زوجان مصريان يصنعان البهجة في المنازل بألعاب خشبية

TT

زوجان مصريان يصنعان البهجة في المنازل بألعاب خشبية

قاد الشغف ببهجة الحياة ومحاولة تغيير جانب من أهم جوانب الثقافة التربوية زوجين مصريين إلى التخصص في إنتاج لعب أطفال خشبية مختلفة الأحجام والأشكال تحاكي في عناصرها الواقع، وتعزز عبر أفكارها وتصاميمها مخيلة الصغار وإبداعهم واكتساب المعرفة بالحياة، إلا أنه أثناء ذلك تشارك أيضاً رضا زاهر ومنى المصري ممارسة هوايتهما الأثيرة وهي التنقل ما بين أعمال النجارة والدهانات بحب واحترافية، حيث يعتزان بأنهما يمثلان معاً منظومة فنية تضم «النجار والأستورجي».
تُعد الورشة التي أقامها الزوجان منذ عدة سنوات بمثابة عالم مثير من الأحلام يمكن لزائره أن يعثر داخله على ألعاب ملونة مرحة تجتذب الصغار نحو تجربة تفاعلية تحفز على التعبير الشخصي والرغبة والقوة لاستكشاف أشياء جديدة بعيداً عن الألعاب الإلكترونية الحديثة بكل صخبها وعناصرها الافتراضية الانعزالية، وذلك ما بين وحدة مطبخ متكاملة ضخمة تسمح بقيام الطفل بممارسة دور الطاهي المحترف عبر ما تتضمنه من كافة المعدات والتفاصيل كالثلاجة والميكرويف والستائر وسريان الماء من الصنبور، فيقوم الصغير بوضع الإناء على الموقد أو يفتح باب الفرن لرؤية الضوء في الداخل، ويدير موقد الفرن لإصدار صوت الطنين، ومن ثم يقدم الطعام والشراب على طاولات صغيرة، بينما تجلس الدمى المفضلة له على المقاعد في انتظار الكعكات اللذيذة، وداخل بيت الدُمى تستطيع الصغيرات التمتع بمعايشة قصص خيالية لا متناهية وهي تتنقل بين أرجاء البيت وأدواره المتعددة وحديقته مع عشرات من قطع الإكسسوارات الصغيرة تنسج حكايات مع عرائسها، وتقوم بأعمال الرعاية والترتيب، وفي وقت الراحة يأخذها المصعد إلى صالة الألعاب الرياضية أو حمام السباحة في الطابق العلوي!
وفيما تتولى الزوجة مسؤولية أعمال النجارة بسبب خبرتها الواسعة في الإشراف على تسلم قطع الأثاث في إحدى شركات الديكور المصرية الشهيرة، يقوم الزوج بأعمال الدهانات التي يجيدها ويتشاركان في أعمال اختيار التصميم والتخطيط والإدارة.
تقول منى المصري لـ«الشرق الأوسط»: «تعرفت على زوجي أثناء عملي في مجال الأثاث، جمعنا الحب ومن ثم الزواج، وتفرغت للعمل معه في مجموعة ورش متكاملة يمتلكها وكانت في البداية تتخصص في تصنيع غرف الأطفال المعتادة، وحين رزقت بابنتي فوجئت بتصنيعه وحدة أثاث متكاملة لها غير تقليدية تضم سريراً ودولاباً ووحدة تخزين ومساحة للعب، وهي قطعة غير واسعة الانتشار في سوق التصنيع المحلية، حيث يكون الاعتماد على المستورد». وتتابع: «دفعني ذلك للتساؤل لماذا لا نقوم بتصنيع هذه القطع في ورشنا لتلبية احتياجات الأمهات اللاتي لاحظت من خلال مشاركتي في الكثير من (جروبات الأمهات) شغفهن بشراء سرير طفل عملي مبهج، إلا أن ارتفاع سعر المستورد وضعف خاماته من وجهة نظرهن يجعلهن ينصرفن عن اتخاذ هذه الخطوة».
إلى هذا قادها التساؤل إلى طرح الفكرة على رضا زاهر مع تقديم رؤية تقوم على أنه سيتم استخدام خامات ملائمة وتصاميم قابلة لإعادة التدوير والاستخدام لأغراض أخرى عند كبر الطفل كأن تتحول إلى مكتبة أو وحدة تخزين مع مراعاة السعر المناسب».
وتضيف «رحب زوجي بالفكرة لترى النور، والأكثر من ذلك أنها قادتنا إلى تطوير غرف الأطفال والشباب للمراحل العمرية الأخرى، لتصبح أكثر بهجة ومرحاً، وأصبحنا نقدم غرفا على شكل عربات، وبيوت وسفن وغير ذلك، إلى أن جاءت لنا سيدة ذات يوم أعتبرها بسبب طلبها أيقونة الحظ التي حققت طفرة في مسار عملنا».
فوجئ الزوجان بالسيدة تقدم لهما تصميما لمطبخ لعبة ضخم بألوان وتفاصيل دقيقة ومكونات ومجسمات متنوعة... «في هذه اللحظة فقط اكتشفت أنني قد بدأت طريقي، لأنني أحب ألعاب الأطفال وأحرص على اقتنائها للآن فقد شعرت بالمتعة لمجرد التفكير في تصنيع هذه القطعة، وتحمست للغاية، وكانت البداية التي قادتنا إلى عالم جديد مثير من العمل، فكما أخذنا تصنيع سرير الطفل إلى صنع أثاث مميز غير تقليدي قادنا كذلك المطبخ اللعبة إلى إنتاج الألعاب الخشبية لتفي بمستلزمات الطفل في المرح، وهكذا أصبح لدينا خطا إنتاج، أحدهما للأثاث والآخر للعب، والرائع أنه يمكن إعادة تصنيع جميع القطع بسبب تمتعها بالمرونة».
يحرص الزوجان على أن تنطلق الألعاب من هدف تربوي إلى جانب التسلية يقول رضا زاهر لـ««الشرق الأوسط»: «نضع أعيننا على نشر ثقافة اللعب، فهناك فارق بين أن يشتري الآباء للصغار الألعاب لمجرد إسكاتهم وإلهائهم أو حتى للترفيه، وبين أن يقوما بمشاركتهم الاختيار والاقتناء واللعب بناء على وعي وفهم، كما أنه في اللعب التخيلي ينخرطون في المحادثة مع زملائهم أو مع الدمى والأصدقاء الوهميين، ما يجعلهم يقدرون أهمية التواصل بعيداً عن صمت وانعزال الألعاب الإلكترونية، إلى جانب أنه من خلال ما يواجههم من مواقف تتطلب حل مشكلات الشخصية التي يلعبون دورها إنما تتأكد لديهم المهارات التحليلية والإبداع والتفكير».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».