رئيس البرلمان العراقي يحذر من التقسيم بسبب «سلبية» الدورين الأميركي والإيراني

وزارة الخارجية تستنكر تصريحات مستشار روحاني بشأن إمبراطورية «عاصمتها بغداد»

رئيس البرلمان العراقي يحذر من التقسيم بسبب «سلبية» الدورين الأميركي والإيراني
TT

رئيس البرلمان العراقي يحذر من التقسيم بسبب «سلبية» الدورين الأميركي والإيراني

رئيس البرلمان العراقي يحذر من التقسيم بسبب «سلبية» الدورين الأميركي والإيراني

غداة الإعلان عن بدء توغل القوات العراقية تتقدمها جحافل «الحشد الشعبي» التي تتألف من غالبية من المتطوعين الشيعة إلى مدينة تكريت، مركز محافظة صلاح الدين، بعد أسبوع من المعارك الضارية مع تنظيم داعش، حذر رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري من تقسيم العراق «إذا استمر التقاطع والصراع الأميركي الإيراني ولم يكن هناك فعل إقليمي إيجابي».
وقال الجبوري خلال كلمته في ملتقى الجامعة الأميركية الثالث في السليمانية إن «فكرة حمل السلاح خارج الدولة كانت لها إيجابياتها في مرحلة محددة»، مؤكدا على ضرورة «تقنين حمل السلاح خارج الدولة». وأضاف الجبوري أنه «ليست هنالك ضمانات من أن الأطراف التي تحمل السلاح لا تستخدمها في يوم ما خارج إطار الدولة». وتابع الجبوري أن «هناك أكثر من مليونَي رهينة لدى (داعش) يجب تحريرهم، مشيرا إلى «أنهم غلب على أمرهم وقبعوا تحت سطوة (داعش)». وأعرب الجبوري عن مخاوفه «من أن يقع هؤلاء تحت تأثير فكر (داعش)»، داعيا إلى «الإسراع في إنقاذ المدنيين من الأطفال ومن لم يناصر (داعش)».
وأشار الجبوري إلى أن «مما لا شك فيه أن عمليات تحرير صلاح الدين الحالية هي أقرب لإيران منها لأميركا»، محذرا من أنه «إذا لم تتحقق العوامل الأساسية ولم تهيمن الدولة بقوتها وبقوة القانون ولم يكن هناك فعل إقليمي إيجابي ويستمر التقاطع والصراع الأميركي - الإيراني ومعالجة سريعة لانتشار التطرف فإن العراق يذهب إلى التقسيم».
ويأتي تحذير الجبوري في وقت ردت فيه بغداد رسميا على التصريحات التي كان أدلى بها مستشار الرئيس الإيراني علي يونسي، والتي أعلن فيها أن إيران استعادت أمجادها الإمبراطورية وأن بغداد هي عاصمة تلك الإمبراطورية. ففي بيان لها عبرت وزارة الخارجية العراقية عن «استنكارها لهذه التصريحات غير المسؤولة، كما تؤكد أن العراق دولة ذات سيادة يحكمها أبناؤها وتقيم علاقات إيجابية مع دول الجوار كلها، من ضمنها إيران». وشددت وزارة الخارجية في بيانها على أن «العراق لن يسمح بالتدخل في شؤونه الداخلية أو المساس بسيادته الوطنية».
وكان رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأميركي مارتن ديمبسي أكد خلال زيارته إلى بغداد الثلاثاء الماضي عن تحديات إقليمية تهدد وحدة التحالف الدولي ما لم تتمكن الحكومة العراقية من صياغة برنامج الوحدة الوطنية التي وعدت به مسبقا. وأبدى المسؤول الأميركي تخوفا مما سماه تعمق «النفوذ الإيراني» في العراق بوصفه يثير قلقا في المنطقة، وخصوصا لدى الدول العربية.
بدوره، قال رعد الدهلكي، عضو البرلمان عن كتلة «ديالى هويتنا» التي يتزعمها رئيس البرلمان، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «تركيزنا على تطبيق بنود وثيقة الاتفاق السياسي التي تشكلت الحكومة الحالية بموجبها ومنها إقرار القوانين المتفق عليها والتي أثارت وتثير مخاوف السنّة وهي الحرس الوطني والمساءلة والعدالة وغيرها، إنما يعود في جانب أساسي منه إلى رغبتنا في تقوية الحكومة من جهة، وتبديد مخاوف الشركاء من أي تدخلات خارجية سواء كانت أميركية أو إيرانية». وأضاف الدهلكي أن «التسويف والمماطلة بشأن الحرس الوطني وعدم تسليح العشائر مقابل تسليح الحشد الشعبي أمور لا يمكن أن تفهم على أساس مبدأ حسن النية، بل هي تثير المخاوف، وهو ما جعل العراق ساحة مكشوفة للنفوذين الإيراني والأميركي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.