كيف تحوّل تأهل المنتخب الإنجليزي لنهائي «يورو 2020» إلى مناسبة حزينة؟

رغم الإحساس الجماعي في إنجلترا بالإحباط وانكسار القلب بعد هزيمة المنتخب الإنجليزي في المباراة النهائية لكأس الأمم الأوروبية أمام إيطاليا بركلات الترجيح، فإنه كان من الممكن - بل وكان يتعين على الشعب الإنجليزي - أن يقضي أيامه في الاحتفال بحصول المنتخب الإنجليزي على المركز الثاني في «يورو 2020» وهي النتيجة التي كان من الممكن اعتبارها قبل شهر واحد من الآن نجاحاً استثنائياً. وكان يتعين على الجماهير الإنجليزية أن تكون مشغولة الآن بالإشادة بمنتخبها الذي حقق نتائج فاقت كل التوقعات. وكان من المفترض عرض صور لاعبي هذا المنتخب في جميع أنحاء العالم، ويتم تعزيز تكاتفهم وروحهم المعنوية العالية كتعبير عن أفضل جوانب الأمة الإنجليزية.
لكننا بدلاً من ذلك، وفي صيف كئيب إلى حد كبير حتى الآن وفي ظل انتشار موجة ثالثة من وباء «كورونا» بشكل غير مرئي، يضطر الشعب الإنجليزي للدفاع عن فريقه الوطني ضد الإساءات التي وجهت إليه. وعندما يقوم بذلك، فلا يكون لديه خيار آخر سوى مواجهة أسوأ جوانب كرة القدم الإنجليزية. لقد أدت العنصرية السامة التي تراكمت على مدى عقود حول كرة القدم الإنجليزية، إلى تلويث الرموز الوطنية، وجعلت الملايين يشعرون بأنهم مستبعدون من اللعبة الوطنية، وأضرت بسمعة الشعب الإنجليزي في الخارج. لقد عكست بطولة كأس الأمم الأوروبية الأخيرة وجهين مختلفين تماماً لإنجلترا، ففي الوجه الأول تم إطلاق صيحات وصافرات الاستهجان على الأناشيد الوطنية للدول الأخرى، وتعرض مشجعون من الدول المنافسة، وبعضهم من النساء والأطفال، للإساءة في الملاعب والشوارع. وفي نفس هذا الوجه القبيح، قام البعض بإلقاء الزجاجات عبر ساحة ليستر واقتحموا ملعب ويمبلي نفسه.
وفي هذا الوجه أيضاً، يعتقد بعض «المشجعين» في إنجلترا أنه من المقبول إطلاق صيحات الاستهجان على لاعبينا الشباب، لاتخاذهم قراراً بدعم بعضهم بعضاً في مواجهة الإساءات العنصرية الموجهة بلا توقف ضد اللاعبين أصحاب البشرة السمراء في الفريق. وفي الوقت الحالي، فإن هذا الوجه لإنجلترا هو الذي يتم الكتابة عنه في الصحف في جميع أنحاء أوروبا، حيث تتحدث هذه الصحف عن البلطجة والعنصرية بدلاً من التركيز على النتائج والمستويات المذهلة التي قدمها المنتخب الإنجليزي تحت قيادة المدير الفني غاريث ساوثغيت.
أما الوجه الآخر لإنجلترا فيمثله ويجسده المنتخب الإنجليزي نفسه بقيادة ساوثغيت، والذي بدأ يشق طريقه نحو الكبار. لقد كانت آخر مرة احتفلت فيها إنجلترا بوجودها بين الكبار قبل ثلاث سنوات من الآن، خلال نهائيات كأس العالم 2018 بروسيا، عندما وصل المنتخب الإنجليزي إلى الدور نصف النهائي للمونديال. كان ذلك قبل تسعة أعوام عندما أقيم حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية 2012 احتفالاً بالشباب والإبداع والتنوع. ومنذ تلك المناسبة، كان هناك الشيطنة المستمرة لحملة «حياة السود مهمة».
ويجب الإشارة إلى أن المنتخب الإنجليزي تحت قيادة ساوثغيت - والذي تتجسد مسيرته تماماً في رسالة «عزيزتي إنجلترا» التي وجهها ساوثغيت قبل انطلاق كأس الأمم الأوروبية هذا العام - هو فريق متحد وشاب ويفكر دائماً في التقدم نحو الأمام، كما أنه يضم كوكبة متنوعة من اللاعبين، ولديه القدرة - إذا تم احتضانه بالكامل - على الحفاظ على وحدته. ويسعى المنتخب الإنجليزي الحالي إلى كتابة تاريخه الخاص - في تناقض صارخ مع الأنانية التي يتحلى بها قطاع من الجماهير.
ومنذ بداية «يورو 2020». تم عرض هذين الوجهين لإنجلترا. ففي خلال بطولة أوروبية يشكل فيها اللاعبون الملونون نحو ثلث اللاعبين، شاركت إنجلترا بفريق مكون من لاعبين شباب جاء أجدادهم من آيرلندا وجامايكا وسانت كيتس وترينيداد وتوباغو ونيجيريا، وتتحدث خلفيتهم عن حقائق تاريخية لا يزال يتعين معالجتها. إن تعاون هؤلاء اللاعبين والتزامهم تجاه مناهضة العنصرية يعكسان صوت الجيل الذي يمثلونه، وهو الأمر الذي يتم تشجعيه وتحفيزه وتضخيمه من قبل ساوثغيت.
إن موهبة وقصص هؤلاء اللاعبين تدعو لإعادة النظر فيما يمكن أن تعنيه الوطنية الإنجليزية. لكن بينما كان هؤلاء اللاعبون في أمس الحاجة إلى الدعم، كانوا يسمعون صيحات وصافرات الاستهجان، وبينما كانوا في حاجة إلى دعم، كان هناك من يحاول استغلال النجاح الذي يحققونه بشكل انتهازي سيء! وبينما كان المنتخب الإنجليزي يحقق الانتصارات، كان هؤلاء المتشددون ينقلون كراهيتهم وسمومهم إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وفي غضون دقائق معدودة من الهزيمة الأولى والوحيدة للمنتخب الإنجليزي، أطلقوا العنان لغضبهم ضد اللاعبين السود الذين أضاعوا ركلات الترجيح في المباراة النهائية أمام إيطاليا.
لقد أجبرتنا الأحداث السيئة التي وقعت منذ الهزيمة في نهائي «يورو 2020» على الاعتراف بمدى عمق الهوة بين هذين الوجهين لإنجلترا. لكن العار والصدمة اللذين يشعر بهما الكثير من الناس بسبب الإساءة الموجهة ضد لاعبي المنتخب الإنجليزي من أصحاب البشرة السمراء لن يوقفا قرع طبول الاستفزاز والانقسامات المتعمدة التي ساعدت في الوصول إلى هذه النقطة. ومع ذلك، فرغم الوضوح الشديد للحظة الحالية، فإن ما حققه المنتخب الإنجليزي بقيادة ساوثغيت لا يزال مذهلاً، خاصة أنه فعل ذلك رغم كل التحديات والصعوبات وفي حقبة حشد فيها البعض أسوأ غرائزنا وأشد مخاوفنا. لقد ذكّرنا ستة وعشرون لاعباً شاباً ومديرهم الفني الرائع مرة أخرى أن هناك طريقاً آخر، وشكلاً آخر من الوطنية الإنجليزية، وطريقة أخرى للعيش معاً.
مؤخراً قال الإنجليزي بوكايو ساكا إن منصات وسائل التواصل الاجتماعي الشهيرة لا تقوم بما يكفي لمنع الإساءات العنصرية عبر الإنترنت بعد تعرضه للإهانة إثر إهدار ركلة جزاء في خسارة إنجلترا لنهائي بطولة أوروبا لكرة القدم أمام إيطاليا. وأهدر البديلان ماركوس راشفورد وجادون سانشو ركلتين في الخسارة 3 - 2 أمام إيطاليا، بينما اعتذر ساكا، الذي بكى عقب المباراة، للجماهير على إهدار فرصة وضع حد لغياب إنجلترا عن الألقاب الكبرى منذ 55 عاماً.
وتوجه ساكا (19 عاماً) بالشكر لكل من سانده ودعمه قائلاً: «الحب دائماً ينتصر»، لكنه تعهد بالوقوف بقوة ضد رسائل الكراهية التي يتلقاها عبر الإنترنت. وقال ساكا عبر حسابه على «تويتر»: «رد فعلي عقب المباراة قال كل شيء. كنت أتألم كثيراً، لكن يمكن أن أعدكم بأنني لن أترك تلك اللحظة السلبية التي تعرضت لها هذا الأسبوع تحطمني. إلى كل منصات وسائل التواصل الاجتماعين «تويتر» و«إنستغرام» أو «فيسبوك»، لا أريد لطفل أو بالغ يتعرض لهذه الرسائل البغيضة والمؤذية التي تلقيتها أنا وماركوس وجادون. من المحزن أن منصاتكم القوية لا تفعل ما يكفي لمنع هذه الرسائل».