أزمة الدواء تزداد تعقيداً بعد توقف الشركات عن الاستيراد

TT

أزمة الدواء تزداد تعقيداً بعد توقف الشركات عن الاستيراد

تتجه أزمة الدواء في لبنان إلى المزيد من التعقيد، إثر توقف المستوردين عن استيراد الأدوية وتسليمها إلى الصيدليات التي عادت أمس بدورها إلى الإضراب بعدما باتت رفوفها شبه خالية، في وقت ارتفعت فيه أسعار عدد كبير من الأدوية، في حال توافرها، بما يزيد على أربعة أضعاف بسبب رفع الدعم عنها.
وأقفل عدد كبير من صيدليات لبنان، أمس، أبوابها، إذ أكد أصحابها أن المستوردين توقفوا تماماً عن تسليمهم الأدوية بعد قرار وزير الصحة الأخير بتسعير الأدوية غير المدعومة على سعر 12.000 ليرة، «ما يؤدي إلى إلحاق الخسائر بهم، لا سيما أن سعر الدولار في السوق السوداء تجاوز 20 ألف ليرة».
وأكد تجمع أصحاب الصيدليات، في بيان لهم، أن المستوردين توقفوا أيضاً عن تسليم الأدوية المدعومة بسبب عدم فتح الاعتمادات المصرفية لهم من قبل مصرف لبنان، ما أوصل الصيدليات إلى مرحلة الفقدان الكامل للأدوية من رفوف معظمها.
ولفت تجمع أصحاب الصيدليات إلى أنهم باتوا مضطرين إلى التوقف عن العمل قسرياً بانتظار توفر الأدوية من المستورد أو بدائلها لتلبية حاجة المرضى وإلى حين اتفاق وزارة الصحة مع نقابة المستوردين على تسليم الأدوية للصيدليات ورجوع وزير الصحة عن قراره باقتطاع جزء من جعالة الصيدلي.
وكانت وزارة الصحة اعتمدت مؤخراً خطة لتوفير فاتورة دعم استيراد الدواء عن مصرف لبنان الذي أعلن أنه لم يعد قادراً على تأمين عملة صعبة لاستيراد الأدوية على السعر الرسمي أي 1500 ليرة للدولار بسبب تراجع احتياطاته من العملات الأجنبية.
وأبقت الوزارة الدعم على أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية، فيما خفضت قيمة الدعم عن عدد من الأدوية إلى 12 ألف ليرة.
وتوقف المستوردون بعد هذا القرار عن استيراد الأدوية المدعومة على أساس السعر الرسمي، مطالبين مصرف لبنان بتسديد اعتمادات لمستحقات متراكمة ومترتبة لصالح الشركات المصدرة للأدوية تجاوزت الـ600 مليون دولار، كما أنهم توقفوا عن استيراد الدواء الذي خفض الدعم عنه، معتبرين أنهم لا يمكن أن يسلموه للصيدليات على أساس سعر الـ12 ألفاً للدولار كما طالبتهم وزارة الصحة، لأن الأمر يكبدهم خسائر كبيرة.
وبينما يشتكي المستوردون من عدم فتح مصرف لبنان اعتمادات لاستيراد الدواء، كان مصرف لبنان أعلن، في بيان له، أن قيمة الفاتورة الصحية للأشهر الستة الأولى من العام الحالي فاقت قيمة الفاتورة عينها لكامل العام الماضي، الأمر الذي ترفضه نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات.
وقالت النقابة، أمس، إن الفاتورة الصحية سجلت هذا العام زيادة بنسبة 9 في المائة فقط وليس الضعف كما يقول بيان المجلس المركزي، معتبرة أنها زيادة متوقعة نظراً إلى ارتفاع الطلب على أدوية علاج كورونا، ونظراً إلى حالة الهلع لدى المرضى الذين تهافتوا على تخزين الدواء خوفاً من انقطاعه أو ارتفاع سعره عند توقف الدعم، وبسبب واقع التهريب.
وأشارت نقابة مستوردي الأدوية، في بيان لها، إلى أن مصرف لبنان جمع ثلاثة أرقام مختلفة، معتبراً أن قيمتها الإجمالية تمثل استيراد النصف الأول من سنة 2021 وقارنها برقم واحد من سنة 2020.
ويشير رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي إلى أن القطاع الصحي في لبنان يشهد حالياً أسوأ أزمة بتاريخه ومنها أزمة الدواء، مضيفاً، في حديث مع «الشرق الأوسط»، أن غياب الشفافية والرؤية ينذر بتفاقم هذه المشكلة، لا سيما مع استمرار ارتفاع سعر الدولار في السوق السوداء يوماً بعد يوم.
واعتبر عراجي أن المواطن اللبناني بات غير قادر على شراء الدواء في حال توافره وأن الجهات الضامنة قد لا تكون قادرة على تغطية فرق سعر الدولار، مشيراً إلى أن الأمور تتجه إلى الأسوأ.
وكان وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال حمد حسن اعتبر أن الحل لتأمين الأدوية المفقودة في السوق يبدأ من تسليم مصرف لبنان وزارة الصحة العامة الأرقام والفواتير المدعومة كي تتمكن الوزارة من تتبع مسار الأدوية والتأكد من عدم تخزينها في المستودعات بغية تأمينها لمن يحتاج إليها من المرضى، لأن الوزارة لا تستطيع الضغط على الشركات إلا إذا توافرت لديها المعلومات الكافية من المصرف وهي لا تزال بانتظار الحصول عليها.
ووصف حسن ما يحصل حالياً في سوق الدواء بالتسيب، مشيراً إلى أن هناك أدوية غير موجودة وأن مستودع الكرنتينا الحكومي فرغ تقريباً من أدوية الأمراض المستعصية، كما أن الأدوية المناعية فقدت، وأدوية الأمراض المزمنة شحيحة جداً، فيما نسبة الأدوية الأخرى التي لا تزال متوافرة في المستودعات تقارب الـ37 في المائة.
وتسبب رفع الدعم عن عدد من الأدوية في رفع سعرها بين 4 و8 أضعاف، فبات معظم المواطنين غير قادرين على شرائها.



المحققون الأمميون يُحمّلون الحوثيين مسؤولية التدهور في اليمن

الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
TT

المحققون الأمميون يُحمّلون الحوثيين مسؤولية التدهور في اليمن

الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)
الحوثيون استغلوا أحداث غزة لتجنيد الآلاف من الأتباع الجدد (إ.ب.أ)

حَمَّلَ التقرير الجديد لفريق خبراء مجلس الأمن الدولي المعني باليمن، الجماعة الحوثية المدعومة من إيران مسؤولية تدهور الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في اليمن، وعرقلة جهود تحقيق السلام وإنهاء الحرب، واتهم الجماعة بتسخير الموارد الضخمة للأغراض العسكرية.

ووفقاً للتقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من 1 سبتمبر (أيلول) 2023 إلى 31 يوليو (تموز) 2024، فإن التهديدات والهجمات المنتظمة التي يشنها الحوثيون على السفن المبحرة عبر البحر الأحمر، منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تسببت في تعطيل التجارة الدولية والاقتصاد اليمني.

مزاعم الحوثيين بنصرة غزة أدت إلى عرقلة جهود السلام في اليمن (إ.ب.أ)

وأدت الهجمات -وفق التقرير- إلى زيادة تكاليف الشحن والتأمين وتأخير وصول البضائع إلى اليمن، وهو ما ترجم بدوره إلى زيادة في أسعار مختلف السلع، ولا سيما السلع الأساسية.

وأوضح الخبراء في تقريرهم المقدم إلى مجلس الأمن أن استمرار الحظر الذي يفرضه الحوثيون على تصدير النفط الخام تسبب في خسارة في الإيرادات بنسبة 43 في المائة؛ ما أدى إلى انخفاض قيمة الريال اليمني، وارتفاع حاد في معدلات التضخم، وأثر على قدرة الحكومة على تزويد الشعب بالخدمات الأساسية مثل دفع الرواتب وتوفير الكهرباء والمياه والتعليم.

وذكر التقرير، أن عبث الحوثيين بالاقتصاد طال المؤسسات الحكومية التي استغلوها لتمويل أغراضهم وأنشطتهم العسكرية، حيث اعتمدوا عدداً من التدابير غير القانونية لخلق موارد كبيرة لأغراضهم العسكرية، واستغلوا سيطرتهم على قطاع الاتصالات والمدارس في مناطق سيطرتهم؛ لطلب الأموال من السكان من أجل تعزيز قوتهم الجوية عبر الطائرات المسيّرة والدفاع الساحلي.

شبكات مختلفة

وتطرق التقرير الأممي إلى العمليات المالية الحوثية الخارجية، وأشار إلى أن تحقيقاً أجراه الفريق كشف عن أن الحوثيين يستخدمون شبكات مختلفة من الأفراد والكيانات التي تعمل في ولايات قضائية متعددة بما في ذلك إيران وتركيا وجيبوتي والعراق واليمن؛ لتمويل أنشطتهم من خلال الاستعانة بعدد من البنوك والشركات الوهمية وشركات الصرافة والشحن والميسرين الماليين، لافتاً إلى تورط قيادات حوثية بارزة وكيانات في تسهيل الدعم المالي للحوثيين وتوفير احتياجاتها من العملة الأجنبية لشراء الواردات.

وعرض التقرير، صوراً من أنشطة الحوثيين المشبوهة في ميناء الحديدة، وأساليب تجنب عمليات التفتيش التي تقوم بها آلية الأمم المتحدة من خلال المناقلة بين السفن أو إيقاف تشغيل النظام الآلي لتحديد هوية السفن للحد من كشف المواني التي تزورها والطرق التي تسلكها.

ملايين اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين يعيشون تحت سطوة القمع (أ.ب)

وأكد فريق الخبراء أن ميناء الحديدة كان مركزاً لعمليات تهريب منظمة لمواد غير مشروعة؛ مثل الأسلحة، والمخدرات، ومعدات الاتصالات، والمبيدات، والعقاقير المحظورة، والقطع الأثرية، وقال الفريق إن الهجمات الحوثية على خطوط النقل الأساسية أدت إلى زيادة إعاقة وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن.

انتهاكات في كل اتجاه

وأشار المحققون الأمميون إلى تأثير الانتهاكات الحوثية وعمليات الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري التي نفذتها الجماعة بحق العاملين في المجال الإنساني في مناطق سيطرتها، التي أدت بمقدمي الخدمات الإنسانية إلى تجنب مناطق سيطرة الجماعة؛ بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

واتهم التقرير الجماعة باستغلال الأحداث الإقليمية، وتحديداً أحداث غزة، لتعزيز استقرار نظامها واكتساب الشعبية، خصوصاً في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار السخط في مناطق سيطرتها، وأكد أن ادعاء الجماعة بأنها تستهدف السفن المرتبطة بإسرائيل غير صحيح، وأنها تستهدف بشكل عشوائي السفن المبحرة في البحر الأحمر وخليج عدن.

زعيم الجماعة الحوثية يحصر المناصب على المنتمين إلى سلالته (إ.ب.أ)

وتطرق التقرير إلى المساعي التي قام بها المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن لدفع عملية السلام قدماً من خلال الإعلان عن خريطة الطريق للسلام في اليمن في ديسمبر 2023، مؤكداً أن هذه المحاولة اصطدمت بهذه التطورات الإقليمية.

وأورد المحققون الأمميون أنه لا يمكن توقيع اتفاق خريطة الطريق إلا عند استقرار الوضع الإقليمي وتوقف الحوثيين عن مهاجمة السفن في البحر الأحمر.

وتناول التقرير انتهاكات الحوثيين للقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، التي شملت الهجمات العشوائية على المدنيين، والاحتجازات التعسفية، وحالات الاختفاء القسري، والتعذيب والعنف الجنسي المرتبط بالنزاع والعنف الجنساني، وانتهاكات الحق في المحاكمة العادلة، وتجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاع، واضطهاد الأقليات، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية.

وجاء في التقرير أن مصادر سرية أبلغت فريق التحقيق عن زيادة في تجنيد الفتيات من قِبَل ما يسمى «الزينبيات» (ذراع الحوثي النسوية) وإدماجهن في صفوف الجماعة عن طريق الاختطاف والتهديد، واستغلال بعض المختطفات في العمل المنزلي القسري، ووقوع أخريات ضحايا للعنف الجنسي.

المحققون الأمميون اتهموا الحوثيين بالتسبب في تدهور الاقتصاد اليمني (أ.ف.ب)

كما اتهم المحققون الأمميون الجماعة الحوثية باستهداف الكيانات التجارية والأفراد المعارضين من خلال تجميد أصولهم ومصادرتها والاستيلاء عليها بشكل منتظم تحت مسمى نظام «الحارس القضائي».

وأشار التقرير إلى قيام الحوثيين باستغلال منصات التواصل الاجتماعي وانتهاك الجزاءات المفروضة بموجب القرار 2140 لبيع الأسلحة والتماس الدعم المالي والآيديولوجي والدعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية التي تشكل تحريضاً على التمييز والعداء والعنف، داعياً كيانات ووسائل التواصل الاجتماعي ذات الصلة إلى اتخاذ تدابير عاجلة ومناسبة لضمان منع هذا الانتهاك.