سينما ريدلي سكوت الملحمية تذكير بروائع هوليوودية

أنجز فيلمه التاريخي الثامن

TT

سينما ريدلي سكوت الملحمية تذكير بروائع هوليوودية

انتهى المخرج ريدلي سكوت من تصوير فيلمه التاريخي «المبارزة الأخيرة» (The Last Duel) ويجري الآن عمليات ما بعد التصوير عليه. هو سابع أفلامه التاريخية وكتبه كل من بن أفلك ومات دامون. الأخير لديه دور البطولة وأفلك في شخصية مساندة. التصوير لماريوش فولسكي الذي سبق وصوّر لسكوت عدّة أعمال آخرها Alien: Covenant سنة 2017.‬
«المبارزة الأخيرة» هو ثاني فيلم لسكوت هذا العام. الآخر هو «بيت غتشي» (House of Gucci) الذي هو، كحال فيلمه الأسبق All the Money in the World [«كل مال العالم، 2017] مأخوذ عن وقائع حقيقية جرت أحداثها مع شخصيات إيطالية واقعية.

- مبارزة باكرة
حقق ريدلي سكوت أنواعاً متلازمة من الأفلام من التشويقي («مطر أسود»، «كيان من الأكاذيب»، «أميركان غانغستر») إلى الدراميات العامّة («رجال أعواد الثقاب»، Matchestic Men، «ثلما ولويس») والحربي (مثل «جي آي جين» و«بلاك هوك داون»). لكن اهتمامه انصب على نوعين آخرين هما الخيال العلمي (سلسلة Alien وThe Matian وBlade Runner) والتاريخي.
هذا النوع الأخير وفّره مزوّداً بالمعارك وحكايات الحروب الكبيرة التي أمّنت الاستمرار لنوع كان سائداً في أربعينات وخمسينات وستينات هوليوود ثم توارى في إنتاجات قليلة ومتناثرة. وهو نوع بدأ بفيلم «المتبارزان» (The Duellists) سنة 1977 الذي عرضه مهرجان «كان» في العام ذاته.
«المتبارزان» مأخوذ عن حكاية لجوزيف كونراد (بعنوان «المبارزة») كتب عنها إنها مقتبسة، بدورها، من أحداث حقيقية حول ضابطين (هارفي كايتل وديفيد كارادين) في جيش نابليون، تحدى كل منهما الآخر إلى مبارزة إثر تلاسن بينهما اعتبراه مهيناً. خلال الفيلم نتابع محاولاتهما عبر سنوات لحل خلافهما بمبارزات سيوف. كان هذا هو الفيلم الأول لسكوت وحصد عبره إعجاباً كبيراً بين النقاد والمشاهدين على حد سواء.
«المتبارزان» شهد جهداً على تأليف الصورة بإتقان موحٍ بالزمان والمكان كما بحدة المشاعر ووطأة تأثير كل من شخصيّتيه على الآخر. عمل مرموق من بدايته حتى نهايته وتمهيد رائع لأي مخرج جديد.
مرّت 14 سنة قبل أن يعاود ريدلي سكوت العمل على فيلم تاريخي آخر هو «1492: غزو الفردوس» (1492‪:‬ Conquest of Paradise). هذا كان إنتاجاً فرنسياً - بريطانياً من بطولة جيرار ديبارديو في دور كريستوفر كولمبوس مع أرماند أسانتي وسيغورني ويفر (في أول عمل لها مع المخرج) وفرناندو راي وأنجلينا مولينا.
«1492…» كان عملاً متميّزاً من حيث علاقته بالواقع. بكلمات أخرى، هل كان كولمبوس حانياً وإنسانياً مع سكان أميركا الأصليين عندما حط الرحال في القارة الأميركية كما يصوّره الفيلم أو هو من كان يحث الحكومة الإسبانية على نهب الذهب الذي كان لا يعيره السكان اهتماماً بالغاً؟
‫حقق سكوت هذا الفيلم سنة 1992 وفي العام ذاته قام البريطاني جون غلن بتحقيق نسخته من الأحداث ذاتها في «كريستوفر كولمبوس: الاكتشاف» مع جورج كورافايس في دور المكتشف ومارلون براندو وتوم سيليك وراتشل وورد في أدوار مختلفة. ‬
نسخة سكوت لم تخلُ من العيوب كحال نسخة غلن كما لو أن تنافسهما على إنجاز عمله حول كولومبوس تبلور سباقاً مع الزمن لإنجاز الفيلمين الكبيرين كل قبل الآخر. كلاهما، للأسف، حاولا تقديم شخصية إيجابية لمن وصفته كتب تاريخ بأنه لم يكن سوى أداة أوروبية لنهب ثروات الشعوب والاستيلاء على القارة الجديدة التي تم اكتشافها.

- الحملة الصليبية
فيلم سكوت التاريخي الثالث كان «غلادياتور» (2000) مع راسل كرو في دور ماكسيموس، الضابط الروماني الذي عانى بطش القائد العسكري كومودوس (يواكين فينكس) فثار عليه. هذا رغم أن ماكسيموس هو من هزم الجرمان الزاحفين صوب روما. كومودوس كان ابن إمبراطور روما الذي أخبر ابنه بأن ماكسيموس هو من يستحق خلافته. تبعاً لذلك قام كومودوس بقتل أبيه وزجّ ماكسيموس عبداً في حلبات القتال الرومانية.
الفيلم مبهر في استحواذه على تلك العناصر التي تؤلّف بصريات الفيلم من تصوير وتوليف وبينهما إدارة المعارك وإدارة الشخصيات. ليس هناك من هفوات تُذكر وإذا وُجدت فهي تتبع وجهات نظر النقاد المختلفة، علماً بأن معظمهم اتفق على جودة العمل.
بعد خمس سنوات من «غلادياتور» مال سكوت صوب الصراع العربي - الأوروبي في «مملكة الجنة» (Kingdom of Heaven). حكاية ريدلي سكوت حول الحرب الصليبية التي رفع فيها من شأن صلاح الدين الأيوبي (أداه السوري غسّان مسعود) ومنهجه في الحرب واحترام الدين المسيحي مقابل المطامع الأوروبية لاستحواذ المدن العربية، وبخاصة مدينة القدس تحت شعار حماية الدين المسيحي. شخصيات سكوت الأوروبية لم تكن جميعها من لُبنة عدائية بل كان من بينها مقاتل دافع عن القدس في مواجهة الغزاة (قام به أورلاندو بلوم).
«روبين هود»، بعد خمس سنوات أخرى، لم يكن حول المقاتل (راسل كرو مرّة أخرى) الذي كان يسرق من الأثرياء ما يوزّعه على الفقراء. هذا لم يكن وارداً كخط رئيسي في نسخة سكوت، بل حول الصراع السياسي حول من له الحق في العرش الإنجليزي بعدما تبيّن وجود من يحاول جر فرنسا لغزو بريطانيا مقابل تنصيبه ملكاً. مرّة أخرى يقود راسل كرو مجموعة كبيرة من الممثلين الرائعين ومنهم ماكس فون سيدو وويليام هيرت ومارك سترونغ وكايت بلانشت وداني هيوستن.
للأسف فيلم سكوت السادس في عداد الملاحم التاريخية، وهو «نزوح: آلهات وملوك» (Exodus: Gods and KIngs). لم ينجز المأمول منه إلا بقدر رغبة المخرج إنجاز هيمنة الصورة وعناصر الإنتاج على كل شيء آخر. لجانب أنه ينتمي إلى تلك الملاحم ذات السند الديني الذي اشتهرت به هوليوود في الخمسينات والستينات (وما قبل وما بعد) إلا أن الفيلم احتوى على سرد لا وجهات نظر فيه. اقتباس عن الإنجيل من دون عمق مناسب. مشاهد المعارك من تلك التي قلّما أجادتها المواهب العاملة في إطار السينما الأميركية. ما عدا ذلك من مواقف درامية يمر من دون إثارة تذكر.
هل وجد سكوت نفسه مجذوباً إلى التاريخ أو إلى السينما التاريخية؟ إذا كان لا بد من جواب قاطع فإن اهتمامه بالتاريخ ينبع من اهتمامه بسينما تتيح له استعادة العمل على تلك الأفلام ذات الإنتاجات الكبيرة التي اشتهرت بها هوليوود من زمن سيسيل ب. ديميل. بالنسبة إليه، وآخرين، هي السبب الذي من أجله ولدت السينما.
مزج سكوت كل ذلك بمنظور للتاريخ يحاول منه الإيحاء بأن كل الحروب شأن متواصل غارق في طبيعة البشر والسياسة. لكنه في الوقت ذاته لم ينتقل إلى الإدانة على نحو بيّن أو خطابي. بذلك تستطيع أن تستمد الموقف من طيّات الفيلم بوضوح وإلى جانبه القدرة على إنجاز الأعمال التاريخية بأسلوب زاخر بالمساحات الفنية والبصرية.


مقالات ذات صلة

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق تماثيل وقوالب من الفخار مصنوعة قبل الميلاد (مكتبة الإسكندرية)

«صناعة الفخار»... وثائقي مصري يستدعي حرفة من زمن الفراعنة

يستدعي الفيلم الوثائقي «حرفة الفخار» تاريخ هذه الصناعة التي تحمل طابعاً فنياً في بعض جوانبها، على مدى التاريخ المصري القديم، منذ أيام الفراعنة.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق لقطة من الفيلم تجمع «شاهيناز» وأولادها (الشركة المنتجة)

«المستريحة»... فيلم مصري يتناول النصّابين يمزج الكوميديا بالإثارة

تصدَّرت مجسّمات دعائية للأبطال دار العرض عبر لقطات من الفيلم تُعبّر عنهم، فظهرت ليلى علوي في مجسّم خشبيّ جالسةً على حافة حوض استحمام مليء بالدولارات.

انتصار دردير (القاهرة )

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
TT

إعلان أول فيلم روائي قطري بمهرجان «البحر الأحمر»

بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)
بدء تصوير فيلم «ساري وأميرة» (كتارا)

نظراً للزخم العالمي الذي يحظى به مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي بجدة، اختارت «استديوهات كتارا»، ومقرها الدوحة، أن تكشف خلاله الستار عن أول فيلم روائي قطري طويل تستعد لإنتاجه، وهو «سعود وينه؟»، وذلك في مؤتمر صحافي ضمن الدورة الرابعة من المهرجان، مبينة أن هذا العمل «يشكل فصلاً جديداً في تاريخ السينما القطرية».

ويأتي هذا الفيلم بمشاركة طاقم تمثيل قطري بالكامل؛ مما يمزج بين المواهب المحلية وقصة ذات بُعد عالمي، كما تدور أحداثه حول خدعة سحرية تخرج عن السيطرة عندما يحاول شقيقان إعادة تنفيذها بعد سنوات من تعلمها من والدهما، وهذا الفيلم من إخراج محمد الإبراهيم، وبطولة كل من: مشعل الدوسري، وعبد العزيز الدوراني، وسعد النعيمي.

قصة مؤسس «صخر»

كما أعلنت «استديوهات كتارا» عن أحدث مشاريعها السينمائية الأخرى، كأول عرض رسمي لأعمالها القادمة، أولها «صخر»، وهو فيلم سيرة ذاتية، يقدم قصة ملهمة عن الشخصية العربية الاستثنائية الراحل الكويتي محمد الشارخ، وهو مبتكر حواسيب «صخر» التي تركت بصمة واضحة في عالم التكنولوجيا، باعتبارها أول أجهزة تتيح استخدام اللغة العربية، وأفصح فريق الفيلم أن هذا العمل ستتم معالجته سينمائياً ليحمل كماً مكثفاً من الدراما والتشويق.

«ساري وأميرة»

والفيلم الثالث هو الروائي الطويل «ساري وأميرة»، وهو عمل فنتازي يتناول الحب والمثابرة، يتم تصويره في صحراء قطر، وتدور أحداثه حول حياة قُطّاع الطرق «ساري وأميرة» أثناء بحثهما عن كنز أسطوري في وادي «سخيمة» الخيالي، في رحلة محفوفة بالمخاطر، حيث يواجهان الوحوش الخرافية ويتعاملان مع علاقتهما المعقدة، وهو فيلم من بطولة: العراقي أليكس علوم، والبحرينية حلا ترك، والنجم السعودي عبد المحسن النمر.

رحلة إنسانية

يضاف لذلك، الفيلم الوثائقي «Anne Everlasting» الذي يستكشف عمق الروابط الإنسانية، ويقدم رؤى حول التجارب البشرية المشتركة؛ إذ تدور قصته حول المسنّة آن لوريمور التي تقرر مع بلوغها عامها الـ89، أن تتسلق جبل كليمنجارو وتستعيد لقبها كأكبر شخص يتسلق الجبل، ويروي هذا الفيلم الوثائقي رحلة صمودها والتحديات التي واجهتها في حياتها.

وخلال المؤتمر الصحافي، أكد حسين فخري الرئيس التنفيذي التجاري والمنتج التنفيذي بـ«استديوهات كتارا»، الالتزام بتقديم محتوى ذي تأثير عالمي، قائلاً: «ملتزمون بتحفيز الإبداع العربي وتعزيز الروابط الثقافية بين الشعوب، هذه المشاريع هي خطوة مهمة نحو تقديم قصص تنبض بالحياة وتصل إلى جمهور عالمي، ونحن فخورون بعرض أعمالنا لأول مرة في مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي؛ مما يعكس رؤيتنا في تشكيل مستقبل المحتوى العربي في المنطقة».