«تراث»: الرواية الإماراتية ومتغيرات التاريخ

«تراث»: الرواية الإماراتية ومتغيرات التاريخ
TT

«تراث»: الرواية الإماراتية ومتغيرات التاريخ

«تراث»: الرواية الإماراتية ومتغيرات التاريخ

صدر في أبوظبي، العدد 262 لشهر أغسطس (آب) 2021، من مجلة «تراث»، التي يُصدرها «نادي تراث الإمارات» بـ«مركز زايد للدراسات والبحوث». واحتوى العدد على ملف خاص حمل عنوان «السرد الإماراتي بين الروائي والمؤرخ».
وفى افتتاحية العدد، كتبت رئيسة التحرير شمسة الظاهري، «أن الرواية التاريخية تحقق نجاحاً كبيراً في الحقل الأدبي، ولذلك فقد أصدر عدد من الروائيين الإماراتيين مجموعة من الأعمال السردية التاريخية متنوعة الشكل والقالب، فثمة روائيون إماراتيون يهتمون بإعادة تشكيل صور من الماضي بكافة تفاصيله من أحداث ووقائع تاريخية، ولكن ممزوجة التخييل الذاتي، وبأجواء من التشويق لكون الحقيقة فيها تختلط بالخيال والأسطورة، في حين يريد البعض الآخر صدقية الحدث التاريخي، ويكون الكاتب واعياً تماماً بالمرجعية التاريخية التي استمد منها مادته الكتابية، ودور النص الروائي وعلاقته بالتاريخ».
وفي مقاله عن الموضوع نفسه، يكتب فلاح محمد الأحبابي، رئيس نادي تراث الإمارات: «قد يبدو للبعض أن إحياء التراث أمر سهل في سهولة الحديث عنه، لكن العاملين على أرض الواقع يُدركون أن انتقاء مفردات التراث وتجهيزها بهدف دمجها في نسيج الثقافة المعاصرة، أمر يشبه في دقته ورهافته عملية السدو، التي أتقنتها أنامل جداتنا قديماً، إن لم يكن كل خيط في موضعه اختل المنتج النهائي... وعلى المعنيين بمهمة إحياء التراث أن يتقنوا نسج خيوطهم، بين ما هو تراثي وما هو تاريخي وما هو أدبي... ليصبح المنتج في النهاية حقيقياً متقناً، يحمل فكر وثقافة وحضارة الأولين، ليجد صداه في نفوس وأرواح المعاصرين الذين يمررونه بدورهم للأجيال الجديدة».
وفي الملف معالجة للعلاقة بين الروائي والمؤرخ للدكتور أنس الفيلالي، واستعراض للرواية الإماراتية ومتغيرات التاريخ لصبحة بغورة، فيما يتناول حاتم عبد الهادي «استخدامات التاريخ في الرواية الإماراتية»، ويكتب سعيد بوعيطة عن «سلطنة هرمز... واشتغال التاريخ في الرواية الإماراتية»، ويتتبع محمد عطية محمود «تراجيديا التاريخ في (الأمير الثائر)»، وفي قراءة أخرى لرواية «الأمير الثائر» للشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، تكتب نادية بلكريش عن «الشخصية التاريخية ودلالتها في رواية (الأمير الثائر)»، وتنشر فاطمة عطفة موضوعاً عن «الرواية والتاريخ كيف يلتقيان».
ومن موضوعات العدد الأخرى، نقرأ «يوم بغدادي» لإبراهيم المصري، و«جزيرة أبو موسى الإماراتية» لنو زاد جعدان، ويحاور الأمير كمال فرج، الفنان علي خميس العشر، و«الشاشة... محمل الفقير» لخالد سليمان الهنداسي. و«ابن حمديس شاعر العرب والإيطاليين» لأحمد فرحات.
ونشرت المجلة عدداً من التحقيقات لسعيد أبخاس عن «إيغود... موطن الإنسان العاقل»، ولمحمود شرف عن «جزيرة القرنفل... والأسى القديم»، وتناولت شيرين ماهر «السركال أفنيو... واحة الفنون والثقافات»، وكتب خالد عزب عن «تكنولوجيا الجمل»، وقدم حاتم السروي قراءة في كتاب الصناعتين لأبي هلال العسكري.
ومن الموضوعات والمقالات الأخرى، نقرأ «نعمة المطر في الموروث الشعبي الإماراتي» لعلى كنعان، و«قراءة الشعر واعتساف المنهج» للدكتور حمزة قناوي، و«الشباب في شعر سلطان العويس» للدكتور عادل نيل، و«اللهجات الإماراتية» للدكتور عبد العزيز المسلم، و«تحليل نقدي لخطاب خير الزاهد والبسوس» لعقيل عبد الحسين، و«فن الرجولة التراثي» لهشام عدرة، و«خالق الجمال» لصالح لبريني، و«التعايش السلمي في ظل التعددية» للدكتور نورة صابر المزروعي، و«التراث العماني في الأعمال التشكيلية العربية» لحجاج سلامة، و«مركز جمع الماجدي والحفاظ على التراث المخطوط» للدكتور المحجوب قدار.



وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان
TT

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

وجوه مجرّدة من موقع سمهرم الأثري بسلطنة عُمان

يحتلّ موقع سمهرم مكانة مميزة في خريطة «طريق اللبان» العُمانية التي دخلت عام 2000 في قائمة اليونيسكو الخاصة بمواقع التراث العالمي، وهي طريق البخور التي شكّلت في الماضي معبراً تجارياً دولياً ازدهر على مدى قرون من الزمن. بدأ استكشاف هذا الموقع في مطلع الخمسينات، وأدت أعمال التنقيب المتواصلة فيه إلى العثور على مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية، منها بضعة أنصاب حجرية مسطّحة تحمل نقشاً غائراً يمثّل وجهاً آدمياً مختزلاً، تقتصر ملامحه على عينين واسعتين وأنف مستطيل.

يضمّ موقع سمهرم مستوطنة أثرية تجاور خوراً من أخوار ساحل محافظة ظفار يقع في الجهة الشرقية من ولاية طاقة، يُعرف محليّاً باسم «خور روري». يعود الفضل في اكتشاف هذا الموقع إلى بعثة أميركية، أسّسها عام 1949 في واشنطن عالم الآثار وينديل فيليبس الذي لُقّب بـ«لورنس العرب الأميركي». شرعت هذه البعثة في إجراء أول حفريّة في «خور روري» خلال عام 1950، وواصلت عملها على مدى 3 سنوات، وكشفت عن مدينة لعبت دور ميناء دولي، عُرفت باسم سمهرم، كما تؤكد النقوش الكتابية المدونة بخط المُسنَد العربي الجنوبي. من بين أطلال هذه المدينة المندثرة، خرجت مجموعة من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة زُيّن كلٌّ منها بنقش تصويري غائر طفيف يمثّل وجهاً آدمياً ذكورياً، كما يؤكّد الكشف العلمي الخاص بهذه البعثة.

عُثر على حجرين من هذه الحجارة على مقربة من أرضية مبنى من معالم سمهرم، وعُثر على ثالث على مقربة من المعبد الخاص بهذه المستوطنة، ممّا يوحي بأنه شكّل في الأصل جزءاً من أثاث هذا المعبد على الأرجح، كما رأى العالِم فرانك فيدياس أولبرايت في تقرير نُشر في عام 1953. استمرّت أعمال المسح والتنقيب في سمهرم، وتولّتها منذ عام 1997 بعثة إيطالية تابعة لجامعة بيزا، ومع هذه الأعمال، تمّ الكشف عن مجموعة أخرى من اللقى المتنوعة، منها 3 أنصاب حجرية مسطّحة مشابهة لتلك التي عثرت عليها البعثة الأميركية.

يتكرّر النقش التصويري على هذه الأنصاب التي احتار أهل الاختصاص في تحديد وظيفتها، ويتمثّل بوجه آدمي مجرّد هندسياً إلى أقصى حد. اختُزلت ملامح هذا الوجه بعينين لوزيّتين واسعتين، وأنف مستطيل رفيع. خلت هاتان العينان الفارغتان من حدقتيهما، كما غابت عنهما الرموش والحواجب، فظهرتا على شكل مساحتين بيضاويتين حُدّدتا بخط ناتئ رفيع وبسيط في وضعية المواجهة. كذلك، ظهر الأنف على شكل مثلّث عمودي طويل يحدّده خط مماثل. يعود هذا الوجه ويظهر على واجهة مجمّرة مخصّصة لحرق البخور، عثرت عليها البعثة الإيطالية خلال عام 2014، إلى جانب مجمّرتين تتبعان الطراز المألوف المجرّد من النقوش. ويتميّز هذا الوجه بظهور حاجبين مقوّسين يمتدان ويلتصقان عند أعلى مساحة الأنف المستطيلة.

خرجت من موقع سمهرم مجموعة كبيرة من المجامر والمباخر، غير أن هذا الوجه المجرّد لا يظهر على أي منها، كما أنه لا يظهر على أي من عشرات المجامر التي عُثر عليها في نواحٍ عدة من جزيرة العرب الشاسعة. في الواقع، يتبع هذا الوجه طرازاً ارتبط على نحوٍ واسع بشواهد القبور، وعُرف باسم «المسلّة ذات العينين». خرج العدد الأكبر من هذه المسلّات من محافظة الجوف التي تقع في الجزء الشمالي الشرقي من صنعاء، وخرج عدد آخر منها من وادي بهيان في محافظة حضرموت. تجاوز هذا الطراز حدود جنوب الجزيرة العربية، وبلغ شمالها حيث ظهر في واحة تيماء في منطقة تبوك، وقرية الفاو في الجنوب الغربي من الرياض، كما تؤكّد شواهده التي كشفت أعمال التنقيب عنها خلال العقود الماضية.

حمل هذا الطراز طابعاً جنائزياً لا لبس فيه، وتمثّلت خصوصيّته بهذا الوجه التجريدي الهندسي الذي ظهر على شواهد قبور فردية، كما تشير الكتابات المنقوشة التي تسمّي أصحاب تلك القبور. يصعب تأريخ هذه المسلّات بدقة، نظراً إلى غياب أي إشارة إلى تاريخها في الكتابات المرفقة، والأكيد أن هذا الطراز الجنائزي ظهر في القرن الثامن قبل الميلاد، وشاع على مدى 5 قرون. يحضر هذا الوجه في سمهرم، ويشهد هذا الحضور لدخوله إقليم عُمان في مرحلة تلت فترة انتشاره في جنوب الجزيرة وفي شمالها، فالدراسات المعاصرة تؤكد أن ميناء سمهرم شُيّد في نهاية القرن الثالث قبل الميلاد، وارتبط بمملكة حضرموت في زمن نشوء التجارة البحرية وازدهارها في المحيط الهندي، وظلّ ناشطاً حتى القرن الخامس للميلاد، حيث تضاءل دوره وتلاشى تدريجياً نتيجة اندحار مملكة حضرموت.

حضر هذا الوجه التجريدي في سمهرم حيث ظهر على عدد من المسلّات، وانطبع بشكل استثنائي على مجمرة تبدو نتيجة لذلك فريدة من نوعها إلى يومنا هذا. خرج هذا الوجه في هذا الموقع العُماني عن السياق الجنائزي الذي شكّل أساساً في جنوب جزيرة العرب، وحمل هُويّة وظائفية جديدة، وتحديد هذه الهوية بشكل جليّ لا يزال يمثّل لغزاً وتحدّياً للباحثين في ميدان الآثار العُمانية.