فصائل عراقية تتمرد على تهدئة قآاني وتعمل لتأجيل الانتخابات

تمدد «طالبان» في أفغانستان يجبر إيران على ضبط وكلائها في العراق

لوحة تذكارية تحمل أسماء الضحايا في الموصل في ذكرى استعادة المدينة من «داعش» أمس (أ.ف.ب)
لوحة تذكارية تحمل أسماء الضحايا في الموصل في ذكرى استعادة المدينة من «داعش» أمس (أ.ف.ب)
TT
20

فصائل عراقية تتمرد على تهدئة قآاني وتعمل لتأجيل الانتخابات

لوحة تذكارية تحمل أسماء الضحايا في الموصل في ذكرى استعادة المدينة من «داعش» أمس (أ.ف.ب)
لوحة تذكارية تحمل أسماء الضحايا في الموصل في ذكرى استعادة المدينة من «داعش» أمس (أ.ف.ب)

نفت قيادات شيعية في «الحشد الشعبي» اتفاقاً شاملاً بين الفصائل على مواصلة التصعيد ضد المصالح الأميركية في العراق، فيما كشفت عن «مخاوف نقلها ضباط إيرانيون من فتح جبهة حرب مفتوحة في البلاد، بينما يتفاقم خطر طالبان في أفغانستان».
وأوردت تقارير صحافية معلومات عن «تمرد» الفصائل على توجيهات قائد «فيلق القدس» إسماعيل قآاني بشأن العودة إلى التهدئة، بعد استهداف مطار أربيل وقاعدة «عين الأسد»، لكن مصادر «الشرق الأوسط»، أكدت أن اجتماعاً جرى، الأسبوع الماضي، في مطار بغداد بين ضباط في الحرس الثوري الإيراني وقيادات عراقية شيعية أنجز اتفاقاً على التهدئة، لم ترضَ عنه «كتائب حزب الله»، و«كتائب سيد الشهداء».
وقالت المصادر إن «زعيمي تحالف فتح وعصائب أهل الحق أيدا قرار التهدئة خلال الاجتماع الأخير مع ممثلي الحرس الثوري»، لكن المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء» كاظم الفرطوسي، أعلن أن «المقاومة الإسلامية العراقية رفضت بشدة أي وساطات بما يخص إيقاف العمليات العسكرية ضد القوات الأميركية». وأضاف أن «التصعيد العسكري ضد القوات الأميركية جاء من أجل إخراج كامل للقوات الأميركية القتالية من الأراضي العراقية كافة، وبخلاف ذلك لن تكون أي تهدئة، ولن يتم إيقاف التصعيد مهما كانت الضغوطات على الفصائل».
وتشير مصادر عراقية، حضرت الاجتماع، إلى أن اقتراح التهدئة الإيراني قوبل بالتحدي والمعارضة. وتحدث أحد قادة الفصائل الستة في الاجتماع قائلاً إنهم لا يمكنهم التزام الصمت والهدوء في حين أنه لم يأخذ أحد بثأر مقتل سلفه قاسم سليماني، وكبير قادة الميليشيات العراقية أبو مهدي المهندس، في غارة أميركية بطائرة مسيّرة.
وتظهر تفاصيل اللقاء التي أكدها ثلاثة مسؤولين سياسيين شيعة واثنان من كبار مسؤولي الميليشيات لوكالة «أسوشيتد برس»، كيف أن الميليشيات العراقية المتحالفة مع إيران تؤكد على مستوى من الاستقلال، وتسخر في بعض الأحيان من الأوامر الصادرة من طهران. وتعتمد إيران راهناً على «حزب الله» اللبناني للحصول على الدعم في كبح جماح الميليشيات العراقية، مع احتمال أن يضطلع الرئيس الإيراني الجديد بدور في المسار نفسه.
ويبدو أن الكتائب التي يقودها المعروف باسم «أبو علي العسكري» تأخذ مساراً مختلفاً عن بقية الفصائل، يعتمد التصعيد المباشر والمغامر، دون المساهمة في أي تسوية سياسية مع الفرقاء الآخرين في «الحشد الشعبي»، فيما يلوح زعيم «كتائب سيد الشهداء» بالعمل على تأجيل الانتخابات إلى أبريل (نيسان) 2022، بحسب وكالة «أسوشيتد برس».
وقالت المصادر إن الضباط الإيرانيين حذروا زعماء الفصائل الشيعية من أن «مواصلة التصعيد الأمني سينهي تجربة الحكم الشيعي سريعاً، ولن يكون هناك أي معنى للانتخابات المقبلة»، مشيرة إلى أن «الاجتماع الأخير شمل مسؤولين في الحكومة تحدثوا مطولاً عن ضرورة التهدئة».
ونقلت المصادر أن الضباط الإيرانيين سألوا قادة الفصائل عن «مبررات التصعيد طالما أن الأمور تتجه لصالحهم في الانتخابات المقبلة». وبحسب قيادي في تحالف «فتح» بزعامة هادي العامري، ومستشار سياسي في ائتلاف «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، فإن الوضع الإقليمي يصل إلى مديات خطيرة، وإن الإيرانيين أوصلوا رسائل واضحة للعراقيين بأن الوضع على الحدود الأفغانية مع تمدد «طالبان» هناك، يتطلب جبهة ومستقرة في المحور الشرقي، لا سيما في العراق.
وسيطرت حركة طالبان في أفغانستان، الأسبوع المنصرم، على مقاطعتين في ولاية بروان، التي تضم قاعدة «باغرام» الجوية، فضلاً عن معبر على الحدود الإيرانية.
وقال القيادي في تحالف «فتح»، إن «الفعاليات الشيعية الكبرى اتفقت على تثبيت الحد الأدنى من الهدنة إلى حين الانتخابات العراقية، لكن الأزمة تزداد تعقيداً بسبب الطريقة اللامركزية التي تعمل بها الفصائل».
ولا تعكس تصريحات القيادات الشيعية الواقع الفعلي في الميدان، فرغم الاتفاق على وقف التصعيد، فإن لا مؤشرات أكيدة على وقف الهجمات الصاروخية ضد البعثات الدبلوماسية والقواعد العسكرية في البلاد.
وتلعب ثلاثة عوامل أساسية في رسم سياسة «الفوضى الخلاقة» لمنظومة الفصائل، يتمثل الأول بالخلايا الشيعية الناشئة، التي تعمل مع قادة الفصائل التقليدية دون اتصال مباشر مع الإيرانيين، وتنفذ عمليات خاصة أبرزها نقل الأسلحة وإطلاق الصواريخ.
وخلقت هذه العلاقة المستحدثة، دون وجود وسيط أو مشرف إيراني، مناخاً معقداً من التراتبية الشيعية داخل الحشد الشعبي، ومنحت لتلك الفصائل هامشاً واسعاً من الحركة والمناورة.
لكن الزيارات الإيرانية المتكررة لبغداد، والنقاشات التي تدور مراراً مع قادة الفصائل، غالباً ما تأتي على المخاوف من أن تكون تحركات الخلايا الفرعية بمعزل تام عن مسار الأحداث في المنطقة، والمصالح الإيرانية فيها.
العامل الثاني، الذي يفسّر التقاطع بين الفصائل بشأن العمل الميداني، هو أن قرار التصعيد ضد حكومة الكاظمي والولايات المتحدة لا يندرج ضمن رسالة واحدة، إذ تفصل استراتيجية الفصائل بين خصومتها مع الكاظمي وبين أجندة إخراج القوات الأميركية، ومنذ أسابيع كان التصعيد موجهاً ضد الأميركيين، لأن المزاج العام داخل الفصائل يتجه إلى التهدئة مع الكاظمي.
لكن العامل الثالث، ويبدو حاسماً في تغيير المعادلات الداخلية بين الفصائل، هو التنافس الشديد على النفوذ بشأن مَن يشغل فراغ أو مهدي المهندس، ويحصر الاتصالات الإيرانية بقنواته.
ويقول قيادي في «الحشد الشعبي»، إن «العلاقة بين زعامات الفصائل ليست كما تبدو للرأي العام، حيث التنافس الشديد الذي يصل في بعض الأحيان إلى المقاطعة بشكل نهائي». ويضيف: «قد يبدو كل شيء فوضوياً، لكنها الفوضى التي صنعت النفوذ في العراق».
ومع وصول إبراهيم رئيسي إلى السلطة في إيران، خلفاً للرئيس السابق حسن روحاني، فإن عدداً من الفصائل ترى في الرئيس الجديد فرصة أكبر لتعزيز النفوذ وتثبيت وضع «الحشد الشعبي» بذات الصيغة التي يعمل فيها الحرس الثوري الإيراني.
ولم يتسلم رئيسي بعد السلطة في طهران، لكن بعض الفصائل لا سيما التي أنشأت خلايا مسلحة فرعية تريد تقديم نموذج عمل ميداني يتبناه الرئيس الإيراني الجديد، الذي سيأتي لملف العراق بنفوذ غير مسبوق من المرشد الأعلى علي خامنئي.
ويقول القيادي في «الحشد الشعبي» إن «فرضية التدهور الميداني في العراق، وخروج الأمور تماماً مرتبط تحديداً بهذه العوامل التي ترسم ملامح منظومة العمل داخل الفصائل».
وفي المجمل، فإن الفصائل التي تعتمد التصعيد ضد الحكومة أو المصالح الأميركية تعكس تحولاً جوهرياً لم يكن بارزاً أيام حكومة عادل عبد المهدي، يمثل تمهيداً ميدانياً لفرض واقع جديد على المعادلة الأمنية والسياسية في العراق.



تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
TT
20

تجدد القتال في «سول»... هل يفاقم الصراع بين «أرض الصومال» و«بونتلاند»؟

رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)
رئيس أرض الصومال المُنتخب عبد الرحمن محمد عبد الله عرو (وكالة الأنباء الصومالية)

تجدد القتال في «إقليم سول» يُحيي نزاعاً يعود عمره لأكثر من عقدين بين إقليمي «أرض الصومال» الانفصالي و«بونتلاند»، وسط مخاوف من تفاقم الصراع بين الجانبين؛ ما يزيد من تعقيدات منطقة القرن الأفريقي.

وبادر رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن عرو، بالتعهد بـ«الدفاع عن الإقليم بيد ويد أخرى تحمل السلام»، وهو ما يراه خبراء في الشأن الأفريقي، لن يحمل فرصاً قريبة لإنهاء الأزمة، وسط توقعات بتفاقم النزاع، خصوصاً مع عدم وجود «نية حسنة»، وتشكك الأطراف في بعضها، وإصرار كل طرف على أحقيته بالسيطرة على الإقليم.

وأدان «عرو» القتال الذي اندلع، يوم الجمعة الماضي، بين قوات إدارتي أرض الصومال وإدارة خاتمة في منطقة بوقداركاين بإقليم سول، قائلاً: «نأسف للهجوم العدواني على منطقة سلمية، وسنعمل على الدفاع عن أرض الصومال بيد، بينما نسعى لتحقيق السلام بيد أخرى»، حسبما أورده موقع الصومال الجديد الإخباري، الأحد.

وجاءت تصريحات «عرو» بعد «معارك عنيفة تجددت بين الجانبين اللذين لهما تاريخ طويل من الصراع في المنطقة، حيث تبادلا الاتهامات حول الجهة التي بدأت القتال»، وفق المصدر نفسه.

ويعيد القتال الحالي سنوات طويلة من النزاع، آخرها في فبراير (شباط) 2023، عقب اندلاع قتال عنيف بين قوات إدارتي أرض الصومال وخاتمة في منطقة «بسيق»، وفي سبتمبر (أيلول) من العام نفسه، نشرت إدارة أرض الصومال مزيداً من قواتها على خط المواجهة الشرقي لإقليم سول، بعد توتر بين قوات ولايتي بونتلاند وأرض الصومال في «سول» في أغسطس (آب) 2022.

كما أودت اشتباكات في عام 2018 في الإقليم نفسه، بحياة عشرات الضحايا والمصابين والمشردين، قبل أن يتوصل المتنازعان لاتفاق أواخر العام لوقف إطلاق النار، وسط تأكيد ولاية بونتلاند على عزمها استعادة أراضيها التي تحتلها أرض الصومال بالإقليم.

ويوضح المحلل السياسي الصومالي، عبد الولي جامع بري، أن «النزاع في إقليم سول بين أرض الصومال وبونتلاند يعود إلى عام 2002، مع تصاعد الاشتباكات في 2007 عندما سيطرت أرض الصومال على لاسعانود (عاصمة الإقليم)»، لافتاً إلى أنه «في فبراير (شباط) 2023، تفاقم القتال بعد رفض زعماء العشائر المحلية حكم أرض الصومال، وسعيهم للانضمام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية؛ ما أدى إلى مئات القتلى، ونزوح أكثر من 185 ألف شخص».

ويرى الأكاديمي المختص في منطقة القرن الأفريقي، الدكتور علي محمود كلني، أن «الحرب المتجددة في منطقة سول والمناطق المحيطة بها هي جزء من الصراعات الصومالية، خصوصاً الصراع بين شعب إدارة خاتمة الجديدة، وإدارة أرض الصومال، ولا يوجد حتى الآن حل لسبب الصراع في المقام الأول»، لافتاً إلى أن «الكثير من الدماء والعنف السيئ الذي مارسه أهل خاتمة ضد إدارة هرجيسا وجميع الأشخاص الذين ينحدرون منها لا يزال عائقاً أمام الحل».

ولم تكن دعوة «عرو» للسلام هي الأولى؛ إذ كانت خياراً له منذ ترشحه قبل شهور للرئاسة، وقال في تصريحات نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي إن «سكان أرض الصومال وإقليم سول إخوة، ويجب حل الخلافات القائمة على مائدة المفاوضات».

وسبق أن دعا شركاء الصومال الدوليون عقب تصعيد 2023، جميع الأطراف لاتفاق لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار، ووقتها أكد رئيس أرض الصومال الأسبق، موسى بيحي عبدي، أن جيشه لن يغادر إقليم سول، مؤكداً أن إدارته مستعدة للتعامل مع أي موقف بطريقة أخوية لاستعادة السلام في المنطقة.

كما أطلقت إدارة خاتمة التي تشكلت في عام 2012، دعوة في 2016، إلى تسوية الخلافات القائمة في إقليم سول، وسط اتهامات متواصلة من بونتلاند لأرض الصومال بتأجيج الصراعات في إقليم سول.

ويرى بري أن «التصعيد الحالي يزيد من التوترات في المنطقة رغم جهود الوساطة من إثيوبيا وقطر وتركيا ودول غربية»، لافتاً إلى أن «زعماء العشائر يتعهدون عادة بالدفاع عن الإقليم مع التمسك بالسلام، لكن نجاح المفاوضات يعتمد على استعداد الأطراف للحوار، والتوصل إلى حلول توافقية».

وباعتقاد كلني، فإنه «إذا اشتدت هذه المواجهات ولم يتم التوصل إلى حل فوري، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث اشتباك بين قوات إدارتي أرض الصومال وبونتلاند، الذين يشككون بالفعل في بعضهم البعض، ولديهم العديد من الاتهامات المتبادلة، وسيشتد الصراع بين الجانبين في منطقة سناغ التي تحكمها الإدارتان، حيث يوجد العديد من القبائل المنحدرين من كلا الجانبين».

ويستدرك: «لكن قد يكون من الممكن الذهاب إلى جانب السلام والمحادثات المفتوحة، مع تقديم رئيس أرض الصومال عدداً من المناشدات من أجل إنهاء الأزمة»، لافتاً إلى أن تلك الدعوة تواجَه بتشكيك حالياً من الجانب الآخر، ولكن لا بديل عنها.