«حرب الأبراج» تطال 14 ناقلاً للطاقة في 3 محافظات عراقية

هجمات «إرهابية» منظمة تستهدف شبكة الكهرباء في عز الصيف

كابلات منتشرة لتزويد مولدات كهربائية خاصة في مدينة الصدر (أ.ف.ب)
كابلات منتشرة لتزويد مولدات كهربائية خاصة في مدينة الصدر (أ.ف.ب)
TT

«حرب الأبراج» تطال 14 ناقلاً للطاقة في 3 محافظات عراقية

كابلات منتشرة لتزويد مولدات كهربائية خاصة في مدينة الصدر (أ.ف.ب)
كابلات منتشرة لتزويد مولدات كهربائية خاصة في مدينة الصدر (أ.ف.ب)

عاش السكان في محافظة صلاح الدين (165 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد)، والمناطق القريبة منها، مساء ونهار أمس، لحظات عصيبة، بعد الانقطاع التام للطاقة الكهربائية نتيجة الهجمات الممنهجة التي طالت 14 برجاً لنقل الطاقة، ما تسبب في فقدان الكهرباء بالمحافظة في عز الصيف، في ظل ارتفاع شديد في درجات الحرارة التي تتجاوز في بعض الأحيان 50 درجة مئوية.
وشملت الهجمات، بالإضافة إلى أبراج محافظة صلاح الدين، محافظتي نينوى وكركوك.
ووصفت وزارة الكهرباء ما جرى من هجمات بـ«حرب الأبراج»، وقال إعلام «شركة نقل الطاقة الكهربائية الشمالية» في بيان إن «حرب الأبراج واستهداف خطوط نقل الطاقة الكهربائية أخذت تتوسع لتشمل جميع المحافظات الشمالية بتفجيرات ممنهجة وعدائية في غضون الـ48 ساعة الماضية».
وأضاف البيان أن الحرب «تستهدف قدرات وإمكانات الشركة واستنزاف بنيتها التحتية، ويعمد منفذوها لإيذاء المواطنين في ظل ارتفاع درجات الحرارة».
وطبقاً للبيان، فإن مساء الأربعاء الماضي «شهد استهداف الخط الناقل للطاقة الكهربائية في كركوك - القيارة الغازية (بقوة 400 ك.ف) بعمل بتخريبي، من طريق تفجير عبوات ناسفة، ما تسبب في سقوط 5 أبراج وتوقف الخط عن العمل بالقرب من المحطة الواقعة بين مفرق الشرقاط ومفرق الزوية في محافظة نينوى».
وفي الليلة نفسها، استهدف الخط الكهربائي في شمال سامراء (بقوة 132ك.ف) بتفجير عبوات ناسفة استهدفت أبراج الخط بالقرب من حقل «عجيل» النفطي، ما أدى إلى خروجه من الخدمة في محافظة صلاح الدين. وتم أيضاً استهداف الخط الكهربائي في شرق تكريت - الدور (بقوة 132 ك.ف) بتفجير عبوات ناسفة أدت إلى سقوط برجين وتضرر وتقطع قواعد 4 أبراج أخرى».
كذلك تعرض الخط الكهربائي في منطقة القيارة - كركوك (بقوة 400 ك.ف) لتفجير عبوات ناسفة لقاعدة أحد أبراجه، إضافة إلى زرع عبوات ناسفة على برج آخر، ما أدى إلى خروجه من الخدمة.
وأدت الاستهدافات الممنهجة إلى ضعف عام في تجهيز واستقرار الطاقة الكهربائية في معظم مناطق محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى، بحسب وزارة الكهرباء.
وإلى جانب استهداف أبراج الطاقة الذي ينعكس سلباً على أداء الشبكة الكهربائية في عموم البلاد، فإن قطاع الطاقة يعاني منذ سنوات من سوء الإدارة والفساد، وما زالت الدولة غير قادرة على سد حاجة البلاد منها.
وكانت البلاد قد عانت مطلع شهر يونيو (حزيران) الماضي أزمة كهرباء خانقة نتيجة إيقاف إمدادات الغاز الإيراني المشغل بعض المحطات التوليدية، ما أدى إلى حرمان المواطنين من الطاقة الكهربائية معظم ساعات اليوم.
ويظهر من حجم واتساع نطاق الهجمات على أبراج الطاقة حجم الإخفاق الحكومي في حمايتها، رغم قرار الحكومة الشهر الماضي تشكيل قوة خاصة لحماية الأبراج، أسندت قيادتها إلى الجنرال رشيد فليح.
كما تظهر الهجمات حجم الفساد والمصالح المالية والحزبية التي تتحكم في ملف الطاقة الكهربائية منذ أكثر من عقد ونصف؛ إذ يرجح كثيرون أن وراء هذا المستوى الخطير من الهجمات التخريبية «جماعات مصالح ومنتفعين» وليس مجرد عناصر إرهابية.
ويتردد على نطاق واسع أن المنتفعين وجماعات المصالح يعمدون إلى تفجير الأبراج، التي تصل تكلفة إصلاح الواحد منها إلى 25 مليون دينار عراقي (نحو 18 ألف دولار)، حتى يتمكنوا من الاستفادة من أعمال إعادة تصليحها وصيانتها من جديد بالاتفاق مع شبكة مصالح ومقاولين وقوى سياسية وفصائل مسلحة.
وأشار محافظ نينوى، نجم الجبوري، إلى جماعات المنتفعين تلك بشكل واضح الأسبوع الماضي، واتهمها بالوقوف وراء تلك الأعمال التخريبية.
ويشارك في هذا الاعتقاد المتحدث باسم مجلس شيوخ عشائر صلاح الدين، مروان الجبارة؛ إذ إنه يتهم «جماعات المصالح والمنتفعين» بالوقوف وراء أعمال التخريب التي تطال أبراج الطاقة.
وقال الجبارة لـ«الشرق الأوسط» إن «من الواضح وجود جماعات تعمل بشكل ممنهج على التخريب بقصد الاستفادة لاحقاً من مزايا التعمير. ليس لدي أدنى شك في ذلك. الأمر يتعدى مشكلة الإرهاب وأهدافه».
وأضاف: «يعيش أهالي صلاح الدين ظروفاً قاسية في هذه اللحظات، وهناك حالة تذمر وإحباط شديدين. وقد وعدت الحكومة بحماية الأبراج وشكلت الجيوش لذلك، لكن يبدو أن الأمر لا يتجاوز حدود الكلام وقبض الريح. فأبراج الطاقة تعرضت قبل أسابيع لهجمات مماثلة، ولم تحاسب السلطات أو تقبض على المتورطين فيها، وها هي اليوم تعود من جديد».
إلى ذلك، قال النائب المستقل محمد السوداني عبر تغريدة على «تويتر»، إن «‏تكرار استهداف أبراج نقل الطاقة، في ذروة حاجة المواطنين للكهرباء، يمثل أحد أوجه الفشل الحكومي في حماية البنى التحتية طوال سنين، والتبريرات جاهزة دون أي خطط حقيقية للحماية وإنهاء معضلة الكهرباء».



دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
TT

دعوات حكومية ودولية لتكثيف الاستجابة الإنسانية في اليمن

زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)
زيادة كبيرة في حجم احتياجات الاستجابة الإنسانية في اليمن يقابلها نقص في التمويل (الأمم المتحدة)

مع توجّه الحكومة اليمنية بطلب إلى الأمم المتحدة لعقد مؤتمر للمانحين لجهة دعم خطة الاستجابة الإنسانية في البلاد، بعد تزايد الاحتياجات الإنسانية الملحَّة، جددت منظمات دولية وأممية الدعوة إلى زيادة التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية.

وفي حين تواصل الجماعة الحوثية إعاقة جهود الإغاثة في البلاد، ذكر الإعلام الرسمي أن سفير اليمن لدى الأمم المتحدة، عبد الله السعدي، أكد على ضرورة أن تظل الأزمة الإنسانية في اليمن على رأس أولويات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي للحد من المعاناة المتزايدة، داعياً إلى تكثيف الجهود للإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المختطَفين والمعتقَلين، ومحاسبة المسؤولين عن مختلف الانتهاكات، في إشارة إلى الجماعة الحوثية.

وفي بيان اليمن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، خلال الجلسة الخاصة بتعزيز تنسيق المساعدات الإنسانية والإغاثية، حذَّر السعدي المجتمع الدولي من خطورة تجاهل الانتهاكات التي ترتكبها الجماعة الحوثية لخدمة أجندتها السياسية، بما في ذلك استخدام المساعدات الإنسانية لخدمة أهدافها العسكرية وتحويل المناطق الخاضعة لسيطرتها إلى سجون لمن يعارضونها.

أكثر من 19 مليون يمني بحاجة إلى المساعدات خلال العام المقبل حسب تقديرات أممية (الأمم المتحدة)

وأعاد البيان اليمني التذكير بأهمية نقل مقرات الوكالات الأممية والمنظمات الدولية إلى العاصمة المؤقتة عدن لضمان سلامة العاملين في المجال الإنساني، وتوفير بيئة آمنة للعمل بعيداً عن التدخلات؛ ما يساهم في تحسين القدرة على إيصال المساعدات إلى الفئات المحتاجة في مختلف المناطق. وتتهم الحكومة اليمنية وأوساط إغاثية وحقوقية محلية وأممية ودولية الجماعة الحوثية بالاستمرار في اختطاف العاملين بالمجال الإغاثي، وتبني حملات إعلامية مسيئة للعمل الإنساني، ورفض الاستجابة لطلبات عائلات المختطفين بالسماح بزيارتهم والاطمئنان على صحتهم الجسدية والنفسية، وتقديم الرعاية لهم.

سوء التنظيم والتخطيط

وجدَّدت الحكومة اليمنية التذكير بالأضرار الكبيرة التي تسببت بها الفيضانات والسيول التي ضربت عدة مناطق يمنية هذا العام، إلى جانب مختلف التطرفات المناخية التي ضاعفت من الآثار الناجمة عن الحرب في مفاقمة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية؛ ما زاد من أهمية وضرورة تكثيف دعم المجتمع الدولي لليمن في مواجهة هذه التحديات.

جهات دولية تتهم الجماعة الحوثية بإعاقة أعمال الإغاثة بعد اختطاف موظفي المنظمات (رويترز)

ولا يتوقع جمال بلفقيه رئيس اللجنة العليا للإغاثة في الحكومة اليمنية أن يكون الدعم كبيراً أو كافياً لمواجهة مختلف المتطلبات والاحتياجات، مشيراً إلى أن عملية حشد الأموال لا بد أن تقترن بكيفية تنظيم إدارة العمل الإنساني والإغاثي، وخلق شراكة حقيقية بين الحكومة اليمنية والقطاع الخاص، والمنظمات المحلية والجهات الإغاثية الحالية، لإيصال المساعدات.

وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يصف بلفقيه الأزمة الإنسانية في بلاده بالأشد قسوة؛ ما يجعل من غير الممكن على اليمنيين الصمود أمام متطلبات معيشتهم، في ظل استمرارها وتصاعدها، منوهاً بأن حجم الأموال التي يمكن الحصول عليها ليس مهماً إذا لم يتم تنظيم عمليات الإغاثة للوصول بكفاءة إلى كل المستحقين.

وانتقد بلفقيه، وهو أيضاً مستشار وزير الإدارة المحلية، التوجهات الأممية الموسمية لزيادة التمويل، عند نهاية عام وبداية عام جديد، مع غياب التخطيط والتنظيم الفاعلين، وعدم مراعاة الاحتياجات المحلية للمتضررين من الأزمة الإنسانية في كل محافظة.

فيضانات الصيف الماضي في اليمن فاقمت من الأزمة الإنسانية وزادت من احتياجات الإغاثة (الأمم المتحدة)

من جهتها، أكدت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أن اليمن أصبح يعيش «واحدة من أكبر الأزمات الإنسانية في العالم»، وفقاً لبيانات الأمم المتحدة؛ ما يزيد من احتياجات التمويل والتعاون الأكبر بين الجهات الفاعلة الوطنية والدولية لتقديم المساعدات الأساسية، بما فيها الغذاء والمياه والإمدادات الطبية.

واتهمت المنظمة، في بيان حديث لها، الجماعة الحوثية، باحتجاز وإخفاء 17 شخصاً على الأقل من موظفي الأمم المتحدة، بالإضافة إلى عشرات الموظفين من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والشركات الخاصة، ومواصلة احتجازهم دون تهم.

إيقاف التمويل

نقلت «هيومن رايتس ووتش» عن الأمم المتحدة، أن 24.1 مليون يمني، أي ما يساوي 80 في المائة من السكان، بحاجة إلى المساعدات الإنسانية والحماية».

ونبهت المنظمة الدولية إلى أن الحكومة السويدية أقرَّت، أواخر الشهر الماضي، «الإنهاء التدريجي» لمساعداتها الإنمائية لليمن، على خلفية الإجراءات التدميرية المتزايدة للجماعة الحوثية في الأجزاء الشمالية من اليمن، ومنها اختطاف موظفي الأمم المتحدة.

كما دعت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي تصعيد مطالبة الحوثيين بالإفراج عن المعتقلين، وتنسيق جهودهما بشكل أفضل في هذا الهدف المشترك. وقالت: «يجب أن تضاعف وكالات الأمم المتحدة الجهود لحماية ودعم موظفيها المتبقين في اليمن».

رغم تراجع تمويل الإغاثة في اليمن لا تزال وكالات أممية تقدم مساعدات للنازحين والمحتاجين (الأمم المتحدة)

ويتفق الباحث الاقتصادي، عادل السامعي، مع مسؤول الإغاثة اليمني، بلفقيه، حول سوء إدارة أموال الإغاثة في اليمن، وتسبب ذلك في حلول جزئية ومؤقتة للأزمة الإنسانية في البلاد. ويوضح السامعي لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً ملحوظاً في تمويل خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن بسبب «الفساد» الذي أضر بالعملية الإغاثية وتجيير كثير من أوجه الدعم والمساعدات لصالح الجماعة الحوثية.

ويلفت إلى أن هناك تراكماً للفجوات بين الاحتياجات التي تفرضها الأزمة الإنسانية في اليمن والتمويل الموجَّه لها؛ فبعد أن كانت متطلبات الاستجابة الإنسانية خلال الـ12 عاماً الماضية تزيد على 33 مليار دولار، جرى تحصيل أقل من 20 مليار دولار فقط.

وخلال الأسبوع الماضي، كشفت الأمم المتحدة عن حاجتها إلى 2.5 مليار دولار لدعم خطة الاستجابة الإنسانية في اليمن خلال العام المقبل (2025).

بسبب اختطاف الجماعة الحوثية موظفي الإغاثة في اليمن تراجعت عدد من الدول عن تمويل الاستجابة الإنسانية (أ.ف.ب)

وحذَّر «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)»، في بيان له، من أن الظروف المعيشية لمعظم اليمنيين ستظل مزرية في عام 2025. ومن المتوقَّع أن تؤدي فرص كسب العيش المحدودة وانخفاض القدرة الشرائية إلى تعميق عدم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

ووفقاً للمكتب الأممي، فإن 19.54 مليون شخص في اليمن بحاجة إلى المساعدة خلال العام المقبل، من بينهم 17 مليون شخص (49 في المائة من السكان) سيواجهون انعدام الأمن الغذائي الشديد، مع معاناة 5 ملايين شخص من ظروف «الطوارئ». بينما يؤثر سوء التغذية الحاد على نحو 3.5 مليون شخص، بمن في ذلك أكثر من 500 ألف شخص يعانون من سوء التغذية الحاد الشديد.