هل هناك فعلاً صحوة للقصة القصيرة؟

كتاب قلقون وآخرون متفائلون بعودتها بعد شبه انحسار

هل هناك فعلاً صحوة للقصة القصيرة؟
TT

هل هناك فعلاً صحوة للقصة القصيرة؟

هل هناك فعلاً صحوة للقصة القصيرة؟

شهد فن القصة القصيرة، ليس في المنطقة العربية فقط ولكن عالمياً أيضاً، انحساراً ملحوظاً لصالح الرواية، بعدما عرف ازدهاراً كبيراً في الستينات والسبعينات، حتى إن قسماً من الكتّاب، الذين حققوا فيها نجاحاً مشهوداً، هجروها إلى كتابة الرواية، التي لم يرتفعوا فيها إلى مستوى قصصهم القصيرة. لماذا هذا التراجع الأقرب للانحسار، هل وراءه فقط موجة كتابة الرواية التي جرفت كثيرين؟ أم أن الأمر يتعلق بكتابها، ونقادها أيضاً؟ أم هي أحكام السوق، والحجة الجاهزة بأن المجموعات القصصية «لا تبيع» حالها حال الشعر؟ ثم، هل نشهد فعلاً عودة لهذا الفن النبيل، ولو بعد عقود، كما يرى بعض المشاركين في هذا التحقيق؟
هنا إجابات عدد من الكتاب والناشرين المصريين عن هذه الأسئلة:

أحمد القرملاوي (قاصّ): أفسَدوا متعه قراءتها
الكثير من الكتّاب -حتى المجيدين منهم- يواجهون بعض الصعوبات في نشر المجموعات القصصية، وذلك لعدم ثقة أغلب الناشرين في إقبال جمهور القراء عليها، وكان من الجائز جداً أن أُعاني الشيء نفسه، غير أن علاقتي بناشر مجموعتي الأخيرة تسمح لكلينا ببعض المغامرة واختبار المياه بين الحين والآخر.
فن القصة القصيرة يُعاني بشكل أو بآخر، لكن ليس من الظلم النقدي والإعلامي، فلا أشعر بتفرقة على هذا المستوى بين الأعمال القصصية والروائية مثلاً. الظلم الأكثر وضوحاً بالنسبة لي هو ظلمنا نحن الكتّاب في تعاملنا مع هذا الفن شديد الخصوصية، ألّا نعتني جيداً بمتعة القارئ، ونُغرِق القصة في التهاويم والانفصال التام عن الواقع، فلا يجد القارئ ما يتعلق به ويتفاعل معه، وكذلك الظلم الواقع من الكتّاب حديثي التجربة، حيث يتعامل بعضهم مع هذا الفن الصعب والخاص، بوصفه «مرحلة المبتدئين»، ومساحة سهلة الاقتحام يختبرون فيها مواهبهم وإمكانية دخولهم لعالم النشر والمقروئية، وهذا ما أفسد على القارئ متعته في أغلب المجموعات القصصية، ما يعني ضمنياً أن الكثير من المجموعات البديعة والمكتوبة بإتقان قد فاتت على أغلب القراء وسط هذا السيل من القص المتعالي أو الرديء.
إن نشر عدد كبير من المجموعات القصصية مؤخراً هو أمر مفرح وباعث على التفاؤل بكل تأكيد، فأن تكون ثمة مجموعات حديثة الإصدار لكتاب مثل محمد المخزنجي، وعادل عصمت، وياسر عبد اللطيف، وطارق إمام، ومحمد عبد النبي، وأحمد عبد اللطيف، وعمر طاهر، وهاني عبد المريد، وحسن عبد الموجود، وغيرهم. هذا أمر مبشر تماماً بإعادة تشكيل العلاقة بين القراء والقصة القصيرة، لذلك أشعر بالتفاؤل اليوم بمستقبل القصة.

عزة سلطان (قاصّة): نحن بحاجة لجوائز
لم أُواجه أي صعوبات في نشر مجموعاتي القصصية، أعتقد أني محظوظة نوعاً ما، فقد تم نشر مجموعتي الأولى في سلسلة «إبداعات» الصادرة عن هيئة قصور الثقافة، وكان الأديب الراحل فؤاد قنديل يعتمد الحياد والنزاهة، ولديه خطة نشر، كان معياره الأساسي الجودة. أما مجموعتي الثانية فكانت ضمن سلسلة «كتابات جديدة»، وأيضاً كنت محظوظة حيث كانت ترأس السلسلة المبدعة د. سهير المصادفة، التي قرأت مجموعتي الأولى وطلبت مني مجموعتي الجديدة، ثم رشحتها للنشر بعد ذلك ضمن «مكتبة الأسرة». مع كل الناشرين الذين تعاملت معهم حظيت بترحيب بأعمالي، ولم أجد أي معاناة على أي مستوى، لكنّ هذا لا يمنع أن القصة القصيرة مظلومة جداً، فقد مهّدت الجوائز الطريق لصعود الرواية بقوة، ومع تعدد الجوائز صار كثيرون يتوجهون نحو الرواية كنافذة إبداعية تجد من التقدير والاهتمام ما لا تجده الأنواع الأدبية الأخرى، ومن ثم لا يلتفت الكثيرون إلى القصة القصيرة أو الشعر الذي يعاني ظلماً أكبر.
وفيما يتعلق بنشر عدد كبير من المجموعات القصصية أخيراً، لا يمكن أن نقول إن هناك عدداً كبيراً بقدر ما هناك عدد من الكتاب المعروفين، لذا نشعر بأن هناك مجموعات كثيرة، ولكي نتبين الدقة علينا أن ننظر إلى عدد العناوين المنشورة في عامين مثلاً ونعرف نسبة المجموعات القصصية إلى الرواية لنجد أنها لم تتحسن. الكاتب ينشر بحثاً عن حالة تحقُّق ووجود وهذا مساره الأساسي كتابة الرواية حالياً، لذا يلجأ الكثيرون من مبدعي السرد إليها، فنحن بحاجة إلى جوائز في القصة أكثر مما هو متاح حتى تحظى ببعض الاهتمام.

محمد البرمي (قاصّ): القصة فن مظلوم
واجهتُ مشكلات في نشر مجموعتي القصصية الأولى «للمحبين والأوغاد وقطاع الطرق». مسؤول بإحدى دور النشر الكبرى قال لي إن نشر القصة القصيرة صار بمثابة مغامرة محفوفة المخاطر، خصوصاً لو كانت العمل الأول لصاحبها. دار أخرى حاولتْ ابتزازي مادياً بأن أتحمل بعض كلفة النشر ورفضت لأنني ضد المبدأ من الأساس، أرفض أن أدفع مقابل النشر من الأساس وبالتالي غير مقبول أن أقع في ذلك الفخ.
لذلك أرى أن القصة فن مظلوم لا يلقى اهتماماً كبيراً سواء إعلامياً أو نقدياً في مقابل الرواية لكنْ هناك الآن اتجاه كبير نحو القصة القصيرة وأظن أنه سيستمر خلال السنوات القادمة. ربما نرى أن انتشار القصص القصيرة أكبر، على عكس السنوات الماضية والتي شهدت تراجعاً شديداً للقصة.

سمر نور (قاصّة): «لو كانت رواية لنشرناها»
أواجه صعوبة في النشر بصفة عامة لأسباب عديدة، منها رفض النشر على نفقتي الخاصة، سواء بشكل مباشر أو عبر شراء نسخ بحجة أن «القصة القصيرة لا توزع»، فما يهمني هو تقدير العمل المقدم للدار، وجزء من تقديره هو المراهنة على نجاحه.
عانيت بالطبع في نشر آخر أعمالي القصصية، وقيل لي صراحةً: «لو كانت رواية لنشرناها»، حتى استقرت في الهيئة العامة للكتاب، وظلت في قائمة الانتظار ما يزيد على العامين، أي إنها نُشرت بعد ما يقرب من أربع سنوات من كتابتها، وبعد صدورها في عام 2017 حققت نجاحاً كبيراً على مستويات عديدة، وحصلت على جائزة في عام 2018، وأعتقد أن ازدياد الجوائز المخصصة للقصة القصيرة دفع الناشرين لإعادة النظر، وأسهم في زيادة أعداد المجموعات القصصية الصادرة السنوات الماضية.

أميرة بدوي (قاصّة ومترجمة):
القصة لم تعد لقطة شعرية
نشرتُ مؤخراً مجموعتي القصصية الأولى «ست زوايا للصلاة» وفوجئت بأنها قوبلت باحتفاء لافت. كنت محظوظة لفوز المجموعة بإحدى منح الكتابة الإبداعية، التي قامت بإنتاج المشروع، وكانت بمثابة الحجر الذي حرّك الماء الراكد، إضافة إلى تحمس إحدى دور النشر المعروفة لها. في ظروف أخرى، كان من الممكن أن أواجه مشكلات، إذا لم أفز بتلك المنحة، وأعتقد أنني كنت مدركة لصعوبة نشر المجموعات القصصية في مصر، لذلك، لم أحاول السعي لنشر العمل، وسعيت للفوز من خلالها بمنحة إنتاجية أو جائزة كبيرة.
برأيي أن الاهتمام بالرواية نقدياً وإعلامياً، مقارنةً بالقصة القصيرة، يرجع إلى طبيعة الرواية القادرة على الهيمنة على خطابات عدة واستيعابها وتضمينها في حكاية. على النقيض، هناك تصور سائد حول القصة القصيرة أنها لا بد أن تكون لقطة، ذات طبيعة شعرية، وأنها أقل ضعفاً وهشاشة أمام العالم. وبشكل عام، أؤمن بالفن، ولا أفضل جنساً على آخر.
أعتقد أن هناك تجارب في القصة القصيرة استطاعت الفوز بالقراء، وحققت مقروئية جيدة، ونافست الرواية بقوة، إضافةً إلى ظهور بعض الجوائز الأدبية المخصصة للقصة القصيرة، مما جعل دور النشر تأمل في الوجود على منصات التتويج. أرى أن هذا ساعد كثيراً.

تيسير النجار (قاصّة): الأدب كله مظلوم
صدرت لي ثلاث مجموعات قصصية، وسعيدة بنفاد الطبعة الأولى بالكامل من «جئتك بالحب» الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأرى هذا دليلاً ملموساً على قدرة القصة على الانتشار.
يشجعني أكثر أنني ما زلت في مقتبل العمر، ولا أُحسب على شلة بذاتها. أكتب في هدوء من قريتي بالصعيد.
برأيي الأدب بأكمله مظلوم في مجتمعنا. قد تعاني القصة القصيرة بشكل خاص من التجاهل النقدي حيث لا توجد مسابقات كبرى مخصصة لها مثل الرواية، وفي حالة صلاح الفن الأدبي ككل ستتوج القصة وتأخذ المكانة المستحقة، خصوصاً أن المجموعات القصصية تناسب عصرنا السريع المكثف، مثل منشورات مواقع التواصل الاجتماعي والأخبار القصيرة على المواقع الإخبارية. القصة هي ابنة اللحظات السريعة مثل زمننا الذي يهرب منا دون انتباه.

شريف بكر (ناشر): القصة لم تعد تناسب المزاج العام
سأكون صريحاً في تعبيري عن عدم الحماس لفن القصة القصيرة ذاته وذلك لعدة أسباب منها أن نصوص القصة غير مشبعة حتى لو كانت مكتوبة بمهارة وإتقان، دائماً ما يشعر القارئ بأن هناك شيئاً ما ناقصاً وأنه كان بحاجة إلى المزيد من المعايشة مع هذه الشخصية أو تلك، كما يفتقد القارئ المتعة السردية الممتدة التي لا يجدها إلا في ظل أجواء الرواية. القصة فن أصيل وراقٍ يقوم على التكثيف لكن كناشر يمكنني القول إنه لم يعد يناسب المزاج العام للقارئ حالياً.

إسلام عبد المعطي (ناشر): نحن ننشر كل شيء
بالنسبة لدار «روافد» ليس هناك عزوف عن نشر نوع معين من الكتابة. نحن ننشر القصة والشعر والرواية جنباً إلى جنب مع الكتب الفكرية والسياسية، وأعتقد أن حسابات المكسب والخسارة هي ما تحكم الناشرين في هذا الصدد، وعزوف المكتبات عن عرض الشعر والمجموعات القصصية كان له بالغ الأثر في تراجع نشر هذه الأنواع الفنية في الكتابة، والأمر نفسه ينطبق على الكتابات المسرحية.
في اعتقادي أن الأعمال القصصية والشعر يشهدان تطوراً وتجريباً يفوق ما يتم على مستوى كتابة الرواية، وهذا الأمر يتجذر منذ عدة سنوات ولا يتم الالتفات إليه لغياب حركة نقدية جادة تتابع ما يتم إنتاجه ونشره، وكذلك عدم وجود جوائز تُخصص لهذه الأنواع الإبداعية. ستأخذ القصة القصيرة مكانتها التي تستحقها في السنوات القادمة، أنا أثق بذلك وأراهن عليه.



كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود
TT

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود
كمال داود

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة التي كان قد اقترب منها بشكل كبير بعد صدور روايته «مرسو التحقيق المضاد»، العمل الذي وضعه في دائرة الضوء في 2014 بعد أن نال استحسان النخب المثقفة حتى وُصف أسلوبه بـ«البارع والمميز» من قِبل منابر إعلامية مرموقة مثل «النيويورك تايمز».

في روايته الجديدة يُطلّ علينا الكاتب الجزائري بأسلوب أدبي مختلف بعيداً عن السرد الخيالي والأحاديث العفوية التي لمسناها في «مرسو»، فنصّ «الحوريات» مستوحى من الواقع وهو واقع مرّ كئيب، حيث اختار كمال داود تقليب المواجع والنبش في تاريخ الذكريات الدامية التي عاشها وطنه في حقبة التسعينات إبان ما سُمي بـ«العشرية السوداء»، فجاءت اللوحة سوداوية وكأن الجزائر أغنية حزينة وألم مزمن يسكن أعماق الكاتب.

كمال داود

الرواية تبدأ بمونولوج مطوّل لـ«فجر»، وهي فتاة في عقدها العشرين بقيت حبيسة ماضيها وحبالها الصوتية التي فقدتها بعد تعرضها لمحاولة ذبح. المونولوج يمر عبر مناجاة داخلية للجنين الذي تحمله، تخبره فيه عن معاناتها وذكرياتها وعن كفاحها من أجل التحرّر من سلطة الرجال. في الفقرة الثانية تقرر «فجر» العودة إلى مسقط رأسها بحثاً عن أشباحها وعن مبرر تنهي به حياة طفلتها حتى لا تولد في مجتمع ظالم، لتلتقي بعيسى بائع الكتب المتجوّل الذي يحمل جسده آثار الإرهاب وهوساً جنونياً بتوثيق مجازر العشرية السوداء بتواريخها وأماكن وقوعها وعدد ضحاياها. في رحلة العودة تغوص الرواية في جحيم الحرب الأهلية وذكريات الجرائم المروّعة، واضعة تحت أنظارنا مشاهد قاسية صعبة الاحتمال، كالمقطع الذي تستحضر فيه «فجر» ليلة الذبح الذي تعرضت له عائلتها، أو الفقرات التي تروي فيها شخصية «حمراء» ليلة اختطافها لتزوج قسراً وهي لا تزال طفلة. وهي نصوص لها وقعها النفسي إذا ما علمنا بأن الكاتب استوحى كتاباته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته مجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر، بينما كان يعمل صحافياً في يومية «لوكوتديان دو أورون» أو أسبوعية وهران.

وأشاد كثير من الأوساط بالقيمة الأدبية للرواية. صحيفة لوموند وصفتها بـ«القوة المذهلة» و«الشاعرية الغامضة». وأشادت صحيفة «لوفيغارو» بالسرد القوي المشحون بالصور الشعرية الصادمة والعواطف الجيّاشة التي تعبّر عن حجم المعاناة. صحيفة «ليبيراسيون» كتبت أنها رواية «أساسية، ومفيدة وشجاعة، وإذا وضعنا جانباً كونها مثقلة بالرموز فإن طاقتها المذهلة تُغلف القراءة». وبالنسبة لصحيفة «سود ويست»، تصرّح بأن «الحوريات» «كتاب رائع وجميل وطموح وإنساني وسياسي للغاية» قبل أن تضيف أن «نفوذ (غاليمار) - دار النشر التي ينتمي إليها كمال داود - ودورها في وصول الرواية إلى التتويج ليس بالهيّن. على أن النقد لم يكن دائماً إيجابياً؛ حيث جاءت وجهات النظر متباينةً بخصوص القيمة الأدبية لرواية كمال داود، ففي قراءات نقدية سابقة لم تلقَ الدرجة نفسها من الاستحسان، فمنهم من عاب على الرواية اللجوء المفرط للرموز بدءاً بالأسماء: «حورية»، «فجر»، «شهرزاد»؛ إلى رمزية الأماكن كالقرية التي شهدت ذبح عائلتها والتي وصلت إليها «فجر» صبيحة عيد الأضحى بينما كان الأهالي يذبحون الأضاحي، حتى كتب أحد النقّاد أن ثقل الرموز سحق القصّة، كما أن تشبث الكاتب بسرد الأحداث الواقعية بتواريخها وأماكنها وعدد ضحاياها جعل القارئ يفقد الصلة بالأسلوب الروائي.

الكاتب استوحى روايته من الأحداث الواقعية التي عاشها أثناء تغطيته الصحافية لمجازر تلك الحقبة الدامية في تاريخ الجزائر

الصحافية والناقدة الأدبية نيلي كابريان من مجلة «لي زان كوريبتبل» وإن كانت قد رحّبت بوجود هذه الرواية وأهميتها، واجهت، كما تقول، مشكلة في «طريقة كتابتها غير المثيرة للاهتمام»: «لقد شعرت بالملل قليلاً بعد فترة من القراءة بسبب الكتابة التي طغى عليها الأسلوب الأكاديمي الفضفاض، فالروايات التي تبدأ بعنوان لا تنجح دائماً، وهو كتاب يهتم فعلاً بمعاناة النساء اللائي ليس لهن صوت، لكن من منظور أدبي، يبقى الأسلوب أكاديمياً منمّقاً، وهو ما جعلني لا أتحمس للاستمرار في القراءة». وبالنسبة للوران شالومو الكاتب والناقد الأدبي المستقل فإن رواية «الحوريات» نصّ شجاع ومُحرج في الوقت نفسه، شجاع لأنه يتعرض لموضوع سياسي حسّاس قد يعرّض صاحبه لمضايقات كبيرة، ولكن وبالرغم من نواياه الحسنة، فإن الكتاب يفتقر للدقة. ويضيف الكاتب: «لم أتعرف على كمال داود في هذا العمل، هو يدّعي أنه شخص آخر وهو ما أصابني بالحساسية، حتى نكاد نراه وهو يحاول تمرير قباقيبه الكبيرة لتبدو كنعال حمراء اللون. الكاتب ركّز في نقده على «السرد المظلم بشكل متصنّع وإرادي لإنتاج إحساس بالعمق، إضافة للجُمل الملتوية المُثقلة بلا داعٍ».

وفي موضوع نقدي آخر مخصّص لرواية «الحوريات» أشاد أرنو فيفيانت الإعلامي والناقد الأدبي بصحيفة «ليبيراسيون» بها واصفاً الرواية بأنها «كتاب (عظيم جداً). على الرغم من طوله (400 صفحة) وكثرة الرموز، فإن الأسلوب الاستعاري يجعل القراءة مذهلة، وهو وإن اقترب من (الغونكور) عام 2014 حين تصور كتابة أخرى لرواية ألبير كامو (الغريب)، فهو، وبعد عشر سنوات، يعود بهذه الرواية الجديدة محاولاً هذه المرة إعادة كتابة (الطاعون) الرواية الأخرى لكامو. ليس فقط لأن الأحداث تدور في مدينة وهران في كلتا الروايتين، ولكن أيضاً بسبب التغيير الذي حدث في أسلوب الكتابة والذي كان قد ميّز رواية (الطاعون) أيضاً».

إليزابيث فيليب الكاتبة الصحافية من مجلة «نوفيل أبسورفاتور» وصفت الرواية بالأساسية والشجاعة لأنها «تتعرض للظلم الذي تواجهه بعض النساء في المجتمعات المحافظة، وهي أساسية من حيث إنها تعطي صوتاً لمن حرم منه». لكنها تصف الرواية في الوقت نفسه بـ«المملّة». وهي تقول بأن تحفُّظها لا يخصّ الأسلوب المنمّق الذي تميزت به الرواية، بل البناء السردي، فـ«الكاتب يدرج القصص الواحدة تلو الأخرى في نوع من التشويش الزمني، محاولاً تبرير ذلك بالسرد الشعري، لكن النتيجة لا تسهّل عملية القراءة التي تصبح أشبه بالتمرين الشاق».