العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

مسلسل «الزوابع» الإعلامية والسياسية.. والخيارات الصعبة

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ
TT

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

العلاقات بين تونس وليبيا.. العسل المرّ

يزور تونس اليوم عبد الله الثني رئيس حكومة برلمان طبرق، شرق ليبيا، بعد الزوبعة الإعلامية والسياسية التي أثارتها تصريحات وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش عن «التعامل مع الأمر الواقع في ليبيا» بفتح قنصليتين تونسيتين في طرابلس وطبرق و«التزام الحياد في الخلافات الليبية- الليبية». تصريحات البكوش تلك أثارت ردود فعل متناقضة وغير مسبوقة في تونس وليبيا بين مُساند ومتحفظ ومنتقد، رغم نفي الحكومة لتلك التصريحات لاحقا.
وكان أكثر ردود الفعل إثارة على موقف رئيس الدبلوماسية التونسية تصريحات «وزير إعلام حكومة طبرق» عمر القويري الذي لوح بالاعتراف بحكومة في جبل الشعانبي على الحدود الجزائرية التونسية، إذ تقود بعض المجموعات الإرهابية منذ أعوام هجمات ضد قوات الجيش والأمن التونسيين. فإلي أين تسير العلاقات التونسية الليبية في أجواء التصعيد هذه ومسلسل «الزوابع» الإعلامية والسياسية؟
كشفت تصريحات السياسيين التونسيين والليبيين عن وجود تيار معارض بشدة لتصريحات وزير الخارجية التونسي الجديد داخل النخب السياسية في تونس وليبيا. وبلغ الأمر ببعض السياسيين في البلدين حد اتهام الطيب البكوش بـ«خرق ثوابت الدبلوماسية التونسية» التي التزمت منذ تأسيس الدولة الحديثة من قبل الزعيم الحبيب بورقيبة مبدأ الحياد ومنهج «الدبلوماسية الناعمة» على حد تعبير الكاتب والمحلل السياسي التونسي ياسين بن محمد في صحيفة «الفجر» القريبة من حزب حركة النهضة الإسلامي.
ورغم الصبغة «الإسلامية» لبعض وسائل الإعلام التونسية فقد انتقدت مواقف الطيب البكوش وذكرت بكونه «الأمين العام لحزب نداء تونس» العلماني، واعتبرت أنه «أساء التعبير عن موقف الحياد» وأنه «استفز بعض أطراف الصراع في ليبيا».

* انتقادات.. وشرعية
* وصدرت أكثر الانتقادات لمواقف الخارجية التونسية من قبل السياسيين الليبيين والتونسيين المعارضين سياسيا لتوجهات «التيارات السياسية الإسلامية التي تهيمن على المنطقتين الغربية والوسطى مدعومة بقوات (فجر ليبيا) و(غرف ثوار ليبيا) وميليشيات متهمة بالإرهاب، بعضها مرتبط بـ(القاعدة) وعصابات (داعش)»، حسب تعبير زهير مخلوف عضو البرلمان التونسي والقيادي في حزب الشعب ذي الميول القومية العربية الناصرية.
ويتهم المغزاوي وأنصاره وعدد من الساسة البارزين في المنطقة الشرقية بليبيا حكومة طرابلس بالتحالف مع «المتطرفين دينيا» وبخدمة أجندات بعض العواصم العربية والإقليمية، بينها أنقرة. ويطالب عدد من الساسة التونسيين والليبيين وزارة الخارجية التونسية بأن «تحترم قرارات الأمم المتحدة التي تعتبر برلمان طبرق «الممثل الشرعي الوحيد للشعب الليبي بعد الانتخابات الديمقراطية التي نظمت في صيف 2014.. على الرغم من ضعف نسبة المشاركة في تلك الانتخابات وقرار إحدى المحاكم الليبية الذي قضى بحله.

* استياء تونسي
* في المقابل انتقد وزير الشؤون الخارجية الطيب البكوش المعترضين على الموقف «الحيادي من النزاعات الليبية- الليبية»، الذي عبر عنه والذي أعاد فيه التعبير عن مواقف مماثلة سبق أن صدرت عن الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي وعن زعيم حزب النهضة راشد الغنوشي وزعماء عدة أحزاب معارضة تونسية مثل أحمد نجيب الشابي زعيم الحزب الجمهوري ومحمد عبو زعيم التيار الديمقراطي. وبرر رئيس الدبلوماسية موقف حكومته الحيادي بين الأطراف السياسية التي تتنازع الشرعيات في طرابلس وبنغازي بـ«الواقعية» و«البراغماتية» وواجب «التعامل مع الواقع في ليبيا كما هو، أي وجود حكومة في طبرق وأخرى في طرابلس».
وانتقد وزير الخارجية التونسي بقوة تصريحات وزير الإعلام «في حكومة طبرق» عمر القويري، التي أورد فيها أن حكومته ستكون على ذات المسافة مع حكومة قصر قرطاج و«حكومة الشعانبي». وقال البكوش: «إن تصريحات ما يسمى بالوزير الليبي غير مسؤولة»، وأضاف: «ما قاله كلام غير مسؤول، وهو من أسخف ما سمعت، وأمثال هؤلاء لن نقبلهم في بلادنا».
كما انتقد المختار الشواشي الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية التونسية «تهجم ممثل حكومة طبرق على تونس التي تستضيف منذ سنوات نحو مليونين من الأشقاء الليبيين بصرف النظر عن مواقفهم السياسية والحزبية». واستغرب الناطق باسم الخارجية التونسية «خلط المسؤول الليبي بين المجموعة الإرهابية في جبل الشعانبي وواقع ليبيا التي توجد فيها منذ أكثر من عام أكثر من حكومة وأكثر من برلمان وسلطات كثيرة».
في الأثناء صدرت في بعض وسائل الإعلام التونسية انتقادات حادة للمسؤول الليبي في حكومة طبرق وتساءلت عن الأسباب التي جعلت كبار المسؤولين في الحكومة التونسية لا يأمرون بطرده من تونس عندما تهجم عليها ولوح بالاعتراف بمجموعات صغيرة جدا من الإرهابيين في شكل «حكومة الشعانبي» و«قصر الرئاسة في الشعانبي» على غرار قصر قرطاج وحكومة تونس. كما أشار المختار الشواشي إلى أن وزير الخارجية التونسي لم يتحدث عن الاعتراف بحكومتين ليبيتين، ولكن عن التعامل مع الواقع الليبي كما هو، وعن إعادة فتح القنصليتين التونسيتين القديمتين في كل من طرابلس وبنغازي خدمة لمصالح عشرات آلاف التونسيين المستقرين في مختلف مدن ليبيا شرقا وغربا.

* اعتذار ليبي
* في الأثناء صدر «اعتذار» عن الناطق الرسمي باسم حكومة طبرق أبو بكر بعيرة عن «تصريحات عمر القويري»، وقيل إنه أسيء فهمهما.. ودعا المتحدث الليبي إلى عدم الإساءة إلى العلاقات الأخوية المميزة بين الشعبين التونسي والليبي، لكن «توضيحات الناطق باسم حكومة طبرق» لم تقلل الاحتقان بين الجانبين التونسي والليبي بسبب ما سماه البعض «تدخلا في شؤون تونس» وسماه الطرف المقابل «اعترافا من قبل تونس بحكومة وبرلمان غير شرعيين في طرابلس على الرغم من الاعتراف الأممي ببرلمان طبرق فقط»، كما أدلى وزير الإعلام في حكومة طبرق الليبية عمر القويري بتصريحات جديدة عبّر فيها عن رفض حكومته تصريحات وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش بخصوص «اعتراف» تونس بحكومتين في ليبيا، وقال: «الاعتراف بالحكومة غير الشرعية ومساواتها مع (الإرهابيين) لا يجوز، خصوصا وهو يعطي مؤشرات سلبية جدا للخارجين عن الشرعية». في إشارة إلى قوات «فجر ليبيا» و«غرف ثوار ليبيا» التي تسيطر على الأغلبية الساحقة من التراب الليبي برا، خصوصا في المناطق الغربية والوسطى، بينما تسيطر قوات «الكرامة» الموالية للواء خليفة حفتر على غالبية الأجواء الليبية وعلى مناطق في المنطقة الشرقية، بينها شرق مدينة بنغازي.
وتمادى «الوزير الليبي» في حوار مع صحيفة «آخر خبر» الجزائرية قائلا: «أبشركم بقيام إمارة إسلامية بجبل الشعانبي، وسنتعامل بحياد وسنكون على مسافة واحدة من حكومة قصر قرطاج ومع حكومة قصر الشعانبي». وانتقد عمر الغويري تصريحات الرسميين التونسيين التي أعلنوا فيها عن كون تونس «تقف على ذات المسافة مع حكومة عبد الله الثني شرق ليبيا وحكومة عمر الحاسي ومقرّها العاصمة طرابلس».

* دعوات لغلق الحدود
* في هذا المناخ المشحون وبعد تعاقب حالات الكشف عن مخازن أسلحة تهرب من ليبيا إلى تونس بواسطة «السياح الليبيين» - وبينها مخزن من الأسلحة المتطورة وقع الكشف عنه قبل أيام في مدينة بن قران الحدودية - تتوافد على تونس مجموعات عن مجالس الأعيان والأحزاب السياسية والمسؤولين الأمنيين والعسكريين لدعم مسار الحوار والتفاوض بين مختلف الفرقاء الليبيين.
وإذ رحب عدد من الساسة العلمانيين والإسلاميين التونسيين بجهود الحوار السياسي الليبي- الليبي في تونس والجزائر والمغرب، فإن مزيدا من الإعلاميين والمحللين السياسيين أصبحوا يطالبون سلطات بلدهم بـ«غلق الحدود التونسية الليبية برا وجوا، وبتشديد مراقبة مئات آلاف الليبيين المقيمين في تونس لأن الإرهاب يزحف على تونس وبقية الدول المغاربية عبر ليبيا»، على حد تعبير الكاتب والإعلامي سفيان بن فرحات والجامعي علية العلاني.

* محاولات الانقلاب على البكوش
* وإذ تتراوح العلاقات التونسية الليبية بين التصعيد والتهدئة وظفت أطراف سياسية في الحزب الحاكم في تونس - بزعامة الباجي قائد السبسي والطيب البكوش - الخلافات الليبية- الليبية لاتهام زعيم حزب الوطن الليبي الملياردير عبد الحكيم بالحاج بالتدخل في الشؤون السياسية التونسية، وبينها التطورات داخل حزب «نداء تونس»، إذ تتبادل مجموعتان من كبار مسؤوليه اتهامات بـ«الخيانة والتورط في الممارسات الانقلابية» تحت تأثير من أثرياء تونسيين لديهم علاقات مشبوهة مع بعض «أمراء الحرب في ليبيا».
وفي الوقت الذي نظم فيه عشرات من القياديين البارزين في الحزب الحاكم التونسي هجمات على الأمين العام للحزب الطيب البكوش ومقربين منه، بينهم المستشار السياسي لرئيس الجمهورية محسن مرزوق ورئيس ديوانه رضا بالحاج وعلى الوزير الأزهر العكرمي، شن الطرف المقابل في قنوات تلفزية ووسائل إعلام كبرى اتهامات لأثرياء تونسيين وشخصيات ليبيةـ بينها عبد الحكيم بالحاج بـ«الضلوع في محاولات التأثير في الشأن الداخلي التونسي وتنظيم انقلاب على قيادة حزب نداء تونس».

* حكومة وحدة وطنية
* لكن لئن تطور ملف العلاقات المميزة بين تونس وليبيا من «ورقة رابحة جدا اقتصاديا وأمنيا» إلى «عبء ثقيل» فإن مؤشرات جديدة ترجح سيناريو «احتواء الأزمة الليبية بمساعٍ تونسية».
في هذا السياق صرح أبو بكر مصطفى بعيرة الناطق الرسمي باسم برلمان طبرق لـ«الشرق الأوسط» بأن «أغلب الأطراف السياسية في ليبيا أصبحت مقتنعة بضرورة التوافق وحقن الدماء وتكوين حكومة وطنية جديدة ترأسها شخصية وطنية يقع التوافق حولها بمساعدة نائبي رئيس حكومة، على أن ينتمي المسؤولون الأُوَل الثلاثة إلى الأقاليم الليبية الثلاثة: الشرق والغرب والجنوب.. كما يشترط في المسؤولين الثلاثة أن لا يكونوا من بين الذين تحملوا مسؤوليات في الحكومات والبرلمانات السابقة التي ثبت فشلها».
هذا المنعرج السياسي الليبي- الليبي وتعاقب توافد ممثلي مجالس الأعيان والبلديات والقبائل والأحزاب الليبية على تونس قد يرجح حسب بعض الخبراء في العلاقات الدولية - مثل السفير التونسي في طرابلس سابقا صلاح الدين الجمالي - سيناريو تحسين العلاقات الليبية التونسية مجددا.. «لأن تونس محكومة بإكراهات كثيرة»، من بينها إقامة توازنات في علاقاتها بين الدول الشقيقة والصديقة التي تدعو إلى التدخل العسكري في ليبيا - مثل إيطاليا ومصر والإمارات - وتلك التي تعارضه مثل الجزائر وفرنسا.
في المقابل يعتقد الخبير في العلاقات الدولية والوزير التونسي السابق حاتم بن سالم أن «ملف العلاقات مع ليبيا دقيق جدا بالنسبة إلى تونس في ظل استفحال الجماعات الإرهابية في ليبيا وتونس وتزايد التنسيق بينها وتعاقب الاكتشافات لأسلحة قادمة لتونس من ليبيا». لكن بن سالم والجمالي وثلة من الخبراء الاقتصاديين التونسيين يحذرون في نفس الوقت من التضحية بمصالح ملايين التونسيين والتونسيات الذين يستفيدون منذ عقود من الشراكة الاقتصادية والتجارية والمالية المميزة بين تونس وليبيا.. وهي شراكة كانت توفر لتونس نحو ثلث مواردها السنوية من العملات الأجنبية إلى جانب مساهمتها في إدخال ديناميكية كبيرة جدا على قطاعات السياحة والخدمات الطبية والتجارية.
وسواء تمكن الجانبان التونسي والليبي خلال محادثات الفرقاء الليبيين وزيارة رئيس حكومة طبرق عبد الله الثني من «احتواء الأزمة والخلافات الثنائية» أو لا، فإن قدر البلدين البحث عن «توافق جديد» لأن تونس هي المنفذ الرئيسي لغالبية الليبيين بحكم وجود ثلاثة أرباع السكان غرب ليبيا وجنوبها.. أي أن الجانبين محكومان بالتمادي في تناول الإنتاج المشترك لعسل الجنوب التونسي والغرب الليبي.. وإن كان «العسل المر».. و«الخيار الذي لا بديل عنه».



يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
TT

يون سوك ــ يول... رئيس كوريا الجنوبية أثار زوبعة دعت لعزله في تصويت برلماني

تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط
تحت ضغط الفضائح والخلافات انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أن شعبيته انخفضت إلى 19 % فقط

تشهد كوريا الجنوبية، منذ نحو أسبوعين، تطورات متلاحقة لا تلوح لها نهاية حقيقية، شهدت اهتزاز موقع رئيس الجمهورية يون سوك - يول بعد إعلانه في بيان تلفزيوني فرض الأحكام العرفية، وتعليق الحكم المدني، وإرساله قوة عسكرية مدعومة بالهيلوكوبترات إلى البرلمان. ثم اضطراره للتراجع عن قراره في وجه معارضة عارمة. بيد أن تراجع الرئيس خلال ساعات قليلة من هذه المغامرة لم يزد المعارضة إلا إصراراً على إطاحته، في أزمة سياسية غير مسبوقة منذ التحوّل الديمقراطي في البلاد عام 1980 بعد فترة من الحكم التسلطي. ولقد تطوّرت الأوضاع خلال الأيام والساعات الأخيرة من الاحتجاجات في الشوارع إلى تصويت برلماني على عزل يون. وبعدما أقر البرلمان عزل الرئيس ردّ الأخير بتأكيد عزمه على المقاومة والبقاء... في أزمة مفتوحة لا تخلو من خطورة على تجربة البلاد الديمقراطية الطريّة العود.

دبلوماسي مخضرم خدم في كوريا الجنوبية قال، قبل بضعة أيام، معلقاً على الأزمة المتصاعدة: «إذا تم تمرير اقتراح العزل، يمكن وقف (الرئيس) يون (سوك - يول) عن مباشرة مهام منصبه لمدة تصل إلى 180 يوماً، بينما تنظر المحكمة الدستورية في القضية. وفي هذا (السيناريو)، يتولى رئيس الوزراء هان دوك سو منصب الرئيس المؤقت، وتُجرى انتخابات جديدة في غضون 60 يوماً».

وبالفعل، دعا هان دونغ - هون، زعيم حزب «قوة الشعب»، الحاكم، إلى تعليق سريع لسلطات الرئيس مستنداً - كما قال - إلى توافر «أدلة موثوقة» على أن يون سعى إلى اعتقال القادة السياسيين بعد إعلانه الأحكام العرفية الذي لم يدُم طويلاً. ومما أورده هان - الذي كان في وقت سابق معارضاً للمساعي الرامية إلى عزل يون - إن «الحقائق الناشئة حديثاً قلبت الموازين ضد يون، بالتالي، ومن أجل حماية كوريا الجنوبية وشعبنا، أعتقد أنه من الضروري منع الرئيس يون من ممارسة سلطاته رئيساً للجمهورية على الفور». وتابع زعيم الحزب الحاكم أن الرئيس لم يعترف بأن إعلانه فرض الأحكام العرفية إجراء غير قانوني وخاطئ، وكان ثمة «خطر كبير» من إمكانية اتخاذ قرار متطرف مماثل مرة أخرى إذا ظل في منصبه.

بالتوازي، ذكرت تقارير إعلامية كورية أن يون يخضع حالياً للتحقيق بتهمة الخيانة إلى جانب وزير الدفاع المستقيل كيم يونغ - هيون، (الذي ذُكر أنه حاول الانتحار)، ورئيس أركان الجيش الجنرال بارك آن - سو، ووزير الداخلية لي سانغ - مين. وحقاً، تمثل الدعوة التي وجهها هان، وهو وزير العدل وأحد أبرز منافسي يون في حزب «قوة الشعب»، تحولاً حاسماً في استجابة الحزب الحاكم للأزمة.

خلفية الأزمة

تولى يون سوك - يول منصبه كرجل دولة جديد على السلطة، واعداً بنهج عصري مختلف في حكم البلاد. إلا أنه في منتصف فترة ولايته الرئاسية الوحيدة التي تمتد لخمس سنوات، شهد حكمه احتكاكات شبه دائمة مع البرلمان الذي تسيطر عليه المعارضة، وتهديدات «بالإبادة» من كوريا الشمالية، ناهيك من سلسلة من الفضائح التي اتهم وعائلته بالتورّط فيها.

وعندما حاول يون في خطابه التلفزيوني تبرير فرض الأحكام العرفية، قال: «أنا أعلن حالة الطوارئ من أجل حماية النظام الدستوري القائم على الحرية، وللقضاء على الجماعات المشينة المناصرة لنظام كوريا الشمالية، التي تسرق الحرية والسعادة من شعبنا»، في إشارة واضحة إلى الحزب الديمقراطي المعارض، مع أنه لم يقدم أي دليل على ادعائه.

إلا أن محللين سياسيين رأوا في الأيام الأخيرة أن الرئيس خطّط على الأرجح لإصدار مرسوم «الأحكام العرفية الخرقاء» أملاً بحرف انتباه الرأي العام بعيداً عن الفضائح المختلفة والإخفاق في معالجة العديد من القضايا المحلية. ولذا اعتبروا أن عليه ألا يطيل أمد حكمه الفاقد الشعبية، بل يبادر من تلقاء نفسه إلى الاستقالة من دون انتظار إجراءات العزل، ومن ثم، السماح للبلاد بانتخاب رئيس جديد.

بطاقة هوية

ولد يون سوك - يول، البالغ من العمر 64 سنة، عام 1960 في العاصمة سيول لعائلة من الأكاديميين اللامعين. إذ كان أبوه يون كي - جونغ أستاذاً للاقتصاد في جامعة يونساي، وأمه تشوي سيونغ - جا محاضرة في جامعة إيوها للنساء قبل زواجها. وحصل يون على شهادته الثانوية عام 1979، وكان يريد في الأصل أن يدرس الاقتصاد ليغدو أستاذاً، كأبيه، ولكن بناءً على نصيحة الأخير درس الحقوق، وحصل على شهادتي الإجازة ثم الماجستير في الحقوق من جامعة سيول الوطنية - التي هي إحدى «جامعات النخبة الثلاث» في كوريا مع جامعتي يونساي وكوريا - وأصبح مدّعياً عاماً بارزاً قاد حملة ناجحة لمكافحة الفساد لمدة 27 سنة.

ووفق وسائل الإعلام الكورية، كانت إحدى محطات حياته عندما كان طالب حقوق عندما لعب دور القاضي في محاكمة صورية للديكتاتور (آنذاك) تشون دو - هوان، الذي نفذ انقلاباً عسكرياً وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة. وفي أعقاب ذلك، اضطر يون إلى الفرار إلى الريف مع تمديد جيش تشون الأحكام العرفية ونشر القوات والمدرّعات في الجامعة.

بعدها، عاد يون إلى العاصمة، وصار في نهاية المطاف مدعياً عاماً، وواصل ترقيه الوظيفي ما يقرب من ثلاثة عقود، بانياً صورة له بأنه حازم وصارم لا يتسامح ولا يقدّم تنازلات.

مسيرته القانونية... ثم الرئاسة

قبل تولي يون سوك - يول رئاسة الجمهورية، كان رئيس مكتب الادعاء العام في المنطقة المركزية في سيول، وأتاح له ذلك محاكمة أسلافه من الرؤساء. إذ لعب دوراً فعالاً في إدانة الرئيسة السابقة بارك غيون - هاي التي أُدينت بسوء استخدام السلطة، وعُزلت وأودعت السجن عام 2016. كذلك، وجه الاتهام إلى مون جاي - إن، أحد كبار مساعدي خليفة الرئيسة بارك، في قضية احتيال ورشوة.

أما على الصعيد السياسي، فقد انخرط يون في السياسة الحزبية قبل سنة واحدة فقط من فوزه بالرئاسة، وذلك عندما كان حزب «قوة الشعب» المحافظ - وكان حزب المعارضة يومذاك - معجباً بما رأوه منه كمدّعٍ عام حاكم كبار الشخصيات، وأقنع يون، من ثم، ليصبح مرشح الحزب لمنصب رئاسة الجمهورية.

وفي الانتخابات الرئاسية عام 2022 تغلّب يون على منافسه الليبرالي لي جاي - ميونغ، مرشح الحزب الديمقراطي، بفارق ضئيل بلغ 0.76 في المائة... وهو أدنى فارق على الإطلاق في تاريخ الانتخابات في البلاد.

الواقع أن الحملة الانتخابية لعام 2022 كانت واحدةً من الحملات الانتخابية القاسية في تاريخ البلاد الحديث. إذ شبّه يون غريمه لي بـ«هتلر» و«موسوليني». ووصف حلفاء لي الديمقراطيون، يون، بأنه «وحش» و«ديكتاتور»، وسخروا من جراحة التجميل المزعومة لزوجته.

إضافة إلى ذلك، شنّ يون حملته الانتخابية بناء على إلغاء القيود المالية والموقف المناهض للمرأة. لكنه عندما وصل إلى السلطة، ألغى وزارة المساواة بين الجنسين والأسرة، قائلاً إنها «مجرد مقولة قديمة بأن النساء يُعاملن بشكل غير متساوٍ والرجال يُعاملون بشكل أفضل». وللعلم، تعد الفجوة في الأجور بين الجنسين في كوريا الجنوبية الأسوأ حالياً في أي بلد عضو في «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية».

أيضاً، أدى استخدام يون «الفيتو» تكراراً إلى ركود في العمل الحكومي، بينما أدت تهم الفساد الموجهة إلى زوجته لتفاقم السخط العام ضد حكومته.

تراجع شعبيته

بالتالي، تحت ضغط الفضائح والخلافات، انخفضت شعبية يون، وقبل أقل من شهر أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة «غالوب كوريا» أن شعبيته انخفضت إلى 19 في المائة فقط. وتعد «كارثة» الأحكام العرفية الحلقة الأخيرة في سلسلة من الممارسات التي حددت رئاسة يون وأخطائها.

إذ ألقي باللوم على إدارة يون في التضخم الغذائي، وتباطؤ الاقتصاد، والتضييق المتزايد على حرية التعبير. وفي أواخر 2022، بعدما أسفر تدافع حشود في احتفال «الهالوين» (البربارة) في سيول عن سقوط 159 قتيلاً، تعرضت طريقة تعامل الحكومة مع المأساة لانتقادات واسعة.

زوجته في قلب مشاكله!

من جهة ثانية، كانت كيم كيون - هي، زوجة الرئيس منذ عام 2012، سبباً آخر للسخط والانتقادات في وسائل الإعلام الكورية الجنوبية. فقد اتهمت «السيدة الأولى» بالتهرب الضريبي، والحصول على عمولات لاستضافة معارض فنية عن طريق عملها. كذلك واجهت اتهامات بالانتحال الأدبي في أطروحتها لنيل درجة الدكتوراه وغيرها من الأعمال الأكاديمية.

لكن أكبر فضيحة على الإطلاق تورّطت فيها كيم، كانت قبولها عام 2023 هدية هي حقيبة يد بقيمة 1800 جنيه إسترليني سراً من قسيس، الأمر الذي أدى إلى مزاعم بالتصرف غير اللائق وإثارة الغضب العام، لكون الثمن تجاوز الحد الأقصى لما يمكن أن يقبله الساسة في كوريا الجنوبية وشركاؤهم قانونياً لهدية. لكن الرئيس يون ومؤيديه رفضوا هذه المزاعم وعدوها جزءاً من حملة تشويه سياسية.

أيضاً أثيرت تساؤلات حول العديد من القطع الثمينة من المجوهرات التي تملكها «السيدة الأولى»، والتي لم يعلَن عنها كجزء من الأصول الرئاسية الخاصة. وبالمناسبة، عندما فُتح التحقيق في الأمر قبل ست سنوات، كان زوجها رئيس النيابة العامة. أما عن حماته، تشوي يون - سون، فإنها أمضت بالفعل حكماً بالسجن لمدة سنة إثر إدانتها بتزوير وثائق مالية في صفقة عقارية.

يُضاف إلى كل ما سبق، تعرّض الرئيس يون لانتقادات تتعلق باستخدام «الفيتو» الرئاسي في قضايا منها رفض مشروع قانون يمهد الطريق لتحقيق خاص في التلاعب المزعوم بالأسهم من قبل زوجته كيم كيون - هي لصالح شركة «دويتشه موتورز». وأيضاً استخدام «الفيتو» ضد مشروع قانون يفوّض مستشاراً خاصاً بالتحقيق في مزاعم بأن مسؤولين عسكريين ومكتب الرئاسة قد تدخلوا في تحقيق داخلي يتعلق بوفاة جندي بمشاة البحرية الكورية عام 2023.

وهكذا، بعد سنتين ونصف السنة من أداء يون اليمين الدستورية عام 2022، وعلى أثر انتخابات رئاسية مثيرة للانقسام الشديد، انقلبت الأمور ضد الرئيس. وفي خضم ارتباك الأحداث السياسية وتزايد المخاوف الدولية يرزح اقتصاد كوريا الجنوبية تحت ضغوط مقلقة.

أمام هذا المشهد الغامض، تعيش «الحالة الديمقراطية» في كوريا الجنوبية أحد أهم التحديات التي تهددها منذ ظهورها في أواخر القرن العشرين.