تخبط سياسي يهدد «رفع الحصانات» وتحقيقات البيطار

ذوو ضحايا مرفأ بيروت في تحرك الجمعة الماضي احتجاجاً على عدم رفع الحصانة (أ.ب)
ذوو ضحايا مرفأ بيروت في تحرك الجمعة الماضي احتجاجاً على عدم رفع الحصانة (أ.ب)
TT

تخبط سياسي يهدد «رفع الحصانات» وتحقيقات البيطار

ذوو ضحايا مرفأ بيروت في تحرك الجمعة الماضي احتجاجاً على عدم رفع الحصانة (أ.ب)
ذوو ضحايا مرفأ بيروت في تحرك الجمعة الماضي احتجاجاً على عدم رفع الحصانة (أ.ب)

على الرغم من عدم بت هيئة مكتب المجلس النيابي ولجنة الإدارة والعدل برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري الجمعة الماضي، في طلب رفع الحصانة عن ثلاثة نواب ادّعى عليهم المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، وطلبها خلاصة عن الأدلة الواردة في التحقيق وجميع المستندات والأوراق التي من شـأنها إثبات الشبهات للتأكد من حيثيات الملاحقة، تُظهر المواقف المختلفة للقوى السياسية نوعاً من التخبط الذي يهدد مصير التحقيقات، خصوصاً بعد رفض وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال محمد فهمي إعطاء الإذن بملاحقة مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم.
وإذا كان موقف بري عبّر عنه نائب رئيس البرلمان إيلي الفرزلي، بإعلان مطالبة قاضي التحقيق بمزيد من المستندات وبتعهده بـ«متابعة هذا الملف بحذافيره وفقاً للدستور وصولاً لتبيان الحقيقة كاملة»، فقد كان موقف «حزب الله» واضحاً قبل الجلسة، إذ ورد على لسان أمينه العام حسن نصر الله الذي رأى أنه «من المؤسف أن يعرف المدعى عليهم في قضية مرفأ بيروت عبر الإعلام»، معلناً رفضه «التوظيف السياسي للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت» ومعتبراً أن «العدالة بعيدة، والحقيقة مخفية».
ولعل الموقف الأوضح بين القوى السياسية كان لحزب «القوات اللبنانية» الذي خرج النائب عنه ورئيس لجنة الإدارة والعدل جورج عدوان، ليعلن صراحةً اعتراض حزبه وحيداً على تأجيل البت بالموضوع وعدم رفع توصية فورية للهيئة العامة لرفع الحصانات التي طالب بها القاضي البيطار. ولم يتردد عدوان بوصف رفض وزير الداخلية إعطاء الإذن بملاحقة اللواء إبراهيم بـ«الخطأ الكبير».
من جهته، أكد عضو تكتل «لبنان القوي» النائب ألان عون أن موقف «التيار الوطني الحر»، المؤيد لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هو «طبعاً مع إسقاط الحصانات، لا بل موقفنا أبعد من ذلك، بأنه لا يجوز أصلاً أن تكون هناك حصانات لأحد، لأن الحصانة أعطيت في الدستور لحماية النائب من الاستهداف بسبب قناعاته السياسية وليس لأي سبب أو عمل آخر يقوم به». وقال عون لـ«الشرق الأوسط»: «اجتماع الجمعة لم يكن للتصويت بل للنقاش وتحضير تقرير يُرفع إلى الهيئة العامة حيث يجري التصويت»، مضيفاً: «موقفنا الخاص هو أن ما قاله النواب البارحة كشرح لحيثيات الموضوع، يجدر الإدلاء به أمام القاضي وهذا ما قلته خلال الاجتماع. وحتى الآن، لم أفهم لماذا لم يُجرِ القاضي استماعاً أو استجواباً للنواب الوزراء السابقين المعنيين، فحتى لو سلّمنا جدلاً بوجود حصانة لديهم، هي حصانة تخصّ الادعاء وليس الاستماع. بجميع الأحوال، تكوّن توجّه من عدّة مداخلات لنواب، أن ما أرسله القاضي في الملف لا يعلّل الاتهام بشكل كافٍ وطلبوا تزويدهم بالحيثيات الباقية وهذا من صلاحيتهم وفقاً للمادتين 91 و98 لقانون النظام الداخلي للنواب ولا يعتبر تدخّلاً بالقضاء وإلا لماذا يُطلب رأيهم بذلك؟».
وشدد عون على إصرار نواب «لبنان القوي» على «طلب عقد اجتماع آخر فور جواب القاضي سريعاً ورفع التقرير للهيئة العامة، تحديداً لكي لا يُعطى انطباع بالتسويف، وهذا ما ضمّنّاه البيان».
أما موقف الحزب «التقدمي الاشتراكي» فعبّر عنه عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب بلال عبد الله، مؤكداً أن الحزب و«اللقاء» مع كل خطوة من شأنها الوصول للحقيقة من دون تحفظ، مؤكداً تأييده «رفع الحصانات عن جميع المسؤولين وليس فقط مَن طلب رفع الحصانة عنهم قاضي التحقيق، وبالتحديد كل من هم في المواقع المرتبطة بملف المرفأ من الرئاسات المعنية كافة إلى المسؤولين السياسيين، الإداريين والأجهزة الأمنية والقضائية». وقال عبد الله لـ«الشرق الأوسط»: «لا يجوز أن يكون هناك غطاء أو حصانة على أحد في ملف وطني وكارثي. موقفنا واضح وسيترجم في الخطوات اللاحقة وإن كنا وافقنا على إعطاء فرصة قصيرة لبعض التوضيحات من قاضي التحقيق بما يخص المضبطة الاتهامية للمعنيين».
ويبدو موقف تيار «المستقبل» منسجماً تماماً مع الموقف الذي أعلنه الفرزلي، وبالتالي موقف الرئيس بري، إذ شدد نائب رئيس تيار «المستقبل» مصطفى علوش على أن «أي قرار مستعجل وغير مدروس سيؤدي لنتائج عكسية، لذلك يتوجب إرسال قرار معلل للاستدعاءات وأن تكون الاتهامات مبنية على معطيات محددة، باعتبار أننا لا نريد أن تعيق أي مسائل إدارية التحقيق، لذلك على القاضي القيام بكل بالإجراءات اللازمة». ورأى علوش في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أنه «قبل التحقيق مع أي نائب يتوجب رفع الحصانة عنه بقرار معلل أو إذا كان وزيراً أن تتم إحالته إلى الهيئة العليا لمحاكمة الوزراء والرؤساء».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.