رحلة استكشافية «غير مرئية» لعوالم نساء معاصرات

معرض قاهري مشترك بين مصرية وبولندية يضم 48 لوحة

رحلة استكشافية «غير مرئية» لعوالم نساء معاصرات
TT

رحلة استكشافية «غير مرئية» لعوالم نساء معاصرات

رحلة استكشافية «غير مرئية» لعوالم نساء معاصرات

رحلة فكرية استكشافية لعوالم نسائية لا مرئية تخوضها فنانتان شابتان ترصدان خلالها تجارب وأبعاد غير تقليدية لنساء معاصرات بلغة بصرية جريئة على مسطح نحو 48 لوحة يضمها معرض مشترك، يستمر حتى منتصف الشهر الحالي، بغاليري «إكسيس» (rd) وسط القاهرة.
من جديد تتعاون المصرية فاطمة أبو دومة، والبولندية أجنس ميهالتشيك، في الغوص في القضايا الإنسانية الخالصة بعيداً عن أي اختلافات في الثقافة أو اللغة، إذ يُعد هذا المعرض هو التجربة الفنية المشتركة الثانية بينهما بعد معرضهما «مساحات متوازية» عام 2020، فإلى جانب الصداقة الوطيدة بينهما التي نشأت منذ التقيا عام 2009 من خلال تبادل طلابي جامعي بين مصر وألمانيا، فإن الفنانتين يجمع بينهما أيضاً الاهتمام بالقضايا النسوية، والتمرد على أي معايير مجتمعية تعسفية ضد المرأة، إضافة إلى تمسكهما بإعادة هيكلة هذه المعايير عبر المساحات الإبداعية المتداخلة بينهما.
اختارت الصديقتان ثيمة «غير مرئي» لتبرز كل منهما «الأشياء الخفية» غير المسموح بوجودها بأمر المجتمع الذي يحدد ما يجوز ظهوره وما لا يجوز ظهوره أو حتى التحدث عنه، حسب فاطمة أبو دومة التي تقول لـ«الشرق الأوسط»: «كل ما يجيزه الإرث المجتمعي يسمح له أن يكون في العلن، وكل ما يرفضه ويتحدى القوالب الثابتة يكون في الخفاء، لكن كونه (غير مرئي) لا يعني أنه غير موجود، بل إنه في الواقع قد يكون أكثر حضوراً وأكثر استحقاقاً للظهور، لأنه ببساطة حق إنساني أصيل، لكن غير مُعترف به، ومن هنا قررت أنا وأجنس أن نسلط الأضواء على هذه الأشياء غير المرئية!».
من خلال 28 لوحة تركز أبو دومة على عمل المرأة المبدعة عبر التاريخ، إضافة إلى المعوقات العديدة التي واجهتها خلال حياتيها العملية والخاصة، ومن أصعبها وأكثرها طرافة معاً هو الخلط - المتعمد أحياناً - بين الحالتين العقلية والنفسية للمرأة في ظل «غرابة» وقسوة معايير الحكم عليها، وعن ذلك تقول: «كانت (الهستيريا) حتى منتصف القرن العشرين تمثل تشخيصاً طبياً شائعاً للنساء اللواتي تظهر عليهن أعراض غاية في البساطة، بما في ذلك فقدان الشهية أو زيادتها، وهكذا أي سلوك طارئ عادي، وقد أدى ذلك إلى التعظيم والمبالغة في أهمية هذه المعايير مثل الانصياع والطاعة للمرأة مجتمعياً، بل سعت كثير من النساء إلى فرضها على أنفسهن، ورفضن البحث والاستكشاف، أو حتى التواصل والاتساق مع النفس، وهو ما أدى إلى سكون وانطفاء روح التغيير، والاختلاف والإبداع لديهن طويلاً».
يقف الزائر للمعرض طويلا أمام لوحة «infinite» أو «لا نهائي»، التي استوحتها المصرية من الدورة المستمرة لمن يواجه اضطراباً ثنائي القطب، وتعبر بها عن استمرار الأفكار والمعايير المغلوطة تجاه المرأة في مختلف المجتمعات والأزمنة، فكأنها حالة أزلية أبدية، أما لوحتها «Maternal roots» أو»أمومة متجذرة» والمكونة من أربعة أجزاء مجمعة، فهي تثير فكرة فلسفية محرضة على التفكير والربط الوطيد ما بين انتهاك المرأة وانتهاك الطبيعة الأم، ومن اللافت أن جميع اللوحات التي استخدمت فيها الحبر هي من أوراق قش الأرز ومُعاد تدويرها، تقول، «أفضل هذا الورق لسببين أساسيين، الأول لإيماني باستمرارية الحياة لكل شيء في صور متجددة، والآخر لعدم المشاركة في تلويث الأرض وقطع الأشجار. أما الفن نفسه، فإن أكثر ما تحبه فيه أنه لديه القدرة على إذابة الفوارق بين البشر، وتعاوني مع أجنس هو تمثيل لهذه الفكرة».
إلى ذلك، تركز أجنس ميهالتشيك على الجسد من حيث شكله وإحساسه وتغيراته المستمرة، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، «أعتقد أن النساء أكثر وعياً بالتغيرات المستمرة للجسم، التي تحدث بشكل فطري. ولكن يتضاعف هذا الوعي من خلال إصرار المجتمع الدائم على قياس قيمتنا كنساء، من خلال شكل أجسادنا! وهو ما يولد الصراع ما بين المُثل المستحيلة للجمال من جهة والنضال من أجل القبول ورؤية القيمة ما وراء المظهر من جهة أخرى». وتتابع: «إن مجرد فكرة أن بعض الأجساد لا تستحق العرض، وبالتالي يُحكم عليها بأن تصبح غير مرئية، هي فكرة غريبة ومربكة!». على الجانب الآخر تنشغل أجنس بكيف صار الجسد الأنثوي الذي يصور في الفنون مثالياً ومصقولاً ونموذجاً للجمال إلى حد فقدانه أي نقطة مشتركة مع الواقع! محولاً إياه وفق الفنانة إلى صورة نمطية، ومكررة. تقول: «أياً كان ما أرسمه، فأنا أرسم نفسي، أستكشف حدود الوعي الذاتي لكشف الهوية الأنثوية وإعادة تعديلها انطلاقاً من رفضي صبها وحصرها في قالب القوام الممشوق المثالي».
تشعر الفنانة البولندية بالشغف الشديد تجاه القاهرة، وتتناول أعمالها الفراغات العمرانية في العاصمة المصرية من خلال منظور المرأة. وقد عملت على فكرة الجسد كحدودية لربط التجارب الشخصية مع الفراغ العام، وعلاقة ذلك بما يدور في داخل الجسم وخارجه ومحيطه. وتظهر تلك الأفكار من خلال منتجات فنية متنوعة بين التصوير والرسم والفنون الرقمية. تتابع: «زرت مصر أول مرة في عام 2009، ووجدت نفسي أغوص في أجواء القاهرة الغنية بالثقافة والتاريخ. فهي مدينة لا تنام، تتمتع بثروة جاذبة من التجارب العمرانية المختلفة، التي لم أشهدها في أي مكان زرته من قبل».



بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».