي والصين. وتركّزت هذه القمة على تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية بين الجانبين، وخلالها وقّع العديد من الاتفاقيات في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتكنولوجيا. من الزيارات البارزة الأخرى، زيارة وزير الخارجية الصيني إلى السعودية في مارس (آذار) 2021، حيث نوقش التعاون في مكافحة جائحة «كوفيد 19» وتعزيز العلاقات الاقتصادية،