أهالي دمشق «يلجأون» إلى شوارعها هرباً من الحرارة

انقطاع الكهرباء يزيد معاناة سكان العاصمة

TT

أهالي دمشق «يلجأون» إلى شوارعها هرباً من الحرارة

مع تزايد أزمة انقطاع التيار الكهربائي في العاصمة السورية دمشق وريفها، وترافقها مع ارتفاع كبير في درجات الحرارة، وجدت أغلبية الأهالي في الشوارع والحدائق العامة ملاذاً يخفف عنها أول موجة حر تضرب البلاد في هذا العام.
وتضرب مناطق دمشق وريفها، منذ بداية الأسبوع الماضي، موجة حر عالية، هي الأولى من نوعها خلال فصل الصيف الحالي، وترافقت مع تزايد ساعات انقطاع التيار الكهربائي، في إطار ما تسميه الحكومة «برنامج التقنين» الذي اعتمدته، والقائم على قطعها لساعات محددة ووصلها لساعات محددة أيضاً، وذلك بعدما استنزفت الحرب المستمرة منذ منتصف مارس (آذار) 2011 الكثير من محطات توليد الكهرباء وأنابيب الغاز ومنشآت نفطية.
وبعدما كان «برنامج التقنين» في دمشق، خلال السنوات الماضية، يقوم على قطع الكهرباء لثلاث ساعات ووصلها لساعتين أو ثلاث ساعات، مع استثناءات لبعض المناطق الراقية في وسط العاصمة، التي تكون فيها عملية القطع أقل من ذلك بكثير، ومع حدوث تراجع في الاستثناءات التي كانت تمنح لتلك المناطق الراقية في دمشق، التي يقطنها المسؤولون وكبار التجار، يلاحظ حالياً عدم وجود «برنامج تقنين» محدد في أغلب أحياء دمشق ومحيطها، مع انقطاع الكهرباء عنها لست ساعات متواصلة، وأحياناً لـ8 ساعات، وبعضها لـ10 ساعات، ومن ثم وصلها لنصف ساعة أو ساعة واحدة في أحسن الأحوال، تتخللها انقطاعات عدة، تمتد الواحدة منها ما بين 10 و15 دقيقة.
وفي ظل هذه الحال، يلاحظ تزايد كثافة المارة في شوارع دمشق الرئيسية والفرعية في فترة ما بعد الظهر، واكتظاظ الحدائق العامة بالأهالي حتى ساعات متأخرة من الليل.
وتؤكد سيدة كانت وأولادها الثلاثة تجلس في إحدى الحدائق شمال العاصمة لـ«الشرق الأوسط»، أنها تقضي معظم الوقت مع أطفالها في الحديقة. وتضيف: «اختنقنا. البيوت ما بينقعد (يُجلس) فيها، نار وملهبة حراقي، هون أحسن، على الأقل في (يوجد) شوية هوا والأولاد بتلعب».
وبينما كان الأولاد يأكلون قطعاً من الخبز «الحاف»، تتابع السيدة: «ما بكفينا الغلاء، كمان (أيضاً) ما في (لا يوجد) كهربا، وحتى لو في كهربا ما عنا (لا يوجد) مراوح، أسعارها غالية»، وتلفت إلى أن الحياة تزداد صعوبة يوماً بعد يوم والعيشة صارت ما بتنطاق».
ومع موجات ارتفاع أسعار المستلزمات المنزلية كافة خلال سنوات الحرب التي تشهدها سوريا، وصل سعر مروحة صغيرة إلى أكثر من 150 ألف ليرة سورية (الدولار الأميركي يساوي حالياً ما يقارب 3150 ليرة، بعدما كان قبل عام 2011 ما بين 45 و50 ليرة)، في حين يصل سعر المكيف ذي النوعية المتوسطة إلى أكثر من مليون ونصف المليون ليرة.
«م. س»، وهو موظف في شركة خاصة، يوضح لـ«الشرق الأوسط» وهو يسير مع عائلته مساءً على رصيف طريق رئيسية في حي غرب دمشق، أنه بالنسبة لمسألة «الشوب» (الحر) في فترة العمل في الشركة، فإنها «أهون من المنزل، لأن الشركة لديها مولدات كهربائية ويجري تشغيل المكيفات والمراوح». لكن زوجته وأولاده في المنزل يعانون كثيراً من مسألة «الشوب»، لعدم تمكنهم من تشغيل المراوح بسبب الانقطاع «شبه التام» للكهرباء. ويقول: «عندما أعود، بيكون البيت متل الحمام، والأولاد يتصبب منهم العرق». ويضيف: «مع ساعات المساء نخرج إلى الشارع حتى نروح عن أنفسنا وتتنفس العائلة».
وسط هذه الحال، يسود أحياء دمشق ظلام دامس معظم فترة الليل، بينما تتحول الأحياء المحيطة بها إلى مناطق «أشباح»، إذ تكاد تخلو الطرقات من المارة، وتغلق الكثير من المحال التجارية بسبب عدم توفر الوقود اللازم لتشغيل مولدات كهربائية، وارتفاع سعره بشكل كبير في السوق السوداء.
وتشكو أغلبية أصحاب المحال التجارية في دمشق من أن طول فترة انقطاع التيار الكهربائي أثر على عملهم وتسبب لهم بخسائر كبيرة. وشهدت «الشرق الأوسط» عمليات إتلاف مواد غذائية تحتاج إلى تبريد متواصل (لحوم، وأسماك، وفراريج مذبوحة، وألبان، وأجبان) في الكثير من المحال في وسط العاصمة والأحياء المحيطة بها.
ووسط أزمة خانقة في توفر الغاز المنزلي، والانقطاع شبه التام للتيار الكهربائي، باتت أغلبية الأسر تفتقر لوسائل الطهي، كونها أصبحت تعتمد بشكل رئيسي على أجهزة الطهي الكهربائية. وتقول سيدة لـ«الشرق الأوسط»: «الناس صارت تشتهي الشاي، والماء البارد، وحتى الماء بكل أشكاله، لأن شفاط المياه لا يعمل دون كهرباء». فيما تشكو أخرى «من نفاد الطاقة من شواحن الإنارة وأجهزة الهاتف النقال».
ويتفاقم تدهور الوضع الاقتصادي، وأزمة توفر الوقود (بنزين، ومازوت، وغاز منزلي، وفيول) التي تعاني منها مناطق سيطرة الحكومة بسبب سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية - العربية على أغلب آبار النفط والغاز في شمال وشمال شرقي البلاد، والعقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية أخرى على دمشق.
وعزا وزير الكهرباء غسان الزامل، مؤخراً، في تصريح لوسائل إعلام محلية، زيادة عدد ساعات التقنين إلى النقص في مادتي الغاز والفيول، وهو ما يعود إلى «ظروف خارجية قاسية جداً من الحصار الاقتصادي، أو قِدم التجهيزات».
وذكر الزامل أن أعمال الصيانة مستمرة بعد تأمين التمويل اللازم لذلك، وأن ذلك أدى إلى زيادة ساعات التقنين، وأشار إلى «تأمين كميات لا بأس بها من مادة الغاز، وهو ما سينعكس بشكل إيجابي على وضع التقنين»، ووعد بـ«انفراج قادم على صعيد تحسن وضع الكهرباء، وتوجد برامج عمل مستمرة، ونحن نعمل ضمن الإمكانات الموجودة».
وكان الزامل تحدث أمام مجلس الشعب في بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عن «المعاناة الكبيرة» في تأمين الغاز والفيول لتشغيل محطات توليد الكهرباء، حيث «يصل للمحطات حالياً ما بين 9 و10 ملايين متر مكعب من الغاز، بينما الحاجة الفعلية هي نحو 18 مليون متر مكعب، إضافة إلى الفيول الذي يصل حالياً منه ما بين 5 و6 ملايين متر مكعب يومياً، بينما تحتاج المحطات إلى 10 ملايين متر مكعب يومياً».
وتلقى قطاع الكهرباء في سوريا خلال سنوات الحرب ضربات كثيرة، كان أقواها في 24 أغسطس (آب) الماضي، حين تسبب انفجار استهدف خط الغاز العربي، بين منطقة الضمير وعدرا في ريف دمشق، بانقطاع الكهرباء في أنحاء البلاد كافة.
وأوضح وزير الكهرباء في حكومة تسيير الأعمال في ذلك الوقت، محمد زهير خربوطلي، أن الانفجار هو «السادس من نوعه الذي يتعرض له الخط في المنطقة نفسها».
ويرى الكثير من الأهالي أن الحكومة قد تقدم في المرحلة المقبلة على رفع الدعم عن الكهرباء وزيادة سعر بيع الكيلوواط للمشتركين، للأغراض المنزلية والصناعية والتجارية، بعد تواصل ارتفاع أسعار البنزين والمازوت والخبز والفيول.
وذكر وزير المالية كنان ياغي، أواخر العام الماضي، أن رفع الدعم عن الكهرباء مرة واحدة سيؤدي إلى رفع التعرفة إلى 50 ألف ليرة في حال كان الاستهلاك الوسطي 500 كيلوواط/ساعة، مؤكداً أنه لا يمكن حالياً تحويل الدعم كاملاً إلى مبلغ نقدي وتوزيعه على المواطنين.
وبعدما كانت تلبية الطلب على الكهرباء في سوريا عند مستوى 97 في المائة قبل عام 2011، انخفضت إلى مستويات غير مسبوقة خلال سنوات الحرب، حيث تشير بيانات رسمية إلى بلوغها أقل من 27 في المائة بسبب محدودية مادتي الفيول والغاز.
ووفق البيانات الرسمية، كان إنتاج محطات توليد الكهرباء في سوريا يبلغ نحو 8 آلاف ميغاواط يومياً قبل اندلاع الحرب، وكانت تمتلك فائضاً من إنتاج الكهرباء تقوم بتصديره إلى دول الجوار، في حين انخفض الإنتاج حالياً إلى ما بين 1500 وألفي ميغاواط يومياً.
وبحسب الخبراء، كانت سوريا ما قبل الحرب تتصدر دول منطقة الشرق الأوسط في مجال القطاع الكهربائي مقارنة بمساحة البلاد وعدد السكان، حيث كانت تمتلك 9707 محطات توليد، وكان نتاجها الأبرز يأتي من محطات حلب الحرارية الأضخم في البلاد.
وقدرت وزارة الكهرباء، أواخر عام 2019، خسائر قطاع الكهرباء بما لا يقل عن 4 مليارات دولار منذ عام 2011. وقالت في تقرير مصور على صفحتها في «فيسبوك»، إن «70 في المائة من محطات التحويل وخطوط نقل الفيول متوقفة نتيجة الأعمال الإرهابية».



البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
TT

البشرية من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي

نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)
نظام مراقبة يستخدم الذكاء الاصطناعي للتعرف على الوجوه (غيتي)

على مدار السنوات الـ25 الماضية، تسارعت وتيرة الابتكار التكنولوجي بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تحول المجتمعات في جميع أنحاء العالم. تاريخياً، استغرقت التقنيات مثل الكهرباء والهاتف عقوداً للوصول إلى 25 في المائة من الأسر الأميركية - 46 و35 عاماً على التوالي. على النقيض من ذلك تماماً، حقّق الإنترنت ذلك في 7 سنوات فقط.

اكتسبت منصات مثل «فيسبوك» 50 مليون مستخدم في عامين، وأعادت «نتفليكس» تعريف استهلاك الوسائط بسرعة، وجذب «شات جي بي تي» أكثر من مليون مستخدم في 5 أيام فقط. يؤكد هذا التقَبّل السريع للتقدم التكنولوجي والتحول المجتمعي وأثره في تبني الابتكار.

قادت هذه الموجة شركة «غوغل»، وهي شركة ناشئة تأسست في مرآب. في عام 1998، قدمت «غوغل» خوارزمية «بيچ رانك»، ما أحدث ثورة في تنظيم المعلومات على الويب. على عكس محركات البحث التقليدية التي تركز على تكرار الكلمات الرئيسية، عملت خوارزمية «بيچ رانك» على تقييم أهمية الصفحة من خلال تحليل الارتباطات التبادلية، ومعاملة الروابط التشعبية على أنها أصوات ثقة واستيعاب الحكمة الجماعية للإنترنت. أصبح العثور على المعلومات ذات الصلة أسرع وأكثر سهولة، ما جعل محرك البحث «غوغل» لا غنى عنه على مستوى العالم.

تحوّل «نتفليكس»

في خضم ثورة البيانات، ظهر نموذج جديد للحوسبة: التعلم الآلي. بدأ المطورون في إنشاء خوارزميات تتعلم من البيانات وتتحسن بمرور الوقت، مبتعدين عن البرمجة الصريحة. جسّدت «نتفليكس» هذا التحول بجائزتها البالغة مليون دولار لعام 2006 لتحسين خوارزمية التوصية خاصتها بنسبة 10 في المائة. في عام 2009، نجحت خوارزمية «براغماتيك كايوس» لشركة «بيلكور» في استخدام التعلم الآلي المتقدم، ما يسلّط الضوء على قوة الخوارزميات التكيفية.

ثم توغل الباحثون في مجال التعلم العميق، وهو مجموعة متفرعة عن التعلم الآلي تتضمن خوارزميات تتعلم من بيانات ضخمة غير منظمة. في عام 2011، أظهر نظام «واتسون» الحاسوبي من شركة «آي بي إم» قوة التعلم العميق في لعبة «چيوباردي»! في منافسة ضد البطلين «براد روتر» و«كين جينينغز»، أظهر «واتسون» القدرة على فهم الفروق الدقيقة في اللغة المعقدة، والتورية، والألغاز، مما يحقق النصر. أفسح هذا العرض المهم لمعالجة اللغة بالذكاء الاصطناعي المجال أمام العديد من تطبيقات معالجة اللغة الطبيعية.

في عام 2016، حقق برنامج «ألفاغو» الحاسوبي من شركة «غوغل ديب مايند» إنجازاً تاريخياً بهزيمة «لي سيدول» بطل العالم في لعبة «غو». كانت لعبة «غو»، المعروفة بمعقداتها وتفكيرها الحدسي، خارج نطاق الذكاء الاصطناعي. أدهش فوز «ألفاغو» العالم بأسره، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكنه معالجة المشكلات التي تتطلب التفكير الاستراتيجي من خلال الشبكات العصبية.

ثورة تجارة التجزئة

مع ازدياد قدرات الذكاء الاصطناعي، بدأت الشركات في دمج هذه التقنيات لإحداث الابتكار. أحدثت «أمازون» ثورة في تجارة التجزئة عبر الاستفادة من الذكاء الاصطناعي للتسوق الشخصي. من خلال تحليل عادات العملاء، أوصت خوارزميات «أمازون» بالمنتجات بدقة، ويسّرت الخدمات اللوجيستية، وحسّنت المخزون. وصار التخصيص حجر الزاوية في نجاح «أمازون»، مما وضع توقعات جديدة لخدمة العملاء.

في قطاع السيارات، قادت شركة «تسلا» عملية دمج الذكاء الاصطناعي في المنتجات الاستهلاكية. من خلال «أوتوبايلوت»، قدمت «تسلا» لمحة عن مستقبل النقل. في البداية، استخدم «أوتوبايلوت» الذكاء الاصطناعي لمعالجة البيانات من الكاميرات وأجهزة الاستشعار، مما يتيح التحكم التكيفي في السرعة، ومَرْكَزَة المسار، ومواقف السيارات الذاتية. بحلول عام 2024، سمح نظام القيادة الذاتية الكاملة (FSD) للسيارات بالتنقل مع تدخل بشري طفيف. أعادت تلك الوثبة تعريف القيادة وعجلت بالجهود الرامية لتطوير السيارات ذاتية القيادة مثل «وايمو».

كما شهد قطاع الرعاية الصحية التأثير التحويلي للذكاء الاصطناعي، إذ طوّر الباحثون خوارزميات تكتشف الأنماط في بيانات التصوير غير المُدرَكة للبشر. على سبيل المثال، حلّل نظام الذكاء الاصطناعي صور الثدي بالأشعة السينية للتعرف على التغيرات الدقيقة التي تتنبأ بالسرطان، مما يتيح تدخلات مبكرة وربما إنقاذ الأرواح.

في عام 2020، حقق برنامج «ألفافولد» من شركة «ديب مايند» إنجازاً تاريخياً: التنبؤ الدقيق بهياكل البروتين من تسلسلات الأحماض الأمينية - وهو تحدٍّ أربك العلماء لعقود. يعد فهم انْثِناء البروتين أمراً بالغ الأهمية لاكتشاف الأدوية وأبحاث الأمراض. تستفيد مختبرات «أيسومورفيك لابس» التابعة لشركة «ديب مايند»، من أحدث نماذج «ألفافولد» وتتعاون مع شركات الأدوية الكبرى لتسريع الأبحاث الطبية الحيوية، مما قد يؤدي إلى علاجات جديدة بوتيرة غير مسبوقة.

سرعان ما تبنى قطاع التمويل ابتكارات الذكاء الاصطناعي. نفذت شركة «باي بال» خوارزميات متقدمة للكشف عن الاحتيال ومنعه في الوقت الفعلي، مما يزيد من الثقة في المدفوعات الرقمية. استخدمت شركات التداول عالية التردد خوارزميات لتنفيذ الصفقات في أجزاء من الثانية. واستخدمت شركات مثل «رينيسانس تكنولوجيز» التعلم الآلي في استراتيجيات التداول، محققة عوائد رائعة. أصبح التداول الخوارزمي الآن يمثل جزءاً كبيراً من حجم التداول، مما يزيد من الكفاءة لكنه يُثير مخاوف بشأن استقرار السوق، كما هو الحال في انهيار عام 2010.

في عام 2014، طوّر إيان غودفيلو وزملاؤه الشبكات التنافسية التوليدية (GANs)، التي تتكون من شبكتين عصبيتين - المُولّد والمميّز - تتنافسان ضد بعضهما. مكّنت هذه الديناميكية من إنشاء بيانات اصطناعية واقعية للغاية، بما في ذلك الصور ومقاطع الفيديو. لقد أنتجت الشبكات التنافسية التوليدية وجوهاً بشرية واقعية، وأنشأت أعمالاً فنية، وساعدت في التصوير الطبي من خلال إنتاج بيانات اصطناعية للتدريب، مما يعزز قوة نماذج التشخيص.

في عام 2017، قدمت هيكليات المحولات «ترانسفورمر» تحولاً كبيراً في منهجية الذكاء الاصطناعي، مما غيّر بشكل جذري من معالجة اللغة الطبيعية. ابتعدت «ترانسفورمر» عن الشبكات العصبية التكرارية والالتفافية التقليدية. وتعتمد كلياً على آليات الانتباه لالتقاط التبعيات العالمية، مما يسمح بالتعامد الفعال ومعالجة السياقات المطولة.

روبوت يعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي (أ.ف.ب)

نص بشري يكتبه روبوت

بناء على ذلك، طوّرت شركة «أوبن إيه آي» سلسلة «المحول المُولّد المدرب مسبقاً» (GPT)، وأظهر «جي بي تي – 3»، الصادر عام 2020، قدرات غير مسبوقة في توليد نص يشبه النص البشري مع فهم السياق. على عكس النماذج السابقة التي تتطلب تدريباً محدداً للمهمة، يمكن لـ«جي بي تي – 3» أداء مجموعة واسعة من مهام اللغة مع الحد الأدنى من الضبط الدقيق، مما يُظهر قوة التدريب المسبق غير الخاضع للإشراف على نطاق واسع والتعلم قليل اللقطات. بدأت الشركات في دمج نماذج «جي بي تي» في التطبيقات من إنشاء المحتوى وتوليد التعليمات البرمجية إلى خدمة العملاء. حالياً، تتسابق العديد من النماذج لتحقيق «الذكاء الاصطناعي العام» (AGI) الذي يفهم، ويفسر، ويخلق محتوى متفوقاً على البشر.

الرحلة من الخوارزميات إلى الذكاء الاصطناعي على مدار السنوات الـ25 الماضية هي شهادة على الفضول البشري، والإبداع، والسعي الدؤوب نحو التقدم. لقد انتقلنا من الخوارزميات الأساسية إلى أنظمة الذكاء الاصطناعي المتطورة التي تفهم اللغة، وتفسر البيانات المعقدة، وتُظهر الإبداع. أدى النمو الهائل في قوة الحوسبة، والبيانات الضخمة، والاختراقات في مجال التعلم الآلي إلى تسريع تطوير الذكاء الاصطناعي بوتيرة لا يمكن تصورها.

بالتطلع إلى المستقبل، يشكل التنبؤ بالـ25 عاماً المقبلة تحدياً كبيراً. ومع تقدم الذكاء الاصطناعي، قد يفتح المجال أمام حلول للتحديات التي نعتبرها مستعصية اليوم - من علاج الأمراض، وحل مشاكل الطاقة، إلى التخفيف من تغير المناخ، واستكشاف الفضاء العميق.

إن إمكانات الذكاء الاصطناعي في إحداث ثورة في كل جانب من جوانب حياتنا هائلة. ورغم أن المسار الدقيق غير مؤكد، فإن اندماج إبداع الإنسان والذكاء الاصطناعي يعد بمستقبل غني بالإمكانات. ويتساءل المرء متى وأين قد تظهر شركة «غوغل» أو «أوبن إيه آي» التالية، وما الخير الكبير الذي قد تجلبه للعالم؟