Summer of Soul
(ممتاز)
إخراج: أمير تومسون
الولايات المتحدة (2021)
تسجيلي عن موسيقى وثقافة
العنوان الكامل لهذا الفيلم الرائع هو «صيف الصول أو، عندما لم يكن ممكناً بث الثورة» (تحديداً: Or When the Revolution Could Not be Televised). المعنى شبه المستتر هو أن موسيقى الصول (نوع غنائي موسيقي أفرو - أميركي) لم يكن مسموحاً لها أن تحظى بالاهتمام ذاته الذي تحظى به الموسيقى البيضاء مثلاً.
أيامها (في الستينات) كان هناك برنامج تلفزيوني اسمه «Soul Train» يقدّم بعض المغنين السود في «نُمَر» و«وصلات راقصة» ومُعلّبة للتسلية. لكن ما حدث في حي هارلم في نيويورك سنة 1969 لم يكترث أحد لبثّه. مجموعة كبيرة من مغنّي الصول والبلوز مثل: غلاديس نايت وسلاي ستون وستيڤي ووندر ونينا سايمون وفرقة «فيفث دايمنشن» وماهيليا جاكسون وب. ب. كينغ وعشرات ممن هم أقل شهرة، قامت بالغناء في حفل مفتوح. كاميرا واحدة كانت هناك التقطت كل شيء، لكن الفيلم الذي صوّرته انتهى إلى علبته لخمسين سنة من قبل أن يكشف عن الموسيقار أمير تومسون ويحوّله إلى فيلمه الأول.
يضم الفيلم الجديد (الآيل بلا ريب لمسابقة الأوسكار في العام القادم) لجانب الغناء الذي يسترجع تلك المواهب ويعيد من عاصرها إلى زمن جميل غارب، مقابلات متعددة يتحدّث فيها بعض من زال حيّاً من هؤلاء المغنين وبعض من حضر (من بيض وسود). فعل التوليف ما بين الفيلمين القديم المُكتشف والجديد الذي يعرضه، رائعٌ ومتوازن. المادة الأرشيفية ما زالت حيّة ومثيرة كغناء وكجزء من تاريخ الحضور الأفرو - أميركي الفني والثقافي.
1969 هو العام ذاته الذي أُقيم فيه احتفال «وودستوك» الشهير. ذاك كسب الجولة وتم صنع فيلم رائع عنه أيضاً (أخرجه مايكل وادلي وشارك في توليفه مارتن سكورسيزي).
احتفال هارلم لم يكن صغيراً بدوره من حيث الجمهور، لكنه لم يحظَ بالاهتمام الإعلامي الذي استحقه. والمخرج تومسون يستغل هذه الحقيقة ليلقي نظرة سياسية على الوضع العنصري القائم آنذاك. يلقي أسئلة تطرح مواضيع مثل اغتيال جون ف. كينيدي ومارتن لوثر كينغ ونشأة «الفهود السود» وبالتأكيد، هوية غناء «الصول» وقيمته البديعة. الفيلم رحلة يهتز المشاهد لها طرباً وتسعد من عاش الفترة ومن يكتشفها للمرّة الأولى (شوهد في مهرجان صندانس).
Old
1-2
(لا يستحق)
إخراج: م. نايت شيامالان
الولايات المتحدة | (2021)
شاطئ يختصر سنوات العمر
منذ بداياته المثيرة في «الحاسّة السادسة» (1999) و«غير قابل للكسر» (2000) والمخرج م. نايت شيامالان يوفر حكايات غرائبية مبنية على فكرة مثيرة بحد ذاتها. لكن في حين أن الفيلمين المذكورين أوحيا لنا بولادة مخرج مهم في سينما الفانتازيا والغموض، ترنّحت أفلامه اللاحقة (مثل «القرية» 2004، و«سيدة في الماء» 2006، ثم «الحدث» 2008، وصولاً إلى «بعد الأرض» 2014) تحت ثقل المعالجة وخفة الحكاية. لا شيء مما حققه شيامالان، الذي لا يزال يحتفظ ببعض الهالة، في السنوات الخمس عشرة الأخيرة كان جيداً بلا نقاش. بعضه أفضل من بعض، لكن الجميع عانى من عيوب قاتلة.
«عجوز» من بين أكثرها رداءة. يحكي قصة زوجين (غايل غارسيا برنال وڤيكي كريبس) وطفليهما يصلون إلى فندق سياحي فوق جزيرة استوائية ومدير الفندق ينصح العائلة بالتوجه إلى شاطئ هادئ يصفه بالساحر. بعد قليل ينضم إلى هذه العائلة بضعة سياح آخرين. وبعد نصف ساعة تبدأ المشكلات ليس بين السيّاح بل بينهم وبين المكان، إذ يجد الموجودون أنفسهم يكبرون سنّاً. الطفلان، على سبيل المثال، أصبحا في سن الشباب. الجميع يتشنجون أو ينزفون دماً من أنوفهم أو يتقيأون سائلاً أبيض اللون وأحدهم يرتكب جريمة قتل. هذا فيلم من النوع الذي يمكن توزيع الأدوار على الممثلين من دون تحديد لأنهم جميعاً سيكررون رد الفعل ذاته وسيطلقون السؤال نفسه: «ما الذي يحدث؟».
طبعاً الشاطئ منعزل. الهواتف النقّالة لا تعمل. من يحاول صعود الصخور المحيطة يقع من علٍ ويموت. من يحاول السباحة يفقد حياته وتلفظه الأمواج جثة تماماً كالفيلم. فقط من في الصالة آمنون ولو أنهم معرضون لسذاجة ما يدور على الشاشة.
شيامالان يترك الجواب حول سبب ما يحدث لنهاية الفيلم فإذا بالسر واهن وغير مقنع. وما سبق النهاية ليس أفضل. لجانب أن الحكاية لا تتمتع بأسباب غموض فعلية ولا بأحداث تحرّك المُشاهد من حال المتابعة إلى حال الإثارة والرغبة في المعرفة، فإن المسألة برمّتها خط واحد مبنيّ على فكرة لا تحبل بالمفاجآت (عروض تجارية).
Bob Spit- We Do Not Like People
(وسط)
إخراج: سيزار كابرال
البرازيل | (2021)
شخصيات كرتونية تكاد أن تصبح مهمّة
سلسلة روايات «بوب سبِت» من الكوميكس البرازيلي الذي اشتهر في الثمانينات وإلى اليوم ولو على نطاق محدود نسبةً لمحليّته. المخرج سيزار كابرال عالج الشخصية سابقاً في فيلم قصير وهو هنا يمنحها حياة فيلمية طويلة (في ساعة ونصف). يوفر السيناريو خطّان من الأحداث. الأول لقاء مع مؤلّف الشخصية وكاتب قصصها (يكتفي باسم أنجيلي) والثاني حكاية بطله بوب سبِت. وكلاهما منفَّذ بتقنية الدمى المتحركة.
في هذا الفيلم نتعرّف على بوب سبِت في منطقة صحراوية - جبلية قاحلة وهو يلقي القبض على مخلوقين لا يمكن التنبؤ بما يريدان فعله تماماً كما لا يمكن التنبؤ مسبقاً بما سيفعل بوب بهما (يذكر مرّتين أنهما يصلحان للأكل). بوب منفّذ كرجل بشع الهيئة. أخضر اللون. في أنفه حلقة كبيرة. منطوٍ ومتذمر ومتوحش.
والشخصيات التي تحيط به ليست أفضل شكلاً. كذلك الحكايات (تقع في عالم ما بعد الدمار الكبير كما حال «ماد ماكس» مثلاً) غارقة في دكانة فكرية. لا شيء إيجابياً قصداً.
عبر الانتقال من الحكاية إلى مؤلّفها (الذي يدلي بمقابلة تلفزيونية) نكتشف أن بوب بات ثقلاً على أنجيلي الذي يحاول التخلص منه، لكن بوب لا يريد أن يموت أو أن يُضحّى به. كل ذلك في عمل يتوجه صوب مشاهدين راشدين برغبة توسيع رقعة المؤلّف والشخصية التي ابتكرها.
للفيلم مشاهد بصرية مثيرة كتقنيات تحريك وكألوان وتشخيص، لكن الحكاية تبقى عالقة في وسط المسافة بين الكتابة ورغباتها وبين التفعيل وقصوره (مهرجان أنيسي لسينما الأنيميشن).