فينالدوم: عندما يخسر ليفربول أكون أول من يتعرض للوم والانتقاد

بالنسبة لنجم خط الوسط الهولندي جورجينيو فينالدوم، كانت تجربته مع ليفربول منقسمة بشكل صارخ، فمن ناحية كان هناك العديد من الأشياء الإيجابية مثل وجود المدير الفني الألماني الرائع يورغن كلوب ومجموعة من اللاعبين المميزين، جنباً إلى جنب مع جمهور النادي الذي يقدم كل أشكال الدعم والحماس للفريق، لكن من ناحية أخرى كانت هناك أشياء سلبية مثل مجموعة فينواي الرياضية المالكة للنادي، وبعض أنصار النادي الذين لا يتوقفون عن انتقاده على وسائل التواصل الاجتماعي.
وشعر فينالدوم بحب جارف من المدير الفني واللاعبين والجماهير في ليفربول، ولن ينسى أبداً الوداع الحار الذي قدمه له الجمهور على ملعب «آنفيلد» خلال وبعد المباراة الأخيرة الموسم الماضي ضد كريستال بالاس.
وكان من المقرر أن ينتهي عقد لاعب خط الوسط البالغ من العمر 30 عاماً بنهاية الموسم الماضي، وكان من الواضح لبعض الوقت أنه سيرحل في صفقة انتقال حر. وكان السؤال الوحيد يتعلق بالمكان الذي سيذهب إليه، وقد عرفت الإجابة الشهر الماضي عندما تغلب باريس سان جيرمان على برشلونة ونجح في الحصول على خدمات اللاعب الهولندي في صفقة انتقال حر مدتها ثلاث سنوات.
وكان كلوب قد منح فينالدوم شارة قيادة الفريق أمام كريستال بالاس، وعندما استبدله في الدقيقة 78 وقف الجمهور الحاضر في تلك المباراة والبالغ عدده 9.901 متفرج لتحية فينالدوم والتصفيق له بحرارة. وبعد المباراة، أقام اللاعبون ممرا شرفيا لفينالدوم وقدموا له لوحة تذكارية.
من المؤكد أن هذا مشهد نادر الحدوث، على أقل تقدير، بالنسبة للاعب يرفض تجديد عقده ويرحل في صفقة انتقال حر! وقد شعر فينالدوم بسعادة غامرة بعد اعتراف النادي والجمهور بجهوده الكبيرة على مدار خمسة مواسم في النادي فاز خلالها بدوري أبطال أوروبا والدوري الإنجليزي الممتاز وكأس السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية.
يقول اللاعب الهولندي عن ذلك: «كان الأمر جميلاً في النهاية، وبقيت أفكر في هذا الأمر لأسابيع بعد ذلك. لا يحصل كل لاعب يرحل على هذا التكريم».
ومع ذلك، تتغير نبرة صوته عندما يتحدث عن الأشخاص الذين يعتقد أنهم كانوا يقفون ضده، ويشير إلى أنهم يوجدون في قمة النادي. ويقول: «كانت هناك لحظة لم أشعر فيها بالحب والتقدير، ليس من زملائي في الفريق، ولا من الأشخاص الموجودين في ملعب التدريب، فهم جميعاً يحبونني وأنا أحبهم. لم يكن الأمر من هذا الجانب، بل كان من الجانب الآخر الأعلى!».
وقال فينالدوم بعد مباراة كريستال بالاس إنه «كان يحب أن يظل لاعباً في ليفربول لسنوات عديدة أخرى، لكن لسوء الحظ سارت الأمور بشكل مختلف». واستمرت مفاوضاته مع مالكي النادي لفترة طويلة، لكنها شهدت العديد من المشاكل التي كان من المستحيل حلها. لقد كان اللاعب الهولندي الدولي يريد ضمانات معينة، لكن مجموعة فينواي الرياضية المالكة للنادي رفضت منح هذه الضمانات للاعب في مثل عمره.
في الموسم الماضي، كان فينالدوم أكثر لاعبي كلوب استخداماً، حيث شارك في 51 ظهوراً بالقميص الأحمر الشهير، والجميع على دراية بتأثيره في غرفة الملابس، وقال عنه الهداف الإنجليزي السابق آلان شيرر: «إنه أستاذ تناسق الصفوف»، واضعاً إياه في مرتبة عالية جداً بقائمة أفضل لاعبي الموسم في العام الذي توج به ليفربول بطلاً للدوري الإنجليزي (2019 - 2020).
ويرى فينالدوم أنه بذل قصارى جهده مع النادي حتى آخر مباراة، وحتى في الموسم الأخير الذي فشل فيه ليفربول في الدفاع عن لقب الدوري الإنجليزي الممتاز، شارك فينالدوم في جميع الـ38 مباراة التي لعبها الفريق، من بينها 34 مباراة كأساسي. لكن النقاد خلطوا بين عدم تجديد تعاقده مع النادي وبين النتائج المخيبة للآمال التي حققها الفريق.
يقول فينالدوم: «يجب أن أتحدث أيضا عن وسائل التواصل الاجتماعي. فعندما كانت تسوء الأمور، كنت أنا اللاعب الذي يتعرض للوم والانتقادات، وكانوا يقولون إنني أرغب في الرحيل. لقد كنت أبذل قصارى جهدي كل يوم في التدريبات وفي المباريات من أجل مساعدة ليفربول على تحقيق نتائج جيدة، نظرا لأن ليفربول كان يعني الكثير بالنسبة لي على مدار سنوات طويلة، وبسبب الطريقة التي كان يعاملني بها الجمهور في الملعب».
ويضيف «كان لدي شعور بأن المشجعين الموجودين في الملعب والمشجعين الموجودين على وسائل التواصل الاجتماعي هما نوعان مختلفان تماما. لقد كان الجمهور الموجود في الملعب يدعمني دائما. وحتى عندما عاد الجمهور لحضور المباريات بعد فترة الإغلاق، ورغم أنه كان يعلم بالفعل أنني سأرحل، فإنه ظل يدعمني، وفي النهاية ودعني بشكل عظيم».
ويتابع: «أما على وسائل التواصل الاجتماعي، فإذا خسرنا، فأنا اللاعب الذي يتعرض للانتقادات دائما. لقد جاءت لحظة قلت فيها لنفسي (يا إلهي. لو يعرفون قدر الجهد الذي أبذله حتى أكون لائقا وأشارك في جميع المباريات، في الوقت الذي قد يقول فيه لاعب آخر بكل بساطة إنه ليس لائقا أو جاهزا للمشاركة!) وعلاوة على ذلك، تجد لاعبين آخرين في الموسم الأخير لهم مع النادي لا يشاركون كثيرا في المباريات خوفا من الإصابات أو أن يتعرضوا لأي مخاطر، لكنني فعلت العكس تماما».
ويقول اللاعب الهولندي: «صحيح أنني لا ألعب جميع المباريات بشكل جيد، لكن الشيء المؤكد هو أنني أبذل قصارى جهدي في كل مباراة وأتدرب بكل قوة حتى أصل لأفضل مستوى ممكن. وحتى مع الطاقم الطبي، كنت أحصل على أي علاج ممكن للمشاركة في المباريات. إنني لا أتذكر أنني قد حصلت يوما ما على إجازة لأنني لعبت العديد من المباريات. ورغم أن ذلك قد يكون شاقا على الجسم، لكنني كنت أقوم بأي شيء يساعدني على البقاء في حالة بدنية جيدة».
وعندما طُلب من فينالدوم تحديد الوقت الذي شعر فيه بأنه غير محبوب ولا يحظى بالتقدير اللازم، رد قائلا: «ليس قرب نهاية عقدي مع النادي فقط، ولكن قبل ذلك أيضا. في الحقيقة، لم أحظ بالتقدير اللازم سوى مرات قليلة خلال آخر موسمين».
ويضيف «كانت هناك قصة متداولة بأن ليفربول قدم لي عرضاً لتمديد عقدي وأنني رفضت لأنني كنت أريد المزيد من المال، بل ووصل الأمر لدرجة أن بعض المشجعين كانوا يقولون إنني لن ألعب بقوة في المباريات بعدما وصلت مفاوضات التجديد إلى طريق مسدود. ثم لم تكن النتائج جيدة بالفعل، وبدا الأمر وكأن كل شيء يقف ضدي. وفي بعض اللحظات، كنت أقول لنفسي كيف يوجهون الانتقادات لي وحدي، رغم أننا نلعب لعبة جماعية؟ لكن زملائي في الفريق لم يجعلوني أبداً أشعر بأنني خذلتهم أو أنني كنت أتخاذل أو أتكاسل أو أي شيء من هذا القبيل. لقد كان كل شيء مع الفريق على ما يرام».
ويتابع: «كان من الصعب الحديث عن كرة القدم، لأنني كنت أُسأل دائما عما سأفعله في المستقبل. وحتى أصدقائي كانوا يقرأون بعض الأشياء ويأتون إلي ليسألوني عما إذا كان ذلك صحيحا بالفعل أم لا. وكنت أقول لهم إنهم سوف يرون ما سيحدث قريبا. لم أكن أرغب حقا في الحديث عن مستقبلي بسبب وجود الكثير من التكهنات والأحاديث بهذا الشأن. لقد كان هذا هو آخر موسم لي مع ليفربول، وبالتالي كان البعض يستغل هذا ويصور الأمر وكأنني لا أقوم بعملي كما ينبغي داخل الملعب».
لكن الشيء المؤكد هو أن فينالدوم لن ينسى أبدا الأشياء الجميلة التي فعلها بقميص ليفربول، ويروي لنا هنا قصة رائعة عن أجمل لحظة له في مسيرته في ليفربول، وهي مباراة العودة للدور نصف النهائي لدوري أبطال أوروبا عام 2019 أمام برشلونة على ملعب «آنفيلد». لقد شارك فينالدوم كبديل بين شوطي المباراة بينما كان ليفربول متقدما بهدف دون رد، لكنه كان متأخرا في مجموع المبارتين بنتيجة ثلاثة أهداف مقابل هدف وحيد، وسجل فينالدوم هدفين ليعادل النتيجة، قبل أن يحرز ديفوك أوريجي هدف الفوز من الركلة الركنية التي لعبها ترينت ألكسندر أرنولد بشكل سريع.
يقول فينالدوم عن ذلك: «ربما تحدث كلوب معي بين شوطي المباراة، لكنني كنت غاضباً جداً بسبب عدم مشاركتي في التشكيلة الأساسية لدرجة أنني لم أستمع جيدا للتعليمات التي كان يقولها لي. وكانت اللحظة الوحيدة التي استمعت فيها إليه جيدا عندما توقف التدريب الصباحي وقال لي: جيني، يجب أن تكون جاهزاً لأنني أحتاج إليك بشدة عندما تشارك في المباريات».
ويضيف «عندما شاركت في المباراة، أخبرني جوسيب ليندرز (مساعد المدير الفني) أنه عندما نقوم في مرحلة بناء الهجمات تتحول طريقة اللعب بحيث نلعب بثلاثة لاعبين في الخط الخلفي وبالتالي يتعين علي أن أعود للخلف لكي أستلم الكرة مع تقدم الظهيرين إلى الأمام. لكنني في نفسي كنت أقول إنني لن أفعل ذلك، لكنني سأحاول التقدم للأمام لتسجيل الأهداف. لقد كنت غاضباً جداً لدرجة أنني كنت أريد أن أنفذ ما يدور في ذهني، وقد نجح ذلك الأمر في نهاية المطاف».
وانتقل فينالدوم إلى باريس سان جيرمان لخوض مغامرة جديدة، وينتظر بفارغ الصبر اللعب تحت قيادة المدير الفني الأرجنتيني ماوريسيو بوكيتينو، الذي حاول التعاقد معه في عام 2016 عندما كان الأول يتولى تدريب توتنهام بينما اللاعب في طريقه للرحيل عن نيوكاسل.
يقول فينالدوم: «ذهبت إلى منزل بوكيتينو وأظهر لي بالفيديو كيف كان يدرب اللاعبين لتحسينهم، وهذا ما يجعله مدرباً جيداً. إنه لا يهتم بالعمل الجماعي في الفريق فقط، لكنه يهتم أيضا بتطوير القدرات الفنية للاعبين. عندما اتصل بي وكيل أعمالي وقال لي إن بوكيتينو يريد التحدث معي، سألت نفسي عن السبب الذي يجعله يريد التحدث معي، فأنا أعرف بالفعل كيف يعمل، لكنه كان يرغب في الحديث معي حول مشروع باريس سان جيرمان، وأنا سعيد للغاية لكوني جزءا من هذا المشروع».
ويختتم فينالدوم حديثه قائلا: «تشعر بمدى رغبة هذا النادي في الفوز بدوري أبطال أوروبا، ويجعلك هذا الأمر متحمسا لخوض هذه التجربة. لكنني أيضاً أرغب بشدة في الفوز بدوري أبطال أوروبا لأنني رأيت كم هو من الرائع أن تفوز بهذه البطولة الكبرى. ويجب أن أقول هذا عن بطولة الدوري أيضا، فهذا الفريق يرغب في الفوز بكل البطولات والألقاب وأن يكون أفضل ناد في العالم».
ومن شاهد المباريات الثلاث الأولى للمنتخب الهولندي في كأس أمم أوروبا الأخيرة حيث حمل فينالدوم شارة القائد، سيفهم سبب تعاقد باريس سان جيرمان معه. لقد كان فينالدوم هو مهندس الهجوم والهداف والقائد، وقال عنه الدولي الهولندي السابق رود فان نيستلروي: «إذا كانت هولندا تركز كثيراً على المهاجم ممفيس ديباي وهو أمر مستحق، إلا أن الفريق مدين بالكثير لجورجينيو فينالدوم خلال البطولة الأوروبية».
وأضاف نيستلروي نجم مانشستر يونايتد السابق الذي لعب 70 مباراة دولية: «يبدو فينالدوم أكثر في الظل، لكن وظيفته لا تصدق. هل هو القائد الحقيقي للمنتخب... لديه الخبرة والموهبة».
في الثلاثين من عمره، يبدو أن اللاعب المتحدر من روتردام قد تجاوز مساراً جديداً على أي حال بالانضمام لباريس سان جيرمان، ولا يمكن لأدائه في بطولة كأس أوروبا سوى إثبات صحة قرار النادي الفرنسي الذي يحلم باللقب الأوروبي العريق.