مخاوف من تأخير الاستشارات للمجيء بحكومة «دياب ـ 2»

بري لن يتدخل ورؤساء الحكومات السابقون لن يسموا «وكيلاً» عنهم

عون مجتمعاً مع السفيرتين الأميركية والفرنسية قبل تسلمه تشكيلة الحريري (الرئاسة اللبنانية على تويتر)
عون مجتمعاً مع السفيرتين الأميركية والفرنسية قبل تسلمه تشكيلة الحريري (الرئاسة اللبنانية على تويتر)
TT

مخاوف من تأخير الاستشارات للمجيء بحكومة «دياب ـ 2»

عون مجتمعاً مع السفيرتين الأميركية والفرنسية قبل تسلمه تشكيلة الحريري (الرئاسة اللبنانية على تويتر)
عون مجتمعاً مع السفيرتين الأميركية والفرنسية قبل تسلمه تشكيلة الحريري (الرئاسة اللبنانية على تويتر)

لم يفاجأ رئيس الجمهورية ميشال عون بردود الفعل الدولية على اعتذار الرئيس سعد الحريري عن عدم تشكيل الحكومة إلا إذا أراد فريقه السياسي أن يحجب الأنظار عن المداولات التي سادت اجتماعه بسفيرتي الولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا والفرنسية آن غريو اللتين طلبتا تحديد موعد عاجل للقائه لإبلاغه رسالة أميركية - فرنسية عاجلة بتسهيل مهمة الرئيس المكلف والتعاون معه لإسقاط الشروط التي تعيق تشكيل الحكومة.
وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر دبلوماسية غربية بأن السفيرتين شيا وغريو اتصلتا بمكتب رئيس الجمهورية وأبدتا رغبتهما بلقاء عون لينقلا إليه رسالة مشتركة من واشنطن وباريس، وجاءهما الجواب بأنه على استعداد لاستقبالهما يوم السبت - أي أول من أمس - لكنهما أصرتا على أن يحدد الموعد لهما قبل أن يتوجّه الحريري إلى بعبدا ليودع عون تشكيلة وزارية من 24 وزيراً.
وكشفت المصادر الدبلوماسية الغربية أن عون تجاوب مع إلحاحهما على لقائه قبل أن يستقبل الحريري، وقالت إن إلحاحهما يكمن في أنهما أرادتا أن تقطعا الطريق على دخول عون في اشتباك سياسي مع الرئيس المكلف يدفع به للاعتذار عن تشكيل الحكومة، ما يفتح الباب أمام ارتفاع منسوب التأزُّم السياسي تقديراً منهما لتعذّر وجود البديل لخلافته في تشكيل الحكومة.
لكن شيا وغريو لم تفلحا في تبريد الأجواء بين عون والحريري وحصل بينهما ما توقعتاه، ولم يخفف البيان - الذي صدر عن رئاسة الجمهورية في أعقاب تسلُّم عون لائحة بأسماء التشكيلة الوزارية - من عدم ارتياحهما لما آلت إليه العلاقة بينهما وكانت وراء اعتذار الحريري، مع أن المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل كان اصطدم باستمرار العراقيل التي تؤخر تشكيل الحكومة، وإلا لماذا تجنّب في لقاءاته التي عقدها تسليط الأضواء على الأجواء التي سادت اجتماعه برئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل؟
كما أن دوريل تصرّف، في لقاءاته بعدد من المكونات الرئيسية التي كانت شاركت في اللقاء الذي عقده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في زيارته الثانية لبيروت مع الأطراف السياسية المعنية بتشكيل الحكومة، وكأن هناك استحالة في أن يجمع عون بالحريري تحت سقف واحد، وإلا لماذا سأل عن البديل؟ وما العمل في حال افترضنا أن الحريري سيعتذر عن تشكيل الحكومة مع أن اجتماعه بالأخير سبق توجُّه الحريري في اليوم التالي للقاء عون قادماً من القاهرة بعد اجتماعه بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
فالموفد الرئاسي الفرنسي عندما سأل عن البديل وما العمل في حال اعتذار الحريري لم يتطرق بطريقة أو بأخرى في لقاءاته إلى أسماء المرشحين لخلافة الحريري، أو يسأل من التقاهم إذا كان لديهم من مرشح، وإنما أراد أن يمرر رسالة يحثّهم فيها على عدم تفويت الفرصة في وقت يتدحرج فيه البلد نحو الانهيار الذي لا يمكن وقفه إلا بتشكيل حكومة إصلاحية قادرة على استعادة ثقة المجتمع الدولي بلبنان طلباً لمساعدته مالياً واقتصادياً من جهة، وتتمتع بمصداقية لدى اللبنانيين شرط استجابتها لتطلعاتهم.
لذلك لم يكن أمام المجتمع الدولي فور اعتذار الحريري سوى المطالبة بالإسراع في تشكيل الحكومة، وهذا ما برز في الموقف المشترك لوزيري خارجية الولايات المتحدة أنطوني بلينكن وفرنسا جان إيف لودريان والممثل الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، إضافة إلى موقف مماثل لكل من الأمم المتحدة وبريطانيا وأمين عام جامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، علماً بأن القاهرة كانت السبّاقة في تبنّيها للمسار الحكومي للحريري.
وفي المقابل، تداعى رؤساء الحكومات السابقون فؤاد السنيورة وتمام سلام والحريري لعقد اجتماع طارئ، شارك فيه عن بعد نجيب ميقاتي لوجوده خارج البلاد، وعلمت «الشرق الأوسط» بأنهم حسموا أمرهم بعدم ترشيحهم لأحد لخلافة الحريري الذي رفض أيضاً تسمية من يخلفه، وعزوا السبب، بحسب مصادرهم، إلى تمسكهم بالعناوين السياسية التي طرحها الحريري وأن لا جدوى من دخولهم في بازار التسمية، لأن من يرفض التعاون مع الحريري ليس في وارد التعاون مع بديله.
وعليه، فإن كرة تأليف الحكومة ارتدّت إلى حضن عون - كما يقول مصدر نيابي بارز لـ«الشرق الأوسط» - في ظل استمرار الغموض المترتّب على خلو الساحة حتى الآن من أي مرشح لتولّي رئاسة الحكومة، وإن طرح اسم النائب فيصل كرامي يأتي في سياق الترشيحات الإعلامية، مع أن اتصال الحريري به جاء قبل أيام من اعتذاره، وبالتالي لا يمكن البناء عليه في السباق إلى الرئاسة الثالثة الذي لم يبدأ بعد.
ويبدو أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري ليس في وارد التدخّل، فيما تتوقف الدعوة للاستشارات النيابية المُلزمة على ما يمكن التوصل إليه حول أسماء المرشحين، وهذا لا يزال متعذّراً، وبالتالي ليست هناك من مشكلة إذا تأخر عون في توجيه الدعوة للنواب لعل الوقت الفاصل عن تحديد موعد الاستشارات يسمح في الوصول إلى اسم توافقي، إلا إذا كان الفريق السياسي المحسوب على رئيس الجمهورية في حاجة إلى التريُّث ريثما يتمكن من اختيار اسم يُطلب منه بأن يترأس حكومة مثل حكومة حسان دياب المستقيلة وعندها يستمر لبنان في السقوط.
وفي هذا السياق، يقول المصدر النيابي إن ما قبل تأليف الحكومة يبقى شأناً داخلياً، وإن العمل يبدأ فور تأليفها شرط أن يكون على رأس الحكومة من لديه القدرة على مخاطبة الأسرة الدولية والتوجُّه إلى المجتمع الدولي طلباً للمساعدة، ومن دون أن تتوافر فيه كل هذه الشروط فإن الكفاءات التي يتمتع بها ليست كافية ولا تسمح بالانتقال بالبلد من مرحلة التأزُّم إلى التعافي.
وإذ يشدّد المصدر على الإطلالة الخارجية التي يجب أن يتمتع بها رئيس الحكومة، فإنه يؤكد في المقابل أن تمسك بري بالحريري لا يعود لاعتبارات شخصية، وإنما لأنه الأجدر في التوجّه للمجتمع الدولي، وبالتالي فإن رئيس المجلس يفضّل عدم التدخّل وهو ينتظر ليرى ماذا سيحصل بعد أن تقدّم بمبادرة مشغولة جيداً ومكتملة الأوصاف وتستمد روحيتها من المبادرة الفرنسية، لكنها قوبلت برفض ممن يتحصّنون خلفها لتبرير عدم تعاونهم مع الحريري الذي دعمها بلا أي تردد بخلاف عون الذي أوكل إلى باسيل مهمة الإطاحة بها ليعود اليوم إلى استحضارها في حملاته ضد الحريري.



ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
TT

ضربات في صعدة... والحوثيون يطلقون صاروخاً اعترضته إسرائيل

عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)
عناصر حوثيون يحملون صاروخاً وهمياً خلال مظاهرة في صنعاء ضد الولايات المتحدة وإسرائيل (أ.ب)

تبنّت الجماعة الحوثية إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من اعترافها بتلقي ثلاث غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

وفي حين أعلن الجيش الإسرائيلي اعتراض الصاروخ الحوثي، يُعد الهجوم هو الثاني في السنة الجديدة، حيث تُواصل الجماعة، المدعومة من إيران، عملياتها التصعيدية منذ نحو 14 شهراً تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين في غزة.

وادعى يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الجماعة الحوثية، في بيان مُتَلفز، أن جماعته استهدفت بصاروخ فرط صوتي من نوع «فلسطين 2» محطة كهرباء «أوروت رابين» جنوب تل أبيب، مع زعمه أن العملية حققت هدفها.

من جهته، أعلن الجيش الإسرائيلي، في بيان، أنه «بعد انطلاق صفارات الإنذار في تلمي اليعازر، جرى اعتراض صاروخ أُطلق من اليمن قبل عبوره إلى المناطق الإسرائيلية».

ويوم الجمعة الماضي، كان الجيش الإسرائيلي قد أفاد، في بيان، بأنه اعترض صاروخاً حوثياً وطائرة مُسيّرة أطلقتها الجماعة دون تسجيل أي أضرار، باستثناء ما أعلنت خدمة الإسعاف الإسرائيلية من تقديم المساعدة لبعض الأشخاص الذين أصيبوا بشكل طفيف خلال هروعهم نحو الملاجئ المحصَّنة.

وجاءت عملية تبنِّي إطلاق الصاروخ وإعلان اعتراضه، عقب اعتراف الجماعة الحوثية باستقبال ثلاث غارات وصفتها بـ«الأميركية البريطانية»، قالت إنها استهدفت موقعاً شرق مدينة صعدة، دون إيراد أي تفاصيل بخصوص نوعية المكان المستهدَف أو الأضرار الناجمة عن الضربات.

مقاتلة أميركية على متن حاملة طائرات في البحر الأحمر (أ.ب)

وإذ لم يُعلق الجيش الأميركي على الفور، بخصوص هذه الضربات، التي تُعد الأولى في السنة الجديدة، كان قد ختتم السنة المنصرمة في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، باستهداف منشآت عسكرية خاضعة للحوثيين في صنعاء بـ12 ضربة.

وذكرت وسائل الإعلام الحوثية حينها أن الضربات استهدفت «مجمع العرضي»؛ حيث مباني وزارة الدفاع اليمنية الخاضعة للجماعة في صنعاء، و«مجمع 22 مايو» العسكري؛ والمعروف شعبياً بـ«معسكر الصيانة».

106 قتلى

مع ادعاء الجماعة الحوثية أنها تشن هجماتها ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، في سياق مناصرتها للفلسطينيين في غزة، كان زعيمها عبد الملك الحوثي قد اعترف، في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وأن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

وكانت الولايات المتحدة قد أنشأت، في ديسمبر 2023، تحالفاً سمّته «حارس الازدهار»؛ ردّاً على هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، قبل أن تشنّ ضرباتها الجوية ابتداء من 12 يناير (كانون الثاني) 2024، بمشاركة بريطانيا في بعض المرات؛ أملاً في إضعاف قدرات الجماعة الهجومية.

دخان يتصاعد من موقع عسكري في صنعاء خاضع للحوثيين على أثر ضربة أميركية (أ.ف.ب)

واستهدفت الضربات مواقع في صنعاء وصعدة وإب وتعز وذمار، في حين استأثرت الحديدة الساحلية بأغلبية الضربات، كما لجأت واشنطن إلى استخدام القاذفات الشبحية، لأول مرة، لاستهداف المواقع الحوثية المحصَّنة، غير أن كل ذلك لم يمنع تصاعد عمليات الجماعة التي تبنّت مهاجمة أكثر من 211 سفينة منذ نوفمبر 2023.

وأدّت هجمات الحوثيين إلى إصابة عشرات السفن بأضرار، وغرق سفينتين، وقرصنة ثالثة، ومقتل 3 بحارة، فضلاً عن تقديرات بتراجع مرور السفن التجارية عبر باب المندب، بنسبة أعلى من 50 في المائة.

4 ضربات إسرائيلية

رداً على تصعيد الحوثيين، الذين شنوا مئات الهجمات بالصواريخ والطائرات المُسيرة باتجاه إسرائيل، ردّت الأخيرة بأربع موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة الحوثية بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.

كذلك تضررت مدرسة إسرائيلية بشكل كبير، جراء انفجار رأس صاروخ، في 19 ديسمبر الماضي، وإصابة نحو 23 شخصاً جراء صاروخ آخر انفجر في 21 من الشهر نفسه.

زجاج متناثر في مطار صنعاء الدولي بعد الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ب)

واستدعت هذه الهجمات الحوثية من إسرائيل الرد، في 20 يوليو الماضي، مستهدفة مستودعات للوقود في ميناء الحديدة، ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة نحو 80 آخرين.

وفي 29 سبتمبر (أيلول) الماضي، قصفت إسرائيل مستودعات للوقود في كل من الحديدة وميناء رأس عيسى، كما استهدفت محطتيْ توليد كهرباء في الحديدة، إضافة إلى مطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ سنوات، وأسفرت هذه الغارات عن مقتل 4 أشخاص، وإصابة نحو 30 شخصاً.

وتكررت الضربات، في 19 ديسمبر الماضي؛ إذ شنّ الطيران الإسرائيلي نحو 14 غارة على مواني الحديدة الثلاثة، الخاضعة للحوثيين غرب اليمن، وعلى محطتين لتوليد الكهرباء في صنعاء؛ ما أدى إلى مقتل 9 أشخاص، وإصابة 3 آخرين.

وفي المرة الرابعة من الضربات الانتقامية في 26 ديسمبر الماضي، استهدفت تل أبيب، لأول مرة، مطار صنعاء، وضربت في المدينة محطة كهرباء للمرة الثانية، كما استهدفت محطة كهرباء في الحديدة وميناء رأس عيسى النفطي، وهي الضربات التي أدت إلى مقتل 6 أشخاص، وإصابة أكثر من 40، وفق ما اعترفت به السلطات الصحية الخاضعة للجماعة.