«مبعوث تركي» يكشف أسرار الحرب السورية... وخيباتها

السفير عمر أونهون يصدر كتاباً عن عمله في دمشق وأنقرة... ويروي لـ«الشرق الأوسط» مآلات «أكبر مأساة في العصر الحديث»

السفير التركي عمر أونهون  -  غلاف كتاب «سوريا بعيون سفير» للمبعوث التركي عمر أونهون
السفير التركي عمر أونهون - غلاف كتاب «سوريا بعيون سفير» للمبعوث التركي عمر أونهون
TT

«مبعوث تركي» يكشف أسرار الحرب السورية... وخيباتها

السفير التركي عمر أونهون  -  غلاف كتاب «سوريا بعيون سفير» للمبعوث التركي عمر أونهون
السفير التركي عمر أونهون - غلاف كتاب «سوريا بعيون سفير» للمبعوث التركي عمر أونهون

القتال توقف في سوريا، لكن الأزمة مستمرة لسنوات طويلة، مع زيادة عوامل انبعاث «داعش» والمتطرفين. لذلك، فإن الحل يتطلب تنفيذ جميع عناصر القرار الدولي (2254)، وبسط السلطة المركزية في دمشق سيادتها على كل الأراضي السورية، وقيادة سورية تجمع السوريين والأراضي.
لكن جيوش الدول الخمس وميليشياتها، وهي أميركا وتركيا وروسيا وإيران وإسرائيل، لن تخرج ما لم تحصل على تأكيدات بحماية مصالحها الاستراتيجية. وبالإمكان تلبية مصالح معظم الدول، بما فيها روسيا، لكن «العقدة» هي إيران، ذلك أنها جعلت من سوريا «جبهة متقدمة وحجراً أساسياً في نظامها الإقليمي، وباتت تشكل صداعاً لبعض قادة الجيش والأمن والنظام».
هذه هي الخلاصة التي وصل إليها السفير التركي عمر أونهون الذي تنقل في اهتمامه السوري من عمله مستشاراً سياسياً في السفارة التركية في دمشق في عام 1998 إلى تعيينه سفيراً في 2009، ثم مبعوثاً خاصاً للملف السوري في 2014، ومديراً لشؤون الأمن في الخارجية. وبعد تقاعده، وضع خلاصة تجربته في كتاب بعنوان «سوريا في عيون السفير» صدر باللغة التركية قبل أيام.
ويغطي الكتاب تفاصيل الاجتماعات السرية، ولقاءات مع ووزير الخارجية الراحل وليد المعلم، والمحادثات بين الرئيسين رجب طيب إردوغان وبشار الأسد، وهجمات متظاهرين على السفارة التركية، و«ملاحقات رجال الاستخبارات لي أينما ذهبت»، وعندما يلاحظهم كانوا يقولون: «كان ذلك من أجل حمايتك، وليس بسوء نية».
- من الازدهار إلى الانحدار
يقول أونهون لـ«الشرق الأوسط» إنه عاين بنفسه لحظات مفصلية في تاريخ العلاقات بين البلدين، من الأزمة حول زعيم «حزب العمال الكردستاني» عبد الله أوجلان الذي أبعدته دمشق في 1998 بعد تهديدات عسكرية، مروراً بزيارة الرئيس التركي أحمد نجدت سيزر إلى دمشق لتقديم التعازي للرئيس بشار الأسد في وفاة الرئيس حافظ الأسد، إذ «كانت زيارة سيزر البداية الحقيقية لمرحلة جديدة في العلاقات» التي راحت «تزدهر عندما كنت سفيراً، وكانت تركيا في طريقها لتصبح الدولة الأكثر تفضيلاً في سوريا». وفي نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، التقى إردوغان والأسد في إسطنبول، وأعلنا رفع التأشيرات بين البلدين، فـ«تحولت هذه الحركة إلى جوهرة التاج» في العلاقات.
وعندما اندلعت الاحتجاجات في ربيع 2011 «قامت تركيا بين مارس (آذار) وأغسطس (آب) 2011 بكثير من العمل الدبلوماسي لإقناع الأسد بتقديم بعض التنازلات، وتلبية المطالب القابلة للتنفيذ للمتظاهرين، ليصبح بهذه الطريقة الزعيم الإصلاحي المستنير في المنطقة، وبالتالي يستطيع توطيد سلطته».
وعد أونهون اجتماع وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، في أغسطس (آب) 2011، مع الأسد «الذي استمر 7 ساعات أحد المعالم البارزة في تلك الجهود، حيث كنت طرفاً في هذا الاجتماع. وكما تم الاتفاق، ذهبت في اليوم التالي إلى حماة للتحقق مما إذا كان هناك التزام بالوعود».
ومع تعمق الخيبات قياساً للتوقعات والمطالب والوعود من دمشق «تعرضت تركيا لضغوط، خاصة من الولايات المتحدة وحلفاء غربيين آخرين، لقطع العلاقات مع الأسد، وكانت حجتهم: إن دعمكم يشجعه، ولذلك يتجاهلنا». وبالفعل، قطعت أنقرة وعواصم كبيرة العلاقات في ربيع 2012، واتجه الدعم إلى المعارضة المنقسمة «فمجموعة أصدقاء سوريا، الداعمة للمعارضة، لم تتمكن من الاتحاد، وهو ما انعكس على المعارضة». وذات مرة، احتج رئيس «الائتلاف الوطني السوري» جورج صبرا في اجتماع، قائلاً: «يلقون بنا في البحر، ويطلبون منا ألا نبتل».
- خطوط إيران الأمامية
على الجانب الآخر، حسب أونهون، كان تصرف طهران وموسكو سريعاً، و«أنشأت إيران خط دفاعها في سوريا، حيث تدفق إلى خطوط القتال الأمامية المسلحون الشيعة و(حزب الله) والجماعات العراقية، ثم الميليشيات الشيعية الأفغانية والباكستانية». لكن روسيا هي التي «لعبت الدور الأكبر في قلب موازين الحرب» لدى تدخلها في 2015 «إذ طبقت استراتيجية حرب مشابهة كانت قد تبنتها في القوقاز في القرن التاسع عشر، ثم في الشيشان في القرن العشرين. هذه الاستراتيجية، باختصار، هي أن كل شخص وكل شيء مستهدف. فالأضرار الجانبية والخسائر المدنية لا مكان لها في العقيدة العسكرية الروسية، إذ إن العسكريين ليسوا مسؤولين عن سلوكهم. وكان هذا النهج هو الذي أحدث فرقاً كبيراً»، حسب المبعوث التركي.
وأضاف أونهون: «العنصر الرئيسي الآخر الذي أثر في مصير الأزمة كان دخول عناصر متطرفة إلى سوريا؛ لم يكن النظام مستاءً من ذلك، بل عمد إلى إطلاق سراحهم من سجن صيدنايا سيئ السمعة، وجعلهم يشكلون مجموعات مسلحة لمحاربة النظام. لكن من المؤسف أن هذه الاستراتيجية قد أدت الغرض المقصود منها. فبعد ظهور (داعش) الإرهابي وأساليبه الوحشية، وجه العالم اهتمامه بالكامل إليه»، حسب ملخص باللغة الإنجليزية لكتاب أونهون.
وبعد تردد متكرر إزاء سوريا، فإن «المرة الوحيدة التي كانت فيها أميركا حاسمة هي عندما اختارت (وحدات حماية الشعب) شريكاً محلياً، فتفاقمت العلاقات المضطربة مع تركيا».
ويتحدث الكتاب عن «مثلث مضطرب» يجمع تركيا و«وحدات حماية الشعب» الكردية وأميركا، إضافة إلى أزمة «اللاجئين السوريين الأسوأ منذ الحرب العالمية الثانية»، بحيث «أصبحت القضية السورية متشابكة مع السياسة الداخلية التركية التي تشهد انقسامات حادة عميقة».
- ماذا عن إدلب؟
بعدما خسرت مناطق كثيرة، استعادت القوات الحكومية، بدعم عسكري مباشر من حليفتيها إيران وروسيا، مساحات واسعة. وجرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مناطق سيطرة قوات الأسد، المقدرة بأقل من ثلثي مساحة البلاد، فيما غابت عن المناطق الخارجة عن سيطرتها، وأبرزها مناطق نفوذ الإدارة الذاتية الكردية (شمال شرقي البلاد) ومناطق تحت سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) وفصائل موالية لأنقرة في شمال وشمال غربي البلاد.
وجدد الأسد في خطاب القسم تأكيد عزمه على استعادة المناطق الخارجة عن سيطرته، وقال: «تبقى قضية تحرير ما تبقى من أرضنا نصب أعيننا، تحريرها من الإرهابيين، ومن رعاتهم الأتراك والأميركيين».
ومن جهته، يقول أونهون: «تركيا لا تستطيع أن تدير ظهرها للأحداث الجارية في سوريا، ويبقى لزاماً عليها أن تحمي نفسها، وأن تفعل في الوقت نفسه ما بوسعها لإنهاء الحرب. ولكن في الأثناء ذاتها لا أحد يستطيع أن ينكر أن تركيا، مثلها في ذلك مثل أي دولة أخرى، ربما ارتكبت أيضاً بعض الأخطاء».
وتعد إدلب التي تضم 4 ملايين، نصفهم من النازحين، بمثابة «القنبلة الموقوتة، وهي تتعرض لهجمات مستمرة، ويتمثل مصدر القلق الرئيسي فيما سيحدث للآلاف من مقاتلي (هيئة تحرير الشام) والسكان، في حال الهجوم الكبير من النظام وروسيا وإيران. والمكان الوحيد الذي يمكنهم الفرار إليه هو تركيا، فهي الطريق الوحيد إلى أوروبا».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
TT

انتهاكات حوثية تستهدف قطاع التعليم ومنتسبيه

إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)
إجبار طلبة المدارس على المشاركة في فعاليات حوثية طائفية (إعلام حوثي)

ارتكبت جماعة الحوثيين في اليمن موجةً من الانتهاكات بحق قطاع التعليم ومنتسبيه شملت إطلاق حملات تجنيد إجبارية وإرغام المدارس على تخصيص أوقات لإحياء فعاليات تعبوية، وتنفيذ زيارات لمقابر القتلى، إلى جانب الاستيلاء على أموال صندوق دعم المعلمين.

وبالتوازي مع احتفال الجماعة بما تسميه الذكرى السنوية لقتلاها، أقرَّت قيادات حوثية تتحكم في العملية التعليمية بدء تنفيذ برنامج لإخضاع مئات الطلبة والعاملين التربويين في مدارس صنعاء ومدن أخرى للتعبئة الفكرية والعسكرية، بحسب ما ذكرته مصادر يمنية تربوية لـ«الشرق الأوسط».

طلبة خلال طابور الصباح في مدرسة بصنعاء (إ.ب.أ)

ومن بين الانتهاكات، إلزام المدارس في صنعاء وريفها ومدن أخرى بإحياء ما لا يقل عن 3 فعاليات تعبوية خلال الأسبوعين المقبلين، ضمن احتفالاتها الحالية بما يسمى «أسبوع الشهيد»، وهي مناسبة عادةً ما يحوّلها الحوثيون كل عام موسماً جبائياً لابتزاز وقمع اليمنيين ونهب أموالهم.

وطالبت جماعة الحوثيين المدارس المستهدفة بإلغاء الإذاعة الصباحية والحصة الدراسية الأولى وإقامة أنشطة وفقرات تحتفي بالمناسبة ذاتها.

وللأسبوع الثاني على التوالي استمرت الجماعة في تحشيد الكوادر التعليمية وطلبة المدارس لزيارة مقابر قتلاها، وإرغام الموظفين وطلبة الجامعات والمعاهد وسكان الأحياء على تنفيذ زيارات مماثلة إلى قبر رئيس مجلس حكمها السابق صالح الصماد بميدان السبعين بصنعاء.

وأفادت المصادر التربوية لـ«الشرق الأوسط»، بوجود ضغوط حوثية مُورِست منذ أسابيع بحق مديري المدارس لإرغامهم على تنظيم زيارات جماعية إلى مقابر القتلى.

وليست هذه المرة الأولى التي تحشد فيها الجماعة بالقوة المعلمين وطلبة المدارس وبقية الفئات لتنفيذ زيارات إلى مقابر قتلاها، فقد سبق أن نفَّذت خلال الأعياد الدينية ومناسباتها الطائفية عمليات تحشيد كبيرة إلى مقابر القتلى من قادتها ومسلحيها.

حلول جذرية

دعا المركز الأميركي للعدالة، وهو منظمة حقوقية يمنية، إلى سرعة إيجاد حلول جذرية لمعاناة المعلمين بمناطق سيطرة جماعة الحوثي، وذلك بالتزامن مع دعوات للإضراب.

وأبدى المركز، في بيان حديث، قلقه إزاء التدهور المستمر في أوضاع المعلمين في هذه المناطق، نتيجة توقف صرف رواتبهم منذ سنوات. لافتاً إلى أن الجماعة أوقفت منذ عام 2016 رواتب موظفي الدولة، بمن في ذلك المعلمون.

طفل يمني يزور مقبرة لقتلى الحوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

واستحدث الحوثيون ما يسمى «صندوق دعم المعلم» بزعم تقديم حوافز للمعلمين، بينما تواصل الجماعة - بحسب البيان - جني مزيد من المليارات شهرياً من الرسوم المفروضة على الطلبة تصل إلى 4 آلاف ريال يمني (نحو 7 دولارات)، إلى جانب ما تحصده من عائدات الجمارك، دون أن ينعكس ذلك بشكل إيجابي على المعلم.

واتهم البيان الحقوقي الحوثيين بتجاهل مطالب المعلمين المشروعة، بينما يخصصون تباعاً مبالغ ضخمة للموالين وقادتهم البارزين، وفقاً لتقارير حقوقية وإعلامية.

وأكد المركز الحقوقي أن الإضراب الحالي للمعلمين ليس الأول من نوعه، حيث شهدت العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء إضرابات سابقة عدة قوبلت بحملات قمع واتهامات بالخيانة من قِبل الجماعة.

من جهته، أكد نادي المعلمين اليمنيين أن الأموال التي تجبيها جماعة الحوثي من المواطنين والمؤسسات الخدمية باسم صندوق دعم المعلم، لا يستفيد منها المعلمون المنقطعة رواتبهم منذ نحو 8 سنوات.

وطالب النادي خلال بيان له، الجهات المحلية بعدم دفع أي مبالغ تحت مسمى دعم صندوق المعلم؛ كون المستفيد الوحيد منها هم أتباع الجماعة الحوثية.