قمة «فقه الأولويات» بين بغداد وواشنطن

الكاظمي يبحث عن مخرج... وبايدن عن مدخل

قمة «فقه الأولويات» بين بغداد وواشنطن
TT
20

قمة «فقه الأولويات» بين بغداد وواشنطن

قمة «فقه الأولويات» بين بغداد وواشنطن

لم يكن مصطفى الكاظمي؛ رئيس الوزراء العراقي السادس بعد عام 2003، وهو يدخل البيت الأبيض أمس ليعقد قمة هي الأصعب والأكثر تكلفة له بشأن مستقبله السياسي، يحتاج إلى أن ينبش في الذاكرة العراقية؛ بل أن ينبش في ألبومات صور القادة العراقيين؛ بمن فيهم الآباء المؤسسون لهذا النظام، وهم يتزاحمون على التقاط الصور مع من صُنف لاحقاً «المحتل الأميركي».
وقبيل وصوله إلى مكان القمة وقبيل مصافحة الرئيس الأميركي جو بايدن على الطريقة التي فرضها وباء «كورونا»؛ لا شك في أن الكاظمي تذكر حفلات الطعام الدسمة التي كان يتناولها وزير الخارجية الأميركي الأسبق كولن باول على موائد الزعماء، أو سيف الإمام علي بن أبي طالب وهو يُهدى من قبل أحد رؤساء الوزراء السابقين إلى دونالد رامسفيلد أيام كان محرراً لبغداد لا محتلاً لها. وسيتذكر رقصة «الجوبي» التي كان يؤديها وزير الدفاع الأميركي الحالي لويد أوستن أيام خدمته الممتازة في العراق أيام ذاك قبل أن يتوج جنرالاً بأربع نجوم فوزيراً للدفاع.
المناسبة التي سيتذكر فيها الكاظمي كل هذه الصور ليس اللقاء مع بايدن، صديق العراق السابق أيام كان سيناتوراً مؤيداً بقوة لإسقاط نظام صدام حسين والرئيس الحالي الباحث عن مدخل لبقاء قواته في العراق تحت أسماء أو ذرائع شتى؛ بل لأنه بات اليوم يتحمل وحده أخطاء وخطايا كل تلك القيادات والزعامات التي هللت للأميركيين قبل بدء حركات المقاومة ضدهم وإهدارهم كل الفرص الممكنة لبناء عراق جديد.
الكاظمي يحمل من الملفات ما تنوء بحملها الجبال في ظل تصادم حاد للإرادات السياسية في بلاده. ليس هذا فقط؛ بل إن الكاظمي يتعين عليه وحده تحمل مسؤولية كل ما تم ارتكابه من أخطاء وخطايا بعد أن تنصل الجميع مما جرى؛ ربما باستثناء طرف واحد في العراق لا يزال يؤمن بصداقة استراتيجية مع الأميركيين؛ هم الأكراد. والكاظمي قبل مسؤولية تكليفه رئيساً للوزراء العام الماضي في ظل أزمة المظاهرات وما ترتب عليها من نتائج خطيرة، من أجل العبور بالبلاد إلى مستقبل آمن، فإذا به يُلقى في اليم وحيداً شريطة ألا يبتل بالماء؛ الأمر الذي يجعل مهمته مع بايدن من أخطر المهام، وملخصها البحث عن مخرج مما وصلت إليه الأمور في البلاد.
الاختلاف بين الكاظمي وبايدن على صعيد توصيف الوجود الأميركي في العراق هو اختلاف في «فقه الأولويات» بين الطرفين حيال ما يتعرض له كل طرف من ضغوط. بايدن يواجه ضغوطاً خارجية مع تغيير مسار الاستراتيجية الأميركية، والكاظمي يواجه ضغوط الداخل؛ بما فيها إزالة الصور القديمة من الذاكرة بوصفها «فوتوشوب» سياسي.
وفي سياق معرفة طبيعة أولويات الجانبين؛ فإن للخبراء العراقيين المختصين رؤيتهم فيما يمكن أن يحدث. وفي هذا السياق؛ يقول اللواء الركن المتقاعد عماد علو، مستشار «المركز الأوروبي لمحاربة الإرهاب»، لـ«الشرق الأوسط» إن «ما سوف ينجم عن هذا الحوار من اتفاقية ستكون هي الورقة القانونية التي سوف يستند إليها الرئيس بايدن في حث مجلس الشيوخ على إنهاء التفويض الذي مرت عليه سنوات طويلة والذي يسمح للرئيس الأميركي باستخدام القوة في العراق». وأكد علو أن «البيئة السياسية العراقية حالياً تحكمها 3 مسارات أو مواقف متباينة من الوجود العسكري الأميركي؛ حيث هناك الموقف الذي تعبر عنه الفصائل المسلحة الموالية لإيران وهو سحب القوات الأميركية من العراق بالكامل انسجاماً مع الموقف الإيراني المطالب بذلك. وهناك الموقف الذي يمثله المكون السني وهو المطالبة ببقاء جزء من القوات الأميركية ولا يصر على المطالبة بوجود دائم للأميركيين على الأراضي العراقية. بينما الموقف الثالث هو الموقف الكردي في إقليم كردستان الذي يطالب ببقاء الأميركيين في العراق؛ بل وإنشاء قواعد أميركية في الأراضي العراقية كما يرحب بإقامة هذه القواعد على أراضي كردستان».
ويتابع اللواء علو أن «الحكومة العراقية تحاول جاهدة ترتيب الأوضاع من الناحية القانونية بالاستناد إلى (اتفاقية صوفا) عام 2008 والاتفاقية الأمنية التي أدت إلى انسحاب القوات الأميركية نهاية عام 2011، غير أن موقف الإدارة الأميركية يبدو أنه يتجه نحو تغيير العناوين والإطار للوجود الأميركي في العراق، وهو ما يعني محاولة اتخاذ مواقف يرضى بها الطرفان العراقي والأميركي مع انسحاب أعداد بسيطة من الجنود الأميركيين وإصدار بيان يؤكد ذلك، وهو ليس أكثر من بيان إعلامي؛ حيث تبقى قوات أميركية لأغراض كثيرة، منها الدعم والإسناد والتدريب والتجهيز وإدامة طائرات (إف16)، كما ستبقى قوات أميركية أيضاً تحت غطاء حلف (الناتو) والتي من المقرر أن يرتفع عديدها من 500 إلى أكثر من 4000 عنصر لأغراض التدريب وتقديم المشورة، وهو ما يؤكد أن الموضوع لن يخرج عن البهرجة الإعلامية بتحقيق نصر إعلامي للكاظمي؛ لأن القرار في النهاية سيبقى بيد الولايات المتحدة الأميركية».
بدوره؛ يرى الخبير الاستراتيجي والمستشار السابق في وزارة الدفاع العراقية، معن الجبوري، في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن «ما سوف يحدث هو في الواقع مواقف وسطية؛ لأن أميركا تعرف أن الكاظمي يعاني من ضغط الفصائل المسلحة والأحزاب القريبة من الجانب الإيراني، ومن المتوقع أن تسحب معظم قواتها القتالية وتبقي على نسبة محدودة لحماية السفارة الأميركية من ناحية، وكذلك لحماية المدربين والفنيين؛ لأنها لا تعتمد على الحكومة العراقية في توفير الحماية لهم». وأضاف الجبوري أن «الكاظمي سيعود بنصر نسبي تمنحه إياه الولايات المتحدة بهدف تقوية موقفه حيال الفصائل المسلحة والقوى القريبة منها».



اليمن خامس أخطر منطقة لعمل المنظمات الإنسانية حول العالم

عدد الأشخاص الذين يحصلون على المساعدات في اليمن انخفض بنسبة 44 % (الأمم المتحدة)
عدد الأشخاص الذين يحصلون على المساعدات في اليمن انخفض بنسبة 44 % (الأمم المتحدة)
TT
20

اليمن خامس أخطر منطقة لعمل المنظمات الإنسانية حول العالم

عدد الأشخاص الذين يحصلون على المساعدات في اليمن انخفض بنسبة 44 % (الأمم المتحدة)
عدد الأشخاص الذين يحصلون على المساعدات في اليمن انخفض بنسبة 44 % (الأمم المتحدة)

احتل اليمن المرتبة الخامسة عالمياً من حيث المخاطر التي تواجه عمل المنظمات الإنسانية، وفقاً للتقرير السنوي لبرنامج الأغذية العالمي الذي أكد أن القيود التي فرضها الحوثيون ونقص التمويل يشكلان تحديات على قدرته في استمرار تقديم المساعدات.

وبحسب التقرير القُطري السنوي لعام 2024 للبرنامج الأممي، فقد ظل اليمن طوال العام «بيئة عالية المخاطر»، حيث تمت مواجهة مجموعة من المخاطر شملت محاولات التدخل، وضعف الرقابة على المساعدات، وقيود التمويل، وديناميكيات الصراع المتزايدة التعقيد.

وأكد البرنامج أن اليمن لا يزال ضمن فئة المخاطر الأعلى في ملف المخاطر القُطرية للأغذية العالمي، حيث احتل المرتبة الخامسة بين أعلى مستويات المخاطر من بين جميع عمليات البرنامج البالغ عددها 85 عملية في جميع أنحاء العالم.

وبشأن ظروف عمل البرنامج الأممي، بيّن التقرير أن الديناميكيات السياسية في مناطق سيطرة الحوثيين تسببت في فرض قيود وتأخيرات أثرت سلباً على العمليات والأنشطة الإنسانية ومراقبة الوصول.

قيود الحوثيين ونقص التمويل أبرز الصعوبات التي تواجه توزيع المساعدات (الأمم المتحدة)
قيود الحوثيين ونقص التمويل أبرز الصعوبات التي تواجه توزيع المساعدات (الأمم المتحدة)

كما أن النقص في التمويل الذي برز نتيجة لتغير أولويات المانحين والمنافسة بين عمليات الطوارئ في دول مختلفة، شكّل تحدياً لقدرته في الحفاظ على استمرارية العمليات الإنسانية على نطاق واسع.

ومع أن الأمم المتحدة نددت علناً وفي أكثر من مناسبة بحملة الاعتقالات التي نفذها الحوثيون وطالت أكثر من 70 من العاملين لدى المنظمات الأممية والدولية الإنسانية، إلا أن تقرير الأغذية العالمي تناولها بلغة ناعمة جداً.

وقال البرنامج: إن التوترات الجيوسياسية أدت إلى ارتفاع المخاطر التي تهدّد سلامة الموظفين وسلامة العمليات؛ «ما أدى إلى احتجاز موظف من برنامج الأغذية العالمي وآخرين يعملون في المجال الإنساني».

تقدم كبير

على الرغم من هذه العقبات، يذكر التقرير أن المكتب القُطري لبرنامج الأغذية العالمي أحرز تقدماً كبيراً في عملية إعادة الاستهداف والتسجيل في مناطق سيطرة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً على السواء. وذكر أنه هدف من هذه الجهود ضمان وصول المساعدات إلى الأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليها، وزيادة شفافية البرامج والمشاريع التابعة له وتعزيز الاستقلالية التشغيلية.

وقال التقرير إن البرنامج استمر في تعزيز قدراته على إدارة المخاطر المؤسسية من خلال الاستثمار في أنظمة وصفها بالفعالة لتعقب وتتبع السلع وتعزيز آليات وأنظمة رقابة متعددة المستويات.

وأشار البرنامج إلى أنه فعَّل مجموعة من استراتيجيات إدارة المخاطر، منها مبدأ «لا توزيع دون رقابة»: لدعم نزاهة البرامج والمشاريع والتخفيف من مخاطر تسرب المساعدات الغذائية وحرفها عن مسارها.

حصص غذائية مخفضة لمعظم المستفيدين في جميع أنحاء اليمن (إعلام محلي)
حصص غذائية مخفضة لمعظم المستفيدين في جميع أنحاء اليمن (إعلام محلي)

وإلى جانب ذلك، تم إدماج إدارة المخاطر في عملية صناعة القرار التشغيلي من خلال المشاركة الفاعلة لوحدة إدارة المخاطر التابعة للمكتب القطري في لجان الحوكمة، فضلاً عما تلعبه من دور استشاري فاعل.

وأكد البرنامج الأممي أنه تم إيلاء اهتمام وتركيز خاصّين بمراقبة المخاطر وتحديد مدى قبول المكتب التعامل معها، ووضع أدلة ومبادئ توجيهية تشغيلية تشمل مجالات المخاطر الرئيسية، بما في ذلك مجال مراقبة وصول المساعدات، وإدارة بيانات المستفيدين، والتعامل مع الادعاءات والممارسات المحظورة.

وحتى نهاية العام الفائت، أوضح البرنامج أنه تم تنفيذ جميع توصيات المراجعة الداخلية، باستثناء إجراءات الاستهداف والتسجيل التي لا تزال قيد التنفيذ، وقال إن التقييم المؤسسي الطارئ لاستجابة برنامج الأغذية العالمي في اليمن (2019 - 2024) الذي تم إطلاقه عمل على تعزيز أطر المساءلة، وأنه من المتوقع أن تكون مخرجات هذا التقييم خلال العام الحالي.

تقليص المساعدات

وفق التقرير، تجلّت القيود المالية والتشغيلية في الانخفاض الكبير في حجم المساعدات التي يقدمها برنامج الأغذية، فمع تعليق أجزاء كبيرة من العمليات الإنسانية خلال معظم العام، انخفض عدد الأشخاص الذين تلقوا المساعدات بنسبة 44 في المائة مقارنة بعام 2023. كما انخفضت كمية المساعدات الغذائية الموزعة بنسبة 81 في المائة.

وبالإضافة إلى ذلك، انخفضت التحويلات النقدية المقدمة بالدولار بأكثر من النصف. وفي حين أثر ذلك في المقام الأول على الأنشطة في مناطق سيطرة الحوثيين، فقد تأثرت كذلك مناطق سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً بانقطاع المساعدات بسبب نقص التمويل، حيث قدّم برنامج الأغذية العالمي مساعدات غذائية بحصص مخفَّضة لمعظم الأشخاص المستفيدين من المساعدات في جميع أنحاء البلاد.

ونتيجة لنقص التمويل، اضطر برنامج الأغذية العالمي في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي إلى تعليق برنامج الوقاية من سوء التغذية بشكل كامل، ما ترك 2.4 مليون طفل وامرأة وفتاة حامل ومرضع عرضة للخطر دون أي دعم أو مساعدات.