بايدن يودع ميركل بابتسامة وحقيبة خلافات

ودّع الرئيس الأميركي جو بايدن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، مساء الخميس، بعد قمة موسعة في المكتب البيضوي بدأها بترحيب دافئ عند استقبالها، وأنهاها في مؤتمر صحافي أظهر الكثير من الخلافات والهوة الواسعة بين موقف واشنطن وموقف برلين في قضايا خلافية شديدة السخونة تتعلق بخط الغاز الروسي، وتهديدات الصين، والإنفاق الدفاعي لحلف الناتو، والملكية الفكرية للقاحات، وما يتعلق برفع حظر السفر الأميركي على أوروبا.
وقد حرص المسؤولون في البيت الأبيض على تأكيد دفء العلاقات عبر الأطلسي والعلاقة القوية مع الكتلة الأوروبية، إلا أن ميركل - التي تترك منصبها كرئيسة للحكومة الألمانية بعد الانتخابات الوطنية في سبتمبر (أيلول) المقبل - غادرت البيت الأبيض دون أن تظهر بوادر استراتيجية واضحة لحل تلك الخلافات أو بوادر إحراز تقدم في تفكيك تعقيدات تلك القضايا.
وكان بايدن واضحاً خلال المؤتمر الصحافي في إظهار وتكرار مخاوفه بشأن خط الأنابيب الروسي «نورد ستريم 2» إلى ألمانيا، الذي أوشك على الانتهاء بالكامل بتكلفة 11 مليار دولار. وقد جادلت الولايات المتحدة مراراً بأن مشروع «نورد ستريم 2» سيهدد أمن الطاقة الأوروبي من خلال زيادة اعتماد القارة على الغاز الروسي والسماح لروسيا بممارسة ضغوط سياسية على دول شرق ووسط أوروبا المعرضة للخطر، لا سيما أوكرانيا.
وقال بايدن، خلال المؤتمر الصحافي: «أنا والمستشارة ميركل متحدان تماماً في اقتناعنا بأنه يجب عدم السماح لروسيا باستخدام الطاقة سلاحاً لإكراه جيرانها أو تهديدهم»، وأضاف: «يمكن للأصدقاء الجيدين الاختلاف»، مشيراً إلى أن المشروع كان قد قارب الاكتمال حينما تولى منصبه مما دفعه إلى إصدار قرار بالتنازل عن العقوبات ضد الشركة التي تنفذ خط الأنابيب، في خطوة أثارت غضباً كبيراً في الكونغرس.
من جانبها، سعت ميركل إلى التقليل من أهمية الاختلافات، والتأكيد أن خط الأنابيب الروسي كان إضافة ضرورية لخطوط الأنابيب الأوكرانية وليس المقصود أن يحل محلها، وقالت: «فكرتنا هي أن تظل أوكرانيا دولة عبور للغاز الطبيعي، وأن أوكرانيا مثل أي دولة أخرى في العالم لها الحق في السيادة الإقليمية». وأضافت أن ألمانيا مستعدة للرد على موسكو «إذا حدث عدم احترام لحق أوكرانيا الذي تتمتع به كدولة عبور». وأكدت أنها وبايدن توصلا إلى تقييمات مختلفة حول المشروع، لكنهما اتفقا على أن تظل أوكرانيا دولة عبور للغاز الطبيعي، ولها حق السيادة الإقليمية.
ولم يتضح مدى الضغوط التي حاول بايدن فرضها على المستشارة الألمانية في ما يتعلق بالصين التي تتمتع ألمانيا بعلاقات تجارية قوية معها. وبدا واضحا أن ميركل حريصة على تجنب أي وضع قد تضطر فيه ألمانيا أو الاتحاد الأوروبي إلى الاختيار بين الصين والولايات المتحدة. وأصرت ميركل على ضرورة التعاون مع الصين في القضايا العالمية مثل تغير المناخ ووباء فيروس كورونا، حتى عندما كان الرئيس دونالد ترمب آنذاك يتهم بكين بأنها منطلق الوباء. ومع ذلك، شددت ميركل في تصريحاتها للصحافيين على أنها تريد من ألمانيا والاتحاد الأوروبي تنسيق سياستهما تجاه الصين مع واشنطن، بما في ذلك قضايا مثل حقوق العمال والتجارة والأمن السيبراني. وقالت: «أعتقد أن أسس تعاملنا مع الصين يجب أن تقوم على القيم المشتركة» لكل من الولايات المتحدة وألمانيا.
وأثارت ميركل مخاوف بشأن قيود السفر الخاصة بـ«كوفيد-19» التي تمنع معظم الأوروبيين من السفر إلى الولايات المتحدة. وقال بايدن إنه أحضر رئيس فريق العمل المعني بفيروس كورونا لمناقشة المشكلة، وإنه يتوقع أن يكون قادراً على تقديم إجابة أكثر تحديداً «في غضون الأيام السبعة المقبلة» حول موعد تخفيف القيود.
ولم يصل الطرفان إلى اتفاق بشأن تعليق براءات اختراع اللقاحات. وقد سعت إدارة بايدن لتشجيع الدول الأوروبية على التنازل عن حقوق الملكية الفكرية بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية من منطلق أن هذا التنازل من شأنه أن يساعد في توسيع إنتاج وتوزيع اللقاحات للدول الفقيرة وفي كل أنحاء العالم. ولا يبدو أن بايدن نجح في إقناع ميركل بالتخلي عن معارضتها لتعليق براءات الاختراع، وقالت ميركل إن تعليق براءات الاختراع لن يكون فعالاً وسوف يضر بجهود البحث والتطوير المستقبلية.
وجاءت القضايا التي تشكل أرضية مشتركة بين البلدين لتقتصر على اتفاق بالشراكة بشأن مكافحة التغير المناخي وتطوير تقنيات للطاقة المتجددة، ووصفت ميركل الشراكة المناخية بين الولايات المتحدة وألمانيا بأنها رسالة مهمة للغاية، وقالت إن الدول تريد البناء على تقنيات موجهة نحو المستقبل مثل الطاقة المتجددة.
ورغم كل تلك القضايا الخلافية المتوترة التي لم تجد طريقاً للحل، حرص بايدن على توديع ميركل بشكل مناسب، وقال بايدن: «على الصعيد الشخصي، يجب أن أخبرك أنني سأفتقد رؤيتك في قممنا، سأفعل حقاً». وأظهرت (التي قامت بزيارة البيت الأبيض 19 مرة على مدى سنوات رئاستها الـ16 والتقت أربعة رؤساء من جورج بوش إلى أوباما إلى ترمب إلى بايدن، واشتهرت بعلاقة صعبة ومتوترة مع الرئيس السابق دونالد ترمب) مرونة وعلاقات صداقة ومودة ببايدن، الذي كان لفترة طويلة لاعباً أساسياً في السياسة الدولية، وأشارت إليه مراراً وتكراراً باسم «عزيزي جو». وعندما طُلب منها مقارنة علاقتها مع بايدن بعلاقتها مع ترمب، التزمت ميركل بلباقة دبلوماسية، قائلة إنه من مصلحة أي مستشارة ألمانية «العمل مع كل رئيس أميركي». وأضافت بابتسامة: «اليوم كان تبادلاً وحديثاً ودياً للغاية».
وقد أقام البيت الأبيض مأدبة عشاء ترحيباً بميركل وزوجها، وشارك في المأدبة مجموعة من المشترعين والمسؤولين الإداريين، الحاليين والسابقين. ضمت قائمة الضيوف وزير الخارجية أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي جيك سوليفان، بالإضافة إلى اثنين من وزراء الخارجية السابقين هما هيلاري كلينتون وكولين باول. وشارك أيضاً زعيما الحزب الجمهوري في مجلسي الشيوخ والنواب، ميتش ماكونيل وكيفن مكارثي، إلى جانب كبار المسؤولين الأميركيين والألمان الآخرين.
في وقت سابق صباح الخميس، استضافت نائبة الرئيس كامالا هاريس المستشارة الألمانية ميركل لتناول الفطور في مقر إقامتها على أرض المرصد البحري الأميركي، وأثنت على «مسيرتها المهنية غير العادية». وأشارت ميركل بدورها إلى الطبيعة التاريخية لمنصب نائبة الرئيس هاريس. كما حصلت ميركل على الدكتوراه الفخرية من جامعة جونز هوبكنز، وألقت خطاباً في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بالجامعة.
وتعود ميركل إلى ألمانيا لتعمل مع بلجيكا المجاورة في معالجة مع آثار الفيضانات الغزيرة التي خلفت أكثر من 60 قتيلاً وعشرات المفقودين.