مجلة «الأديب» العراقية: التنويرالعربي نحو إعادة تأسيس للمفهوم

مجلة «الأديب» العراقية: التنويرالعربي نحو إعادة تأسيس للمفهوم
TT

مجلة «الأديب» العراقية: التنويرالعربي نحو إعادة تأسيس للمفهوم

مجلة «الأديب» العراقية: التنويرالعربي نحو إعادة تأسيس للمفهوم

صدر العدد الثالث من مجلة «الأديب الثقافية»، وهي مجلة فصلية تصدر بالتزامن مع جريدة «الأديب الثقافية» الشهرية، يرأس تحريرها الكاتب العراقي عباس عبد جاسم، وقد جاء غلافها الأول لوحة للفنان العراقي مؤيد محسن، بينا حمل غلافها الثاني لوحة للفنان حميد العطار، وتضمن العدد الجديد مجموعة من الدراسات الفكرية والنقدية، وطائفة من النصوص والترجمات والمتابعات الثقافية.
كتب رئيس التحرير «افتتاحية» العدد بعنوان، «بِم أخطأت النهضة العربية في التنوير؟»، وقد بحث فيها أهم أخطاء النهضة التي تناسلت في التنوير ابتداء من إزاحة «الاجتهاد» وإبداله بـ«القياس الظني» من خلال أصول الفقه الإسلامي، وكيف اتجهت النهضة العربية نحو نقد الذات من دون نقد العقل العربي، ثم وقفت النهضة أمام خيارين: إما إتباع الآخر أو الاحتماء بالتراث، مما وضعت هذه الحيرة العقل العربي في محنة جديدة من الامتحان النهضوي، ومن هنا أخطأت النهضة عندما لم تدرأ التعارض بين «العقل والنقل» في التنوير، حتى تحول إلى صراع بينهما.
وتضمن باب «فكر» ثلاث دراسات، الأولى جاءت بعنوان «الغطاء الأخلاقي في خطاب المستشرقين الجدد» للدكتور فارس عزيز المدرس.
وقدم الدكتور لزهر عقيبي من الجزائر دراسة بعنوان «التنوير العربي الخافت: نحو إعادة تأسيس للمفهوم»، وقد تركزت على محورين «التنوير في الفكر العربي الإسلامي/ التنوير في الفكر العربي الحداثي» ثم «الإقرار بالأنوار الخافتة» ليتوقف عند «جدليات الإقرار بفشل الأنوار»، ليبحث في أسباب فشل التنوير.
أما الدراسة الثالثة، فقد كانت بعنوان «القطائع المعرفية والتحولات المناهجية»، وهي فصل من كتاب «النظرية النقدية العابرة للتخصصات» للناقد عباس عبد جاسم.
وتضمن حقل «نقد» ثلاث دراسات نقدية: «المقاصد فوق النصية» للدكتورة وسن عبد المنعم، و«التخيل في رحلات باسم فرات» للدكتور فاضل عبود التميمي، و«شرك التوصيف ومآلات المصطلح النقدي (السرد المفتون بذاته) إنموذجاً» للناقد عبد علي حسن.
أما محور النقد المعرفي، فقد تضمن دراسات تعنى بـ«النقد المعرفي» للدكتور محمد سالم سعد الله، وقد أسهم فيه الدكتور محمد سالم بدراسة حملت عنوان «الفكر المنهجي للنقد المعرفي»، وقدم الدكتور محمد عروس دراسة بعنوان «النقد المعرفي وإبدالات الرؤية النقدية المعاصرة»، وقدم الدكتور فارس عبد الله الرحاوي قراءة في النقد المعرفي تحت عنوان «فاعلية الحوار في كتاب أطياف النص»، وقدم كل من الدكتور محمد عروس والدكتورة رانية قدري دراسة بعنوان «النقد المعرفي – نحو رؤية جديدة لإشكالية الموت في النقد الأدبي»، كما أجرت الدكتورة رانية قدري حواراً مع الدكتور محمد سالم سعد الله حمل عنوان «منهجية النقد المعرفي».
وتضمن باب «نصوص»: كتاب إبليس – فيصل جاسم/آلهة جديدة – دنيا ميخائيل/ تجهمات بلا خواتيم – يوميات الضراوة – رعد فاضل / مما قالته رابعة البصرية – طالب عبد العزيز/ ثلاث قصائد – كولالة نوري/ بيت «جبرا» الذي كان... عبد المطلب محمود/ ثلاث قصص قصيرة – باسم القطراني.
وفي باب «ثقافة عالمية»، قدم الكاتب والمترجم عبد الرحيم نور الدين ترجمة لدراسة كتبها الفيلسوف جان لوك نانسي بعنوان «هل هناك إنكار للإسلام من قبل أوروبا؟».
وفي باب «تشكيل»، كتب الدكتور جواد الزيدي عن حميد العطار متابعة بعنوان «النفاذ بالرسم إلى عمق المأساة».
وفي «رأي ثقافي عام»، كتب الناقد والكاتب حسب الله يحيى، نقدا ًلأداء وزارة الثقافة بعنوان «صناعة الجهل».



«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل
TT

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

«هوامش على دفتر الثقافة» يحتفي بشعراء الحزن الجميل

في كتابه «هوامش على دفتر الثقافة» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يستعرض الشاعر عزمي عبد الوهاب العديد من قضايا الإبداع والأدب، لكنه يفرد مساحة مميزة لمسألة «الحزن»، وتفاعل الشعراء معها في سياق جمالي إنساني رهيف. ويشير المؤلف إلى أن ظاهرة الحزن لم تعد ترتبط بأسباب عرضية، أو بحدث يهم الشاعر، ويدفعه إلى الحزن كما كان الحال في الشعر العربي القديم.

ومن بين بواعث الحزن ومظاهره في الشعر قديماً، أن يفقد الشاعر أخاً أو حبيبة، فيدعوه هذا إلى رثاء الفقيد بقصائد تمتلئ بالفقد والأسى، مثل الخنساء في رثاء شقيقها، وأبي ذؤيب الهذلي في رثاء أبنائه، وجرير في رثاء زوجته، وهناك من يشعر بقرب الموت فيرثي نفسه، كما فعل مالك بن الريب، وقد يعاني الشاعر مرضاً، فيعبر عن ألمه.

أما في الشعر الحديث، فيعد الحزن ظاهرة معنوية تدخل في بنية العديد من القصائد، وقد استفاضت نغمتها، حتى صارت تلفت النظر، بل يمكن أن يقال إنها صارت محوراً أساسياً في معظم ما يكتبه الشعراء المعاصرون حتى حاول بعض النقاد البحث في أسباب تعمق تلك الظاهرة في الشعر العربي. ومن أبرزهم دكتور عز الدين إسماعيل الذي يعزو أسباب الظاهرة إلى تنامي الشعور بالذات الفردية بدلاً من الجماعية، وهذا ما يقودنا إلى الحديث عن «اغتراب» الإنسان المبدع؛ إذ يأخذ أشكالاً متعددة، ولعل أقسى أشكال ذلك الاغتراب ما عبر عنه أبو حيان التوحيدي بقوله: «أغرب الغرباء من صار غريباً في وطنه».

ذكر إسماعيل عدة أسباب للحزن منها تأثر الشاعر العربي الحديث بأحزان الشاعر الأوروبي وبالفنين الروائي والمسرحي، وقد توصل إلى أن أحزان الشاعر مصدرها المعرفة، وكأن شاعرنا الحديث تنقصه أسباب للحزن وبالتالي يعمد إلى استيرادها أوروبياً من شعراء الغرب.

وفي كتابه «حياتي في الشعر» يواجه صلاح عبد الصبور مقولات النقاد حول أنه شاعر حزين، موضحاً أن هؤلاء يصدرون عن وجهة نظر غير فنية، لا تستحق عناء الاهتمام مثل آراء محترفي السياسة أو دعاة الإصلاح الأخلاقي التقليديين. وانبرى عبد الصبور لتفنيد النظريات التي يأتي بها هؤلاء النقاد لمحاكمة الشعر والشاعر قائلاً: «لست شاعراً حزيناً لكني شاعر متألم، وذلك لأن الكون لا يعجبني ولأني أحمل بين جوانحي، كما قال شيللي، شهوة لإصلاح العالم، وهي القوة الدافعة في حياة الفيلسوف والنبي والشاعر، لأن كلاً منهم يرى النقص فلا يحاول أن يخدع نفسه، بل يجهد في أن يرى وسيلة لإصلاحه».

يتحدث الشاعر أيضاً عن قضيتين أثارهما بعض النقاد عن شعره، أولاهما أن حزن هذا الجيل الجديد من الشعراء المعاصرين حزن مقتبس عن الحزن الأوروبي، وبخاصة أحزان اليوميات. وكذلك قولهم إن الشعراء يتحدثون عن مشكلات لم يعانوها على أرض الواقع كمشكلة «غياب التواصل الإنساني» من خلال اللغة، كما تتضح عند يوجين يونيسكو أو «الجدب والانتظار» عند صمويل بيكيت وإليوت، أو «المشكلات الوجودية» عند جان بول سارتر وكامو، وبخاصة «مشكلة الموت والوعي».

وشرح عبد الصبور كيف أن الحزن بالنسبة إليه ليس حالة عارضة، لكنه مزاج عام، قد يعجزه أن يقول إنه حزن لكذا ولكذا، فحياته الخاصة ساذجة، ليست أسوأ ولا أفضل من حياة غيره، لكنه يعتقد عموماً أن الإنسان «حيوان مفكر حزين».

ويضيف عبد الصبور: «الحزن ثمرة التأمل، وهو غير اليأس، بل لعله نقيضه، فاليأس ساكن فاتر، أما الحزن فمتقد، وهو ليس ذلك الضرب من الأنين الفج، إنه وقود عميق وإنساني».

لكن ما سبب الحزن بشكل أكثر تحديداً عن الشاعر صلاح عبد الصبور؟ يؤكد أنه هو نفسه لا يستطيع الإجابة ويقول: «أن أرد هذا الحزن إلى حاجة لم أقضها، أو إلى فقد شخص قريب، أو شقاء طفولة، فذلك ما لا أستطيعه».

ومن أشهر قصائد صلاح عبد الصبور في هذا السياق قصيدة تحمل عنوان «الحزن» يقول في مطلعها:

«يا صاحبي إني حزين

طلع الصباح فما ابتسمت

ولم ينر وجهي الصباح»

لقد حاول التحرر فيها من اللغة الشعرية التقليدية عبر لغة يراها أكثر مواءمة للمشهد، لكن كثيرين اعترضوا على تلك اللغة، في حين أنه كان يريد أن يقدم صورة لحياة بائسة ملؤها التكرار والرتابة. ويؤكد الناقد د. جابر عصفور أن السخرية والحزن كلاهما ركيزتان أساسيتان في شعر عبد الصبور، وهو ما جعل عصفور يسأل الأخير في لقاء جمعهما: «لماذا كل هذا الحزن في شعرك؟» فنظر إليه عبد الصبور نظرة بدت كما لو كانت تنطوي على نوع من الرفق به ثم سأله: «وما الذي يفرح في هذا الكون؟».

وتحت عنوان «ظاهرة الحزن في الشعر العربي الحديث»، يوضح الباحث والناقد د. أحمد سيف الدين أن الحزن يشكل ظاهرة لها حضورها وامتدادها في معظم التجارب الشعرية الحديثة، خلافاً لما كان عليه الحال في الشعر العربي القديم. ويميز سيف الدين بين حزن الإنسان العادي وحزن المبدع الذي يتسم بحساسية خاصة، حيث يستطيع أن يحول حزنه وألمه إلى مادة إبداعية.

ويلفت الكتاب إلى أن هناك أسباباً متنوعة للحزن، منها أسباب ذاتية يتعرض لها الشاعر في حياته كالمرض أو الفقر أو الاغتراب. أيضاً هناك أسباب موضوعية تتصل بالواقع العربي، وما فيه من أزمات ومشكلات سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية. ومن ثم، فالحزن ليس فقط وعاء الشعر، إنما هو أحد أوعية المعرفة الإنسانية في شمولها وعمقها الضارب في التاريخ.