ما أفضل طريقة لتعلم الأطفال الرياضيات وفنون الحساب... حفظ قيم الأعداد وجداول الضرب، أم دراسة الرياضيات على مستوى مفاهيمي أعمق؟
لطالما ناقش المعلمون مزايا هذين النهجين، لكن تقريراً جديداً نُشر في مجلة «سيكولوجيكال ساينس إن ذا بابليك إنترست» يُظهر أن الأطفال يتعلمون بفعالية أكبر عندما يتبع النظام التعليمي دورات تعليمية قائمة على تقديم الأدلة: ترسيخ الحقائق، واستخدام تدريب مُحدد بوقت قصير لجعل هذه الحقائق تبدو تلقائية، قبل العودة إلى النقاش والتأمل لتعميق هذه المعرفة المكتسبة.
كما يتناول تقريرهم رؤى من «علم الإدراك التنموي» لإظهار أفضل السبل لتعزيز الطلاقة الحسابية لدى الأطفال، والتي تُعرّف عموماً بأنها قدرة الطفل على حل المسائل الرياضية بسرعة ودقة. ويقترح الباحثون تعريفاً موسعاً للطلاقة الحسابية، بحيث لا يقتصر على التذكر التلقائي للحقائق، مثل 6×8 = 48، بل يشمل أيضاً ملاحظة العلاقات بين الأعداد واستخدامها في حل المسائل.
قالت نيكول ماكنيل، المؤلفة الرئيسية، والباحثة في قسم علم النفس بجامعة نوتردام الأميركية، في بيان نشر الثلاثاء: «لا يتعين على المعلمين الاختيار بين التدريب المحدد بوقت والمناقشات الصفية الثريّة. إن اتباع نهج منظم بعناية، يجمع بين جلسات قصيرة محددة بوقت معين، بحيث تُعزز الحقائق في الذاكرة، على أن يصاحب ذلك أنشطة تفكير ونقاش هادفة تُدمج هذه الحقائق في شبكة معرفية متكاملة، هو ما يمنح الطلاب الطلاقة الحسابية التي يحتاجون إليها للنجاح».
وارتكزت هذه الورقة البحثية على نتائج تجارب سلوكية، ودراسات طولية، ونتائج التصوير العصبي، لتسليط الضوء على أساسيات الطلاقة الحسابية ونتائجها، والتي تبدأ بإدراك الأرقام والتفكير العددي في سنوات ما قبل المدرسة.
وبينت النتائج أنه كما تدعم الصوتيات القراءة في وقت مبكر من عملية التعلم، تساعد تجارب ممارسة الرياضيات في وقت مبكر الأطفال على فهم معنى الأرقام والعلاقات والعمليات الحسابية.
ويقترح الباحثون أنه يمكن للآباء والمعلمين اغتنام الفرص لمساعدة الأطفال على عدّ وتسمية العدد الإجمالي للأشياء في مجموعات يومية، مثل المكعبات أو قطع الحبوب.
خطوات سهلة
ويوضح الباحثون أن الأطفال يبدأون أولاً بطرق بديهية في جمع الأرقام دون أن يتمكنوا من التعبير عن طريقة تفكيرهم. ثم تدريجياً، يجعلون هذه المعرفة صريحة، ويوضحون الأنماط والاستراتيجيات التى تربط بينها (مثل: «ابدأ بالرقم الأكبر»، «الترتيب لا يهم عند الجمع»، «استخدام العدد 10 كنقطة مرجعية للحسابات الذهنية السهلة»). ثم تُعيد الممارسة المُتأنية والمنظمة تنظيم هذه المعرفة الصريحة، مما يسمح للطلاب باسترجاع الحقائق والاستراتيجيات الحسابية تلقائياً، ودون بذل جهد ذهني يُذكر.
وتوصي الدراسة أنه يجب على التعليم أن يُعزز التحولات في كلا الاتجاهين بين المعرفة الضمنية والصريحة، مع استخلاص الأسباب الكامنة وراء الحدس المبكر وتوفير تدريب مُستهدف كافٍ لتصبح هذه الأفكار سريعة وسهلة لحل المشكلات على مستوى أعلى.
كما شددت على أن أهمية المناقشة، والتأمل، وتقديم المبررات، مما يُتيح للطلاب فرصة التعبير عن أفكارهم في أنشطة الرياضيات، ومساعدتهم على فهم المبادئ الأساسية للحساب.
وتُظهر دراسات سابقة أن الطلاب ذوي الطلاقة الحسابية العالية يكونون أكثر استعداداً لتعلم علوم الجبر، وحل المسائل الكلامية، والتفكير باستخدام الكسور. كما تربط الأبحاث الطلاقة الحسابية بنتائج الحياة اللاحقة، مثل التحصيل التعليمي بشكل عام ومستوى الدخل.
وتقول عالمة النفس التنموي ميليسا إي ليبرتوس، من جامعة بيتسبرغ: «تُثير هذه المراجعة البحثية أيضاً بعض العوامل المهمة للبحوث المستقبلية، مثل استخدام الأجهزة والأدوات الرقمية الحديثة لتسهيل تعلم الحساب الشخصي، وقلق الآباء تجاه الرياضيات في تعزيز مهارات أطفالهم الرياضية».
وأكدت ليبرتوس أن «ماكنيل وزملاءها يُقدمون حجةً مُقنعة على أن تعليم الطلاقة الحسابية يلعب دوراً مهماً في مساعدة الطلاب على تطوير مهارات الرياضيات من أجل النجاح في سوق العمل مستقبلاً».