الميليشيات العراقية تضع «ضوابط» لاستهداف السفارة الأميركية

الأعرجي مجتمعاً مع الجنرال ريغارد والوفد المرافق في بغداد أمس (واع)
الأعرجي مجتمعاً مع الجنرال ريغارد والوفد المرافق في بغداد أمس (واع)
TT

الميليشيات العراقية تضع «ضوابط» لاستهداف السفارة الأميركية

الأعرجي مجتمعاً مع الجنرال ريغارد والوفد المرافق في بغداد أمس (واع)
الأعرجي مجتمعاً مع الجنرال ريغارد والوفد المرافق في بغداد أمس (واع)

في سياق الحرب المفتوحة التي أعلنتها مؤخراً الفصائل العراقية المسلحة القريبة من إيران التي حملت عنوان: «تنسيقية المقاومة الإسلامية» ضد الوجود الأميركي في العراق، وضعت هذه الفصائل ما يمكن عدّها ضوابط، لا سيما فيما يتعلق بقصف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة العراقية بغداد، والتي طالتها صواريخ أمس (الخميس).
وفي الوقت الذي أكد فيه الأمين العام لـ«عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أن السفارة الأميركية لم تدخل حتى الآن ضمن معادلة الرد، فإن الناطق باسم «كتائب سيد الشهداء» أعلن من جهته أن هناك فرقاً بين السفارة والثكنة العسكرية التي تقع بالقرب منها. وبعد ساعات من سقوط 14 صاروخاً على قاعدة «عين الأسد» في محافظة الأنبار غرب العراق أول من أمس (الأربعاء)، سقطت 3 صواريخ «كاتيوشا» فجر أمس على مناطق داخل «الخضراء» بالقرب من السفارة الأميركية.
وطبق بيان لـ«خلية الإعلام الأمني»، فإن «مجموعة خارجة عن القانون قامت باستهداف المنطقة الخضراء في بغداد بثلاثة صواريخ (كاتيوشا)». وأضاف: «الصاروخ الأول سقط بالقرب من مقر جهاز الأمن الوطني، فيما سقط الثاني في ساحة الاحتفالات الكبرى، بينما سقط الثالث في منطقة الشيخ عمر السكنية». وأكد البيان أن «هذه الأعمال سوف تواجه بقوة من قبل الأجهزة الأمنية التي ستتابع استخبارياً وأمنياً من قام بها». وفي سياق الاختلاف بين استهداف السفارة الأميركية والمواقع الأخرى، أكد الخزعلي في تدوينة على «تويتر» أنه «من أجل عدم خلط الأوراق ممن يريد خلطها، بالنسبة إلى (الهيئة التنسيقية لفصائل المقاومة) إلى الآن، لم تدخل السفارة الأميركية ضمن معادلة الرد، مع ملاحظة أنها إذا دخلت؛ فإن فصائل المقاومة لن تستعمل صواريخ (كاتيوشا) المعروفة بعدم إصابتها الدقيقة لأهداف تقع بجوارها مناطق سكنية، خصوصاً مع وجود أسلحة دقيقة الإصابة كما أثبتت الأيام التي مضت».
لكن «كتائب سيد الشهداء» أعلنت من جهتها عن «وجود قرار يخص السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء وسط العاصمة بغداد، وموضوع استهدافها من عدمه عبر إجماع لـ(التنسيقية)». وقال المتحدث باسم «كتائب سيد الشهداء»، كاظم الفرطوسي، في تصريح أمس (الخميس)، إن «هناك فرقاً كبيراً بين السفارة الأميركية والثكنة العسكرية، فاستهداف السفارات ممنوع عبر اجتماع لـ(تنسيقية المقاومة)، وليس لأي طرف ضمن (التنسيقية) يمكن أن يتمرد على هذا القرار»، مستدركاً أن «الثكنات العسكرية التي قد تكون جزءاً من أجزاء السفارة الأميركية، فليس هناك أي منع لاستهدافها». وبيّن الفرطوسي أن «المقاومة حق للشعب، وهذا الحق لا يمكن حصره بفصائل المقاومة أو بـ(تنسيقية المقاومة). فعندما تتحدث (التنسيقية) فهي لسان حال فصائل محددة معلومة بالاسم والوصف، كما أن (التنسيقية) لن تمنع أو تحجب أي عمل قد تقوم به مجموعة هنا وهناك»، قائلاً: «ليس لفصائل المقاومة أي سلطة على الآخرين».
إلى ذلك؛ أعلن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية أن «القصف الذي استهدف السفارة الأميركية في المنطقة الخضراء ببغداد من شأنه أن يقوض سلطة المؤسسات ويعرض حياة المواطنين للخطر». وقال واين ماروتو، الناطق باسم التحالف، في تدوينة على «تويتر» إن «كل هجوم ضد الحكومة العراقية وإقليم كردستان والتحالف الدولي يقوض سلطة المؤسسات العراقية وسيادة القانون والسيادة الوطنية العراقية». وأشار إلى أن «هذه الهجمات تعرض حياة المدنيين العراقيين والقوات الشريكة للخطر».
وبالتزامن مع استمرار الهجمات على المواقع الأميركية في العراق، يزور العراق حالياً نائب قائد التحالف الدولي في العراق، بيل ريغارد، الذي التقى مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، في بغداد أمس. وطبقاً لبيان عن مستشارية الأمن القومي، فإن اللقاء تناول الأوضاع الأمنية في البلاد.
- إدانة فرنسية
وفي المواقف الدولية، نددت فرنسا أمس «بأشد العبارات» بالهجمات المتزايدة في بغداد، خصوصاً التي تستهدف المصالح الأميركية، مُدينة «الأعمال المزعزعة للاستقرار».
وقالت وزارة الخارجية الفرنسية، في بيان، إن «مضاعفة الهجمات ضد المواقع الدبلوماسية وقواعد التحالف الدولي المناهض لـ(داعش)؛ (تنظيم الدولة الإسلامية)، أمر غير مقبول». وأضافت: «في مواجهة هذه الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوض أمن جميع العراقيين، تذكّر فرنسا بتمسكها بسيادة العراق واستقرار إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي».



الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
TT

الاقتصاد اليمني في مواجهة انهيارات كارثية وشيكة

طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)
طفل يمني يعاني من سوء التغذية وتتوقع وكالة أممية تفاقم الوضع الإنساني خلال الأشهر المقبلة (الأمم المتحدة)

يتضاعف خطر انعدام الأمن الغذائي في اليمن بعد تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، بفعل الحرب الحوثية على الموارد الرئيسية للبلاد، وتوسيع دائرة الصراع إلى خارج الحدود، في حين تتزايد الدعوات إلى اللجوء للتنمية المستدامة، والبحث عن حلول من الداخل.

وبينما تتوالي التحذيرات من تعاظم احتياجات السكان إلى المساعدات الإنسانية خلال الأشهر المقبلة، تواجه الحكومة اليمنية تحديات صعبة في إدارة الأمن الغذائي، وتوفير الخدمات للسكان في مناطق سيطرتها، خصوصاً بعد تراجع المساعدات الإغاثية الدولية والأممية خلال الأشهر الماضية، ما زاد من التعقيدات التي تعاني منها بفعل توقف عدد من الموارد التي كانت تعتمد عليها في سد الكثير من الفجوات الغذائية والخدمية.

ورجحت شبكة الإنذار المبكر بالمجاعة حدوث ارتفاع في عدد المحتاجين إلى المساعدات الإنسانية في اليمن في ظل استمرار التدهور الاقتصادي في البلاد، حيث لا تزال العائلات تعاني من التأثيرات طويلة الأجل للصراع المطول، بما في ذلك الظروف الاقتصادية الكلية السيئة للغاية، بينما تستمر بيئة الأعمال في التآكل بسبب نقص العملة في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية، وانخفاض قيمة العملة والتضخم في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة.

وبحسب توقعات الأمن الغذائي خلال الستة أشهر المقبلة، فإنه وبفعل الظروف الاقتصادية السيئة، وانخفاض فرص كسب الدخل المحدودة، ستواجه ملايين العائلات، فجوات مستمرة في استهلاك الغذاء وحالة انعدام الأمن الغذائي الحاد واسعة النطاق على مستوى الأزمة (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي) أو حالة الطوارئ (المرحلة الرابعة) في مناطق نفوذ الحكومة الشرعية.

انهيار العملة المحلية أسهم مع تراجع المساعدات الإغاثية في تراجع الأمن الغذائي باليمن (البنك الدولي)

يشدد الأكاديمي محمد قحطان، أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، على ضرورة وجود إرادة سياسية حازمة لمواجهة أسباب الانهيار الاقتصادي وتهاوي العملة المحلية أمام العملات الأجنبية، منوهاً إلى أن عائدات صادرات النفط والغاز كانت تغطي 70 في المائة من الإنفاق العام في الموازنة العامة، وهو ما يؤكد أهميتها في تشغيل مؤسسات الدولة.

ويضيف قحطان في حديث خص به «الشرق الأوسط» أن وقف هذه الصادرات يضع الحكومة في حالة عجز عن الوفاء بالتزاماتها، بالتضافر مع أسباب أخرى منها الفساد والتسيب الوظيفي في أهم المؤسسات الحكومية، وعدم وصول إيرادات مؤسسات الدولة إلى البنك المركزي، والمضاربة بالعملات الأجنبية وتسريبها إلى الخارج، واستيراد مشتقات الوقود بدلاً من تكرير النفط داخلياً.

أدوات الإصلاح

طبقاً لخبراء اقتصاديين، تنذر الإخفاقات في إدارة الموارد السيادية ورفد خزينة الدولة بها، والفشل في إدارة أسعار صرف العملات الأجنبية، بآثار كارثية على سعر العملة المحلية، والتوجه إلى تمويل النفقات الحكومية من مصادر تضخمية مثل الإصدار النقدي.

توقف تصدير النفط يتسبب في عجز الحكومة اليمنية عن تلبية احتياجات السكان (البنك الدولي)

ويلفت الأكاديمي قحطان إلى أن استيراد مشتقات الوقود من الخارج لتغطية حاجة السوق اليمنية من دون مادة الأسفلت يكلف الدولة أكثر من 3.5 مليار دولار في السنة، بينما في حالة تكرير النفط المنتج محلياً سيتم توفير هذا المبلغ لدعم ميزان المدفوعات، وتوفير احتياجات البلاد من الأسفلت لتعبيد الطرقات عوض استيرادها، وأيضاً تحصيل إيرادات مقابل بيع الوقود داخلياً.

وسيتبع ذلك إمكانية إدارة البنك المركزي لتلك المبالغ لدعم العرض النقدي من العملات الأجنبية، ومواجهة الطلب بأريحية تامة دون ضغوط للطلب عليها، ولن يكون بحاجة إلى بيع دولارات لتغطية الرواتب، كما يحدث حالياً، وسيتمكن من سحب فائض السيولة النقدية، ما سيعيد للاقتصاد توازنه، وتتعافى العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية، وهو ما سيسهم في استعادة جزء من القدرة الشرائية المفقودة للسكان.

ودعا الحكومة إلى خفض نفقاتها الداخلية والخارجية ومواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية لإحداث تحول سريع من حالة الركود التضخمي إلى حالة الانتعاش الاقتصادي، ومواجهة البيئة الطاردة للاستثمارات ورجال الأعمال اليمنيين، مع الأهمية القصوى لعودة كل منتسبي الدولة للاستقرار داخل البلاد، وأداء مهاهم من مواقعهم.

الحكومة اليمنية تطالب المجتمع الدولي بالضغط على الحوثيين لوقف حصار تصدير النفط (سبأ)

ويؤكد مصدر حكومي يمني لـ«الشرق الأوسط» أن الحكومة باتت تدرك الأخطاء التي تراكمت خلال السنوات الماضية، مثل تسرب الكثير من أموال المساعدات الدولية والودائع السعودية في البنك المركزي إلى قنوات لإنتاج حلول مؤقتة، بدلاً من استثمارها في مشاريع للتنمية المستدامة، إلا أن معالجة تلك الأخطاء لم تعد سهلة حالياً.

الحل بالتنمية المستدامة

وفقاً للمصدر الذي فضل التحفظ على بياناته، لعدم امتلاكه صلاحية الحديث لوسائل الإعلام، فإن النقاشات الحكومية الحالية تبحث في كيفية الحصول على مساعدات خارجية جديدة لتحقيق تنمية مستدامة، بالشراكة وتحت إشراف الجهات الممولة، لضمان نجاح تلك المشروعات.

إلا أنه اعترف بصعوبة حدوث ذلك، وهو ما يدفع الحكومة إلى المطالبة بإلحاح للضغط من أجل تمكينها من الموارد الرئيسية، ومنها تصدير النفط.

واعترف المصدر أيضاً بصعوبة موافقة المجتمع الدولي على الضغط على الجماعة الحوثية لوقف حصارها المفروض على تصدير النفط، نظراً لتعنتها وشروطها صعبة التنفيذ من جهة، وإمكانية تصعيدها العسكري لفرض تلك الشروط في وقت يتوقع فيه حدوث تقدم في مشاورات السلام، من جهة ثانية.

تحذيرات من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد (أ.ف.ب)

وقدمت الحكومة اليمنية، أواخر الشهر الماضي، رؤية شاملة إلى البنك الدولي لإعادة هيكلة المشروعات القائمة لتتوافق مع الاحتياجات الراهنة، مطالبةً في الوقت ذاته بزيادة المخصصات المالية المخصصة للبلاد في الدورة الجديدة.

وكان البنك الدولي توقع في تقرير له هذا الشهر، انكماش إجمالي الناتج المحلي بنسبة واحد في المائة هذا العام، بعد انخفاضه بنسبة 2 في المائة العام الماضي، بما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي.

ويعاني أكثر من 60 في المائة من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي، وفقاً للبنك الدولي، بسبب استمرار الحصار الذي فرضته الجماعة الحوثية على صادرات النفط، ما أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة بنسبة 42 في المائة خلال النصف الأول من العام الحالي، وترتب على ذلك عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

وأبدى البنك قلقه من مآلات قاتمة لتداعيات الصراع الذي افتعلته الجماعة الحوثية في المياه المحيطة باليمن على الاقتصاد، وتفاقم الأزمات الاجتماعية والإنسانية.