مقتل زعيم «الكانيات» في بنغازي

TT

مقتل زعيم «الكانيات» في بنغازي

قُتل محمد الكاني، قائد أكبر ميليشيا متهمة بالمسؤولية عن «المقابر الجماعية» في مدينة ترهونة غرب ليبيا، والمطلوب للعدالة، بعد مقاومته محاولة لاعتقاله في منطقة بوعطني بمدينة بنغازي (شرق البلاد) أمس.
وقالت مصادر أمنية وعسكرية إن الكاني وأحد مرافقيه، لقيا حتفهما بعد إصابتهما جراء إطلاق نار أثناء عملية مداهمة لاعتقالهما في مكان إقامتهما الذي طوقته آليات «كتيبة طارق بن زياد» التابعة لـ«الجيش الوطني» بقيادة المشير خليفة حفتر، ونفت وجود أي عملية تصفية أو اغتيال.
وأوضحت أن قوات توجهت لاعتقال الكاني، استناداً لمذكرتين من القضاء المدني والعسكري على خلفية اتهامات بالتورط في جرائم منسوبة إليه، بينما اعتقلت السلطات مجموعة من أعوانه في مناطق عدة بشرق البلاد، بعدما ثبت في التحقيقات المبدئية تورطهم في «المقابر الجماعية» بترهونة، قبل تحالف «الكانيات» مع الجيش.
وانتقل الكاني للإقامة في بنغازي بعد انتهاء الحملة العسكرية التي شنها «الجيش الوطني» على العاصمة طرابلس. ورصد ناشطون ووسائل إعلام محلية، احتفالات في ترهونة بمقتل الكاني باعتباره زعيم الميليشيا المتهمة بالمسؤولية عن جرائم «المقابر الجماعية» في المدينة، حيث خرجت التكبيرات من مساجد ترهونة وسط خروج الأهالي إلى الشوارع وإطلاق أبواق السيارات تعبيراً عن فرحهم.
وسيطرت ميليشيات الكاني المحلية، والمعروفة باسم «الكانيات»، على ترهونة على بعد 93 كيلومتراً جنوب شرقي العاصمة طرابلس منذ عام 2015 وحتى منتصف العام الماضي، عندما طردتها قوات حكومة «الوفاق». وعُثر على «مقابر جماعية» تضم جثثاً لمدنيين سبق أن احتجزتهم الميليشيا، بما في ذلك جثث نساء وأطفال وشيوخ.
وبدلت ميليشيا «الكانيات» العائلية الطابع، ولاءها وانضمت إلى حفتر، وساعدته في شن هجومه الذي استمر 14 شهراً على طرابلس لكنه لم يحقق هدفه في النهاية.
ويعتبر محمد خليفة الكاني بشكل عام قائدها، مع أربعة من أشقائه، هم عبد الخالق، ومعمر (عمر)، وعبد الرحيم، ومحسن الذي قُتل في سبتمبر (أيلول) 2019. و«الكانيات» التى عرفت في السابق باسم «اللواء السابع» ثم «اللواء التاسع»، هي ميليشيات أسسها الإخوة الكاني، وسبق أن أمر النائب العام الليبي عام 2017 بضبطهم مع 14 من عناصرها.
وخلال العام الماضي، أدرجت الولايات المتحدة «الكانيات» وزعيمها على القائمة السوداء، وقال وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين آنذاك في بيان إن «محمد الكاني وجماعة الكانيات عذبوا وقتلوا مدنيين خلال حملة قمع قاسية في ليبيا».
وفرضت بريطانيا في مايو (أيار) الماضي، عقوبات على الميليشيا شملت تجميد أرصدة ومنع دخول أعضائها وقائديها. وقال وزير الخارجية البريطاني دومينيك راب إن «ميليشيا الكانيات في ليبيا مسؤولة عن خمس سنوات من الترويع حتى سنة 2020، تعذب وتقتل الأبرياء».
من جهة أخرى، شهدت منطقة قرجي في العاصمة طرابلس توتراً أمنياً جديداً على خلفية مواجهات محدودة بين «قوة الردع» و«جهاز الدعم المركزي» والتمركزات الأمنية، وسط تحشيد متبادل.
واندلعت اشتباكات مسلحة، الخميس الماضي، بين «الردع» و«جهاز دعم الاستقرار»، بينما قالت وزارة الداخلية إنها فتحت تحقيقاً لم تكشف نتائجه بعد. ووقع هجوم مفاجئ، أمس، على «مؤسسة الإصلاح والتأهيل» في مدينة بني وليد وتم تهريب السجناء كافة بعد تقييد المكلفين بالحراسة، بينما تم رصد تحليق مقاتلات تابعة لـ«الجيش الوطني» في سماء منطقة الجفرة.



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».