ماكرون يدعو المجتمع المدني للمشاركة في «دعم الشعب اللبناني» غداً

باريس تحدد ثلاث مهمات للحكومة الجديدة: «الإصلاحات» و«النقد الدولي» و«الانتخابات»

TT

ماكرون يدعو المجتمع المدني للمشاركة في «دعم الشعب اللبناني» غداً

من حصن بريغونسون المطل على مياه المتوسط، قريباً من مدينة طولون الساحلية الفرنسية، حيث يمضي عطلته الصيفية، سيدير الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالاشتراك مع الأمين العام للأمم المتحدة «المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني» غداً (الأربعاء)، وهو الثالث من نوعه في أقل من عام. وكما في المؤتمرين السابقين، فإن المساعدات - وفق ما شرحته مصادر قصر الإليزيه أمس (الاثنين) في معرض تقديمها للمؤتمر- لن تكون «مشروطة»، وستتم في الإطار الإنساني «بمعناه الواسع»، بحيث تشمل الصحة والتعليم والمساعدات الغذائية والمياه ودعم المؤسسات الثقافية والمساعدة على إعادة تأهيل المساكن والمدارس والمستشفيات، بيد أن المؤتمر سيوفر فرصة إضافية للأسرة الدولية من أجل إرسال رسالة سياسية واضحة للمسؤولين السياسيين اللبنانيين بأن لبنان «في حاجة ماسة لتشكيل حكومة جديدة ثلاثية المهمات: القيام بالإصلاحات الملحة التي وحدها يمكن أن تفتح الباب أمام حصول لبنان على مساعدات بنيوية لإنهاضه اقتصادياً، والتفاوض الجدي مع صندوق النقد الدولي، والتحضير للانتخابات (النيابية) العام المقبل».
وحرصت باريس على رسالة موازية للطبقة السياسية اللبنانية التي تتلطى أحياناً وراء استحقاقات دولية وأخرى إقليمية. وفحوى الرسالة أن السياسيين اللبنانيين «قادرون على التوصل إلى تشكيل حكومة جديدة، إذا أرادوا وعزموا على تحمل مسؤولياتهم». وتضيف مصادر الإليزيه أن باريس تنتظر أن ينجح رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في مهمته، وأن يبدأ بالإصلاحات «لأن ذلك هو الطريق الوحيد، وإلا سيكون على الرئيس ماكرون أن يعمد مجدداً لتعبئة الأسرة الدولية من أجل مد يد المساعدة للبنان».
ويُنظر في باريس إلى المؤتمر الثالث بشكل مختلف عن المؤتمرين السابقين (بغض النظر عن المؤتمر الذي نظمته وزيرة الدفاع الفرنسية لمساعدة الجيش اللبناني في يونيو/ حزيران الماضي)، ويُعتقد أن ثمة عناصر ضاغطة إضافية، منها العقوبات الفرنسية التي أصبحت فعلية على عدد من السياسيين، وقد أبقتها باريس سرية، والقرار الأوروبي بالتوصل إلى إقرار القاعدة القانونية لفرض عقوبات لاحقة على السياسيين اللبنانيين، فضلاً عن التنسيق المستجد بين باريس وواشنطن، والتنسيق مع المملكة السعودية.
وفي هذا الخصوص، قالت المصادر الفرنسية، رداً على سؤال لـ«الشرق الأوسط»، إن التنسيق المشار إليه «وفر إضافات (بشأن الملف اللبناني) سوف نرى أثارها في المستقبل»، وأن السعودية ستشارك في المؤتمر. وكانت المصادر الفرنسية تشير إلى الاجتماع التشاوري الفرنسي - السعودي - الأميركي بين وزراء خارجية البلدان الثلاثة الذي حصل على هامش اجتماع مجموعة العشرين الوزاري في إيطاليا الشهر الماضي، وإلى الزيارة المشتركة التي قامت بها سفيرتا فرنسا والولايات المتحدة إلى الرياض مؤخراً لغرض التشاور والتنسيق.
وتعد باريس أن النظرة الأميركية للملف اللبناني اقتربت كثيراً من الرؤية الفرنسية، وأن البلدين يعملان يداً بيد في هذا الخصوص. وتجدر الإشارة إلى أن الرئيس جو بايدن سوف يشارك في المؤتمر من خلال مقطع فيديو مسجل، وهي المرة الأولى التي يحصل فيها أمر كهذا. وخلاصة باريس أن هناك «ديناميكية جديدة للاهتمام بالوضع اللبناني».
- 40 دولة ومؤسسة
وينطلق المؤتمر عن بعد، عبر تقنية «الاتصال المرئي»، ظهر الأربعاء، بكلمة للرئيس ماكرون، تليها كلمة للأمين العام للأمم المتحدة. ويشارك الرئيس اللبناني بها، وكذلك الرئيس المصري، وملك الأردن، ورئيس الوزراء العراقي، ورئيس المفوضية الأوروبية، ورئيسا الوزراء الكندي واليوناني. وتتراوح المشاركات بين المستويين الرئاسي والوزاري. ويشارك وزراء خارجية بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وبلجيكا وهولندا وقبرص والنمسا وإسبانيا والجامعة العربية. كذلك تشارك الإمارات وقطر وسويسرا، وكبار المسؤولين عن المؤسسات المالية الدولية.
وبحسب المعطيات التي كانت متوافرة أمس، فإن نحو 40 دولة ومؤسسة ستكون حاضرة في المؤتمر من أجل الاستجابة للحاجات الإنسانية في لبنان التي قدرها تقرير للأمم المتحدة بـ357 مليون دولار. وسيتم توزيع المساعدات وفق الآليات المتبعة التي تشرف عليها الأمم المتحدة أو مباشرة من الدول المانحة، ولكن من دون المرور بالبنى الرسمية اللبنانية، باستثناء الجيش اللبناني.
وشددت المصادر الفرنسية على أهمية حضور المجتمع المدني اللبناني بتنوعاته في المؤتمر، لذا تمت دعوة ممثلين عنه، الأمر الذي يعكس الأهمية التي توليها الأسرة الدولية لهذا المجتمع وجمعياته. ورداً على الذين ما زالوا يتهمون فرنسا بـ«تعويم» الطبقة السياسية اللبنانية فيما توجه إليها أقسى الانتقادات، قالت هذه المصادر إن الرئيس ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لودريان تحاورا مع ممثلين عنه أكثر من مرة، لكن باريس ملزمة بـ«التعامل مع السياسيين لأنهم هم من سيشكل الحكومة، وليس المجتمع المدني»، وإن هناك مؤسسات وبرلماناً وأحزاباً ممثلة فيه، وهي «تملك مفتاح تشكيل الحكومة».
- الزيارة الثالثة
هل تغيرت أولويات باريس في لبنان بالنسبة للحكومة التي كانت توصف بداية بـ«حكومة مهمة»؟ حقيقة الأمر أن باريس لم تعد تتوقف عند هذه الأوصاف بعد مرور عام على جهود بذلتها لإنفاذ خطة الإنقاذ التي طرحها الرئيس ماكرون عقب تفجيري المرفأ مباشرة. وما يهم الجانب الفرنسي أن يرى ولادة حكومة «قادرة على القيام بإصلاحات تفتح الطريق لدعم لبنان وإنهاضه اقتصادياً، وليس فقط مساعدته إنسانياً»، وهي تذكر بالـ11 مليار دولار التي وعد بها في مؤتمر «سيدر» ربيع عام 2018، مقابل البدء بمسيرة الإصلاح.
وفي إشارة إلى ما صدر عن الرئيس ميقاتي عقب تكليفه، من التبشير بمؤتمر جديد في سبتمبر (أيلول) المقبل، قالت المصادر الرئاسية إن ميقاتي «سيحظى بدعم الأسرة الدولية التي ستعبئ إمكانياتها» إذا نجح في تشكيل حكومة تراها باريس بمثابة الفرصة الأخيرة لمنع الانهيار، وإذا أطلق الإصلاحات المنشودة. ومن بين الإصلاحات تركز باريس على قطاعي الطاقة والاتصالات.
وفي سياقٍ موازٍ، تبدو باريس واثقة من السير بالعقوبات الأوروبية، إذا استمر السياسيون اللبنانيون في مراوغاتهم المعهودة، فيما الوضع العام مستمر في التدهور، وأن السير بها «رهن بالتطورات المرتقبة في لبنان في الأسابيع والأشهر المقبلة». وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاق على إطار أوروبي للعقوبات ليس سوى خطوة أولى يفترض أن تتبعها خطوة إقامة جداول للأشخاص الذين ستطالهم، الأمر الذي يحتاج إلى موافقة وزراء الخارجية الأوروبيين. والحال أن هؤلاء لن يجتمعوا مجدداً إلا في 21 سبتمبر (أيلول) المقبل.
يبقى أن الرئيس ماكرون، وفق ما يفهم من إشارات مصادر الإليزيه، لم يطوِ مشروع زيارة ثالثة إلى لبنان، بيد أن الأمور مرهونة بتطور الوضع السياسي، وملء الفراغ المؤسساتي المتواصل منذ ما يزيد على عام.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.