* لا يمكن مقارنة ظروف السوريين تحت سلطة تنظيم داعش من حيث الوضع الكارثي، إلا بسوء وضع مناطق سيطرة المعارضة المسلحة التي لا تتوقف الغارات التي تدك مبانيها وأرواح السكان داخلها، وتحولهم إلى جثث أو معاقين وفي أحسن الأحوال فاقدين بيوتا تؤويهم وتحولهم إلى نازحين في مناطق أخرى أو في مخيمات اللاجئين التي لا تشكل حلما لإنسان يبحث عن آدميته.
وتعد بلدتا منبج والباب أشهر البلدات أو المدن الصغيرة بريف حلب الشرقي، مثالا على سوء مستوى الحياة التي يمكن أن يحياها البشر في ظلها. فمحمد الذي يعيش في ريف منبج ويعمل في المدينة، تواصل مع «الشرق الأوسط»، عبر شبكة الإنترنت المتربطة بهاتفه التركي، كون قريته قريبة من الحدود التركية، بينما تغيب الاتصالات عن منبج بعد دخول التنظيم إليها.
يقول محمد، إن الهواتف الأرضية متاحة فقط ضمن المدينة، ولا يمكن لأهلها التواصل مع أي جهة خارجها. وهناك خدمة نت فضائي ضمن مقاهي النت، إلا أنه ضعيف جدا وبطيء. غير أن خدمة الاتصالات تبدو غير ضرورية في ظل غياب الكهرباء التي تتوفر لساعتين فقط في اليوم مع صعوبة الحصول على المحروقات.
أما بسام الذي نزح لتركيا للعمل ضمن المؤسسات الصحافية السورية التي ازدهرت في العامين الأخيرين، ويدخل إلى منبج لزيارة عائلته بين حين وآخر، فيقول لـ«الشرق الأوسط»، إن المدينة شبه فارغة من سكانها. فالشباب خرجوا لأن التنظيم يريد تجنيدهم لحسابه. والأهالي تركوا المدينة كي يوفروا الدراسة لأبنائهم، في الجوار بحلب أو بتركيا، بعد أن أوقف تنظيم داعش قبل شهرين، التدريس في مدارس مدينة منبج في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى حين الانتهاء من إخضاع المدرسين لـ«دورات شرعية». وجاء قرار إيقاف التدريس في منبج بعد أسابيع على اتخاذ التنظيم القرار نفسه في دير الزور وقبل ذلك في البوكمال والرقة وكلها مناطق تخضع لسلطة «داعش» الآن.
تدخل التنظيم ليس على هذا المستوى فقط، فقد أعلن بداية هذا العام، عن افتتاح كلية للطب في محافظة الرقة، المعقل الرئيسي له في سوريا، بمدة دراسة 3 سنوات فقط تشمل الجانبين النظري والعملي وعلى ست مراحل. وقد وضع «ديوان الصحة» التابع للتنظيم، شروط التقدم لكلية الطب وهي «ألا يقل عمر المتقدم عن 18 عامًا وألا يزيد على 30»، وأيضا «أن يكون حاصلاً على شهادة الثانوية العامة (الفرع العلمي) بمعدل 80 في المائة فأكثر». ومنح الإعلان، تسهيلات لمن منعتهم «ظروف الحرب» من الحصول على الشهادة الثانوية، بالتقدم لـ«امتحان تنافسي شرط أن يكون معدله في الشهادة الإعدادية 80 في المائة فما فوق». وفتح الأمر أمام الذكور والإناث. ويقول ناشطون وسكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، إنه يعيش في مأزق طبي يحاول التغلب عليه بتخريج كوادر طبية سريعة، فحسب بسام، خلا قطاع الصحة العامة في منبج من غالبية الأطباء الذين هجروا المدينة، ويقول إن المشفى الوطني تحول اسمه إلى «مشفى عائشة». أما محمد فيخبرنا أنه يوجد نقص بالمدينة لكل الاختصاصات الطبية بسبب هجرة الأطباء، مع العلم بأنه لا تزال المشافي الخاصة يعمل بعضها وهي لا تكفي وفي الأساس غير متاحة للجميع بسبب ارتفاع كلفتها، أما المشفى العام بالمدينة فيعالج فيه التنظيم عناصره المصابين بالمعارك بالدرجة الأولى، وأن أطباء مهاجرين (غير سوريين) يعملون في المشفى.
ويحار المتابع كيف يمكن للمناطق تحت التنظيم أن تصمد في الحياة، بعد موات المدينة اقتصاديا، ويقول بسام، إن منبج راكدة اقتصاديا بعد نزوح عدد كبير من أصحاب المحلات والتجار. وقد فرض التنظيم ضرائب عالية على المشاريع التجارية، ولم يتبقَ من نشاط غير محلات السوبر ماركت والمطاعم وهذه يحركها أعضاء التنظيم ومن والأهم من شبيحة الجوار الذين انتقلوا بخطوة واحدة من رتبة «شبيحة» إلى مبايعين لـ«داعش»، وجميعهم يملكون القدرة الشرائية، بينما يتوارى من تبقى من سكان المدينة خلف تدهور سعر الليرة وصعوبة شراء السلع، خصوصا وأنها تسعر بحسب سعر الدولار، وكل ارتفاع يعني تثبيتا لسعر السلعة ومن النادر أن ينزل مع تحسن سعر العملة.
الحياة في مناطق «داعش»
الحياة في مناطق «داعش»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة