«كهرباء لبنان»... مبنى مهشم يدير قطاعاً منهاراً

متطوعون يستعدون لإزالة الركام أمام مبنى كهرباء لبنان بعد أيام من تفجير المرفأ (رويترز)
متطوعون يستعدون لإزالة الركام أمام مبنى كهرباء لبنان بعد أيام من تفجير المرفأ (رويترز)
TT

«كهرباء لبنان»... مبنى مهشم يدير قطاعاً منهاراً

متطوعون يستعدون لإزالة الركام أمام مبنى كهرباء لبنان بعد أيام من تفجير المرفأ (رويترز)
متطوعون يستعدون لإزالة الركام أمام مبنى كهرباء لبنان بعد أيام من تفجير المرفأ (رويترز)

من أكثر المباني تضرراً من التفجير الذي شهده مرفأ بيروت في 4 أغسطس (آب) الماضي، كان مبنى الإدارة العامة لكهرباء لبنان المحاذي تماماً للمرفأ. تضرر المبنى كثيراً وتهشمت واجهته وقضى من موظفيه شهداء، وتناثرت آلاف الأوراق والمستندات والفواتير على الطريق المحاذي. وفيما اعتصر الألم قلوب معظم اللبنانيين على أكثر من 200 ضحية ومئات الجرحى وتضرر آلاف المباني، وكثير منها تراثي في وسط العاصمة، فإن مبنى كهرباء لبنان الشاهق لم يحظَ بأي أسف، لأن «الانفجار هشّم مبنى يدار منه قطاع منهار وفاشل أغرق البلد في الظلام»، بحسب قول أحد المواطنين.
فقطاع الكهرباء في لبنان من أكثر قطاعات الخدمات تضرراً نتيجة الأزمة المالية التي تضرب لبنان منذ صيف عام 2019، وهذا القطاع أيضاً يعتبر المسؤول الأكبر عن الدين العام اللبناني، وأكبر مكامن الهدر الحكومي، ولا يزال يستنفد الاحتياطي اللبناني من الأموال الصعبة، رغم تدني قدراته الإنتاجية.
وتفاقمت أزمة الكهرباء في لبنان خلال الأشهر الأخيرة، ووصلت إلى حد الانقطاع الكلي في عدد من المناطق ولساعات متواصلة، الأمر الذي أثّر على مختلف القطاعات الإنتاجية والاستشفائية وحتى شبكات إمداد المياه.
ويعاني لبنان من أسوأ أزمة كهرباء بسبب عدم قدرته على تزويد محطات الإنتاج بالوقود نتيجة النقص في السيولة بالدولار الأميركي لدى الحكومة ومصرف لبنان.
وتفاقمت أزمة الكهرباء بعدما توقفت السفن التركية التي تعمل كمحطات عائمة مستأجرة من قبل الحكومة لتوليد الكهرباء عن الإنتاج في شهر مايو (أيار) الماضي، بسبب نزاع قضائي متصل بالفساد ودفع عمولة لدى توقيع العقود في عام 2013.
كما تأثر مخزون المحروقات لدى شركة كهرباء لبنان بسبب شح الأموال الصعبة، بالإضافة إلى عدم قدرة شركة الكهرباء على القيام بالصيانة اللازمة جراء رفض مصرف لبنان تحويل أموالها إلى العملة الصعبة، وفقاً لسعر الصرف الرسمي الذي يقل بعشرات الأضعاف عن سعر السوق السوداء.
وحذرت شركة الكهرباء من «العتمة الشاملة» إذا استمر الحال، علماً بأن هذه العتمة حصلت الشهر الماضي عندما أطفأت الشركة مصانع إنتاجها لنحو يومين جراء نقص الفيول.
وانسحبت البواخر التركية التي توفر ما يقارب من 400 ميغاواط بعدما لم تتمكن السلطات اللبنانية من دفع مستحقاتها البالغة 150 مليون دولار، التي اشترطت الشركة المشغلة للبواخر أن تكون بالدولار نقداً في وقت تسجل العملة اللبنانية انهيارات متتالية.
ويحتاج لبنان إلى 3000 ميغاواط من التغذية الكهربائية كانت مؤسسة كهرباء لبنان تؤمّن نصفها (المعامل نحو 1200 ميغاواط يُضاف إليها إنتاج البواخر العائمة لإنتاج الطاقة) بينما يؤمّن أصحاب المولدات الخاصة النصف الآخر، إلا أن مؤسسة كهرباء لبنان عملت منذ فترة على تخفيض إجمالي الطاقة المنتجة على الشبكة تدريجياً إلى أقل من النصف، ما تسبب بتقنين تغذية كهرباء الدولة لأكثر من 20 ساعة يومياً حتى في العاصمة بيروت.
ويُشار إلى أن لبنان وبعد انتهاء عقديه مع الكويت وشركة «سوناطراك» الجزائرية بداية العام الحالي بدّل العقود الطويلة الأجل مع الشركات بعمليات شراء فورية للفيول تعرف في السوق النفطية باسم Spot Cargo أي شراء شحنة الفيول فوراً، إلا أن هذه العملية مهددة بسبب شح احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.
وفي ظل تفاقم الأزمة، أعطت الحكومة اللبنانية موافقة استثنائية لفتح اعتمادات مستندية لشراء المحروقات اللازمة لمؤسسة كهرباء لبنان، وذلك من خلال إعطاء سلفة خزينة للمؤسسة، استناداً إلى القانون الذي أقره مجلس النواب بإعطاء مؤسسة الكهرباء سلفة خزينة لشراء محروقات بحد أقصى قدره 300 مليار ليرة (200 مليون دولار على سعر الصرف الرسمي)، إلا أنه لم يتم فتح الاعتمادات بسبب شح احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبية.
ويعول لبنان حالياً على النفط العراقي الذي من المقرر أن يصل إلى لبنان خلال الأسابيع المقبلة، بعدما وقع وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر اتفاقية نفطية مع الحكومة العراقية لاستيراد المحروقات من العراق إلى لبنان لصالح مؤسسة الكهرباء.
وقال غجر إن الاتفاقية تشمل استيراد مليون طن من الفيول مقابل شراء العراق خدمات في لبنان بالليرة اللبنانية، عبر فتح اعتماد في مصرف لبنان.
وفي حين أكد غجر أن كمية الفيول العراقي ستساعد في توليد الكهرباء لمدة أربعة أشهر، أوضحت مؤسسة كهرباء لبنان أن الكميات التي سيتم تأمينها بموجب الاتفاقية العراقية والبالغة مليون طن متري سنوياً ما يشكل ثلث حاجات المؤسسة السنوية تقريباً (متوسط حاجتها الإجمالية السنوية من المحروقات المختلفة تبلغ نحو 3 ملايين طن متري)، ستساعد في إبعاد شبح العتمة الكهربائية في لبنان شرط تأمين العملات الصعبة لقطاعات المؤسسة كافة، لا سيما معامل إنتاج الطاقة الكهربائية.
ويعاني قطاع الكهرباء في لبنان منذ تسعينات القرن الماضي من مشاكل أساسية، إذ لم تنجح الحكومات المتعاقبة في التوصل إلى تفاهم لتنفيذ خطة الكهرباء وإصلاح القطاع الذي يستنزف سنوياً ملياري دولار من خزينة الدولة، وبلغت خسائره أكثر من 40 مليار دولار.
وازداد وضع التغذية الكهربائية في لبنان سوءاً بعدما لجأ أصحاب المولدات الخاصة إلى إطفاء مولداتهم أو التقنين لساعات طويلة بسبب أزمة شح المازوت، ما أغرق لبنان بساعات تقنين من المصدرين (كهرباء لبنان والمولدات) تجاوزت في بعض المناطق عشرين ساعة يومياً.
وتهدد أزمة الكهرباء والمحروقات قطاعات حيوية في لبنان، منها القطاع الاستشفائي الذي يجد صعوبة في تأمين المازوت لتوليد الكهرباء عبر المولدات الخاصة في المستشفيات في وقت تقتصر فيه تغذية كهرباء الدولة على ساعتين. وكانت القطاعات الإنتاجية مثل نقابة تجمع المزارعين ونقابة الدواجن وأصحاب المصانع حذرت من عدم قدرتها على الاستمرار في حال عدم تأمين المازوت الذي باتت تضطر لشرائه من السوق السوداء بقيمة تتجاوز 3 أضعاف سعره المحدد من وزارة الطاقة، لافتة إلى أن هذا الأمر سيؤدي إلى ارتفاع هائل في كلفة الإنتاج.
وأعلنت مؤسسات المياه الحكومية في أكثر من منطقة ، خلال الأيام الأسابيع الماضية، أنها ستلجأ إلى التقنين بتوزيع المياه إلى الحدود الدنيا بسبب عدم تأمين التيار الكهربائي حتى عبر خطوط الخدمات العامة، وبسبب قلة مخزون المازوت المتوافر لديها، محذرة من إمكانية التوقف الكلي عن ضخ المياه في حال عدم تأمين المازوت.
ويشتكي مستوردو المحروقات في لبنان من عدم موافقة مصرف لبنان على فتح اعتمادات لاستيراد الكميات الكافية من المازوت في ظل تزايد الطلب عليه بسبب انقطاع الكهرباء، وذلك رغم قرار الدولة مؤخراً تخفيض الدعم ورفع دولار استيراد هذه المواد من 1500 ليرة إلى 3900 ليرة للدولار، ما رفع سعر المحروقات أكثر من 40 في المائة.
وأوضح المصرف المركزي أنه خلال شهر يوليو (تموز) 2021، فتح اعتمادات بما قيمته 708 مليون دولار لاستيراد البنزين والمازوت، إضافة إلى 120 مليون دولار لاستيراد الفيول إلى كهرباء لبنان، أي ما مجموعه 828 مليون دولار لاستيراد المحروقات.
ويعتبر المراقبون أن تهريب المازوت والبنزين إلى الأراضي السورية، فضلا عن تخزينه من قبل التجار بهدف تحقيق ربح إضافي بعد رفع الدعم عنه كلياً، من الأسباب الأساسية لأزمة المحروقات في لبنان.



«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
TT

«جمعة رجب»... مناسبة حوثية لفرض الإتاوات وابتزاز التجار

مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)
مسلحون حوثيون ضمن حشدهم الأسبوعي في صنعاء بأمر من زعيم الجماعة (رويترز)

استهلت الجماعة الحوثية السنة الميلادية الجديدة بإطلاق حملات جباية استهدفت التجار وأصحاب ورؤوس الأموال في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، بغية إجبارهم على دفع الأموال لتمويل احتفالات الجماعة بما تسميه «جمعة رجب».

وتزعم الجماعة الحوثية أن دخول اليمنيين في الإسلام يصادف أول جمعة من شهر رجب الهجري، ويستغلون المناسبة لربطها بضرورة الولاء لزعيمهم عبد الملك الحوثي تحت ادعاء أن نسبه يمتد إلى علي بن أبي طالب الذي أدخل اليمنيين في الإسلام قبل أكثر من 14 قرناً هجرياً. وفق زعمهم.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن مشرفين حوثيين برفقة عربات ومسلحين يتبعون عدة مكاتب تنفيذية تابعة للجماعة، نفذوا حملات واسعة ضد متاجر ومؤسسات تجارية في عدة مديريات في المدينة، وأجبروا ملاكها على دفع جبايات، بينما أغلقوا عدداً من المتاجر التي رفض ملاكها التبرع.

وأكدت المصادر أن الانقلابيين شرعوا في توسيع أنشطتهم الاستهدافية في تحصيل الإتاوات أكثر مما كان عليه قبل أشهر ماضية، حيث لم تستثنِ الجماعة حتى صغار التجار والباعة المتجولين والسكان الأشد فقراً.

الانقلابيون سيطروا بالقوة على مبنى الغرفة التجارية في صنعاء (إعلام محلي)

وفي ظل تجاهل الجماعة المستمر لفقر السكان في مناطق سيطرتها، أقرت ما تسمى اللجنة العليا للاحتفالات والمناسبات في اجتماع لها بصنعاء، إطلاق برنامج الفعاليات المصاحب لما يُسمى ذكرى «جمعة رجب»، بالتوازي مع بدء شنّ حملات جباية على التجار والسكان الذين يعانون من ظروف معيشية حرجة.

وهاجم بعض السكان في صنعاء كبار قادة الجماعة لجهة انشغالهم بابتكار مزيد من الفعاليات ذات المنحى الطائفي وتخصيص ميزانية ضخمة لأعمال الدعاية والإعلان، ومكافآت ونفقات لإقامة الندوات وتحركات مشرفيها أثناء حشد الجماهير إليها.

وكانت تقارير محلية اتهمت في وقت سابق قيادات حوثية بارزة في الجماعة يتصدرهم حمود عباد وخالد المداني بجباية مليارات الريالات اليمنية من موارد المؤسسات الحكومية الخاضعة لسلطات الجماعة في صنعاء، لافتة إلى أن معظم المبالغ لم يتم توريدها إلى حسابات بنكية.

تعميم صوري

في حين زعمت وسائل إعلام حوثية أن تعميماً أصدره القيادي في الجماعة حمود عباد المعين أميناً للعاصمة المختطفة، يقضي بمنع إغلاق أي محل أو منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ ما سماها «الإجراءات القانونية»، نفى تجار وأصحاب مؤسسات تجارية بصنعاء توقّف عناصر الجماعة عن مداهمة متاجرهم وإغلاقها بعد رفضهم دفع جبايات.

تجمع للمارة في صنعاء أثناء محاولة اعتقال مالك أحد المطاعم (الشرق الأوسط)

وفي مسعى لتلميع صورتها عقب حملات التعسف كانت الجماعة أصدرت تعميماً يُلزِم قادتها في عموم المديريات والمكاتب التنفيذية في صنعاء بعدم إغلاق أي منشأة تجارية إلا بعد اتخاذ «الإجراءات اللازمة».

وحض التعميم الانقلابي كل الجهات على «عمل برامج شهرية» لتنفيذ حملات نزول ميداني لاستهداف المتاجر، مرة واحدة كل شهر عوضاً عن تنفيذ حملات نزول يومية أو أسبوعية.

واعترفت الجماعة الحوثية بوجود شكاوى لتجار وملاك منشآت تجارية من قيام مكاتب تنفيذية في صنعاء بتحصيل مبالغ مالية غير قانونية منهم بالقوة، وبإغلاق مصادر عيشهم دون أي مسوغ قانوني.

توسيع الاستهداف

اشتكى تُجار في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، من تصاعد كبير في حملات الاستهداف وفرض الإتاوات ضدهم عقب صدور تلك التعليمات التي يصفونها بـ«غير الإلزامية».

ويتهم عدد من التجار القياديَين حمود عباد وخالد المداني، والأخير هو مشرف الجماعة على المدينة، بتكثيف الأنشطة القمعية بحقهم وصغار الباعة وإرغامهم في كل حملة استهداف على دفع جبايات مالية مقابل السماح لهم بمزاولة أنشطتهم التجارية.

الحوثيون يستهدفون المتاجر والشركات لإجبارها على دفع الأموال (إعلام حوثي)

ويتحدث (أحمد.و)، مالك محل تجاري بصنعاء، عن استهداف متجره بسوق شعبي في حي السنينة بمديرية معين بصنعاء من قِبَل حملة حوثية فرضت عليه دفع مبلغ مالي بالقوة بحجة تمويل مناسبة «جمعة رجب».

وذكر أن عناصر الجماعة توعدته بالإغلاق والاعتقال في حال عدم تفاعله مع مطالبها غير القانونية.

وتحدث أحمد لـ«الشرق الأوسط»، عن إغلاق عدد من المتاجر في الحي الذي يعمل فيه من قِبَل مسلحي الجماعة الذين قال إنهم اعتقلوا بعض ملاك المحلات قبل أن يتم الإفراج عنهم بعد أن رضخوا لدفع الجبايات.