«مانفيستو النساء المغتصبات» في رواية كندية

ميريام تيفز استمدت أحداث عملها الأخير من قصة حقيقية

«مانفيستو النساء المغتصبات» في رواية كندية
TT

«مانفيستو النساء المغتصبات» في رواية كندية

«مانفيستو النساء المغتصبات» في رواية كندية

اعتبرت رواية «نساء تتكلم» للكاتبة الكندية ميريام تيفز، حسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية واحدة من أهم مائة رواية كندية 2019. وكانت روايات تيفز الخمسة السابقة التي نشرت في كندا وأميركا قد حققت أيضاً أعلى المبيعات، وفازت عنها الكاتبة بعدة جوائز مستحقة.
الرواية السادسة، كما جاء في مقدمة الكتاب، تستمد الحدث الأساسي فيها من قضية اغتصاب حقيقية حصلت بين 2005 - 2009 في «بوليفيا» في تجمع صغير في مقاطعة «مانيتوبا»، حيث تقيم طائفة مسيحية متشددة في التقاليد والطقوس، تعيش عزلتها عن المحيط المتقدم تكنولوجياً والمختلف في وسائل المعيشة والحياة. هذه الجماعة عانت من الاضطهاد تاريخياً، وهي منشقة عن البروتستانتية وتدعى «مانونايتس» ولهم أصول جرمانية.
والكاتبة ميريام تيفز ترجع في أصولها إلى هذه الطائفة التي لها وجود في عدة مناطق من كندا، ولكنها انشقت بدورها عن الطائفة وتابعت دراستها في مدينة مونتريال، وتقيم حالياً مع أمها في مدينة تورونتو ذات الخليط الثقافي المتعدد الإثنيات. وكانت حياتها الشخصية مأساوية أيضاً، حيث شهدت انتحار أختها ووالدها هناك بسبب الاكتئاب.
الخيط الرئيسي في الرواية، يتناول تكرار حوادث الاغتصاب في الطائفة، وانتشار أنباء عن أشياء غامضة وغريبة تحدث للنساء والبنات الصغيرات في الليل. فهن يستيقظن مع شعور بالدوخة وآلام وآثار التحرش الجنسي على السرير والثياب الداخلية دون أن يعرفن ما الذي جرى. كانت النساء يشعرن بالخوف والرهبة من الإفصاح أمام الرجال، الذين كانوا يعزون ذلك إلى تحرشات «الشيطان» واحتلامات المخيلة اللاواقعية.

- المرأة في الدرجة الأدنى
مع تصاعد الأحداث، يتبين أن الجناة من الطائفة كانوا يستخدمون نوعاً من المخدرات القوية من مصدر نباتي... ترش المادة المخدرة على نوافذ البيت الذي سيذهب الجاني إليه مما يؤدي إلى غيبوبة جميع سكان البيت. فيرتكبون فعلتهم ويخرجون دون أثر سوى ممارساتهم البشعة مع النساء. لكن حدث مرة، أن الضحية استيقظت صارخة وصرخت، فاستطاعوا القبض على الفاعل الذي اعترف على ثمانية من عناصر الجماعة، الذين كانوا يمارسون هذا الفعل الشنيع مراراً.
هذا يستدعي الإحاطة باختصار بمفاهيم هذه الطائفة، التي تقوم على نظام بطريركي متسلط وذكوري يضع المرأة في الدرجة الأدنى، ويحصر دورها بالقيام بالأعمال المنزلية والعناية بالحيوانات الأليفة وبالأولاد وتلقينهم الديانة والتقاليد. النساء غير مسموح لهن بتعلم القراءة والكتابة، وهن يتكلمن لغة شبه منقرضة وغير مكتوبة. أما الرجال في هذه الطائفة فيقومون بالعمل في الزراعة وتبادل المنتجات الزراعية مع الأسواق المجاورة. وتخضع هذه الجالية لحكم ذاتي مستقل مدنياً وقانونياً عن المحيط العام. وبحكم التطرف الديني لا يسمح للنساء بالشكوى إلى الشرطة، بل يطلب منهن أن يغضضن النظر عن الحدث و«مسامحة» الفاعلين لأن هذا من صلب المفهوم الديني المسيحي كما يعتقدون. لكن الموضوع تسرب أخيراً وتدخلت الشرطة أخيراً، وألقت القبض على الجناة. وأخذ الجناة إلى السجن في بوليفيا والمحاكمة الجنائية. لكن غالباً ما ينجح رجال الطائفة في إطلاق سراح الجناة وإعادتهم إلى حضن القبيلة تحت ذريعة المسامحة الدينية ومعالجة القضية حسب تقاليد طائفة المينونايتس.

- تمرد نسائي
كانت أغلبية النساء المغتصبات يرفضن الشهادة حول الموضوع بسبب الشعور بالعار والخوف والتربية المتزمتة. ولكن ثمانية نساء من مختلف الأعمار، تمردن على هذا الواقع، وطالبن بتحقيق عادل كي لا يتكرر حدوث هذا لهن ولبناتهن ثانية.
قررت النسوة عقد اجتماع بينهن لمناقشة الخطوة التالية، أثناء غياب الرجال الذين ذهبوا في مهمة لإطلاق سراح الجناة من سجن المحافظة... جال القبيلة جميعاً لمدة يومين في مهمة إخلاء سبيل المجرمين سجن المحافظة.
ومن هنا تبدأ الرواية حيث تتخيل الكاتبة ما حصل بين النساء من حوار في علية فوق إسطبل أحد البيوت.
وضعت أمام النساء ثلاثة خيارات، أولاً، ألا يفعلن شيئاً وتستمر الحياة كأن شيئاً لم يحصل. وثانياً، أن يغادرن القبيلة، ويبدأن الحياة في مكان لا صلة له بما حدث، وأخيراً، أن يبقين في القرية ويقاتلن من أجل حقوقهن.
ولكن كيف سيتم الاتفاق بين النساء الثمانية حول القرار في غضون يومين قبل عودة رجال الطائفة إلى القرية مع مرتكبي الاغتصاب؟
ومن مفاجآت الرواية، أن من يسجل محضر هذه الجلسة التاريخية، هو رجل! إنه معلم القرية الذي كان قد اضطهد مع والديه وطردوا من القبيلة، ثم هاجروا إلى إنجلترا حيث اكتسب الطفل هناك تعليمه وثقافته. ثم عاد إلى مسقط رأسه شاباً وأوكل إليه تدريس الأولاد. وكان مضطهداً من قبل رجال الطائفة، وهذا ما قاده إلى حافة الانتحار.
انتبهت «أونا» إحدى السيدات المغتصبات إلى حاله وتعاطفت معه وطلبت منه أن يحضر الجلسات ويدون مناقشات النساء، لأنهن لا يعرفن الكتابة والقراءة. يقبل أوغست المهمة. وتتشكل في معظمها من تدوينه لتلك المناقشات، بما فيها من خلافات ومشادات كلامية وسخرية واستهجان، إلى أن تتوصل النساء إلى «مانفيستو» وقرار من ضمن الخيارات الثلاثة التي طرحت سابقاً.
وتدخلنا هنا الروائية عبر تشويق قصصي بارع إلى العالم الوجداني والنفسي للنساء المقموعات، ونتعرف أيضاً على انطباعات المعلم، أوغست، وهو يترجم كلام النساء من لغتهن الخاصة المحكية ليكتبه بالإنجليزية، ومنها تعلقه العاطفي بالمرأة «أونا» التي أوكلت إليه المهمة. ونلاحظ هنا أن المؤلفة قد تحاشت الإساءة إلى مشاعر أتباع هذه الديانة وطقوسها التي تعتبر من طقوس العصور الوسطى والتي لم تحتملها الكاتبة - ميريام تيفز وهربت منها.
توصلت النساء في النهاية إلى قائمة من القرارات المتفق عليها وهي ما أطلق عليه الكاتب: المانفيستو الذي بدأن بتنفيذه واتخاذ الخطوات الأولى نحو مستقبل مختلف.

صحافية وشاعرة سورية - كندية



طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين
TT

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

طبق نحاسي من موقع الدُّور في أم القيوين

يحتلّ موقع الدُّور مكانة كبيرة في خريطة المواقع الأثرية التي كشفت عنها أعمال المسح المتواصلة في إمارة أم القيوين. بدأ استكشاف هذا الموقع في عام 1973، حيث شرعت بعثة عراقية في إجراء حفريّات تمهيديّة فيه، وتبيّن عندها أن الموقع يُخفي تحت رماله مستوطنة تحوي بقايا حصن. جذب هذا الخبر عدداً من العلماء الأوروبيين، منهم المهندس المعماري البريطاني بيتر هادسون، الذي قام بجولة خاصة في هذا الموقع خلال عام 1977، وعثر خلال تجواله على طبق نحاسي علاه الصدأ، فحمله معه، واتّضح له عند فحصه لاحقاً أنه مزيّن بسلسلة من النقوش التصويرية تتميّز بطابع فنّي رفيع.

وجد بيتر هادسون هذا الطبق في ركن من جهة جنوب شرقي الموقع، وحمله بعد سنوات إلى الشارقة حيث كشفت صور الأشعّة عن ملامح حلية تصويرية منقوشة غشيتها طبقة غليظة من الصدأ. نُقلت هذه القطعة المعدنية إلى كلية لندن الجامعية، وخضعت هناك لعملية تنقية وترميم متأنية كشفت عن تفاصيل زينتها التصويرية بشكل شبه كامل. يبلغ قُطر هذه القطعة الفنية نحو 17.5 سنتيمتر، وعمقه 4.5 سنتيمتر، وتتألّف قاعدة حليته التصويرية من دائرة ذات زينة تجريدية في الوسط، تحوطها دائرة ذات زينة تصويرية تزخر بالتفاصيل الدقيقة. تحتل الدائرة الداخلية الصغرى مساحة قاع الطبق المسطّحة، ويزينها نجم تمتدّ من أطرافه الخمسة أشعة تفصل بينها خمس نقاط دائرية منمنمة. تنعقد حول هذا النجم سلسلتان مزينتان بشبكة من النقوش، تشكّلان إطاراً لها. ومن حول هذه الدائرة الشمسية، تحضر الزينة التصويرية، وتملأ بتفاصيلها كل مساحة الطبق الداخلية.

تتمثّل هذه الزينة التصويرية بمشهد صيد يحلّ فيه ثلاثة رجال، مع حصانين وأسدين، إضافةً إلى أسد مجنّح له رأس امرأة. يحضر رجلان في مركبة يجرها حصان، ويظهران متواجهين بشكل معاكس، أي الظهر في مواجهة الظهر، ويفصل بينهما عمود ينبثق في وسط هذه المركبة. يُمثّل أحد هذين الرجلين سائق المركبة، ويلعب الثاني دور الصياد الذي يطلق من قوسه سهماً في اتجاه أسد ينتصب في مواجهته بثبات، رافعاً قائمته الأمامية اليسرى نحو الأعلى. من خلف هذا الأسد، يظهر صياد آخر يمتطي حصاناً، رافعاً بيده اليمنى رمحاً طويلاً في اتجاه أسد ثانٍ يرفع كذلك قائمته الأمامية اليسرى نحوه. في المسافة التي تفصل بين هذا الأسد والحصان الذي يجرّ المركبة، يحضر الأسد المجنّح الذي له رأس امرأة، وهو كائن خرافي يُعرف باسم «سفنكس» في الفنين الإغريقي والروماني.

يحضر كل أبطال هذا المشهد في وضعية جانبية ثابتة، وتبدو حركتهم جامدة. يرفع سائق المركبة ذراعيه نحو الأمام، ويرفع الصياد الذي يقف من خلفه ذراعيه في وضعية موازية، ويبدو وجهاهما متماثلين بشكل متطابق. كذلك، يحضر الأسدان في تأليف واحد، ويظهر كل منهما وهو يفتح شدقيه، كاشفاً عن لسانه، وتبدو مفاصل بدنيهما واحدة، مع لبدة مكونة من شبكة ذات خصل دائرية، وذيل يلتفّ على شكل طوق. في المقابل، يفتح «سفنكس» جناحيه المبسوطين على شكل مروحة، وينتصب ثابتاً وهو يحدّق إلى الأمام. من جهة أخرى، نلاحظ حضور كائنات ثانوية تملأ المساحات الفارغة، وتتمثّل هذه الكائنات بدابّة يصعب تحديد هويتها، تظهر خلف الأسد الذي يصطاده حامل الرمح، وطير يحضر عمودياً بين حامل القوس والأسد المواجه له، وطير ثانٍ يحضر أفقياً تحت قائمتَي الحصان الذي يجر المركبة. ترافق هذه النقوش التصويرية كتابة بخط المسند تتكون من أربعة أحرف، وهذا الخط خاص بجنوب الجزيرة العربية، غير أنه حاضر في نواحٍ عديدة أخرى من هذه الجزيرة الواسعة.

يصعب تأريخ هذا الطبق بشكل دقيق، والأكيد أنه يعود إلى مرحلة تمتد من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد، ويُشابه في الكثير من عناصره طَبَقاً من محفوظات المتحف البريطاني في لندن، مصدره مدينة نمرود الأثرية الواقعة قرب الموصل في شمال العراق. كما على طبق الدُّوْر، يحضر على طبق نمرود، صيادٌ برفقة سائق وسط مركبة يجرها حصانان، ملقياً بسهمه في اتجاه أسد يظهر في مواجهته. يحضر من خلف هذا الأسد صياد يجثو على الأرض، غارساً رمحه في قائمة الطريدة الخلفية. في المسافة التي تفصل بين هذا الصياد والحصانين اللذين يجران المركبة، يحضر «سفنكس» يتميّز برأسٍ يعتمر تاجاً مصرياً عالياً.

ينتمي الطبقان إلى نسق فني شائع عُرف بالنسق الفينيقي، ثمّ بالنسق المشرقي، وهو نسق يتمثل بمشاهد صيد تجمع بين مؤثرات فنية متعددة، أبرزها تلك التي تعود إلى بلاد الرافدين ووادي النيل. بلغ هذا النسق لاحقاً إلى جنوب شرق الجزيرة العربية حيث شكّل نسقاً محلياً، كما تشهد مجموعة من القطع المعدنية عُثر عليها خلال العقود الأخيرة في مواقع أثرية عدة تعود اليوم إلى الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان. وصل عدد من هذه القطع بشكل كامل، ووصل البعض الآخر على شكل كسور جزئية، وتشهد دراسة هذه المجموعة المتفرّقة لتقليد محلّي تتجلّى ملامحه في تبنّي تأليف واحد، مع تعدّدية كبيرة في العناصر التصويرية، تثير أسئلة كثيرة أمام المختصين بفنون هذه الناحية من الجزيرة العربية.

يحضر مشهد صيد الأسود في عدد من هذه القطع، حيث يأخذ طابعاً محلياً واضحاً. يتميّز طبق الدُّوْر في هذا الميدان بزينته التي يطغى عليها طابع بلاد الرافدين، ويمثّل كما يبدو مرحلة انتقالية وسيطة تشهد لبداية تكوين النسق الخاص بجنوب شرقي الجزيرة العربية.