قادة العراق يحثون الصدر على التراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات

TT

قادة العراق يحثون الصدر على التراجع عن قرار مقاطعة الانتخابات

وضع قرار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، المفاجئ، بالانسحاب من المشاركة في الانتخابات المقبلة في العاشر من أكتوبر (تشرين الأول) المقبل الجميع أمام حالة من الارتباك.
فبالإضافة إلى كون القرار جاء بعد نحو أسبوعين من إعلان أسماء المرشحين، بمن فيهم مرشحو التيار الصدري، وغلق باب الخروج طبقاً لقرار المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، فإنه أربك المشهد السياسي وفي المقدمة منه البيت الشيعي. ورغم أن المقاطعة أو الانسحاب من المشاركة في الانتخابات أو الحياة السياسية يعد أمراً طبيعياً في الدول ذات الأنظمة الديمقراطية الراسخة التي يستند الحكم فيها إلى ثنائية الموالاة والمعارضة، فإن التجربة الديمقراطية في العراق التي بدأت بعد عام 2003 بعد سقوط النظام العراقي السابق على يد الجيوش الأميركية لم تستكمل أركانها بعد، بخاصة على صعيد الحكم والمعارضة. ففي العراق الذي يوصف بأنه بلد ديمقراطي (أجرى منذ عام 2005 إلى 2018 أربعة انتخابات برلمانية)، كما أن تداول السلطة فيه يستند على نتائج الانتخابات، غير أن الأسلوب المتبع من قبل الآباء المؤسسين للعراق الأميركي يقوم على الديمقراطية التوافقية بين المكونات (شيعة، سنة، كرد) لا على الأحزاب السياسية. والعراق الأميركي هو الوصف الذي أطلقه السياسي والمفكر العراقي المعروف حسن العلوي (نائب لدورة واحدة بعد 2003) على عراق ما بعد عام 2003 بعد أن كان العراق يوصف بالعراق البريطاني منذ عام 1921 تأسيس الدولة العراقية الحديثة إلى عام 2003. وانسجاماً مع هذه التركيبة العرجاء للديمقراطية مفهوماً وممارسة في العراق، فإن انسحاب أي طرف من العملية السياسية، سواء كان انسحاباً من الحكومة أو البرلمان، يعني أن مكوناً كاملاً تم تهميشه أو إقصاؤه، وهو ما يخل بالتركيبة التي بنيت عليها الدولة. ففي حال انسحب حزب كردي، فإنه يمثل الكرد كقومية ولا يمثل نفسه بوصفه حزباً، وفي حال انسحب حزب سني، فإنه يمثل العرب السنة مذهبياً، ولا يمثل نفسه كحزب سياسي، وهو ما ينطبق على الشيعة. ولذلك فإن الجميع الآن في حالة صدمة بعد انسحاب الصدر من الانتخابات والعملية السياسية. فبالإضافة إلى كون الكتلة التي يرعاها في البرلمان (سائرون) هي الكتلة الأكبر في البرلمان، فإن الصدر يمثل تياراً شيعياً كبيراً يبلغ الملايين من حيث السكان، وهو ما يعني مقاطعتهم الانتخابات امتثالاً لقرار الصدر، وهو ما يعني ليس انسحاباً من لعبة ديمقراطية بقدر ما هو انسحاب من العملية السياسية برمتها، مما ينذر بمخاطر بسبب عدم مشاركة عدة ملايين من العراقيين في الحياة السياسية عن طريق عضوية البرلمان ومناصب الحكومة التنفيذية والخدمية. وفي هذا السياق، فإن كبار قادة العراقيين السياسيين والدينيين حثوا الصدر على التراجع عن قراره بعدم المشاركة، لأن هذا القرار سيترك فراغاً سياسياً وجماهيرياً كبيراً، كما أنه سيحدث فجوة كبيرة في الساحة الشيعية يجعل من إمكانية تصادم الولاءات فيها أمراً وارداً، الأمر الذي جعل حتى بعض الفصائل المسلحة التي لديها خصومات معروفة مع الصدر تشارك في حثه على العدول عن قراره، حتى لا يحصل خلل في التركيبة الشيعية التي يحكم التوازن فيها نسب التمثيل في البرلمان والحكومة مرة، والسلاح الذي تملكه معظم تلك القوى مرة أخرى. رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، طالب الصدر بالعدول عن قراره قائلاً في تغريدة له على «تويتر»، إن «الوطن يحتاج إلى تكاتف الجميع، الشعب، والقوى السياسية التي تشارك في الانتخابات بتنافس شريف دون تسقيط». وأضاف: «أمامنا مسؤولية تاريخية لحماية العراق بأن نصل إلى انتخابات حرة ونزيهة»، متابعاً أن «التيار الصدري شريحة مهمة في المجتمع، ولا يمكن تصور عدم مشاركته في الانتخابات، العراق أمانة في أعناق الجميع». في السياق نفسه دعا رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، زعيم التيار الصدري، إلى العدول عن قرار الانسحاب مخاطباً إياه بالقول «أبا هاشم ما زال أمامنا الكثير والعراق بحاجة إلى أبنائه الغيارى المخلصين ليرفعوا رايته ويوحدوا صفوفه ويخدموا شعبه ويصونوا كرامته». أما زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم، فقد حث الصدر على العدول عن المقاطعة قائلاً: «نحث أخانا السيد مقتدى الصدر على العدول عن قراره بالانسحاب من الانتخابات المرتقبة، ومواصلة الجهد الوطني المشترك، وعدم إخلاء الساحة من قطب جماهيري مهم وفعال». وأضاف الحكيم أن «العراق يمر بانعطافة أقل ما توصف بالحساسية والخطيرة»، مبيناً أن «الحفاظ على الممارسة الديمقراطية وعدم الانكفاء عنها هو السبيل الأوحد لمعاجلة الإخفاقات وتعزيز الإيجابيات وإنصاف الشعب المتطلع إلى نيل الحقوق المشروعة والمعطلة». أما أمين عام كتائب «سيد الشهداء» أبو الولاء الولائي، فقد حث هو الآخر الصدر على العدول عن قرار المقاطعة قائلاً إن «وجودكم ضمانة استقرار بلادنا، ونحن على ثقة من بقائكم في ميادين الإصلاح والجهاد والذود عن الدين والوطن».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».