«الصحة» تتيح الاستيراد الطارئ للأدوية

بعد ارتفاع سعرها ثمانية أضعاف

من وقفات احتجاجية أمام صيدليات في لبنان الاسبوع الماضي (الوكالة المركزية)
من وقفات احتجاجية أمام صيدليات في لبنان الاسبوع الماضي (الوكالة المركزية)
TT

«الصحة» تتيح الاستيراد الطارئ للأدوية

من وقفات احتجاجية أمام صيدليات في لبنان الاسبوع الماضي (الوكالة المركزية)
من وقفات احتجاجية أمام صيدليات في لبنان الاسبوع الماضي (الوكالة المركزية)

أعلنت وزارة الصحة في لبنان أنها بادرت إلى فتح باب الاستيراد الطارئ والتسجيل السريع لجميع أنواع الأدوية المفقودة في السوق المحلية، بهدف «توفير الدواء الجيد والفعال بسعر تنافسي ووضع حد للتخزين والاحتكار واستنسابية الاستيراد»، وذلك بعد أزمة في انقطاع الأدوية في لبنان، وارتفاع أسعار أدوية كثيرة ثمانية أضعاف، على ضوء قرار «مصرف لبنان» بالتوقف عن دعم الدواء والمستلزمات الطبية، إلا لمرضى الأمراض المستعصية والمزمنة.
وضج الشارع اللبناني خلال اليومين الماضيين بارتفاع أسعار الدواء، ونشرت وزارة الصحة قائمة بالأدوية غير المدعومة، وذلك بعد أزمة في انقطاع الدواء لمدة أسبوعين وفقدانه من الصيدليات.
وقالت الصحة إن أي خطوة اضطرارية باتجاه تصنيف أدوية غير مدعومة «هي بالأساس ناتجة من امتناع (مصرف لبنان) عن تأمين الدعم من العملات الصعبة، وتوقفه خلال شهري مايو (أيار) ويونيو (حزيران) عن تسديد فواتير الاستيراد المتراكمة (وبعضها يعود إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)، الذي ساهم بأزمة دوائية حادة وخطيرة عانى منها جميع المواطنين».
وقالت إنها وبعد تبلغها بشكل واضح من «مصرف لبنان» عدم إمكانية دعم القطاع الصحي من أدوية ومستلزمات وحليب للأطفال ومواد أولية للصناعة الوطنية بأكثر من 50 مليون دولار شهرياً، عملت «وفق الأولويات بتخصيص الدعم للأدوية المستعصية والسرطانية والمنقذة للحياة والاستشفائية واللقاحات وحليب الأطفال والأمراض العصبية والنفسية بالإضافة إلى أدوية الأمراض المزمنة»، لافتة إلى أنه «بناءً عليه صدرت لائحة الأدوية غير المدعومة».
وكان «مصرف لبنان المركزي» يوفّر العملة الصعبة باستيراد الأدوية التي حددت الحكومة سعرها في السوق اللبنانية على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد، رغم أن سعر الصرف في السوق الموازي يناهز الـ22 ألفاً. وبعد تراجع احتياطات «المصرف المركزي» من العملة الصعبة، توصل إلى اتفاق مع الحكومة على توفير الدعم بخمسين مليون دولار شهرياً لاستيراد الأدوية، وليس بمائة مليون كان يوفرها في السابق لاستيرادها.
وأوضح «الصحة» أنها هدفت من وضع سقف - الحد الأقصى - لأسعار الأدوية غير المدعومة «إلى حماية المواطن من تفلت أسعار الأدوية وبيعها في السوق السوداء بأسعار وأرباح خيالية، وهو أمر يعرض المستورد للمساءلة وينعكس تالياً بالإساءة على الصيدليات». وقالت إن «قرار تسعير الأدوية غير المدعومة، بإضافة هامش ربح الصيدلي 17 في المائة كحد أقصى (بدل 22.5 في المائة) وللمستوردين 6 في المائة كحد أقصى، يأتي ضمن إطار تحديد هامش ربح مستحدث على فئة من الأدوية تم رفع الدعم عنها وتضاعفت أسعارها بشكل كبير، وذلك لإشراك الصيادلة أصحاب الصيدليات والمستوردين في التخفيف عن المواطن الذي سيتحمل العبء الأكبر للفاتورة الدوائية».
وأشارت إلى أن الكميات المتوفرة حالياً في السوق تم طلب استيرادها خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2021، وهي بمعظمها مقدمة إلى «مصرف لبنان» للحصول على الدعم. وبالتالي فإن إصدار وزارة الصحة لوائح أسعار الأدوية غير المدعومة على سعر صرف 12000 ليرة للدولار الواحد، في حين أن سعر الصرف في السوق السوداء يعادل الـ22.500 ليرة تم احتسابه كسعر وسطي للمرحلة التي تم استيراد الأدوية فيها (المتوفرة حالياً في السوق).



أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
TT

أحياء منكوبة بلا مياه وكهرباء بسبب القصف الإسرائيلي في مدينة صور الساحلية

جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)
جانب من الدمار الذي طال المباني في مدينة صور الساحلية جنوب لبنان (رويترز)

قرب ركام مبنى ما زال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم إلى شقة خُلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعد أن استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق، إضافة إلى الأبنية والمنازل.

في اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقّد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية، وحوّلتها إلى منطقة منكوبة.

لم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة نجدة. تقول ربّة المنزل دنيا نجدة (33 عاماً)، وهي أم لطفلين، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، بينما تقف على شرفتها المطلة على دمار واسع: «لم نتوقّع دماراً إلى هذا الحدّ. رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً».

وغطّى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، في حين تناثرت قطع من إطارات النوافذ الحديدية في كل مكان. وتضيف دنيا نجدة: «عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان، وبالكاد استطعنا معاينة المنزل».

على الشرفة ذاتها، يقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، ويقول: «نشكو من انقطاع المياه والكهرباء... حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات».

ويقول الرجل، الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: «صور ولبنان لا يستحقان ما حصل... لكن الله سيعوضنا، وستعود المدينة أفضل مما كانت عليه».

وتعرّضت صور خلال الشهرين الماضيين لضربات عدّة؛ دمّرت أو ألحقت أضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية، وقطعت أوصال المدينة.

وأنذرت إسرائيل، خلال الأسابيع القليلة الماضية، مراراً سكان أحياء بأكملها بإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها، الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

لن يحصل بنقرة

خلال جولة في المدينة؛ حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسة، يحصي رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها، حسن دبوق لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «أكثر من 50 مبنى، مؤلفة من 3 إلى 12 طابقاً دُمّرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية»، غير تضرّر عشرات الأبنية في محيطها، بنسبة تصل إلى 60 في المائة. ويضيف: «يمكن القول إنه يكاد لم يبقَ أي منزل بمنأى عن الضرر».

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير مع عودة المئات من السكان إلى أحيائهم، في حين أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة.

ويوضح دبوق: «يتفقّد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرّضت لضربات إسرائيلية قاسية».

ويقول إن الأولوية اليوم «للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة، وتأمين سُبل الحياة للمواطنين»، مقرّاً بأن ذلك «لن يحصل بنقرة، ويحتاج إلى تعاون» بين المؤسسات المعنية.

ويضيف: «من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكّن الناس من العودة».

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 نوفمبر (تشرين الثاني) شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها، ومقتل موظفيْن، وانقطاع المياه عن 30 ألف مشترك في المدينة ومحيطها، وفق ما قال رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمّرت الغارة مضخّات المياه وشبكة الأنابيب المتفرّعة منها، وفق ما شاهد مراسلو «وكالة الصحافة الفرنسية»، الخميس، في إطار جولة نظمها «حزب الله» للصحافيين في عدد من أحياء المدينة.

وتحتاج إعادة بنائها إلى فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر، وفق بركات، الذي قال إن العمل جارٍ لتوفير خيار مؤقت يزوّد السكان العائدين بالمياه.

ويقول بركات: «لا صواريخ هنا، ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية استهدفها العدوان الإسرائيلي».

قهر ومسكّنات

بحزن شديد، يعاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخيّاط السوري المُقيم في صور منذ 10 سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة.

ويقول بأسى: «بكيت من القهر... منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر إلى ألعاب أولادي والدمار وأبكي».

وغابت الزحمة، الخميس، عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة، الذي كان يعجّ بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين، وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم إلى البحر لتوفير قوتهم.

بين هؤلاء مهدي إسطنبولي (37 عاماً)، الذي يروي أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ أن حظر الجيش اللبناني في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) حركة القوارب في المنطقة البحرية جنوب لبنان.

ويقول: «لم يسمح الجيش لنا بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا» باعتبار المنطقة «حدودية» مع إسرائيل.

ويقول إسطنبولي: «نراقب الوضع... وننتظر»، مضيفاً: «نحن خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية» بعد توقف الحرب.

ويقول أب لأربعة أطفال: «أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع صوت الموج وأجفل... يتهيّأ لي أن الطيران يقصف. نعاني من الصدمة».